القدس العربي
أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هي الأكثر سوءا نتيجة الانهيار المعيشي العام الذي يتعرض له البلد، ويواجه آلاف العمال من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أوضاعاً معيشية مزرية، نتيجة انتشار البطالة بينهم، ما يجعلهم من الفئات الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية المتلاحقة، وجعلت عددا كبيرا من الأسر الفلسطينية غير قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية، أضافة إلى تقصير وكالة «الأونروا» في القيام في مهامها وواجبتها كجهة مسؤولة عن تقديم الخدمات الإغاثية والخدماتية والصحية والتشغيلية ما جعلتهم عرضة للجوع والعوز والفقر الشديد.
وأثار ارتفاع نسب البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى أكثر من 90 في المئة، مخاوف المرجعيات والمنظمات الحقوقية الفلسطينية والأممية، التي أعربت عن قلقها من تداعيات هذه الحالة على حياة اللاجئين الفلسطينيين.
وإلى جانب المخاطر من ارتفاع نسبة الفقر والعوز والجريمة، والفلتان الأمني، فقد حذر الدكتور عزيز صافي أستاذ العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، من أن يؤدي ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل إلى تدفق المهاجرين عبر «قوارب الموت» إلى الدول الأوروبية.
وشدد د.صافي لـ«القدس العربي» على ضرورة إسراع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية في معالجة هذه القضية الإنسانية التي تشهد تفاقما غير مسبوق منذ النكبة الفلسطينية ونزوح اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان.
وبالمقارنة مع ارتفاع نسبة البطالة في صفوف اللبنانيين، لفت د.صافي، إلى أن اللبناني يعيش في وطنه وفي مساحات واسعة، وله من الأقارب والداعمين ما يجعله يعيش محافظا على حياته الكريمة ولو بالحد الأدنى، أما الفلسطيني فهو لاجئ محاصر ومطارد، ومضطهد ومحروم، ولديه من المآسي ما تجعله مؤهلا لارتكاب أي حماقة، مستدركا «أنا هنا لا أقصد جميع اللاجئين الفلسطينيين، فالمجتمعات كافة فيها الواعي وفيها الأحمق».
بدوره، أفاد الباحث الفلسطيني، فتحي كليب، أن نسب البطالة بين صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ارتفعت إلى أرقام قياسية قاربت 80 و 90 في المئة، تترجمها حالات الفقر والعوز بين جميع فئات المجتمع الفلسطيني التي باتت تعاني من أوضاع اقتصادية هي الأقسى والأصعب على الإطلاق.
وأضاف كليب «أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تعرضوا خلال وقت قصير إلى عدد من الأزمات السياسية والاقتصادية، وكل واحدة منها كانت كفيلة بأن تضع كل الشعب الفلسطيني أمام وضع اقتصادي يقترب من أكثر المجتمعات فقرا في العالم».
من جهتها، رصدت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» واقع اللاجئ الفلسطيني في ظل أزمة البطالة وتطورها خلال الفترة الأخيرة، وقد تطرقت إلى أسباب البطالة ومؤشراتها في المخيمات والتجمعات الفلسطينية ومدى ارتباطها بالأوضاع الحالية التي يعيشها لبنان.
واعتبرت المؤسسة في تقرير لها، اللجوء الفلسطيني في لبنان نموذجاً حياً لمعنى اللجوء القاسي، وأكدت على أن الظروف المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في مخيمات أقرب ما تكون لسجون كبيرة، حيث الاكتظاظ السكاني والبناء العشوائي والمنازل المتصدعة والبنى التحتية المهترئة، يضاف إلى ذلك أزمات تطال شتى مجالات الحياة من التعليم والصحة والبطالة.
وشددت المؤسسة الحقوقية التي تتخذ من بيروت مقرا لها، على أن البطالة تنتشر بشكل كبير بين عموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتصل إلى نسب قياسية تتراوح بين 80 و 85 في المئة من عموم السكان حيث إن وكالة «الأونروا» أعلنت وفق ما أجرته من مسح اجتماعي أن ثلثي اللاجئين تحت خط الفقر.
ولاحظت «شاهد» من خلال فريق البحث الميداني وما أجرته من مقابلات مع بعض اللاجئين ان نسبة البطالة في ازدياد وأنها باتت واضحة بشكل كبير بين عموم اللاجئين وقد تجلى لنا ذلك من خلال المظاهر الصباحية للمقاهي في المخيمات التي تكون مكتظة بالشباب.
ويقول اللاجئ وليد العلي من مخيم برج الشمالي: «إن الوضع لا يحتمل فالعامل يعمل طيلة نهار ليتقاضى 350 آلاف ليرة لبنانية أي 3.5 دولار باتت تكفيه لشراء الخضروات فقط مع وصول الدولار إلى 100 آلاف ليرة».
أما اللاجئ أنور موسى من مخيم الرشيدية فيقول «إن هذه هي حياة اللاجئ الفلسطيني منذ النكبة فما الجديد بالموضوع؟»
وردت «شاهد» أسباب ارتفاع البطالة في أوساط اللاجئين خلال هذه الفترة بشكل مطرد نتيجة:
أولاً: القوانين والقرارات اللبنانية التي تضع قيوداً قاسية على عمل الفلسطيني وذلك على مدار عقود من الزمن، فضلا عن قانون التملك الذي جعل المخيمات الفلسطينية ملاذا للفلسطينيين.
ثانياً: شح الدعم من قبل المنظمات غير الحكومية حال دون بناء مشاريع إنتاجية تخلق فرص عمل. إن الدعم ولسنوات طويلة لم يتجاوز فكرة الإغاثة البسيطة دون الوصول إلى فكرة الدعم الحقيقي، الذي من شأنه خلق فرص عمل للسكان المحليين وإكسابهم مهارات تؤهلهم الانخراط في سوق العمل.
ثالثاً: الأزمة الاقتصادية وصولاً لانهيار سعر صرف العملة المحلية أدت إلى مشاكل بنيوية في المجتمع اللبناني، بدأت بتدهور القيمة الشرائية للمواطن وإغلاق المئات من المؤسسات ذلك أن الاقتصاد اللبناني ريعي بشكل كبير ويفتقد إلى قطاع صناعي حقيقي ويعتمد على السياحة والخدمات ما يجعله أكثر عرضة للتأثر بالأزمات، وفي ظل هذه الأزمة الكبيرة والمعقدة التي عاشها لبنان، كان اللاجئ الفلسطيني الحلقة الأضعف فيها حيث خسر آلاف اللاجئين أعمالهم وأغلقت الكثير من المصالح التجارية وترافقت هذه الأزمة مع مشكلة انتشار فيروس كورونا وما رافقها من إغلاقات ومنع تجول وقيود آذت بشكل كبير مختلف القطاعات الاقتصادية.
رابعاً: معظم سكان المخيمات والتجمعات الفلسطينية قرب مدينة صور يعملون في الزراعة ومع تدهور سعر الصرف للعملة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي ووصوله لأرقام قياسية تخطت الـ 140000 ليرة للدولار الواحد أصبح الدخل اليومي للمزارع لا يتعدى الدولار الواحد. وفي كثير من الحالات لم يعد العمل بالزراعة ذا جدوى خاصة أن البذور والأسمدة تسعر بالدولار ولم يعد العامل يستطيع الوصول إلى مكان عمله في حال كانت الأرض التي يعمل بها خارج المخيم في البساتين المحيطة بالمخيمات (سعر صفيحة البنزين 20 دولارا أمريكيا).
خامساً: إن الكثير من اللاجئين يعمل بمهن موسمية لا تؤمن له الحد الأدنى من مقومات الحياة، بحيث تنتشر البطالة الموسمية والمقنعة، التي ضاعفت من نكباتهم وأفقدتهم الأمل في حياة كريمة، وجعلت بعضهم ضحايا مراكب الموت أو ضحايا عالم المخدرات القاتم، أو إلى مطلوبين للأجهزة الأمنية اللبنانية نتيجة إطلاق نار أو الإنجرار إلى مشاكل عبثية تهدر الأرواح، والأدهى من ذلك أنه وفق ما ينشر من نتائج بحثية يجريها قسم الشؤون الاجتماعية في وكالة «الأونروا» وبعض جمعيات المجتمع المدني تظهر أن نسب البطالة في ازدياد سريع، وأن جزءاً وافراً وكبيراً من هؤلاء هم جامعيون أو حاصلون على شهادات مهنية وجلهم في عمر الشباب.
ولوحظ انتشار دكاكين الإكسبرس لبيع القهوة والشاي وغيرها من المشروبات الباردة والساخنة في الشوارع والساحات العامة كوسيلة للكسب (مثلا مخيم برج الشمالي الذي لا تتعدى مساحته 140 دونماً يحتوي على أكثر من 63 دكان إكسبرس) حيث أنه في ظل غياب فرص عمل حقيقية لجأ عشرات الشباب الفلسطينيين إلى هذه الفكرة التي شكلت مصدر دخل بسيط لا يتعدى كونه بطالة مستترة. وبرزت آثار اجتماعية لارتفاع نسب البطالة في صفوف مجتمع لاجئي فلسطين، وتشمل الضيق المالي الشديد والفقر والديون والتشرد وضغوط السكن والتفكك الأسري وتآكل الثقة بالنفس واحترام الذات، كما وتؤدي إلى تفكك المجتمع وانحلاله وتدهوره من خلال زيادة السلوك الإجرامي في المجتمع وتأخر سن الزواج بالنسبة للشباب وما ينتج عنه من تأثير على فئات المجتمع العمرية.
وأيضا ارتفاع موجة الهجرة، حيث يضطر الكثير من الشباب للسفر وبطرق غير مشروعة للبحث عن عمل خارج البلاد، ما يجعلهم ضحايا مراكب الموت.
بالاضافة إلى كل ذلك فإن ارتفاع نسب البطالة والتي تضاعفت في الآونة الأخيرة، أدى إلى انتشار أمراض نفسية تصل إلى العزلة والاكتئاب وقد يصل بالبعض إلى الانتحار.
أزمة البطالة وتفاقمها في الآونة الأخيرة ووصولها إلى نسب غير مسبوقة في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تحتاج إلى جهد جماعي وعمل دؤوب منهجي وخطط طويلة الأمد وتعاون كل المعنيين من السلطات المحلية و«الأونروا» ومنظمة التحرير الفلسطينية. وإن لم تتمكن القوى والمنظمات والجهات الفلسطينية والدولية المعنية، إيجاد فرص عمل في السنوات المقبلة وإيجاد الحلول المناسبة من أجل تخفيف معدلات البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين، فإن الوضع يتجه إلى كارثة إنسانية ليس من السهل تصور شكلها داخل مخيمات اللاجئين، وستكون عرضة لكل النتائج الكارثية المرتبطة بالبطالة من انتشار الجريمة والهجرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق