عميل مع سبق الاصرار و الترصد

 

 ماهر الصديق  

العمالة لمصلحة العدو امر غير مبرر مهما كانت الاسباب ، و عمل ذميم و خبيث

لا يمكن التسامح فيه . هذه الحالات الساقطة ليست جديدة على البشرية و لم يخل

 شعب من الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال او الاستعمار الاجنبي الا و برزت

فيه فئة اجتماعية تفتقر الى الكرامة الوطنية و الاعتزاز القومي و الانتماء العرقي

و الوازع الديني و الاخلاقي .  فكانت ادوات لتلك القوات الغازية ، و كانت اكثر

فتكا و تنكيلا من العدو الاجنبي نفسه . ان العمالة في نتيجتها و اضرارها واحدة

لانها افادت الاعداء و اضرت بابناء الوطن . و ربما ادت الى خسران معركة

او موقع استراتيجي او قرية او مدينة او حتى وطن باكمله ، او نتج عنها مقتل

شخص او إبادة منطقة ، او تسببت باعتقال مقاتل او مجموعة مقاتلين ، او

مكنت العدو من معرفة نقاط القوة و الضعف و اماكن الاستحكامات  و عدد

المدافعين و نوعية الاسلحة ، كلها في النتيجة اعمال لا يقوم بها شخص سوي

يتمتع بالحد الادنى من العقل و الوطنية و الاخلاق  . و مع ذلك فإن الشخص

الذي تعرض لاصناف من التعذيب الجسدي و النفسي ، او لانواع من الابتزاز

في عرضه و شرفه ، او بالنيل من الآباء و الاولاد و الاقارب او غير ذلك من

الابتزاز الذي يتفنن فيه الاعداء عموما و عدونا على وجه الخصوص ، فربما

يبرره البعض تحت عنوان : لم يتحمل التعذيب ! و لا يقبله البعض مهما كانت

الاسباب لان الكثير من الوقائع شهدت ابطال زينوا صفحات التاريخ بصبرهم

و ثباتهم و عدم خضوعهم للاعداء بالرغم من التعذيب و الابتزازات التي لا

تتحملها الجبال . فلقد شهدت آخر مواقع المقاومة الايوبية في مناطق الجزيرة

الفراتية بطولة الكامل الايوبي الذي  رفض الاستسلام و التعامل مع المغول

و عندما دخل هولاكو مدينة ميافارقين وجدوا كل من فيها قد قتل ما عدى

القليل من المقاومين و على راسهم الامير الايوبي المثخن بالجراح فصلبوه

و اخذوا يقطعوا لحمه و يضعوه في فمه  ، بقي صابرا محتسبا حتى توفاه

الله تحت تعذيبهم . و هاهم رجال فلسطين المعتقلين عند العدو يتعرضون

لكل اصناف التعذيب الجسدي و النفسي و لا يقبلون الخضوع او السقوط ،

و لا يبيعون اوطانهم و ضمائرهم مقابل حريتهم ، و كم من الابطال قضوا

تحت التعذيب او في السجون كان يمكن ان يحرروا انفسهم بكلمة منهم او

بتوقيع لكنهم اختاروا الموت على المذلة و السقوط في افخاخ الاعداء .

فإن كانت العمالة غير مبررة لمن تعرض للتعذيب و الابتزاز ، فأي شئ يمكن

قوله لمن يتطوع بمحض ارادته للتعامل مع العدو ؟  فهناك اشياء لولا انها موثقة

لما صدقت لانها تخالف المنطق و العقل . لقد برزت العمالة التطوعية بشكل

غريب على بلادنا في بداية القرن الماضي ، مع افول قوة الدولة العثمانية و

بروز الانكليز و الفرنسيين ، الذين وجدوا العملاء يفتحون امامهم البلاد و

ينفذون مخططاتهم التي تهدف لبعثرة الامة و اقامة دويلات ضعيفة متناحرة

فيما بينها ، و التمهيد لاقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين . لقد جعلوهم

قادة و مستشارين و وزراء ، و سهلوا لهم مهمتهم الاستعمارية التي كلفت

الامة عشرات الالاف من القتلى و الجرحى ، و توجت بقيام كيان الاحتلال

الصهيوني على ارض فلسطين . و من العمالة التطوعية الغريبة على الانسان

العربي المجبول على النخوة و الكرمة ، تصرف احد ملوك العرب عندما

قاد طائرته و نزل ضيفا على رئيسة وزراء العدو ليخبرها بنية العرب  القيام

بهجوم مباغت في تشرين الاول عام 1973 ، و بهذا استكمل طريق اجداده

الذين خدموا اليهود و الانكليز لفترة طويلة من الزمن . و كذلك قيام سياسي

مصري كبير بالمبادرة للاتصال بسفارة العدو في لندن لتمكينه من لقاء ضباط

الموساد لاخبارهم بساعة الصفر حيث كان يعلمهما كونه مستشارا للرئيس السادات

و صهر الرئيس المصري الاسبق عبد الناصر ! كل هذا كان تطوعا و " كرما "

من عملاء ارادوا تقديم خدماتهم بلا مقابل ! و نحن اليوم امام متطوعين اماراتيين

و معهم ادواتهم الفلسطينية للمساهمة بتهويد القدس  . فلقد كشفت مصادر موثوقة

ان جهات فلسطينية مرتبطة بالامارات اشترت منازل مقدسية ، ما كان اصحابها

ليبيعونها لغير فلسطينيين مهما عرض عليهم من مبالغ ، ثم بعد فترة رفعت اعلام

العدو على اسطح تلك المنازل و سكنها مستوطنين يهود . بعد التحقيق و البحث

تبين بان دولة الامارات تطوعت لشراء تلك العقارات و التبرع فيها للوكالة

الصهيونية ! امر غير قابل للتصديق لولا الدلائل الكثيرة و المعلومات

المؤكدة . و ما يجعلنا في حيرة من امرنا ، كون تلك الخساسة تأتي من جهة

عربية مسلمة لا ينالها الا رضى الصهيوني و الامريكي . عمالة مع سبق الاصرار

و الترصد ! عمالة مجانية تدعونا للشك بنقاء الدماء التي تسري في عروق اصحابها .

ان العمالة ليست بنقل الخبر فحسب ، فربما تكون اشد فتكا في امور اخرى .

ان بيع الاراضي للعدو ، و اقفال المعابر على اهل فلسطين ، و نكران الحق الفلسطيني

في وطنه ، و التنسيق الامني ، و التطبيع مع كيان الاحتلال ،  و فتح المطارات

 و المعابر لليهود و الاجانب و اقفالها في وجه الفلسطينيين خصوصا و العرب

 عموما ، و ترويج البضائع التي تنتجها دولة الاحتلال ، و بيع الغاز و البترول

 باقل من سعره للصهاينة بشكل مباشر او غير مباشر ، و فتح السفارات الصهيونية

 التي هي مراكز فساد و جاسوسية ، و نشر المخدرات ، و نشر الفساد الاخلاقي

 و التخريب المجتمعي ، كل هذه عمالة يستفيد منها العدو و تتضرر منها الامة .

و في النهاية لا يصح الا الصحيح ، فمهما برز في جسم هذه الامة من بثور

و ثآليل فانها زائلة ، و يبقى الحق حق و لو كره المجرمون .

 

            


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق