بقلم: تمارا حداد
ان الأزمة السياسية الاسرائيلية التي يُعاني منها الكنيست الاسرائيلي ستستمر نتيجة الاستمرار في التعديلات القضائية، ناهيك على ان أداء الحكومة الحالية خلال الفترة الماضية التي قضتها في السلطة لم تكن ضمن توقعات الشارع الاسرائيلي لأكثر من سبب:
أهمها تدهور الأوضاع الأمنية في الداخل الاسرائيلي خلال الفترة الماضية، وكما أن الحكومة الحالية عجزت عن حل تداعيات التعديلات على الناحية الاقتصادية والاستثمارية، لذا يفتقد الائتلاف الحالي إلى التأييد الشعبي وبات وجوده يُزعزع الوضع الداخلي، اضافة الى استمرار المظاهرات الداخلية وهذا ما يُساهم في تأليب الرأي العام لإنهاء الحكومة الحالية من خلال حشد الجمهور ومطالبته إما وقف التعديلات أو التنحي عن السلطة.
لا توحي هذه الأحداث الى حدوث سيناريو انتخابات مُبكرة ولكن أمر حصولها مسألة وقت، وان حدثت التغيرات ام لم تحدث لن يحل الصراع العربي- الاسرائيلي بل العكس سيزداد سوءاً وبالتحديد في “الداخل الفلسطيني” لإنهاء وجودهم قدر الإمكان وفي القدس لحسم الصراع الديني والسياسي ومن ثم حسمها في الضفة الغربية أما غزة فالحرب عليها آجلاً أم عاجلاً، لعدة أسباب:
• واقع الصراع الفلسطيني_ الاسرائيلي ينطوي على عناصر متعددة يصعب التنبؤ بالمستقبل المنظور كون الصراع مرتبط دولياً واقليمياً وحال الشرق الأوسط الجديد.
• وبما ان اسرائيل قاعدة عسكرية متقدمة فالتوازن الديني والعلماني واليساري واليميني المتطرف داخلها سيستمر في حالة من الصراع الداخلي عدا التوازن الامني والعسكري المُتفق عليه سياسيا دولياً واقليمياً للحفاظ على الامن القومي لاسرائيل وللحفاظ على استقرار حالة الامن للقاعدة العسكرية المتقدمة الامريكية ممثلة “باسرائيل” في الشرق الاوسط دون حل الصراع الديني والذي ينعكس على بقاء الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي ليبقى في حال عدم التوازن الا في حال تغير حال موازين القوى من قوة وقطب واحد الى قطبين وهذا ما قد يكون من نتائج الحرب الاوكرانية_ الروسية.
• الاستقرار السياسي سيظل غائباً عن اسرائيل لفترة طويلة مقبلة الامر الذي سينعكس على استقرار حالة الصراع الفلسطيني_ الاسرائيلي تارة ببقاء الحالة كما هي وتارة للاسوأ دون حل سياسي للواقع الفلسطيني.
• كما ان صراع الاديان في منطقة الشرق الاوسط هو المرجح لاستمراره في المنطقة وهو ما ينعكس على القضية الفلسطينية بعدم ايجاد حلول لها.
• كما أن اتفاق أوسلو لمن لا يعلم بنود الاتفاق واقعياً نص على أن الأراضي الفلسطينية هي ليست محتلة وإنما أراضِ متنازع عليها ولذلك لم تعطي اسرائيل للفلسطينيين إلا حكماً ذاتياً وهذا ما نص عليه اتفاق أوسلو، وبما أن الاراضي الفلسطينية غير مُعترف فيها من اسرائيل في اتفاقية اوسلو ومتنازع عليها فأي تأخير في عملية الاعتراف فيها بأنها محتلة فان اسرائيل كجانب قوي ستكسب الوقت لأخذ الارض لذلك بعد هذه الفترة لم يتبقى شيء من الأرض لحل الدولتين.
ترسيخ العقيدة الصهيونية:
يسعى الاحتلال إلى حشد كافة موارده وعُتاده العسكري والبشري للاستمرار في ترسيخ العقيدة الصهيونية وهي الاستمرار في عملية الاستيطان وتهويد القدس وفرض رؤيته حول القدس بتوحيد مدينة القدس بشطريها الشرقي والغربي تحت السيادة والهيمنة الإسرائيلية، بالإضافة إلى خلق إطار شامل للاستمرار في عمليات التغيير والتطوير في المدينة كعاصمة لإسرائيل ومركز للحكم فيها، وتغيير المعالم الثقافية والحضارية والتاريخية والقانونية للمدينة المقدسة كموقع أثري وموروث حضاري ثقافي يهودي عبر تنفيذ خطة تهويد شاملة للمدينة المقدسة.
أما التصعيد في مناطق الضفة الغربية فهو ناتج عن صد العمليات الفردية الموجهة ضد الشارع الاسرائيلي والتي نتائجها أشد ضراوة على الاحتلال من إطلاق الصواريخ، لذا يُحاول الاحتلال بين الفينة والأخرى الدخول إلى مناطق الضفة الغربية لإثبات تواجده الفعلي في كل الأوقات والأماكن، ويُريد أن يُبرهن أن القيادة الفلسطينية لا تستطيع حماية الشعب الفلسطيني، والرسالة الأخرى يريد التأكيد أن السيادة على الضفة الغربية “يهودا والسامرا” جزء من دولة الاحتلال، والرسالة الأخرى يُريد تركيع الشعب الفلسطيني عن مواصلة النضال ضد الاحتلال والتفكير فقط في لقمة العيش وهذا ما يريد التركيز عليه بأن “الحل الاقتصادي المحدود” قد يُبعد أبناء الشعب الفلسطيني عن الدفاع عن ارضه، ويسعى الاحتلال بشكل متواصل إنهاء العمل العسكري في الضفة الغربية بالتحديد في مناطق المخيمات وهذا ما حصل فعلياً في مخيم جنين ونابلس الذي صمد أمام ترسانة الاحتلال الضخمة .
كما أن الاحتلال يستغل انشغال العالم اليوم حول الحرب الدائرة بين اوكرانيا وروسيا ومناطق اخرى كالسودان والتي جذبت العالم بأسره مع تناسي القضية الفلسطينية، وقد يكون هذا الانشغال فرصة جيدة لاسرائيل بالسير نحو اشعال التصعيد في القدس والضفة الغربية واذا ما جاء من مصلحتها التصعيد في قطاع غزة لن تتوانى عن ذلك، لان استمرار الحروب الاقليمية سيقلص اهتمام العالم بأية نزاعات صغيرة قد تنفجر تلك الفترة ما يمنح لاسرائيل الفرصة للرد على اي تصعيد بشكل غير مسبوق من دون خشية من أية ادانات قوية كما كان يحدث في الماضي.
اتجاهات التصعيد في الضفة الغربية والقدس هل ستتطور الى انتفاضة ثالثة؟
• أن أي تفكير استراتيجي نحو انتفاضة جديدة بحاجة لمقومات أولا تبني مواقف جديدة لحركة فتح والسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بقرارات المجلس المركزي، وحل أزمة حركة فتح الداخلية والتي انعكست على عدم قدرتها على تعبئة الشارع بحيث لم يعد يُثق بها نتيجة انقساماتها الداخلية.
• المقوم الآخر مدى قدرة الفصائل الوطنية ضمن إطار منظمة التحرير بإعادة بلورة رؤية جديدة تؤمن بالنضال الشعبي الوطني بمساهمة الكل الفلسطيني، ومدى قدرة تغيير خطابها الحالي وقدرة منظمة التحرير على تعبئة الرأي العام العربي والإسلامي بشأن القدس والقضية الفلسطينية.
• المقوم الآخر دور حركة حماس بالتصدي للعدوان وقدرتها على رفع الحصار الفعلي عن قطاع غزة دون ربط التهدئة أو الحرب بقرار مالي واتخاذ قرار مستقل بترسيخ الوحدة الوطنية بين كافة الفصائل وأن يكون مظلتهم منظمة التحرير بما فيها حركة فتح والفصائل اليسارية والمستقلين والجهاد وحركة حماس.
• المقوم الآخر إعادة انتماء الشعب الفلسطيني بتعبئة روحه النضالية بما يتلائم مع مستجدات القادم كونه المستقبل لا يُنذر بالخير.
• مدى قدرة السلطة حول اقناع العالم أن الحق السياسي هو حلاً للصراع الفلسطيني _ الاسرائيلي كون اسرائيل تسعى دوماً إقناع الغرب بأن استمرار السيادة الاسرائيلية على القدس يأتي ضمن مصالحها الأمنية وأن الاستمرار في عملية الاستيطان في الضفة الغربية هو لترسيخ السيادة الاسرائيلية عليها.
محاور خروج من المأزق:
المحور الوحيد هو حل الشرخ القائم بين فصائل المجتمع الفلسطيني والذي يُمثل شرخاً فكرياً وايديولوجياً وسياسياً وبرنامجياً، وإيجاد هوية سياسية فلسطينية موحدة لكافة الاطياف وتعزيز موازين القوى على الصعيد الوطني والعربي والدولي، وتفعيل المؤسسات الفلسطينية بدءاً من منظمة التحرير الى اصغر مؤسسة فلسطينية وإصلاحها، واتباع منهج موحد مقاوم بدءاً من التراث الى الاقتصاد.
خلاصة: الوضع الحالي يُنذر بخطر شديد على مدينة القدس وتجاه القضية الفلسطينية برمتها، وهذا يتطلب مضاعفة الجهود من أجل اتخاذ موقف ضد ما تقوم به إسرائيل، والعمل على وقوف الهيئات الدولية عند مسؤولياتها تجاه قضية فلسطين، وعلى المستوى المحلي لا بد من توحيد الصف الفلسطيني الداخلي، وإعادة القضية الفلسطينية لأهميتها الأولى عربياً ودولياً من أجل مجابهة المشاريع الاستعمارية في القدس والضفة الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق