جرب نار الحيرة بين الميادين والجزيرة


حمزة البشتاوي
قد يكون من المبكر أجراء تقييم للتغطية الإعلامية للحرب على غزة، أو أجراء مراجعة نقدية تحاكي الدور والأداء الإعلامي، فهذا سيأتي وقته عندما تسكت أصوات مدافع الدبابات وصواريخ الطائرات، وينقشع غبار الحرب التي يتابع فظاعتها ووقائعها ويومياتها مئات الملايين حول العالم، وقد وقع الكثيرون منهم بالحيرة خلال متابعة التغطية المستمرة للحرب، خاصة بين قناتي الميادين والجزيرة، اللتان يتابعهما المواطن وصناع القرار على حد سواء.
ويحتار المشاهد خلال المتابعة، ما بين نصف الحقيقة التي تنقلها الجزيرة وبين الواقع الذي تنقله الميادين كما هو، مع الإشارة إلى أن القناتين من وجهة نظر بعض الإعلاميين، قد عملتا بشكل إحترافي بعيداً عن الإرتباك المشوش، وهذا ما رفع من وتيرة الحيرة بينهم، خاصة بعد أن أصدرت سلطات الإحتلال الإسرائيلي، قرارات ضد القناتين، مع العلم بأن هذه القرارات نفذت تجاه قناة الميادين ولم تنفذ تجاه قناة الجزيرة، وبذلك تكون سلطات الإحتلال قد اتخذت قراراً قمعياً فعلياً ضد الميادين واكتفت بالتحذير الشفوي لقناة الجزيرة، لكي تغير من لهجتها في تغطية الحرب.
وقد كان التضامن الفلسطيني مع القناتين مختلفاً حيث اعتبروا الجزيرة تقوم بتغطية الأحداث، كمؤسسة إعلامية تابعة لدولة، بينما اعتبروا الميادين الأقرب و الأكثر نقلا لصوت فلسطين ومقاومتها إلى العالم، دون أن تكون تابعة لدولة أو حزب، إضافة للتفاوت بينهما في نقل الرواية الفلسطينية، حيث تركز الميادين على الإنتماء الوطني والأفق الإنساني بأمانة وشجاعة، والعمل كمرآة عاكسة للمجتمع وقضاياه الأساسية، ولهذا حققت مكانة عالية على الصعيد المهني والإنحياز الواضح للقضية الفلسطينية ونبض الشعوب، بينما تركز الجزيرة المحسوبة على طرف واحد، على الميزة الإحترافية، وإظهار التعاطف والبعد الإيديولوجي في الإطار المهني الذي تتذرع به قناة الجزيرة تحت شعار الرأى والرأى الآخر، لتفتح هواءها للناطقين بإسم الجيش الإسرائيلي وغيرهم من العاملين في وحدة الإعلام الموجه في جهاز الشاباك، إضافة لعدم إهتمامها بالإجماع حول غزة، وتركيزها على تباينات وإختلافات لا ضرورة لها في هذه المرحلة التي يجب الإبتعاد فيها عن الصراعات الثانوية، وتفادي كل الأوصاف والمسميات الصهيونية التي تحمل الكثير من التحايل والخداع الإعلامي.
ورغم ذلك تحتل الجزيرة والميادين المراتب الأولى في تظهير المشهد الإعلامي والرواية الإعلامية الفلسطينية بكافة جوانبها، وهما يغطيان ويوثقان العدوان وحرب الإبادة على غزة، في ظل ما هو أصعب من الحيرة على صعيد عمل بعض القنوات العربية البعيدة كلياً عن فلسطين، بينما عملت الجزيرة والميادين منذ بدء معركة طوفان الأقصى على تكثيف التغطية والمواكبة للتطورات والأحداث، وايصالها بعيداً عن مهزلة بعض وسائل الإعلام العربية التي تدعي الحياد في نقل الأحداث، ونشر الرواية الإسرائيلية على حساب الرواية الفلسطينية، وهذه القنوات لم تعد تصلح إلا للحديث عن مسلسل أو فيلم أو مباراة لكرة القدم.
وإذا كانت المهنية هي المعيار، فإن معيار الوقوف إلى جانب القضايا المحقة والعادلة، هو أيضاً معيار مهني وأخلاقي وإنساني، وقد عملت قناة الميادين على ربط المعيارين معاً، مع الكثير من الجرأة والمصداقية في البرامج ونشرات الأخبار، ووفقاً لتقديرات خاصة توجه 52% من المشاهدين نحو قناة الجزيرة و 38% نحو قناة الميادين و 10% نحو بقية القنوات، وهذا يمكن ملاحظته أثناء المرور في شوارع وأزقة المدن والأحياء والمخيمات، وايضاً من خلال أحاديث الجاليات العربية والإسلامية في العالم.
وأكثر ما يضعنا في الحيرة في الحديث عن الميادين والجزيرة تناول قنوات ومواقع أخبارية عربية خبر منع قناة الميادين من قبل الكابينت الإسرائيلي، بشماتة وأسف  لأن القرار لم يشمل قناة الجزيرة عملياً بعد، واعتبارهم للقناتين رغم الفوارق والاختلافات بينهم، قنوات شريرة، وهذا ما زاد في الحيرة تجاه قناة الجزيرة التي أخذنا موقفاً منها خلال عشرية النار الدامية و الخطيرة بعيدا عن فلسطين التي تعطي شهادة لمن يقف معها و مع الإنسان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق