29 تشرين الثاني من قرار تقسيم فلسطين إلى قرار التضامن مع الشعب الفلسطيني


  أسامة خليفة
 باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
يصادف يوم الثلاثاء 29/11/2022 الذكرى الـ75 لقرار الأمم المتحدة رقم (181)، قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، الصادر في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني، عام 1947، والذكرى 45 لقرار أممي آخر 32/40 المؤرخ 2 كانون الأول/ديسمبر1977 بني على القرار الأممي السابق، استدراكاً لما ساهم به قرار تقسيم فلسطين من كارثة لشعب سلبت حقوقه وأرضه ووطنه، وشرد في أصقاع الأرض.
ربما تكون فكرة تقسيم أرض فلسطين التاريخية متضمنة في «وعد بلفور»، والذي تعهدت بموجبه بريطانيا العظمى بـ «إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين»، لكن أول من طرح فكرة تقسيم فلسطين بوضوح تام، لجنة بيل أو اللجنة الملكية البريطانية لفلسطين، مثّل تشكيلها من قبل الحكومة البريطانية، أحد وسائل الخداع الاستعماري الخبيثة الذي اشتهرت به مجمل السياسات البريطانية وممارسات حكومة الانتداب في فلسطين، حيث شُكّلت هذه اللجنة في أعقاب اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 للتحقيق في أسباب الثورة، بدأت الثورة الفلسطينية في 20 نيسان/أبريل عام 1936 تمارس كل أشكال النضال الجماهيري والمسلح والعصيان المدني والإضراب الشامل، معلنة مطالبها: بوقف الهجرة اليهودية، ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود، وتشكيل حكومة وطنية، عجزت بريطانيا عن إخماد الثورة، بكل جبروتها العسكري وباستقدام أكفأ جنرالاتها الذين جعلت منهم بطولات الثوار أضحوكة وتندر في الروايات والأشعار الشعبية لا سيما المستر دل، فلجأت إلى الخديعة بإصدار الكتاب الأبيض تعد فيه بالحد من هجرة اليهود إلى فلسطين، وإلى تشكيل لجنة بيل، واستعانت بالحكام العرب لإقناع الزعامات الفلسطينية بوقف الثورة وبحسن نوايا «الصديقة» بريطانيا ورغبتها بإنصاف الشعب الفلسطيني.
 وصلت لجنة بيل إلى فلسطين في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، برئاسة إيرل بيل، وجاء في براءة تعيينها «من الأسباب الأساسية الاضطرابات التي نشبت في فلسطين في أواسط شهر نيسان /ابريل، ولتحقيق في كيفية تنفيذ صك الانتداب في فلسطين إزاء التزامات الدولة المنتدبة نحو العرب ونحو اليهود»، وعليها كذلك ان تبحث في تظلمات الجانبين حتى إذا اقتنعت بوجودها رفعت التوصيات لإزالتها.  
باشرت اللجنة الملكية عملها في القدس، ومع أن اللجنة العربية العليا أعلنت مقاطعتها للجنة بيل في البداية بسبب إصدار الإدارة البريطانية تصاريح هجرة، إلا أنها عادت وشهدت أمام اللجنة تلبية لدعوة ملوك العرب.
قرأ الحاج أمين الحسيني رئيس اللجنة العربية العليا بياناً يطالب بـ«العدول عن تجربة الوطن القومي اليهودي الفاشلة التي نشأت عن وعد بلفور، وإعادة النظر في جميع الأمور التي نتجت عنها والتي ألحقت الأضرار والأخطار بكيان العرب وحقوقهم»، وطالب بوقف الهجرة ومنع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود، وبحل القضية الفلسطينية على الأسس التي حلت عليها قضايا العراق وسوريا ولبنان بإنهاء عهد الانتداب، وعقد معاهدة بين بريطانيا وفلسطين تقوم بموجبها حكومة مستقلة وطنية ذات حكم دستوري تتمثل فيه جميع العناصر الوطنية، ويضمن للجميع فيها العدل والتقدم والرفاهية.
واستمعت لجنة بيل إلى الموقف الصهيوني عرضه عليها عدد من الشهود، وأهمهم شاهدان، الأول: حاييم وايزمان زعيم الحركة الصهيونية آنذاك، والثاني: زيئيف جابوتينسكي زعيم الإصلاحيين (الأشد عدوانية)، الذي طالب صراحة بدولة يهودية في فلسطين، حددها بالأقاليم القائمة على ضفتي نهر الأردن، وذلك دون استشارة العرب، الذين إذا بلغتهم بريطانيا قرارها بإقامة دولة يهودية سيغيرون رأيهم ويمتنعون عن مقاومة الصهيونية، تماماً كما أعطت عصبة الأمم بريطانيا مسؤولية الانتداب، وأصدرت هي وعد بلفور دون الاهتمام بموقف العرب، هذا في الوقت الراهن يشبه إعلان الولايات المتحدة صفقة القرن والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل دون استشارة العرب وموافقتهم.
أما وايزمان فذكر بعد لقائه اللجنة الملكية أنها فاتحته سراً بفكرة تقسيم فلسطين، فاستشار عدداً من المتدينين اليهود في الحدود التي رسمها الله لفلسطين، ووعد بها أبناء إسرائيل، ووصفها بأنها أوسع من الحدود المقترحة، لكن عليهم القبول بالتنازل عن شرق الأردن، وعن بعض القسم الغربي، وعليهم في هذا الظرف الصعب أن ينقذوا وبقدر الإمكان ما يمكن إنقاذه من إسرائيل، وعندما صرح بن غوريون: «أرض إسرائيل لا تتجزأ»، رده عليه وايزمان: «أن النقب لن يفر».
أقامت لجنة بيل شهرين في فلسطين، عادت إلى بريطانيا، بعد حوالي 6 أشهر من مغادرتها فلسطين صدر تقرير اللجنة الملكية في 8 تموز/ يوليو 1937، تقترح فيه إنشاء ثلاث مناطق في فلسطين، منطقة انتداب بريطاني في القدس، ومنطقة عربية تتشكل من باقي أجزاء فلسطين مع شرق الأردن، ودولة يهودية في الجليل والسهل الساحلي الغربي، باستثناء منطقة يافا التي ستبقى مع منطقة القدس و منطقة بيت لحم و منطقة الناصرة منطقة طبريا تحت إشراف الانتداب البريطاني للمحافظة على قدسيتها وحرية الوصول إليها، أرفقت اللجنة تقريرها بخريطة تحدد فيها مساحة المنطقتين الانتدابية والصهيونية بدقة، بينما تركت الباقي المخصص للعرب دون تحديد.
اعترفت اللجنة أيضا بأن توصياتها لا تكفي لمواجهة أسباب ثورة الشعب الفلسطيني، فدعت إلى عدم التردد في فرض الحكم العسكري وانتهاج أسلوب العنف في حال تجددها، في بيان الحكومة البريطانية الذي أعقب تقرير اللجنة الملكية، أكد انصياعها لمقترحات بيل، بينما نددت اللجنة العربية العليا بتقرير پيل، وبخطة التقسيم، وأصرت على الاحتفاظ بفلسطين دولة موحدة.
وفي سبتمبر 1937 عقد مؤتمر في بلودان بسوريا حضره 400 مندوب وقرر المؤتمر أن فلسطين جزء من الوطن العربي ولا يمكن التنازل عن أي جزء منها، وقال المؤتمر إن على بريطانيا أن تختار بين صداقة العرب وصداقة اليهود.
أجمع المؤتمر الصهيوني العشرون الذي انعقد في زيوريخ في 17 آب 1937 على رفض ما خلصت إليه لجنة بيل حول التقسيم والحدود المقترحة، وطالب الحكومة البريطانية الدخول في مباحثات لمناقشة خطة التقسيم التي ستعرضها الدولة المنتدبة.
كلفت لجنة الانتدابات التابعة لعصبة الأمم الحكومة البريطانية تقديم خطة مفصلة لتقسيم فلسطين، وأجّلت البت في اقتراح التقسيم إلى حين تقديم خطة التقسيم. في يناير 1938، شكل مجلس الوزراء البريطاني لجنة جديدة برئاسة جون وودهيد لمراجعة خطة التقسيم بالتفصيل وللتوصية بخطة عملية، لكنها اضطرت إلى التراجع والتخلي المؤقت عن مشروع پيل للتقسيم، بزعم أن الوقت غير مناسب لتطبيق اقتراح اللجنة الملكية حول التقسيم، وحاولت الحكومة البريطانية إنهاء الثورة الفلسطينية بعنف أشد وقمع غير مسبوق، مترافقاً مع ادعائها رفض التقسيم لأته فكرة غير عملية وتذرعت بالمصاعب الإدارية والسياسية والمالية التي تتضمنها عملية التقسيم.
ردود الفعل العربية على المستوى الشعبي على مقترحات لجنة بيل تجسد في مؤتمر بلودان بحضور 400 ممثل من مختلف الأقطار العربية واستنكر فكرة التقسيم وأكد أن حل القضية على أساس إلغاء الانتداب ووعد بلفور وعقد معاهدة بين بريطانيا وممثلي العرب على غرار المعاهدة العراقية.
أما ردود الفعل العربية الرسمية فكانت بعقد مؤتمر برلماني في القاهرة، قرر تأييد مطالب الحركة القومية العربية في فلسطين بتأليف حكومة قومية مستقلة ووقف الهجرة ومنع بيع الأرض.
بعد لجنة بيل التي شكلتها بريطانيا، شكلت الأمم المتحدة في اجتماع طارئ عقد في أيار/ مايو 1947 لجنة دولية تألفت من السويد وكندا وأستراليا والهند والبيرو وهولاندا وإيران وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا وغواتيمالا والأوروغوي، كلفت اللجنة بوضع حل زارت فلسطين، واستمعت إلى شهادات قادة الحركة الصهيونية بينما قاطعها قادة الحركة القومية العربية التقليدية الذين رفضوا الشهادة أمام لجنة دولية إصراراً منهم على إبقاء القضية الفلسطينية بإطار الامبرياليتين الأمريكية والبريطانية، قررت اللجنة وبأكثريتها تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، والأقلية دعت إلى إقامة دولة ثنائية القومية اتحادية الشكل، وفي اجتماع الجمعية العامة العادي في 29تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 قررت الأمم المتحدة انهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية حسب خرائط قررت سلفاً، كما قررت تدويل القدس.
وبعد 30 عاماً من إصدار قرارها رقم 181 الخاص بتقسيم فلسطين، وفي 2/12/1977، أصدرت الأمم المتحدة قرارها بإعلان يوم ذكرى التقسيم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من كل عام ، يوماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، أدراكاً من الأمم المتحدة بمقدار الخطأ الكبير الذي ارتكبته بحق شعب فلسطين، حيث شكّل قرار التقسيم ذريعة، قدمها المجتمع الدولي للحركة الصهيونية، حين فهمته تشريعاً قانونياً دولياً تمنحه المنظمة الدولية للعصابات الصهيونية للقيام بعمليات التطهير العرقي وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وارتكاب أبشع المجازر بحقهم.
فهل يكفي أن تصلح الأمم خطأها بيوم عالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني؟. وهل يجدي التضامن دون إجراءات عقابية في حل القضية الفلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة نفسها؟. وهل التغطية الإعلامية للقضية الفلسطينية تعيد الحق لأصحابه؟.
ادعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنها خصصت هذا اليوم والذي يوافق (29 تشرين الثاني/ نوفمبر) من كل عام للاحتفال به كيوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني تشجيعاً للدول الأعضاء في المنظمة الدولية وبالتعاون مع بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة على مواصلة تقديم أوسع دعم وتغطية إعلامية احتفالاً بيوم تضامن للتذكير بحقوق الفلسطينيين، وتهدف نشاطات هذا اليوم إلى توعية الرأي العام بقضية فلسطين، ودعم تسوية سلمية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، إذ يشكل اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني فرصة للفت انتباه المجتمع الدولي إلى حقيقة أن القضية الفلسطينية لا تزال عالقة ولم تحل حتى يومنا هذا، رغم مرور عشرات السنين وصدور العديد من القرارات الدولية ذات الصلة، وأن الشعب الفلسطيني لم يحصل بعد على حقوقه غير القابلة للتصرف على الوجه الذي حددته الجمعية العامة، وهي حق تقرير المصير أسوة ببقية شعوب الأرض، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967، وحق الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي أبعدوا عنها.
منذ صدور قرار التقسيم نهاية العام 1947، بدأت عمليات التطهير العرقي في فلسطين باستهداف القرى الفلسطينية القريبة من المستوطنات، في بداية العام التالي 1948 تصاعد التطهير العرقي  بطرد سكان العديد من القرى ولاسيما في محيط القدس، وصولاً في نيسان إلى التطهير العرقي في المدن الفلسطينية ذات الكثافة السكانية العالية ابتداء بطبريا وحيفا ويافا وشرق القدس، ومع اكتمال التنفيذ كان نحو 800 ألف فلسطيني قد أُرغموا تحت حراب الإرهاب على الهجرة إلى الدول المجاورة، ومن أواخر العام 1947 وعلى امتداد العام 1948 استولى الاحتلال الإسرائيلي على 774  قرية ومدينة في فلسطين، ودمر 531 قرية، وأخلي العشرات من الأحياء في المدن الفلسطينية من سكانها/ وهذا يعتبر، من وجهة نظر القانون الدولي، «جريمة ضد الإنسانية»، والتي لا تسقط بالتقادم.
لقد وفر قرار التقسيم الفرصة لتنفيذ المخطط الصهيوني للترحيل القسري للعرب، عبر ارتكاب المجازر، والحرب النفسية واستغلال مجزرة دير ياسين في إثارة الرعب ، قصف البيوت والتجمعات السكنية، تم إعداد خطة محكمة مسبقاً، قبل حرب 1948، واستمرت بعدها، واستغرق تنفيذها ستة أشهر، بأعمال التطهير العرقي وطرد السكان ومنع الفلسطينيين من العودة إلى بيوتهم بعد توقف القتال بأوامر صريحة لوحدات العصابات الصهيونية المسلحة، فدمروا القرى، وزرعوا الألغام في أنقاض البيوت المدمرة ، واستخدموا الارهاب والقتل على الحواجز لتنفيذ خطة إفراغ فلسطين من سكانها العرب، دون أي رادع أخلاقي، وتحول معظم شعب فلسطين إلى مشردين هجّروا إلى الدول المجاورة وأصقاع العالم وبرزت قضية اللاجئين الفلسطينيين كإحدى تعقيدات القضية الفلسطينية، وإلى الآن ينتظر الشعب الفلسطيني تطبيق العدالة الدولية وعودة اللاجئين على ديارهم التي هجّروا منها.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق