التطبيع العربي، لمصلحة من؟

 


 د.انتصار الدّنّان

لسبعة عقود ونيف والشعب الفلسطيني يعيش لاجئًا في الشتات، بعيدًا عن أرضه، وحل محله شعب آخر جاءها من بلاد أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، والاتحاد السوفياتي لاحقًا،كما ما زلنا نشهد تدفقًا لهذا الشعب اليوم من أثيوبيا، بحجة بناء دولة إسرائيل المزعومة على أرض فلسطين.

خلال كل تلك العقود كان وما زال الشعب الفلسطيني يناضل من أجل استعادة أرضه، وبمساعدة بعض الدول والوطنيين الذين ما زالوا يؤمنون بقدسية حق الفلسطينيين في استعادة أرضهم، وحق العودة، لكني هنا، وعلى الرغم من ذلك النضال الطويل الذي قام وما زال يقوم به الفلسطينيون أردت أن أطرح سؤالًا على نفسي، ما السّبب الّذي جعل هذه الدولة المزعومة أن تبقى موجودة إلى اليوم؟ وأن تستمر بمدّ جذورها في الأراضي الفلسطينية حتى اللحظة، وأن تقوى يومًا بعد يوم؟

ما أود الإشارة إليه هنا بأن الدولة المزعومة لا يمكن أن تبقى وتستمر وتزداد قوتها يومًا بعد يوم من دون أن يكون لها من يساعدها ويؤازرها،فبرأيي ما ساعد على استمرار بقاء "إسرائيل" كل تلك السنوات مؤازرة الدول الكبرى لها، وتحديدًا أمريكا، تليها أوروبا، ومن ثم اليوم بعض الأنظمة العربية الذاهبة نحو التطبيع، مع علمهم بتاريخ "إسرائيل" الحافل بالحروب مع العرب.

هذه الدولة استطاعت عبر كل تلك السنوات أن تمارس الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني، وأن تستولي على أرضه من دون وجه حق، كما أنها استطاعت الاستيلاء خلال حرب الأيام الستة عام 1967، على الضفة الغربية من الأردن، قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا، ووضعت هذه الأراضي تحت احتلال عسكري، ومع كل ذلك لم توضع ولن توضع تلك الدولة تحت قائمة الإرهاب، هذا إن سلمنا جدلًا بأنّها دولة.

الدولة المزعومة اليوم باتت تستأثر بالموارد والقدرات المرتبطة بالمال والعمل والثقافة والصحافة والتربية، وصار لها نفوذ كبير كما تصور نفسها، ما أدى إلى تهافت بعض الدول العربية إلى التطبيع مع هذه الدولة المغتصبة لأرض فلسطين.

لكن، هنا أريد أن أنوه إلى أمر، أو أن أطرح سؤالًا، ما الغاية التي ترجوها تلك الدول من تطبيعها مع ذلك العدو؟ علمًا أنه كان من الأولى بها العمل على تحرير فلسطين، لتكون دولة فلسطينية يعيش في أرضها المسلمون والمسيحيون واليهود، وإعادة أهلها الذين شردوا منها بالإكراه، على العلم بأن العالم كله يعلم الخطر الذي تواجهه تلك الدولة المزعومة من فقدان قيادتها للحكمة والقوة والنزاهة، والشرف. فنحن نرى اليوم أن رموز تلك الدولة غارقون في مستنقع الفساد، والتزوير، والاختلاس، والاغتصاب، ونعلم ذلك من خلال الاتهامات التي وجهت لنتنياهو، والمحاكمات التي يواجهها اليوم في المحكمة، ولا نعلم إلام ستفضي النتائج.

فإذًا، أمام هذا الضعف الذي تمنى به تلك الدولة، كان لا بد لها من أن تحاول شد عصبها، وذلك بحسب رأيي يتم من خلال إبرام اتفاقيات "التطبيع" مع الدول العربية، لتظهر لشعبها أنها ما زالت تتمتع بالقوة المعهودة، علمًا أن الدعم الدولي والأمريكي لها لن يتوقف أبدًا، وذلك طبعًا مرتبط بمصالح خاصة لتلك الدول.

لكن، ما الفائدة التي ستجنيها تلك الدول العربية من التطبيع على الرغم من أن الدول التي لهثت خلف التطبيع لم يكن بينها وبين " الدولة المزعومة" حرب، أو حدود؟

على ما أعتقد أن" دولة إسرائيل" باتت أمام تحدٍ كبير، كما أنها باتت أجزاؤها تترهل شيئًا فشيئًا، فهي منغمسة في الفساد، فكيف لها أن تستعيد ثقة شعبها بها، وأن تظهر أمام مجتمعها بمظهر الدولة القوية.

أما التحدي الكبير الذي تخشاه "إسرائيل" هو كيف لها أن تواجه إيران والمقاومة؟ إن كانت في فلسطين أو خارجها، وهي تدرك بأنه من الصعب عليها المغامرة بالقيام بحرب.

أمام هذه المعطيات التي أوردتها أرد فرضية التطبيع التي قامت بها "إسرائيل" إلى أنها ما هي إلا محاولة للملمة أجزائها ومحاولة النجاة من الخطر الإيراني الذي يحدق بها بحسب زعمها والمقاومات، وتوريط الدول العربية في حروب لم تكن في الحسبان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق