الشعبُ القويُ والحاضنةُ الصابرةُ صناعُ النصرِ وأصحابُ الفضلِ

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
قد يكون للمقاومة الوطنية العسكرية المسلحة، القوية القادرة، المدربة المؤهلة، الكبيرة العدد، الكثيرة العتاد، الوفيرة العدة، المنتشرة اليقظة، الممتدة الشاملة، بقيادتها المختصة، الحكيمة المسؤولة، الخبيرة العارفة، المخلصة الصادقة، الواثقة المطمئنة، المقدامة الشجاعة، وعناصرها المقاومة ذات الكفاءة العالية والتجربة العميقة، الشابة الفتية، القوية المتينة، المهيبة الشكل والمظهر، العظيمة الهيئة اللافتة النظر، بأجسامها القوية وحركتها السريعة، ومشيتها الواثقة، وبزتها العسكرية، وجعبتها وبندقيتها وقنابلها ومديتها وغيرها مما يلزمهم في القتال والاقتحام، والمواجهة والتصدي.
 
وكذلك وحداتها المختلفة وفرقها المتنوعة، وتخصصاتها العديدة، وأسلحتها المتطورة، وصواريخها بعيدة المدى دقيقة الإصابة وشديدة الأثر، ومعها طائراتها المسيرة، وقذائفها الصاروخية الدقيقة، المحلية الصنع والأجنبية، المخصصة لاستهداف السيارات المدرعة والدبابات، وغيرها من الأسلحة الحديثة، التي لم تعد كما كانت سابقاً بنادق قديمة وقطعاً حديدةً عمياء، بل غدت وسائل قتالية حديثة، برية وبحرية وحتى جوية، تعززها الأنفاق الاستراتيجية، وفرق الكوماندوز الخاصة، والقطاعات البحرية المميزة، وسلاح الغواصين والصواريخ البحرية الموجهة، والطربيدات المدمرة والألغام البحرية غيرها.
 
هذا إلى جانب وحدة الساحات وتضامن الجبهات، وشمولية المعركة واتساع الميدان، والتنسيق الشامل مع قوى المقاومة ومحورها القريب والبعيد، الذي يردفها بالمال والسلاح، ويزودها بالخبرة والمعرفة، والأجهزة الحديثة والمعدات المتطورة، ويراقب عملها ويحسن أداءها، ويصوب سلاحها ويزودها بما تحتاج إليه لتبقى قوية متميزة، وقادرة على الوصول إلى العدو وإيلامه، وصد هجومه ودحر قواته، وإحباط عملياته وأسر جنوده، ومنعه من تحقيق أهدافه أو فرض شروطه، وصولاً إلى هزيمته وكسر شوكته، وفرض شروطها عليه وإجباره على التراجع والانكفاء، والمطالبة بالهدنة ووقف القتال ومختلف الأعمال الحربية، مقابل تنازلاتٍ يؤديها، والتزاماتٍ يتعهد بها، وشروطٍ يخضع لها.
 
قد يكون لكل ما سبق ذكره وغيره مما فاتني سهواً أو عدم إحاطة ومعرفة، ويذكره غيري لعلمهم وخبرتهم وتجربتهم، دورٌ كبيرٌ في تحقيق النصر، وضمان الصمود والثبات، ومراكمة سجلٍ حافلٍ بالإنجازات الكبيرة والمكاسب العديدة، لكن كل هذه القوة مهما عظمت، وهذا التميز مهما تنوع، وهذه القيادة الفذة والأجناد البطلة، لا تصنع نصراً ولا تحقق غلبة، ولا تهزم عدواً ولا تدحر غازياً، ما لم تكن هذه القوة مصانةً بشعبها، ومحاطةً بأهلها، ومحفوظة بأبنائها، وقوية بحاضنتها.
 
فلولا الشعب الصابر الصامد، المضحي المعطاء، والبيئة الصادقة المخلصة، الذي يصبر على التضحية ويقدم الشهداء، ويقف بعزةٍ وشموخٍ، وكبرياءٍ وشممٍ، على ركام بيوته المدمرة وآثار مؤسساته المخربة، ويودع شهداءه بأهازيج الرجال وزغاريد النساء، وينظر بأملٍ ورجاءٍ إلى مزارعه المحروقة وأشجاره المخلوعة، وشوارعه المحفورة، وأرضه المحروثة، ويصبر على المحنة والابتلاء، ويجفف الدمعة ويخفي الحسرة، ويقف إلى جانب المقاومة يؤيدها ويساندها، ويساعد شبابها، ويحمي أبناءها، ولا ينتقد أداءها، ولا يعيب عليها عملها، بل يشاركها المسؤولية الوطنية، ولا يحملها المسؤولية وحدها عما يصيبه ويلحق به، لولا ما تحقق شيئاً مما نفخر به ونعتز.
 
هذا الشعب الذي لا يسر العدوَ بانتقاده المقاومة، ولا يفرحه بتخليه عنها، ولا يشفي غليله بدمعةٍ وحسرةٍ، وآهةٍ وشكوى، ولا يرضيه بمواقف إعلاميه تؤيده وتجيز عدوانه، بل يظهر أمامه عزةً وكبرياءً، وأنفةً وشموخاً، يتوعده ويهدده، ويتمسك بالمقاومة ويتحدث باسمها، واثقاً بالنصر صابراً على الألم، راضياً عن دور مقاومته وأداء رجالها، ولا يبدي أسفاً أو حزناً، ولا ندماً أو ضيقاً، وإن كان بعضهم قد فقد جل أهله، واستشهد عددٌ كبيرٌ من أبنائه، وأصابهم العدو بجراحاتٍ وعاهاتٍ مستديمة، إلا أنهم جميعاً يتحلون بالصبر الجميل والاحتساب الرباني، الذي عز نظيره في زماننا، ما يجعل صبرهم هو السلاح الأهم والقدرة الأكبر.
 
لا أغمط القدرة العسكرية فضلها، ولا أهمل دورها، ولا أنكر قيمتها، لكنني هنا أُعلي من شأن الشعب، وأرفع من قدر وقيمة الحاضنة، إذ بدونهما تضعف المقاومة، ويتراجع أداؤها، وتشعر بأنها وحيدة منبوذة، منفصلة عن المجتمع وبعيدة عن أهلها، وحينها يستفرد العدو بها وينال منها، ويعزلها عن محيطها وينتزعها من بيئتها، ويفرض شروطه عليها، ويظهر نفسه أكثر رأفةٍ بالشعب من المقاومة، وأحرص عليه منها.
 
لهذا فإن على قوى المقاومة وفصائلها العسكرية المسلحة، وغيرهم من المسؤولين الأمناء على هذه القضية المقدسة، أن يحرصوا على شعبهم، وأن يحفظوه ولا يلهبوا ظهره بالسياط، ولا يرهقوا كاهله بالأعباء، ولا يفرضوا عليه ما لا يستطيع، ولا يكلفوه بما لا يقوى، ولا يتخلوا عنه عند الحاجة، ولا يتركوه للمجاعة، ولا يدعوه عند الجائحة، ولا يجعلوه وحده في مواجهة المحن والابتلاءات، بل يجب عليهم أن يبذلوا قصارى جهودهم لمساعدته ومساندته، والوقوف إلى جانبه ومناصرته، وإنصافه ورفع الظلم عنه، ومنع التغول عليه والإساءة إليه، والعدل معه واستعادة الحق له، فهو القوة الحقيقة، والسلاح الأمضى، والجدار الأعلى، والحصن الأسمى، والوجه المنير الأنضى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق