مخيمات لبنان: عندما تنهال المصائب والمصاعب


موسى جرادات

بالأمس القريب تداعى سقف أحد المنازل في مخيم برج البراجنة ، على رؤوس ساكنيه، ولم تكن تلك الحادثة أولى الحوادث في مخيم البرج، أو في مخيمات أخرى، فتلك الحادثة كاشفة لأزمة عمرها سنوات، بقيت دون حل، في ما المؤسسات المعنية بهذا الشأن، غائبة او مغيبة عن فعل اي شيء، فعوامل الغياب لدى تلك المؤسسات وعلى رأسها الأنروا، تأتي دائما تحت حجة نقص التمويل، في ما العارفين بأحوال تلك المؤسسة المعنية بالشأن الفلسطيني، أنها تسلك في عملها مبدأ المحاباة، في تقديم خدماتها للاجئين الفلسطينيين في المخيمات، المحاباة في علاقاتها مع القوى الفلسطينية داخل المخيمات، تدفعها لتجاوز القوانين والأعراف والأولويات في تقديم الخدمة، لصالح بعض القوى المتنفذة داخل المخيمات .

على الرغم من عدم وجود احصائيات رسمية، لعدد البيوت الآيلة للسقوط في أية لحظة غير أن البعض يقدرها بالمئات. الظاهرة قديمة قدم المخيمات الفلسطينية التي تمددت فيها الأبنية أفقيا وعاموديا، نظرا لصغر المساحة الجغرافية لتلك المخيمات، وما أدى إلى هذا الشكل الهندسي الفريد من نوعية، فالبيوت التي تجاوز بناؤها أكثر من ستين عاما، لم تعد تقوى على التحمل والاستمرار، يضاف إليها رزمة القوانين والقرارات الحكومية، التي تمنع اللاجئ من الترميم او البناء.
والسؤال المركزي الذي يطرح هنا، كيف مرّت كل تلك السنوات، وكيف صرفت عشرات الملايين من الدولارات ضمن برامج وتصورات، بحيث لم يلتفت فيه للحاجات الضرورية لهؤلاء الناس؟ وكيف صمتت تلك النخب والمنظمات والفصائل عن هذا المسار؟ والجميع يعلم أنَّ البنية التحتية لجميع المخيمات مدمرة ومستهلكة، ولم يُجرَ عليها أي تطوير منذ عقود، وكذلك المؤسسات الصحية العاملة في تلك المخيمات، التي تراجعت عن تقديم خدماتها سنة بعد سنة، في ظل الادعاءات التي تقدم دائمًا عن عدم وجود التمويل اللازم لتلك الأعمال، في حين اهتمت منظمات المجتمع المدني بعناوين تربوية وقيمية تتصل بحقوق الطفل والمرأة والجندر وحقوق الإنسان، كأنَّ مشكلة اللاجئ متصلة بأبعاد ثقافية ومنفصلة عن الواقع المعاش.
وكيف يطلب اليوم من اللاجئ الفلسطيني الصمود ، وحياته مهددة بالخطر في أية لحظة، وهو يرى بأم عينه ان القوى المحلية المسؤولة عن حمايته، تسلك طرقا ملتوية في تحصيل حقوق البعض المقرب، على حسابه وحساب مستقبله، وهو يرى أيضا هذا الكم الكبير من الظواهر السلبية التي تجتاح المخيمات منذ عقود، وهي بالمناسبة كبيرة جدا وأكبر من ان تحصى، وعلى رأسها ظاهرة تعاطي وترويج المخدرات، وانتشار فطري لمؤسسات المجتمع المدني، وكل خدماتها لا تصل في المحصلة النهائية صفر انجاز، وأمام تلك الظواهر مجتمعة، كيف تدعي تلك القوى والمؤسسات تمثيلها لهذا اللاجئ المنكوب والمحكوم من ابسط أشكال الحياة، في ما الظروف الاقتصادية والحياة المعيشية الطاحنة القديمة والمستجدة تفتك بأمنه الصحي والغذائي والتعليمي، يضاف إلى هذا كله فقدانه المسكن، واين ما وليت وجهك ترى الكوارث والمصائب مجتمعة ، تفعل فعلها ، فإلى أين المفر، حيث لم تعد كل الشعارات المرفوعة من القوى والمؤسسات الفلسطينية كافة، التي تدعي التمثيل قادرة على أن تقدم اية مساعدة للاجئين الفلسطينيين.
كم مرة سيدق ناقوس الخطر، حتى تتوقف تلك القوى، أمام مسؤولياتها وتعي ان الهاوية لم تعد تتسع لمزيد من والمصائب والمآسي المزمنة والمتجذرة في المكان وفي مجتمع اللاجئين، وعندما يحاول اللاجئ ان يقفز من مساحات القهر التي يحياها بشكل يومي، إلى فضاءات الموت في البحار، فهذا يعني أن الحياة في المخيم أصبحت تعادل الموت في مخاطرة البحث عن مأوى له خارج حدود المخيم ، فلا لوم عليه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق