الاعلامي محمد أبو الخير.. ذوي الأرادة الصلبة


 وكالة القدس للأنباء - عمر طافش
لم أشاهد تلك الإرادة والعزيمة من قبل، لشاب من ذوي الاحتياجات الخاصة يتسلق درج الجامعة اللبنانية الدولية في صيدا محاولاً الوصول الى صفه قبل الجميع، وإن همَّ أحد لمساعدته رفضها، يكمل طريقه مبتسماً غير آبه بنظرات الناس من حوله.
دفعني ذلك المشهد الى الاقتراب منه والتحدث اليه ومعرفة صاحب هذه الشخصية الفولاذية، التي تتحدى ظروفه الخاصة. فهو يمشي ويتسلق ويكتب ويصور، فلا شيء يعيقه. كيف لا وهو تخرج وحصل على البكالاريوس في الصحافة والإعلام، في الدفعة التي تخرجت منها، واصبح منذ تلك اللحظة صحفياً وإعلامياَ، حيث لم تمنعه الإعاقة أبداً في المضي نحو حلمه بأن يكون كاتباً للمقالات الصحفية، حيث بدأت أولى كتاباته في "جريدة الأخبار".

"وكالة القدس للأنباء" لاحقت الإعلامي محمد أبو الخير، وأجرت معه حديثا طاول مراحل حياته الصعبة، وكيف ناضل من اجل الوصول الى حلمه.
على يدي "داية الحارة"
بدأ أبو الخير سرد قصته من بداياتها الأولى، قال: "في البداية ولدت على يدي "داية الحارة" في منطقة الفوار بمدينة صيدا، وقد أحست هذه "الداية" أن هناك شيئاً ما يتعلق بالجنين، لأنها تقوم بإنجاب الأمهات يومياً، وشعرت عند ولادتها لأمي أن الطفل الذي في أحشائها مصاب بأمر ما، وطلبت منها عرض الطفل فوراً على طبيب لتشخيص حالته".
وأضاف أبو الخير، أن أمه حملته إلى عدة مستشفيات مذ كان عمره أيام، ومنهم من قالوا أنني لن أعيش وأن أيامي معدودة، ومنهم من أعطى الأمل لأمي، وفي نهاية المطاف توجهت أمي الى الجامعة الأمريكية في بيروت، عندما كان عمري فقط 50 يوماً، عندما طلبت الممرضة من أمي أن تضعني على سرير المستشفى، صرخت الممرضة ما هذا الطفل ولماذا هكذا ردت عليها أمي هذا هدية من الله، عندها طلبت الممرضة أن تخرج مع الطفل لأنه سيموت في غضون أسابيع.

الطبيب الذي عزز الأمل
وتابع أبو الخير قائلا: "أمي لم تستسلم، حيث بدأت تبحث عن طبيب يستطيع معاينتي، تشكل بالنسبة لها فرصة أمل. فعلاً ذهبت الى دكتور في مستشفى الهمشري، في صيدا، وطمأنها بأن طفلك لن يموت وسيبقى على قيد الحياة، وأن هناك عدة عمليات جراحية سأقوم بها عندما يبلغ عمر الطفل الـ6 شهور، لافتاً الى أن الطبيب وعد أمه بأن الصبي عندما يبلغ من العمر 3 سنوات سيخطو أول خطوة ويصبح قادراً على المشي".
وأكمل الإعلامي أبو الخير حديثه لوكالتنا، شارحا تطورات وضعه الصحي بتفاصيل لا يمكن أن ينسى فصلا من فصولها التي عاش لحظاتها: "فعلاً عندما بلغت من العمر 3 سنوات مشيت أول خطواتي"، مستذكراً أن أمه في هذا اليوم وزعت البقلاوة والحلو، وتحدث ابو الخير عن المرحلة الصعبة في حياته بسبب العمليات والعلاجات خاصة في منطقة الحوض الذي كان يعاني منه كثيراً.
وعن مرحلة دخوله الى الروضة، قال أبو الخير: "دخلت الى الروضة في مخيم عين الحلوة منطقة جبل الحليب، مكثت فيها 3 سنوات دون تقدم، وأكرر ما أفعله بالروضة كل سنة دون ترفيع، بسبب عدم وجود جمعيات تهتم بذوي الاحتياجات الخاصة، ولم يقبلوا اصلاً دخولي الى المدرسة بسبب وضعي".

أمي التي تحدت الجميع
وأكد أن العالم كانت تنظر اليه وتتكلم عن إعاقته كثيراً وانهم ينظرون اليه بنظرة استغراب، كان الناس يقولون لأمي اجلسي أبنك في المنزل فهو لا يستطيع التعلم، وكان جواب أمي "ما دام عقلو سليم أنا رح اخلي يتخرج من الجامعة"، كانت أمي تتحدى الجيران، وأنها في يوم من الأيام ستشاهد أبنها محمد على منصة التخرج.
وتابع: "هناك مدرسة في صيدا اسمها "لنا المستقبل" لذوي الاحتياجات الخاصة، اخذتني أمي وسجلتني بها، عندها انبهر الاساتذة والمعلمين بنسبة الذكاء، وتعهد لي المدير وقتها أنه سيتابع موضوعي حتى يقوم بتسجيلي في مدارس الاونروا".
وأضاف أبو الخير: "في أول يوم ذهبت به الى الاونروا رفضني المدير ولم يقم بإدخالي الى المدرسة متذرعاً بوضعي وإعاقتي، وأن وضعي داخل المدرسة سيكون صعباً، ولكنني أثبت العكس تماماً ونجحت في المدرسة نجاحاً باهراً وعلاماتي كانت متفوقة، في أول شهر حصلت على تقدير جيد مع المرتبة الرابعة على الصف، كان ذلك شعوراً لا يوصف".

ولفت الى أنه يملك شخصية قوية ولا يهتم لنظرات العالم، موضحاً أن المدير يعامله كما يعامل ابنه، واكمل الحديث "بقيت عنده  في المدرسة الى ان تخطيت البريفيه، وفي المرحلة الثانوية تسجلت في مدرسة بيسان في مخيم الحلوة، وبقيت بها الى ان وصلت الى الجامعة".
واوضح  ابو الخير أنه اصبح يمتلك اصدقاء ومحبين داخل المدرسة، بسبب ثقته في نفسه، فهم لم يشعروه ابداً أنه يختلف عن الآخرين.   
صدمة كبيرة على أبواب الجامعة
اما في ما يتعلق في مرحلة الجامعة، فقال أبو الخير: "ذهبت لأجري أمتحان الدخول فمنعني رجل الأمن من الدخول، شكل هذا التصرف صدمة كبيرة بالنسبة لي، كان رد الجامعة مخيباً للآمال وهو ما ازعجني كثيراً "سننظر في وضعك الصحي قبل التسجيل"، صرخت وقتها وقلت بصوت مرتفع "أنا ازكى منكو كلكو"، بعد ذلك قالوا لي أنهم سيرسلون رسالة الى مدير الجامعة حتى ينظر في وضعي ويمضي (يوقع) على الموافقة".
وأكمل حديثه وبدا الانزعاج واضحاً من نبرة صوته: "دخلت إلى الإدارة وطلبت مقابلة المدير لأخبره أنني أريد أن أدرس "الصحافة والإعلام" في الجامعة وفعلاً وافق المدير على تسجيلي وبدأت اتردد الى الجامعة".

وتابع : "في البداية أهلي رفضوا الاختصاص، ولكنني كنت مصمما على اجتيازه وكان لي هدفين من هذا الاختصاص، الأول هو الظهور أمام الكاميرا لأثبت للعالم كله أن المعوق لا يختلف شيئاً عن الانسان الطبيعي، ولإرسل رسالة إلى كل ذوي الاحتياجات الخاصة أنهم يمكنهم الإيمان بقدراتهم حتى يحققوا أهدافهم، ويمكننا أن نكمل الطريق دون يأس يسندها الارادة والعزيمة. نحن ذوو الارادة الصلبة، هذا المصطلح بدأت أكتبه في مقالاتي وتقاريري بعد أن تخرجت من الجامعة ذوو الارادة الصلبة" بدلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة".
انني أهل لهذه المهنة
واستفاض أبو الخير حينما بدأ الحديث عن مشواره الصحفي قائلا: أنا كصحفي فلسطيني "اتابع قضيتي وأكتب عنها في مواقع الميادين وجريدة الأخبار، وكان لي شرف الانتماء لهذه الأسر الإعلامية العريقة التي آمنت بموهبتي وشجعتني رغم الإعاقة، ومهدت لي الطريق لأكون صحفياً ناجحاً أواكب قضيتي عن قرب وعن حب".
واردف: "كنت أشعر بالفخر كلما قابلت الناس فهم دائماً يقولون لي "انك قريب من القلب وخفيف الدم"، تخرجت من الجامعة بـ2015 حاولت جاهداً أن أبحث عن عمل ولكنني لم أجد، كان صعباً علي في ذلك الوقت، حتى في أحد المرات ذهبت لأجري مقابلة مع أحد المحطات التلفزيونية وخلال المقابلة سألتني أسئلة ازعجتني، مثلا هل تستطيع الجلوس لفترة طويلة وهل يسمح لك وضعك الصحي في العمل، جاوبتها أنني لو كنت لا استطيع لما وجدتيني الان في المقابلة".
بعد ذلك عملت ستاج (تدريب) في قناة الميادين الذين رحبوا بي كثيراً وسلموني ملف فلسطين وكنت يومياً اسلمهم تقريرا عن اضراب الكرامة الذي نفذه الاسير مروان البرغوتي، 3 اشهر متواصلين بقيت في قناة الميادين ولم استسلم بل اخرج من البيت في صيدا يومياً الى بيروت لأثبت نفسي أنني أهل لهذه المهنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق