46 عاماً على ملحمة مخيم تل الزعتر حصدت الآلاف من الأرواح والجرحى والمفقودين



 تمثل مجزرة مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان، واحدة من أسوأ صفحات الحرب الأهلية اللبنانية وتعد من أكبر الفظائع في العصر الحديث وأكثرها فتكا بالمدنيين الأبرياء، منفذوها مليشيات لبنانية يمينية، بينها حزب الكتائب ونمور الاحرار وحراس الأرز، حيث طالت نحو 4280 قتيل غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، وآلاف من الجرحى والمفقودين وقصص مرعبة لعمليات الذبح الجماعية لضحايا تمت تصفيتهم بين 12 و14 آب وآخرين قتلوا خلال حصار المخيم ومعارك سبقت اقتحامه بأشهر طويلة.

أحداث المجزرة

مع بداية العام 1976 قامت ميليشيات مسيحية باقتحام منطقة "الكارنتينا" الواقعة تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 18 كانون الثاني وقتلت حينها نحو 1500 من سكان المنطقة التي يسكنها أكراد وفلسطينيون وسوريون.

وبعد تلك الحادثة فرضت الميليشيا اللبنانية الحصار على المخيم، وفي 22 حزيران عام 1976 شنت هجوماً بالصواريخ والقذائف على مخيم تل الزعتر ومخيم جسر الباشا وحي النبعة اللبناني استمر نحو 52 يوماً متتالية، وقدر عدد القذائف وقتها بنحو 55 ألف قذيفة، الى أن تمكنت من اقتحام مخيم جسر الباشا وحي النبعة في نهاية تموز / يوليو عام 1976، وارتكبوا جرائم إبادة.

بعدها قامت مجموعة قوة الردع العربية بعقد اتفاق بين القوات اللبنانية والمقاتلين الفلسطينيين يقضي بخروج المدنيين والمقاتلين من المخيم لتتكفل بهم قوة الردع العربية والصليب الأحمر اللذان سيزودانهم بوسائل النقل اللازمة.

في السابع من آب 1976، قامت ميليشيات القوات اللبنانية بعملية غدر للفلسطينيين المتحصنين داخل المخيم وفتحت النار على جميع السكان وهم يغادرون المخيم عزلاً من السلاح وفقا للاتفاق، فقتلوا المئات، ودخلت مجموعة من الكتائب اللبنانية إلى داخل المخيم، يطلقون النار على كل من يصادفونه، فيما قامت مجموعة أخرى بإيقاف الناقلات التي تراكم فيها الناجون على الحواجز المنصوبة على الطرقات، ويقتلون من بداخلها بطرق بوحشية أو يقتادونهم إلى جهات مجهولة.

أحد شهود العيان قال "حوصر المخيم، وفقد أهله الطعام والشراب، فلا مواد غذائية تدخل إليه، وحتى المياه التي كانوا يحضرونها من البئر اختلطت بدماء الشهداء التي ألقيت فيه، ومع الوقت لم يعد في المخيم طعام".

وأضاف: عندما سقط المخيم، وخرج الناس منه، كانت شاحنات النقل تسحب شباناً مربوطين بها، عدا عن الشبان الذين كان يجري صفّهم أمام الحائط، وما هي إلا لحظات حتى نراهم قد سقطوا على الأرض، شاهدنا شخصاً ربطت إحدى رجليه بسيارة، والأخرى بسيارة، وقُسم نصفين.

ومن أهوال المجزرة وبشاعتها ان ميليشيات القوات اللبنانية كانت تفرز النساء الكبيرات في السن عن الصبايا، وفجأة تختفي الصبايا ولا نعود نراهن، وكانت أعمارهن تتراوح بين 17 و25 وربما أكبر. أولئك البنات أخذن إلى جهة مجهولة لتعذيبهن، في تلك المجزرة مات عدد من الناس جوعاً، ولم تعد هناك إمكانية للمقاومة بعد حصار المخيم، وحتى الجريح لم يكن باستطاعة أهل المخيم علاجه، فكانوا يكتفون بوضع الماء والملح على الجرح، ومن كان يصاب بقدمه أو بيده كانت تبتر خوفاً من تسمم جسده".

في 12 آب، سقط مخيم تل الزعتر، فدخلته الكتائب اللبنانية وارتكبت فيه عملية إبادة، وبقر لبطون الحوامل وهتك للأعراض عدا عن ذبح الأطفال والنساء والشيوخ، وحدث الشيء نفسه في مخيم جسر الباشا ومنطقة "الكارنتينا".

آلاف من الفلسطينيين استشهدوا في "تل الزعتر"، وجسدوا بدمائهم أسطورة خالدة في عقل كل فلسطيني، وسطّروا بصمودهم، قصصاً حية أبية.

وبعد المجزرة قامت الجرافات التابعة للميليشيا اللبنانية بتسوية المخيم بالأرض وما زال الدمار قائماً إلى اليوم.

يذكر بأن مخيم تل الزعتر تأسس عام 1949 بعد اتفاق الدولة اللبنانية مع وكالة "الأونروا" ومساحته كيلومتر مربع واحد، ويقع في القسم الشرقي للعاصمة اللبنانية بيروت التي كانت تحت سيطرة الأطراف المسيحية إبان الحرب الأهلية، وكان يضم عام 1976 خلال الحصار نحو 31 ألف نسمة منهم 17 الف فلسطيني و14 الف لبناني وجنسيات عربية أخرى.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق