الرشيدية.. مخيم يقاوم القهر بانتظار العودة



 مركز الفلسطيني للإعلام

يصافح البحر ليل صباح، يعانق أمواجه الهادرة، ويقف شامخًا على شواطئه، ويختلط هواؤه بهواء فلسطين المحتلة، والتي يبعد عنها 14 كيلومترًا فقط.

الرشيدية أحد المخيمات الـ 12 الموجودة في لبنان، ينتظر لحظة الخلاص والعودة إلى الأرض المحتلة عام 1948م، يقع جنوب مدينة صور اللبنانية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويعد أقرب المخيمات الفلسطينية إلى فلسطين.

ويبلغ عدد سكان المخيم حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني "التعداد العام للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان 2017" على النحو الاتي: 8641 فلسطيني لاجئ في لبنان، 560 فلسطيني نازح من سوريا، 329 سوريًّا، فيما مجموعه قرابة 10 آلاف لاجئ.

ويعد أكبر مخيمات مدينة صور الثلاثة بمساحة 267 دونمًا، والتي تضم مخيمي البص والبرج الشمالي.

العيون على فلسطين

المواطنة أم عبد القادر (70 عامًا) تقول لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" إنها تنحدر من مدينة عكا المحتلة، وتقطن في مخيم الرشيدية منذ ولادتها، تؤكد أن عينيها على عكا، وستدرس أحفادها أن بلدهم محتلة ولهم عودة قريبة لها.

تقول: نعيش في الرشيدية أوضاعًا صعبة، كباقي مخيمات لبنان، نحن هنا ضيوف على الدولة اللبنانية، لا للتوطين، ولا للتسفير. سنخرج من الرشيدية يومًا ما إلى عكا المحتلة.

أضرار البحر

أما المواطن أبو إبراهيم (45 عامًا) فيقطن في منزل على شاطئ البحر، يقول: إن دمارًا لحق بمنزله جراء المد البحري الذي يحدث في الشتاء بفعل العواصف والأمطار.

يطالب في حديثه لـ "المركز الفلسطيني للإعلام" وكالة "الأونروا" والجهات المختصة بإنشاء سد بحري، لحماية منازلهم من الغرق كل عام.

مخيم الرشيدية، تعرض للقصف والعدوان الإسرائيلي عام 1982، كما تعرض لدمار إبان الحرب الأهلية، يشبه في أزقته وبنيانه مخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة.

وفي شمال المخيم تمتد أراضٍ زراعية بحوالي نصف كيلومتر من منطقة الشواكير، ويعتمد عليها سكان المخيم بمعيشتهم، أما الجهة الجنوبية فهي أكثر مساحة للزراعة بمسافة حوالي كيلومترٍ من المساحة السهلية، وتسمى منطقة رأس العين.

ويقّدر عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حوالي 463,664 نسمة وفق إحصاءات الأونروا للعام 2017، والعدد الأكبر منهم يعيش داخل المخيمات والتجمعات من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال في لبنان. حيث يُشّكل اللاجئون الفلسطينيون ما نسبته عُشر سكان لبنان الذي يتراوح تعداده حوالي 4,7 مليون نسمة، ويعيشون حياة صعبة للغاية بنسب بطالة وفقر شديدة.

قهر وألم

بدوره، يقول أبو علي، وهو أب لثلاثة أبناء، وينحدر من مدينة حيفا: "الأزمة اللبنانية وتفشي وباء كورونا، والأزمة التي تضرب العالم، أثرت عليّ مباشرةً، وبتّ بلا عمل منذ عامين، وانتقلت للعيش مع أهلي، لأني لم أعد أستطع الحياة وحدي".

يضيف: "أعمل الآن في مكتب محامٍ في صور حيث أنقل أوراقًا وأختمها مقابل عشرة آلاف ليرة لبنانية (أقل نصف دولار) عن كل معاملة، ولا يتجاوز مدخولي اليومي 50 ألف ليرة (2.1 دولار)، علماً أنني أعمل يومين في الأسبوع فقط".

وتقول الحاجة أم العبد البالغة 70 من العمر وتسكن في مخيم الرشيدية: "بات صعباً أن أشتري الأدوية الخاصة بي والتي أتناولها باستمرار منذ أن أصبت بجلطة أدخلتني المستشفى قبل ستة أشهر، حيث أجريت عملية قلب مفتوح. ويوجد بعض الأدوية التي أتناولها دورياً في عيادة أونروا، لكنني مضطرة إلى شراء أدوية أخرى من الصيدلية. ولولا أن ابني يعيش في بريطانيا، ويرسل لي مصروفي لما استطعت شراء الدواء، علماً أن إخوتي الذين يعيشون في فلسطين أرسلوا لي تكاليف إجراء عملية القلب المفتوح".

تضيف: "صارت حياتنا صعبة جداً في لبنان، ولم نعد نحتمل هذه المعاناة، فثمن كل شيء يرتفع، ونحن نحرم أنفسنا من أشياء ضرورية كثيرة، علماً أننا كنا نقول في السابق: "المجدرة صحن الفقير، لكن اليوم صار كيلو العدس بـ45 ألف ليرة (نحو دولارين)، ما يعني أن العامل الذي يتقاضى 50 ألف ليرة يومياً لا يستطيع توفير العدس لعائلته".

أوضاع صعبة

نزار الحسين، المسؤول السياسي السابق لحركة حماس في المخيم، يقول: إن المخيم تعرض لحصار من السلطات اللبنانية عام 1997، ومنعت مواد البناء من الدخول ما أسفر عن صعوبات في التمدد العمراني الطبيعي.

يضيف لـ"المركز الفلسطيني للإعلام": إن المخيم يعاني من أمور عدة أبرزها: ارتفاع رسوم الكهرباء في سياق غياب تام للكهرباء من الدولة اللبنانية، ونقص الكوادر الطبية في مشفى المخيم خصوصًا لمرضى الكلى الذين يضطرون للذهاب إلى مشفى الهمشري خارج مدينة صور في ساعات الفجر الأولى.

وطالب "الأونروا" بتحسين العقود الطبية والتحويلات الطبية بما يخص فواتير العلاج، والتغطية المالية.

وأشار إلى أن البطالة مرتفعة في المخيم بنسبة تصل لأكثر من 70%، وإن وجد عملا فهو خارج القانون حيث الدولة تمنع العمل للفلسطيني، والأجور منخفضة جدًّا.

ونبّه الحسين إلى ظاهرة التفلت الأمني، وإطلاق الرصاص في المخيم، داعيا الجهات المختصة لضبط الأمور، والعمل على فرض النظام التام.

وأوضح أن حركة حماس تقوم بدور إغاثي متواصل في المخيم، من حيث ترميم منازل المتضررين بالشتاء، ومشاريع إغاثية مختلفة على مدار العام.

ودعا كذلك لإنشاء السد البحري لمنع أمواج البحر من تدمير منازل المواطنين الملاصقة للبحر، ويقول: إن تكلفة بنائه عالية جدًّا، وهي بحاجة لقرار من مستويات عليا، وتمويل كافٍ.

ووفق الحسين، فإن لجنة تحسين المخيم قدمت مشروع السد البحري بتكلفة حوالي مليون دولار، وهناك عدد من المعيقات تحول دون إنجازه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق