إجراء الانتخابات الفلسطينية في ظل غياب ضمانات قضائية ودولية وإقليمية (قراءة قانونية)

 

محمود الحنفي/
مدير عام المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد»

أصدر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 2020، عدة قرارات بشأن السلطة القضائية ونشرت في الجريدة الرسمية الفلسطينية، بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2021، هذه القرارات متمثلة بــالقرار بقانون رقم (40) لسنة 2020، بشأن تعديل قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 2002، والقرار بقانون رقم (39) لسنة 2020، بشأن تشكيل المحاكم النظامية، والقرار بقانون رقم (41) لسنة 2020، بشأن المحاكم الإدارية.

أبرز تلك القرارات هو قانون السلطة القضائية، وإحالة ستة قضاة للتقاعد القسري المبكر وترقية آخرين. وكذلك القانون بترقية عدد من قضاة البداية إلى قضاة استئناف، وكذلك القانون بإحالة ستة قضاة إلى التقاعد المبكر بناءً على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى الانتقالي.

ينص أحد القوانين على تعديل في ترتيب المرأة داخل القوائم الانتخابية، بحيث تزداد نسبة مشاركة المرأة في المجلس التشريعي لتصل إلى ما يقارب 26 في المئة.

وجاءت تلك القرارات (القوانين) المتعلقة بالنظام القضائي قبل إصدار الرئيس عباس مرسوم إجراء الانتخابات العامة؛ الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الأهداف من تلك القرارات التي أعطت السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة تتعلق بالسلطة القضائية، فضلا عن تعطيل السلطة التشريعية.

ينقسم هذا المقال الخاص بالقرارات المتعلقة بالنظام القضائي والانتخابي إلى قسمين، قسم يعالج موضوع الملاحظات من حيث الشكل، وقسم يعالجها من حيث المضمون:

من حيث الشكل:

1-لم يتم التشاور قبل إصدار هذه القرارات مع نقابة المحامين أو العاملين في مجال القانون وكذلك القضاة أو الكادرات الأكاديمية.

2-لم يتم التشاور مع المنظمات الحقوقية التي سجلت اعتراضها على التغول على السلطة القضائية والتي قدمت ورقة موقف بهذا الخصوص.

3-لم يتم التشاور مع الفصائل الفلسطينية خصوصا حركة حماس.

4-ترى المنظمات الحقوقية والخبراء القانونيون أن قانون السلطة القضائية الفلسطيني رقم (1) لسنة 2002 يعد من أفضل تشريعات القضاء في المنطقة العربية. والمشكلة هي في التطبيق الأمين لنصوص هذا القانون، وأن الإرادة السياسية لدى السلطة الفلسطينية غير متوفرة لإعمال هذه النصوص.

5-إن إجراء أي تعديل على قانون السلطة القضائية يجب أن يكون من خلال برلمان منتخب بشكل ديمقراطي.

6-صحيح أن القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) يمنح الرئيس محمود عباس الحق في إصدار قرارات بقوة القوانين في حال عدم انعقاد المجلس التشريعي، ووجود "ضرورة" لا تحتمل التأجيل، إلا أن الرئيس يملك الحق في دعوة المجلس التشريعي وهو لم يفعل، كما أنه لا توجد ضرورة ملحة تجعله يمارس هذا الحق.

7-إن إصدار قرارات بقوة قانون (التي بلغت 200 قانون) يعتبر تعديا على صلاحية السلطة التشريعية.

8-تأتي هذه القرارات في ظل ضمور الشرعية للمؤسسات القائمة بعد مضي أكثر من عشر سنوات على عمرها دون تجديد، وهي تحتاج مزيدا من النقاش لتهيئة المناخيات.

إن صدور القرارات بقانون بهذه الظروف، وفي ظل الأجواء الإيجابية المرتبطة بإنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية، وعدم الانتظار لإجراء الانتخابات ووجود برلمان منتخب، هذه القرارات تزيد من حالة الانقسام السياسي والقضائي ما بين الضفة والقطاع، ويمنح الشعور بأن هذه الخطوات جاءت متسرعة وغير منطقية في كثير من جوانبها.

من حيث المضمون:

النظام الأساسي الفلسطيني والمشاركة السياسية

جاءت نصوص القانون الأساسي التي تنظم النظام السياسي الفلسطيني مؤكدة أن الشعب مصدر السلطات (المادة 2)، وأن نظام الحكم الذي يقيمه هو نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية (المادة 5)، وأن جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص يخضعون للقانون (المادة 6).

·هل تم التفاهم بين الفصائل السياسية على النقاط الخلافية الجوهرية؟ وهل تم الاتفاق على تجاوز النظام الأساسي في هذه المرحلة؟

·من يضمن أن السلطة الفلسطينية في رام الله التي استحوذت على قرار المحكمة الدستورية لن تطلب من المحكمة الدستورية إلغاء نتائج الانتخابات إذا جاءت في غير صالحها، تحت مسمى أن هناك مخالفات دستورية؟

·إن المرسوم الرئاسي الخاص بالانتخابات (تشريعية ورئاسية ومجلس وطني لعام 2021) استند على قرار المحكمة الدستورية رقم (10) لسنة (3) قضائية، وهذا هو القرار الخاص بحل المجلس التشريعي، وعليه فإن التشريعي لا يحق له إصدار أي قانون يتعلق بالانتخابات، كما لا يحق له القيام بأي عملية رقابية ولا يكون لأعضائه حاليا أي صفة.

أي قانون انتخابي سوف يطبق؟

إن الموافقة على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وكذلك المجلس الوطني يثير التساؤل عن أي قانون للانتخاب ستجرى الانتخابات، حيث لدينا قانون الانتخابات العامة الذي أقره المجلس التشريعي سنة 2005، والقرار رقم (1) من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بتعديله سنة 2007.

·المادة (26) من القانون الذي أقره المجلس التشريعي عام 2005 تنص على أن للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات، ولهم على وجه الخصوص الحق في التصويت والترشيح في الانتخابات كأفراد لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون.

·القرار بقانون لسنة 2007 الذي أصدره السيد محمود عباس ألغى هذا الحق بالمخالفة للقانون الأساسي، حيث نصت المادة الرابعة منه على أن الترشح فقط بنظام القائمة الانتخابية.

·كذلك قرار رئيس السلطة بقانون سنة 2007 خالف القانون الأساسي باشتراطه لقبول الترشح لرئاسة السلطة ولعضوية المجلس التشريعي أن يلتزم المترشح بمنظمة التحرير. ثم عدل لعام 2021 ليقتصر الأمر على أن يلتزم رئيس السلطة ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، في حين يلتزم أعضاء المجلس التشريعي بالنظام الأساسي الفلسطيني.

·فهل هذا الأمر يعني الالتزام بما التزمت به المنظمة من سياسات، ومنها الالتزامات السياسية التي فرضتها أوسلو والتزامات أخرى عديدة؟

·هذا الشرط الخاص بالرئيس يحول النظام السياسي الفلسطيني إلى ما يشبه نظام الحزب الواحد، أي أن يكون الرئيس من حركة فتح.

·تناقض هذه القرارات (سواء 2007، أو 2021) حكم المادة الخامسة من القانون الأساسي التي اعتمدت التعددية السياسية كأساس للنظام الديمقراطي النيابي الفلسطيني.

هل سوف يشكل الفائز بالانتخابات الحكومة؟

جاء نص المادة (45) من القانون الأساسي عاما، ولم يقيد صراحة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في اختياره لرئيس الوزراء بقواعد الديمقراطية النيابية التي تعطي الحزب الفائز بأغلبية المقاعد النيابية الحق في تشكيل الحكومة. إن عبارة المادة (45) تقول: "يختار رئيس السلطة الوطنية رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل حكومته وله أن يقيله أو يقبل استقالته..". فهل سيتم الاتفاق على إعمال المنطق الديمقراطي النيابي في أن يقوم الحائز لأغلبية النواب المنتخبين بتشكيل الحكومة؟

ثمة غموض فيما تم الاتفاق عليه بين فتح وحماس.. من سيقوم بتشكيل الحكومة، هل هو الفائز بأغلبية النواب في المجلس التشريعي؟ وهل سوف تشكل هذه مسألة خلاف بعد اليوم التالي للانتخابات؟

هل سوف يشارك قضاة قطاع غزة في البت في الطعون الانتخابية؟

وفقا للقانون رقم (9) لسنة 2005 بشأن الانتخابات العامة وكذلك قرار رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية بقانون لنظام الانتخابات رقم (1) لسنة 2007 المعدل للقانون السابق، أعطي الاختصاص بالنظر في الطعون الانتخابية لمحكمة واحدة هي محكمة قضايا الانتخابات التي تشكل بمرسوم من رئيس السلطة من تسعة أشخاص بمن فيهم رئيسها، حيث نصت على الآتي:

"بمقتضى مرسوم رئاسي تشكل محكمة قضايا الانتخابات من رئيس وثمانية قضاة بناء على تنسيب من مجلس القضاء الأعلى".

ووفقا للمادة (21) من قرار رئيس السلطة الفلسطينية بقانون لعام 2007: "تنعقد المحكمة بحضور ثلاثة من قضاتها، وفي القضايا الهامة تنعقد بهيئة مكونة من خمسة قضاة على الأقل حسبما يقرر رئيس المحكمة ذلك".

ثمة ملاحظات جوهرية في هذا الخصوص:

·ثمة غموض في النص أعلاه فيما يتعلق برئيس المحكمة من حيث الشروط الواجب توفرها فيه، فهل المقصود أن الأمر متروك لمجلس القضاء الأعلى لينسّب من يشاء، أو أن الأمر متروك لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ليعين من يشاء.

·وفقا للمادة (21) فإن المحكمة في القضايا الهامة (دون تحديد ماهية القضايا الهامة) تنعقد بهيئة مكونة من خمسة قضاة على الأقل حسبما يقرر رئيس المحكمة. فهل هناك إمكانية لعقدها في غزة؟ وهل هناك قبول بقضاة من محاكم غزة في عضوية المحكمة؟

·وفقا لنص المادة (21)، في القضايا الهامة تنعقد المحكمة بهيئة مكونة من خمسة قضاة على الأقل. هل تمكن إتاحة الفرصة لعقدها في غزة للنظر في القضايا وجاهيا مع الذين يتقدمون بطعون؟ عمليا لا يمكن ذلك إلا إذا توفر وجود خمسة قضاة من قضاة محكمة قضايا الانتخابات يقيمون في قطاع غزة.

·يمكن تشكيل محكمة مكونة من 11 قاضيا من قضاة الاستئناف على الأقل، وأن يكون من بينهم خمسة يقيمون في غزة، ويسمى من بينهم نائبا لرئيس المحكمة يترأس جلسات هيئة المحكمة التي تنعقد هناك في القضايا المرفوعة في قطاع غزة (رأي الدكتور أحمد الخالدي).

هل توجد ضمانات دولية وإقليمية لحماية العملية الانتخابية ونتائجها؟

·توجد اضطرابات سياسية وأمنية واقتصادية وصحية في المنطقة والعالم قد تجعل ضمان إجراء الانتخابات مسألة صعبة، فضلا عن ضمان التعامل مع الجهة الفائزة فيها.

·من المهم إجراء حملة دبلوماسية دولية وعربية للبحث عن هذه الضمانات قبل الشروع بالعملية الانتخابية، حملة تؤكد على الحقوق الراسخة للشعب الفلسطيني لا سيما حقه في تقرير المصير.

·من المهم الاستفادة من أجواء المصالحة الخليجية لتعزيز العلاقات مع الدول العربية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، ومنه ضمان نجاح الانتخابات والتعامل مع الجهة الفائزة فيها.

هل يمكن أن يشارك اللاجئون في لبنان وسوريا والأردن في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني؟

هناك خلط مضر بقضية اللاجئين بين المجلس الوطني الفلسطيني الذي من المفترض أنه يمثل كل الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، وبين السلطة الوطنية الفلسطينية التي لا يشارك في قرارها السياسي سوى فلسطينيي الضفة وغزة والقدس. وإذا كان من الممكن أن يكون أعضاء المجلس التشريعي أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني، فلا يجوز أن يتم الدمج بين بقية مؤسسات المجلس الوطني الفلسطيني في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية.

إن من المصلحة الوطنية العليا أن يتم الفصل بين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وبين اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إن القيود السياسية والأمنية التي فرضها اتفاق أوسلو على قيادة السلطة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا تتناسب مع الهامش الواسع الذي يحتاجه اللاجئون في الشتات في خطابهم وأدائهم السياسي.

هل تساعد أجواء كورونا على إجراء الانتخابات؟

·في ظل تعاظم خطر جائحة كورونا على مستوى العالم، يُطرح تحد كبير: كيف ستجرى الانتخابات في ظل هذا الجائحة الفتاكة؟ وهل السلطة الفلسطينية تمتلك من الإمكانات المالية والصحية لمواجهة هذه الجائحة؟ وماذا عن المخاطر المحدقة الناجمة عن عدم التباعد بين المواطنين؟ هل ثمة وسائل أخرى يمكن اللجوء إليها؟

·هل سوف تجري الانتخابات عن طريق الاقتراع السري والمباشر (بحسب النظام الأساسي الفلسطيني)؟

·فيما لو اعتمدت طريقة التصويت الإلكتروني، هل تتوفر الوسائل الفنية الكافية؟ وهل يمتلك المواطنون الخبرة والمعرفة الكافية لذلك؟

·وماذا عن فلسطينيي الشتات بهذا الخصوص؟ هل توجد قائمة بيانات حول الناخبين؟ وماذا عن الدول التي قد تمتنع أساسا عن إجراء انتخابات للمجلس الوطني خصوصا في الأردن؟ وعمليا لا توجد لدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية الهشة قوائم بيانات علمية وكافية عن اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، إلا في أضيق الحدود.

ان قرار إجراء الانتخابات جاء متسرعا ودونه الكثير من العقبات الدستورية والسياسية. وإن التساؤلات الواردة في هذا المقال، تفرض على القوى السياسية الحوار الجاد والمسؤول حول آليات إنجاح الانتخابات كاستحقاق وطني كبير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق