الهجرة غير الشرعية تؤرق القوى الفلسطينية في لبنان: تقرير حقوقي يكشف اسبابها وتفاصيلها...


 
النشرة

يؤرق هاجس الهجرة القوى السياسية الفلسطينية في لبنان، بعدما تحولت من فردية قبل سنوات الى جماعية ومنظمة ومكلفة معا، هربا من البؤس والحرمان وسعيا وراء العيش الكريم مع استفحال تداعيات الازمة اللبنانية المعيشية الاقتصادية الخانقة التي حولت غالبية أبناء المخيمات الى عاطلين عن العمل وتحت خط الفقر المدقع.

اللافت في الأمر ليس فقط انها باتت جماعية بل لعائلات بأسرها، وتشمل مختلف فئات المجتمع بعدما كانت مقتصرة على جيل الشباب، ومن كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية التي يعيش ابناؤها المعاناة المتفاقمة في ظل الغلاء وارتفاع الاسعار والحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية.

كما ان اللافت أيضا، انها باتت تتم عبر القوارب البحرية بعدما كانت تعتمد طريق الجو، عبر السفر الى احدى الدول وتكون وجهتها عادة تركيا كمحطة اولى، قبل الانتقال الى اليونان بطريقة غير شرعية ومنها الى اي دولة تقبل طلبات اللجوء الانساني وخاصة المانيا وبلجيكا، وانها اصبحت مكلفة اذ باعت عائلات هاجرت كل ما تملك لدفع تكاليفها ومنها من نجح ومنها من فشل وعاد الى "الصفر" وعلى "الحديد"، ومنها من غرق ومات وتحولت أجسادهم الى طعوم للأسماك في أعماق البحر، ناهيك عن وقوع الكثير فريسة بين أيادي السماسرة وعصابات تجار البشر التي تتقاسم الأموال وتفاوض على من يريد الهجرة وكأنه سلعة.

ورصدت "اللجان الشعبية الفلسطينية" ارتفاع وتيرتها الى الدول الاوروبية وخاصة من مخيمات الشمال (البداوي ونهر البارد) وبعض مخيمات بيروت وصيدا (عين الحلوة)، واكدت ان الهجرة غير الشرعية باتت تهدد الوجود الديموغرافي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتمهّد لتفريغ المخيمات من الثِقل الكمي والنوعي والإبتعاد جغرافياً عن الحدود مع فلسطين، ناهيك عن تأثيرها على تفكك العائلات الفلسطينية وبعثرة للمجتمع في دول العالم، وسط خشية ضمنية وعلنية من ان تكون جزء من مؤامرة دولية لشطب حق العودة والتهجير واستكمالها بالتوطين لمن تبقى في اماكن اللجوء.

بالمقابل، تؤكد المنظمات الحقوقية الفلسطينية ان حق عودة اللاجئين غير مرتبط بالمكان الذي يتواجد فيه اللاجئ أو حتى القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، وبالتالي لا خوف على حق العودة من أي عملية هجرة سواء كانت شرعية أو غير شرعية، إذ أن حق العودة من المبادئ التي لا تحتاج، في الأساس، إلى تكريسه في نصوص قانونية، واستناداً إلى هذه المعايير، فإن حق العودة هو حق من حقوق الانسان، وهو حق غير قابل للتصرف ولا يسقط بالتقادم مهما طال الزمن، وهو حق شخصي لا يجوز التنازل عنه لأي سبب في أي إتفاق أو معاهدة، وهو حق جماعي لا تجوز فيه النيابة تحت أي شكل من الأشكال.

وكشفت "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" في تقرير مفصل عن الهجرة غير الشرعية، ان ابرز اسبابها الفقر المدقع، مستندة الى احصائيات وكالة "الاونروا" التي أوضحت إن 86% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، وبأن أكثر من 80% من أطفالهم الرضّع لا يحصلون على ما يكفي من المتطلبات الغذائية للنمو الصحي، وبأن نسبة معدلات الفقر في أوساط اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا الى لبنان قد وصلت الى 87%، بينما وصلت نسبة البطالة في أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى حوالي الـ 80%.

ويقول "أبو محمد"، وهو والد أحد اللاجئين الذين تمكنوا من الوصول الى ايطاليا وهو من مخيم البداوي، إنه هو نفسه لم يعلم بنيّة ابنه الهجرة، "عرفت بذلك بعد انطلاقه. استشطت غضباً ومتّ خوفاً عليه، المسافة إلى إيطاليا طويلة جداً والإبحار إلى هناك يحتاج خبرة. أحمد الله أنه وصل سالماً وأتمنى له أن يحقق أحلامه".

ويضيف أبو محمد "باتت الهجرة المجال الوحيد المفتوح أمام الشباب الفلسطيني. فمع انسداد الآفاق الاقتصادية عموما في البلاد، والمعاناة الخاصة التي كان يعيشها اللاجئون الفلسطينيون قبل الأزمة أي قبل العام 2019 (الحرمان من حق العمل والتملك والحقوق المدنية)، جعلت كل مشاريع هؤلاء الشباب في لبنان محكوم عليها بالفشل. ما الحل فإذا؟ أن يبقوا هنا ويتحولوا إلى سلعة بأيدي العصابات وتجار البشر أم أن يهاجروا إلى بلدان تحترم إنسانيتهم وتتيح لهم فرصا للتقدم؟.

ويقول مدير "الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين" علي هويدي أننا أمام فرصتان لإنقاذ من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين والحفاظ عليهم وحمايتهم ولتثبيتهم في مخيماتهم وتجمعاتهم وتوفير العيش الكريم لهم إلى حين العودة، الأولى: مع تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة وايلاء الشأن الفلسطيني اهتمام كبيرا، عبر ادراج بند خاص يتعلق بتوفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية في البيان الوزاري القادم، لا سيما حقيْ العمل والتملك، وضرورة تحويل تلك الحقوق إلى مراسيم معتمدة في المجلس النيابي، والشروع الفوري في تنفيذها، والتعالي عن الحسابات الداخلية اللبنانية على قاعدة أن إعطاء تلك الحقوق يوفر العيش الكريم للاجئين، ويعزز العلاقات الأخوية بين الشعبين الفلسطيني واللبناني، ويتوافق مع ما جاء في مقدمة الدستور اللبناني برفض التوطين، ويمكّن اللاجئ من التمسك بحق العودة.

ويضيف هويدي اما الفرصة الثانية: مع انطلاق جلسات الدورة الـ 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ايلول الجاري وفي 23 منه مع انعقاد مؤتمر التعهدات الخاص بوكالة "الأونروا"، هي فرصة هامة لتسليط الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين عموماً وفي لبنان بشكل خاص نتيجة ما يتعرض له من عملية تفريغ ديموغرافي، اذ يحتاج اللاجئون الفلسطينيون بتقديرنا في "الهيئة 302" إلى التحرك على مستويين الأول رفع مستوى المسؤولية الوطنية الفلسطينية تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين عموماً وقضية اللاجئين في لبنان على وجه الخصوص والتي تقتضي تحركاً سياسياً نشطاً من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، يسانِده الفعل الشعبي المنظم والمتصاعد والمستمر في مختلف أماكن تواجد الفلسطينيين داخل وخارج فلسطين، مدعوما بحملة مناصرة عالمية تكشف الغايات السياسية من وراء استهداف وكالة "الأونروا" وتأثير بعثرة وتفريغ المخيمات الفلسطينية في لبنان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق