الاونروا والحيادية…اذا كنت محايدا في وقت الظلم،فقد اخترت ان تكون بجانب الظالم



الموظف الفلسطيني بين سندان حيادية الاونروا ومطرقة انتمائه لشعبه؛ الاستاذ فتح الشريف نموذجا- ما بين الحيادية والاغتيال المعنوي والسياسي


أ.محمد يونس


الحيادية،مفهومها،نشأتها ومدى تطابقها مع الحالة الفلسطينية:


أنشأت الامم المتحدة وكالة الأونروا، بموجب القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وارتبط وجودها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم،استنادا للقرار 194.قبل المباشرة في كتابة هذا المقال، رجعت الى الموقع الرسمي للأونروا،تفحّصت مليا القسم المتعلق بالمبادئ الانسانية ومندرجاتها،والذي أدرجت فيه الوكالة مبادئ الانسانية،عدم التحيز ومبدأ الحيادية،والذي تبنّت فيه الوكالة التعريف المعتمد من قبل الامم المتحدة "يجب على الجهات الفاعلة في ‏المجال الانساني ألا تنحاز إلى طرف ‏في الأعمال العدائية أو تشارك في ‏خلافات ذات طبيعة سياسية أو ‏دينية أو أيديولوجية". تعزو الأمم المتحدة لمفهوم الحيادية بالغ الاثر في قيامها بأعمالها،وفي تقبُّلها من قبل الدول محور النزاعات،وهذا الكلام بلا شك في مكانه. إلا أنّ تبنيه من قبل الأونروا دونه عقبات،فكيف لوكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد لنحو 5.6 مليون "لاجئ فلسطيني" أن تأخذ منحا حياديا في قضيتهم،فجوهر عمل هذه المنظمة هو تقديم الدعم والحماية وكسب التأييد للشعب الفلسطيني وهو ما يتناقض بالمطلق مع إمكانية أن تكون محايدة في مسار قضيتهم في ظل الهمجية الاسرائيلية المستمرة،فالحياد في مواجهة الظلم يضعك في جانب الظالم والحياد لن يهم الفأر، إذا كان الفيل يقف على ذيله وتصر على إعلانك بأنك محايد في تناول قضيته، والأونروا في هذا الاطار لم تكشِّر عن براثن حياديتها في ظل جرائم الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وضمنا موظفيها متنكرة بذلك لإنسانيتها في يخص الفلسطينين، ولواجب الرعاية (duty of care) في ما يخص موظفيها.


فتح الشريف- الوقف عن العمل والاغتيال السياسي


تسارع المنظمة الى التلطِّي خلف الحيادية في مواجهة موظفيها الفلسطينين في الوقت الذي توظِّف فيه موظفيها الأجانب من دول تنصب العداء للفلسطينين وهو ما يتعارض بالمطلق مع مفهومها للحيادية،فالمديرة الحالية والتي تحمل الجنسية الألمانية، ولا يخفى على أحد موقف المانيا المتقدم في دعم الكيان سواء لناحية الدعم السياسي للكيان او بتجميد الدعم المالي للوكالة -وإن تراجعت عن قرارها بتجميد الدعم المالي للوكالة فقد شكل استثناءها لقطاع غزة من عودة الدعم انتهاكا صارخا للمبادئ الانسانية- والسعار الاعلامي الذي وصل الى حد منع رفع العلم الفلسطيني على أراضيها،تمثل بلادها في الوكالة وبالطبع تذعن لطلبات بلادها وسياساتها،وخير دليل على ذلك انها أثَّرت على بلادها بإعادة تمويل مشروع التعريف البيومتري والذي كانت المانيا قد تخلت عن تمويله حتى وصول السيدة شيا الى منصبها الحالي. 


وأما عن الاستاذ فتح الشريف كنموذج،وبرغم اني لست بصدد تقييمه المسلكي والاداري،فهكذا تقييم يعود الى إدارته -على ان يتم التقييم وفق المعايير العلمية والاخلاقية- ،الا أن الرجل يشهد له بأنه ممن صاغوا ملحمة الهوية والوطن في الشتات،تحت معاني الولاء التام لقضيته وفي فضاء الصدوع الكامل لنداء الأخوة والأهل. فالرجل أوقف عن العمل في ظل سردية أقل ما يقال عنها إنها عبثية،كمجمل الإتهامات التي سيقت سابقا بحق بعض الموظفين،فالأستاذ رياض مصطفى،تجرع هذا الكأس سابقا،وتبلغ بقرار وضعه في إجازة إدارية إلزامية، بسبب منشور اعتبرته الوكالة أنه ينتهك سياسة الحيادية،وما سيق من اتهامات صهيونية باطلة بحق مجموعة من الموظفين في غزة تحت حجة مشاركتهم في طوفان الأقصى،يوضع كذلك في نفس الاطار. الا أن الإختلاف الجوهري في قضية الأستاذ الشريف "إسما وصفة" عن سابقاتها،والذي لن أخوض في غمار تفاصيله كثيرا،فهو ان الاتهام يوجه الى رئيس هيئة قطاعية في الاتحاد العام للموظفين،لديه نظرية سياسية معينة والاتهامات في هذا الصدد يمكن ان تعرض حياته للخطر،فهل تعي المديرة العامة أن سيل الاتهامات التي توجه للرجل وان توجيه الانظار اليه باعتباره من الصف الاول لاحدى التنظيمات المقاومة في لبنان يمكن ان يعرض حياته للخطر؟ ألا يعي لاريزاني والذي من المفترض أن يمتلك حس امني عال بحسب متطلبات وظيفته أن المسيرات الاسرائيلية هاجمت وتهاجم كل من تسطيع الوصول اليه؟ هذه الاتهامات والتي تطلق جزافا،في حالات عدم استقرار كالتي نعيشها اليوم تمهد للاغتيال المعنوي والسياسي،هي ترصف الطريق للعدو وتسهل مهمته.


الحيادية واتفاق الاطار مع الولايات المتحدة الامريكية


أحكمت الولايات المتحدة الامريكية قبضتها على الاونروا بعد توقيعها اتفاق الاطار والذي وقع في تموز/ يوليو 2021 كمحدد لاستئناف واشنطن الدعم المالي لوكالة الأونروا،بعد توقفه منذ عام 2018 بقرار من الرئيس السابق دونالد ترامب. وجددت الأونروا والولايات المتحدة إطار التعاون (اتفاقية الإطار) للعام 2023-2024، وذلك خلال حفل توقيع افتراضي في يونيو ٢٠٢٣. هذا الاتفاق والذي تضمن اشتراطات سياسية تفتح مجالا لتدخل الولايات المتحدة بكل تفاصيل عمل الاونروا،فقد اشترط الاتفاق تقديم تقارير مالية وأمنية كل ربع سنة، للاطلاع على كل تفاصيل عمل الوكالة، من أين يأتيها الأموال وأين تصرف،وبنودا تتعلق بضمان حيادية الموظفين، بمعنى انفصالهم التام عن الجغرافية والهوية والوطن وتحت طائلة المحاسبة والفصل الوظيفي.

 

بينما تصر الاونروا على تنفيذ كافة التزاماتها وعلى رأسها حياديتها المنقوصة بموجب اتفاق الاطار،ينبغي الاشارة أن الاتفاق لم يرقى الى مستوى اتفاقية دولية،تنتج عنه التزامات ملزمة قانوناً بين المشاركين بموجب القوانين الدولية،وبعدما اعلنت الولايات المتحدة تجميد التزاماتها تجاه الاونروا حتى مارس ٢٠٢٥،تعتبر الأونروا في حل من التزاماتها تجاه الولايات المتحدة بموجب الاتفاق نفسه.


اخيرا،وكلامنا للاونروا،لن يحيد شعبنا عن قضيته،عن سرديته وعن حقوقه،فالمحايد من الأشخاص هو المنطوي.. والمحايد من الألوان هو الشفاف الذي لا نراه.. والحياد في الكلام هو الكلام الذي لا معنى له .. والحياد في المواقف هو السلبية.. والحياد في الفكر هو الهلوسة.. والحياد في القرار هو التردد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق