ماهر الصديق
يأتي
آذار في كل عام بأريج من زهور روتها دماء
الشهداء . يأتي على
غير
انتظار ، فالزمن ينصرف و الفصول تبدل امكنتها ، و الاشياء تتغير ،
لكن
أذار الأرض يمكث بثبات و إصرار و تحد حتى يتجدد في كل عام .
الآذار
الفلسطيني ليس كغيره ، انه حكاية و ذكرى و
عهد و وعد ، فيه
يتوحد الفلاح و العامل و السياسي و المقاتل و الفيلسوف و العامي . فيه
تمتزج الطبيعة بالإنسان ، و الماضي بالحاضر ، و
الإرادة و العزيمة بالاماني .
و تختلط الدماء و المياه و الهواء و العطور و
الدموع و الزيتون ، ليتكوّن
المواطن الفلسطيني الفولاذي الذي يستحيل على الانكسار او الاندثار .
آذار
يأتي و يذهب ، و العمر ينقضي و يذبل
الشباب ، و لا زالت شقائق النعمان
تتمرد
على الغياب ، و تنتصر على البارود . لا
زالت العصافير الصغيرة تواجه
الموت و ترفض الافول . لا زالت الجبال و السهول
و البيارات القديمة و المساجد
المهدمة و الساحات التي كانت عامرة بأهلها تمقت
الوجه القبيح للمحتل . يأتي
آذار
كل عام بلونه الاحمر و الاخضر و الابيض ، و بالسواد الذي يصفع الوجوه
التي
احترفت الاجرام و القتل و القرنصة و الاحتلال . يأبى آذار ان يفارقنا الا بعد
اخذه
للعهد بان الفلسطيني الاصيل متمسك بكل ذرة من وطنه ، لن يفرط بحبة
رمل من ارضه التاريخية حتى و إن طال الزمان .
فلسطين ليست للبيع و لم تكن
في يوم
من الايام قابلة للمزاد و المقايضة و المساومة . انها فلسطين التي لفظت
كل
المحتلين و الغزاة و دفنت كل خائن و عميل و بقيت شامخة مشرئبة العنق
حتى و
هي مضرجة بالجراح . فلسطين ايها السادة مر عليها كل اصناف البشر ،
و كل
الاديان الوثنية و غير الوثنية ، و كل لغات العالم ، و كل الافاقين و المستعمرين
و
السفاحين ، كلهم خرجوا مدحورين خائبين و بقيت هوية الارض كما هي فلسطينية
خالصة
نقية لا تعترف الا باصحابها ، لا تقبل على ظاهرها و لا في باطنها ايضا
الا
ابناءها . هذا المحتل العبري لن يمكث عليها الا قليلا ، انها مرحلة من مراحل
الزمن
ستنقضي و تبقى الارض كما هي لا تتناغم الا
مع لغة عربية و لهجة
فلسطينية لا يجهلها الا جاهل في التاريخ و ناكر
للحقيقة التي لا تقبل الجدل . ان
العلاقة
الحميمة التي تربط الفلسطيني بارضة هي علاقة حياة مستمرة ، لانها لا
تموت مع الموت إنها تنتقل من جيل الى جيل . لا
يمكن انتزاع تلك العلاقة الا
بفناء الانسان الفلسطيني ، و من يمكنه إفناء شعب
متجذر في التاريخ ، عميق في
تكوينة
، اصيل في نسبه و حسبه ، مصر على الحياة الكريمة في وطن مستقل حر !
لن
يستطع احد ان يغير من هوية فلسطين حتى لو وقفت معه كل قوى الشر ، حتى
لو
تخاذل القريب و الغريب . ان فلسطين تستوطن في شغاف القلوب و هذه القلوب
خفاقة
، تزاد حنينا على حنين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق