المعارك والثورات في فلسطين

 


المعارك والثورات في فلسطين

  تشكل فلسطين، جسراً برياً يربط بين قارتي آسيا وإفريقيا؛ ورابطًا يصل بين أوروبا والهند؛ وهي البلاد التي كان فرعون مصر يوصي ولي عهده بإبقائه تحت سيطرته؛ لأنها يمكن أن تكون ممرًا ينفذ منه الأعداء للسيطرة على مصر، وللتحكم بطرق القوافل التجارية بين أفريقيا وآسيا وأوروبا.  إنها النقطة التي بقيت أهميتها الإستراتيجية قائمة حتى الآن؛ وخاصة بعد  فتح قناة السويس، وازدهار أهمية النقل المائي في التجارة الدولية.

وقد ازدادت أهمية فلسطين بشكل كبير نتيجة علاقتها الوثيقة بالصراع الديني والحضاري؛ فهي من أبرز بؤر الصراع بين عقائد الديانات السماوية الثلاث وأفكارها، والثقافات المرتبطة بها، والحضارات التي بنيت عليها؛ ولهذا طغت النظرة إلى فلسطين باعتبارها الأرض المقدسة؛ فهي تضم ضريح سيدنا إبراهيم عليه السلام، وهي أرض نوح ولوط وإسماعيل وإسحق، عليهم السلام؛ وهي الأرض التي سعى إليها كليم الله موسى عليه السلام؛ وهي أرض ممالك داوود وسليمان عليهما السلام؛ وهي  مهد عيسى عليه السلام، ومنطلق دعوته؛ وقد ازدادت قدسية فلسطين باعتبارها أولى القبلتين وثالث الحرمين عند المسلمين الذين تكفلوا بحمل دعوة التوحيد التي مهد لها من سبقهم من رسل الديانات السماوية.  ومما زاد من أهمية فلسطين عند المسلمين، معجزة إسراء سيدنا محمد- عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- ومعراجه؛ حيث عرج من قدسها إلى السماء. 

ومن هنا فإن الصراع على أرض فلسطين استمر على مر التاريخ؛ وسعت إليه القوى العالمية لبسط السيادة العقائدية والفكرية والحضارية والاقتصادية والسياسية والعسكرية. 


أهم المعارك والثورات التي حدثت على أرض فلسطين.

معركة اليرموك:

يطلق على الأرض والوادي والنهر اسم اليرموك؛ ثم أصبح يطلق على المعركة التي جرت بين المسلمين والإمبراطورية البيزنطية على جانبي أحد روافد نهر اليرموك الذي يمتد من جبال حوران، ويجري قرب الحدود بين سوريا وفلسطين، وينحدر جنوباً ليصب في غور الأردن، ثم في البحر الميت، وينتهي مصبه في جنوب الحولة. 

بعض المؤرخين يعدّون معركة اليرموك من أهم المعارك في تاريخ العالم؛ لأنها تمثل بداية موجة انتصارات المسلمين خارج جزيرة العرب، وآذنت بسرعة نشر الإسلام في بلاد الشام. 

أدرك البيزنطيون خطورة الفتح الإسلامي بعد عام من المعارك بين المسلمين والحاميات البيزنطية في الشام؛ فقام هرقل بحشد الجيوش بقيادة "ماهان"؛ بهدف إخراج المسلمين من الشام.  ولمعرفة كم الجيوش التي جاء بها هرقل نقرأ جزءاً من رسالة أبي عبيدة بن الجروح لعمر بن الخطاب "نفرت الروم إلينا براً وبحراً وسهلاً وجبلاً، ولم يخلفوا وراءهم رجلاً يطيق حمل السلاح إلا جاؤوا به".  ويقدر المؤرخون عدد الجيش البيزنطي بين مئة ألف على أقل تقدير و400 ألف على أكثر تقدير؛ فيما كان عدد المسلمين ما بين 24-46 ألفاً.

تقابل الجانبان، وبدأت المناوشات؛ فتفوق البيزنطيون لحسن تنظيمهم؛ لكن جيش المسلمين، الذي ضم الكثير من الصحابة والنساء، تجمع تحت راية خالد بن الوليد، الذي  انتقل من الدفاع إلى الهجوم، وتمكن بعبقريته الفذة من شن الهجوم المجازف على الروم، ليحول الهزيمة الموشكة للمسلمين إلى نصر مؤزر لهم بإذن الله؛ مستثمرًا إمكانيات سرية الفرسان في سرعة التنقل؛ ما أدى إلى فرار الروم؛ فداس بعضهم بعضاً، وتراجع من نجا منهم إلى المدن. 


موقعة الطواحين:

هذه الموقعة جرت بين الجيش العباسي بقيادة أبو العباس ابن الخليفة الموفق، وبين الجيش الطولوني بقيادة خماروية بن أحمد بن طولون.

بعد احتلال أبو العباس لسوريا الشمالية ودخوله أرض فلسطين، تجمع المنهزمون من سوريا وما خرج من مصر من جند مع خمارويه، إضافة إلى حامية فلسطين؛ ليواجهوا الجيش العباسي سنة 271هـ، على نهر أبي قطرس (المعروف الآن بنهر العوجا) شمال الرملة (أصبح المكان فيما بعد يدعى الطواحين).

في البداية أحزر العباسيون نصراً على الطولونيين، وهرب الأمير الطولوني حتى وصل عاصمة مصر؛ فانشغل العباسيون بجمع الغنائم؛ فخرج عليهم كمين يقوده سعد الأيسر؛ فظنوا أن المهزومين قد عادوا فاندحر العباسيون حتى دمشق. 

ونتيجة لهذا الانتصار توطد سلطان الطولونيين في فلسطين وفي قسم كبير من شمال سورية؛ أما الأسرى فقد تعامل معهم خماروية كضيوف.

 

معركة الأقحوانة:

كثر الطامعون في إخراج الفاطميين من بلاد الشام، ومن بينهم بنو مرداس، وكان مؤسس دولتهم هو صالح بن مرداس الكلابي، الذي انتزع حلب من منصور بن لؤلؤ عام 1023م.  وكان بنو الجروح يطمعون في حكم فلسطين، وكان لسنان بن عليان مطمعاً في إقامة ملك في بلاد الشام.

كان من الطبيعي أن يقوم حلف بين صالح بن مرداس وحسان بن الجروح وسنان بن عليان، على أن يتعاونوا على طرد الفاطميين واقتسام البلاد: المرداسيون في الشمال؛ وبنو الجروح لهم من الرملة حتى حدود مصر؛ ودمشق ومحيطها لسنان وجماعته.

لم يكن الخليفة الظاهر غافلاً عما يحدث؛ فأرسل جيشاً ضخماً مجهزاً (1030م) بقيادة أمير الجيوش أنوشتكين الدزبري فانتصر الدزبري وقتل صالح بن مرداس وهرب حسان بن الجروح إلى البيزنطيين، واسترد الفاطميون سوريا بهذا النصر. جرت الموقعة عند الأقحوانة وهي مكان على طريق الأردن ـ سوريا ـ فلسطين جنوب مدينة طبريا على نهر الأردن.


معركة حطين:

معركة حطين معركة فاصلة، وقعت بين الصليبيين وقوات المسلمين، في 4 يوليو 1187م، قرب حطين، بين الناصرة وطبرية؛ وقد انتصر فيها المسلمون، وأسفرت عن سقوط مملكة القدس، وتحرير معظم الأراضي التي احتلها الصليبيون.

وكانت مناطق جنوب لبنان وفلسطين، والقدس تحديدًا محتلة بيد الصليبيين؛ وكان الإقطاعيون الصليبيون والبارونات والفرسان قد نصبوا أنفسهم أمراء وملوك على تلك المناطق؛ فكان هذا مدعاة للسعي إلى تحرير البلاد من ظلمهم.  وقد شن أحد بارونات الإفرنج البارزين (رينالد دوشاتيون) غارة لصوصية؛ ما شكل سببًا مباشرًا اقتضى هجوم المسلمين.  وكان رينالد دوشاتيون قد اعتاد نهب وسلب قوافل التجار؛ فقرر صلاح الدين إعلان الحرب على مملكة القدس.

تجمعت قوات المسلمين الموحدة من دمشق وحلب والموصل؛ ووافاه جيش من مصر بقيادة الملك العادل؛ فضمّه إلى جيش الشام، وسار إلى تل عشترة.

عبر صلاح الدين بجيشه نهر الأردن جنوبي طبريا، وسار في اليوم التالي إلى تل كفر سبت (كفر سبيت) في الجانب الجنوبي الغربي من طبريا، وحاول الاشتباك مع الصليبيين؛ فرفضوا القتال. 

وفي 2 يوليو استولى جيش المسلمين على طبرية قاطعًا على عدوه طريقه إلى الماء.

أحرق المسلمون الأعشاب والشجيرات في كل مكان، واستولوا على عيون الماء. 

وحين وصل الصليبيون العطشى إلى السهل الواقع بين لوبيا وحطين، شن صلاح الدين هجومًا؛ ففروا إلى تلال حطين؛ فحاصرت قوات صلاح الدين التلال؛ وأقبل الليل وتوقف القتال.

في اليوم التالي (في 4 يوليو 1187)، قامت معركة حطين؛ والتحم الجيشان على بعد ميلين من حطين؛ وأهلكت سهام جيش صلاح الدين الصليبين؛ ثم شن هجومًا بالسيوف والرماح؛ فقتل وجرح وأسر الكثير؛ فاستسلم الألوف منهم. 

وقام الصليبيون بمناورة، بأن تقدموا بقيادة قائد الفرسان (ريمون الثالث، أمير طرابلس)، بأمر من غي دي لوسينيان (ملك القدس)؛ وزحزحوا بهجومهم هذا قوة يقودها تقي الدين عمر؛ فظنوا أنهم فتحوا ثغرة في صفوف المسلمين؛ فاندفعوا فيها.  وحاصر جيش المسلمين جزءًا من الجيش الصليبي، وشطره إلى شطرين.  ودامت المعركة نحو 7 ساعات على التوالي؛ خسر فيها الصليبيون آلاف الجرحى والقتلى، ووقع الملك غي دى لوزينيان ملك القدس آنذاك في أسر صلاح الدين، بالإضافة إلى العديد من القادة والبارونات، ولم ينج إلا بضع مئات فروا إلى صور واحتموا وراء أسوارها.

وكان من بين الأسرى أرناط (رينالد دوشاتيون، صاحب حصن الكرك، والعديد من كبار قادة الصليبيين، وضرب صلاح الدين عنق أرناط؛ فيما أحسن إلى باقي الأسرى.

وفي النصف الثاني من سبتمبر في سنة 583هـ/ 1187ميلادية، حاصر المسلمون القدس؛ فاستسلمت بعد ستة أيام.

معركة غزة الثانية:

بعد وفاة صلاح الدين كثر الخلاف بين ملوك الأيوبيين في مصر والشام والجزيرة؛ فبدأوا حينها بالاستعانة بقوة خارجية إسلامية أو غير إسلامية.  وفي العقد الخامس من القرن 13م، استفحل العداء بين الملك الصالح أيوب في مصر، وعمه الصالح إسماعيل في دمشق، وساند الصالح إسماعيل الناصر داوود في الأردن والمنصور إبراهيم في حمص؛ وهؤلاء طلبوا مساعدة الفرنجة ضد الملك الصالح.

وحشد الثلاثة قواتهم عند غزة؛ تمهيداً لغزو مصر، بمساعدة الفرنجة؛ وعندها استعان الملك الصالح بالخوارزمية؛ فاندفع منهم عشرة آلاف ليدخلوا بلاد الشام واجتاحوا في طريقهم نابلس والقدس وطبريا حتى اجتمعوا بعسكر الصالح أيوب بقيادة بيبرس قرب غزة.

جرت المعركة في تشرين أول من عام 1244، وحلت بالفرنجة ومن ناصروهم هزيمة ساحقة؛ حتى قدر عدد القتلى بثلاثين ألفاً؛ وأخذ 800 أسير إلى مصر.

وكانت هذه أعظم هزيمة تحل بالصليبيين بعد حطين؛ حتى أن بعضهم أطلق عليها "حطين الثانية".

معركة عين جالوت:

عين جالوت بلدة شمال غرب بيسان، جوار عين ماء تحمل اسمها؛ وتذكر أحياناً باسم عين جالود؛ وحدثت فيها معركتان مهمتان، الأولى حين حررها صلاح الدين من الصليبيين، عام 1183م، وكانوا قد غيروا أسمها إلى "توبعانية"؛ أما المعركة الثانية فحدثت عام 1259م بين جيوش التتار والعرب.

استولى التتار على دمشق سنة 1259م؛ فدمروها وفتكوا بأهلها؛ وأرسل هولاكو إلى قطز سلطان مصر كتاباً يهدده فيه ويطلب استسلامه؛ لكن قطز جمع الأمراء فاتفق الجميع على حرب التتار.

ولما أعدت الحيوش المؤلفة من العرب والتركمان، سار السلطان لملاقاة التتار، وعلى رأس جيشه الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري؛ فسار إلى غزة وطرد التتار منها، ولحقه السلطان وما لبث أن أخذ طريق الساحل إلى عكا؛ فاستقبله الفرنجه حاملين الهدايا؛ فأخذ عليهم العهود بعدم الغدر به أثناء حرب التتار.

سار بيبرس بقطعة من الجيش حتى لقي التتار بقيادة كتبغانوين؛ فأخذ يناوشهم إلى أن لحق به السلطان في عين جالوت.

في 25 رمضان 658هـ/ 1259م، التقى الجيشان؛ فهزم التتار وطاردتهم جيوش المسلمين إلى القرب من بيسان، وتلاشت أحلام هولاكو في الاستيلاء على مصر، وتعد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في التاريخ البشري.

في آخر أيام رمضان نزل قطز قلعة دمشق، وأرسل بيبرس لملاحقة التتار؛ فطردهم إلى خارج بلاد الشام، وأصبحت كلها من مصر إلى الفرات في حوزة السلطان المملوكي.

 

معركة خانيونس:

احتل العثمانيون بلاد الشام بعد معركة مرج دابق الشهيرة وهزيمة دولة المماليك، 1516م.  وجرت مفاوضات بين السلطان العثماني (سليم الأول"، وطومان باي (آخر المماليك في مصر)، على أساس أن يبقى طومان باي حاكماً لمصر، ويخضع لسلطان العثمانيين.  وحينما رفض طومان باي ذلك؛ قرر السلطان سليم محاربته.

قاد جيش العثمانيين الوزير سنان باشا، وقاد المماليك جانبردي الغزالي؛ والتقى الجيشان عند خان يونس، في 11/12/1516، هزم الغزالي وتم أسره؛ لكن العثمانيين سهلوا له الفرار من الأسر؛ لما ثبت بعد ذلك من تواطؤ معهم، بأن بادر إلى القتال قبل اجتماع جنوده جمعياً.

ويدل عدم وجود مقاومة للجيش العثماني في فلسطين على مدى نقمة الناس على حكم المماليك، كما أن الخوف من العثمانيين كان له أثره؛ حتى أن قلعة صفد أرسلت مفاتيحها إلى لسلطان سليم وهو في دمشق.  وساعد بدو سيناء العثمانيين في معركة خانيونس وعلى رأسهم الشيخ ابن البريق، وكان ولاء البدو من أهم العوامل في نجاح هجوم العثمانيين.

 

الحملة الفرنسية:

من المعروف أن الحملة الفرنسية استهدفت مصر أساساً عام 1798 واستمرت لغاية 1801؛ ولكن هنا نستعرض الجزء الخاص بالحملة في فلسطين.

يعتقد كثير من المؤرخين أن حملة نابليون على فلسطين كانت مبادرة ذاتية، وقد كتب إلى حكومته؛ ولكن كتاب الحكومة الفرنسية وصل إليه بعد أسبوع من حصاره عكا (25/3/1799).

 

غادرت الحملة الفرنسية حدود مصر في 6/2/1799، وعدد جنودها 13 ألف جندي، وخرج نابليون ليلتحق بها ويقود الحملة بنفسه في 20/2/1799.  وبعد أيام دخل الفرنسيون غزة وقبلها خانيونس، وقد أنقذتهم المؤن في المدينتين بعد أن أكلوا لحوم الكلاب، وشربوا الماء الموحل في الصحراء. 

بعد 4 أيام اتجه نابليون إلى الشمال، بعيداً عن الساحل ليحتل اللد والرملة، ودخل يافا بعد 4 أيام من الحصار والقتال العنيف؛ وذلك في 7/3/1799.  وفوجئ نابوليون بجنوده يحضرون 3 آلاف جندي أسير وجدوهم في أبراج المدينة؛ فخاف إن هو أطلقهم أن يلتحقوا بالجيش الذي يحاربه؛ وإن هو أبقاهم فليس لديه المؤن الكافية لإطعامهم؛ فأمر بإعدامهم؛ إذ عثر بعد المعركة على 2500 جثة، عدا عن 2000 جثة سقطت في الدفاع عن المدينة؛ فكان من الطبيعي أن يسبب تفسخ الجثث مرض الطاعون بعد ذلك.

تابع نابليون زحفه باتجاه حيفا فاستسلمت له، كما تسلم الناصرة، وفي 18/3/179، كان نابليون أمام أسوار عكا، يبدأ الحصار ويبني المتاريس ويطلق المدافع.

كلف الجزال كليبر أثناء الحصار بحماية جبهة مرج ابن عامر من هجوم محتمل من الشرق؛ وقد جاء الهجوم فعلاً من ثلاثين ألف رجل قدموا من دمشق، واستدرجوا كليبر إلى تل طابور؛ وكان معه 1500 جندي؛ فأطبقوا عليه؛ لكن نابليون علم بالأمر؛ فأرسل له نجدة سريعة؛ ففر المهاجمون العثمانيون.

 

معركة تل طابور

حدثت هذه المعركة التي عرفت بمعركة "تل طابور" في 16/4/1799؛ إذ قرر نابليون بعد أكثر من شهرين من حصار عكا الانسحاب، بعد أن فشل في اقتحام المدينة فانسحب في 20/5/1799.

وقد فشل حصار عكا لعدة أسباب، منها: حصانة المدينة، واستماتة المدافعين، وعداء المنطقة كلها لنابليون، وتدخل الإنجليز بأسطولهم وخبرائهم؛ كما إن نابليون خسر حوالي 3500 جندي دون أن يكون لديه إمكانية تعويضهم.

وصل نابليون إلى يافا يوم 24/5/1799؛ فوجد مئات الجنود الفرنسيين وقد أصيبوا بالطاعون؛ فأمر الأطباء بقتلهم بالسم، ولما رفضوا حملهم على ألواح خشبية إلى مصر، وقام أثناء مغادرته بنسف التحصينات وإلقاء العتاد في البحر أو دفنه في الرمال، وغادر فلسطين ليصل العريش في 14/6/1799.

في الأحداث الجانبية لحملة نابليون، نشر في الجريدة الرسمية أثناء حصار عكا أن نابليون يدعو اليهود لمؤازره فرنسا، وانتهاز فرصة وجوده في فلسطين لتحقيق أملهم بالتواجد بين عكا والإسكندرية؛ لكن هذا المشروع اختنق بعد فشل الحملة لتلتقطه بريطانيا فيما بعد.

 

ثورة 1834:

لم تقم في فلسطين على امتداد تاريخها الطويل ثورة أعم وأشمل وأكثر تنظيماً من ثورة 1834م ضد حكم محمد علي باشا (والي مصر)؛ لذا فإنه من المهم استعراض الكثير من القضايا المتعلقة بمحمد علي وولايته على فلسطين وأسباب الثورة ونتائجها.

دخلت بلاد الشام، ومن ضمنها فلسطين، تحت حكم محمد علي باشا لمدة عشر سنوات، بدأت في شهر 11/1831، وانتهت بنهاية عام 1840م؛ بعد حملة عسكرية قادها إبراهيم باشا ابن محمد علي، اكتسح فيها قوى السلطان محمود الثاني، وطاردها حتى مشارف الآستانة.

رأى محمد علي أنه يستطيع امتلاك عكا على الأقل؛ لتأمين حدوده الشرقية.  وكان يراقب بارتياح تردي الأمور بين الولاة في الشام؛ إذ اقتتلوا حول دمشق ثم حاصروا عكا لمدة 9 أشهر سنة 1822؛ وثار الجنبلاطيون سنة 1925، وتنازعت الزعامات النابلسية في قضايا الولاية والضرائب؛ وامتنعت القدس وبيت لحم عن دفع الضرائب؛ وقامت ثورة في فلسطين رغم دكتاتورية عبد الله باشا الجزار؛ فقد كان هم المتسلمين في غزة جمع المال بأي طريقة؛ وكان الملتزمون للميري عبئاً ثقيلاً على أهل غزة؛ أما البدو في الأطراف؛ فكانوا ينهبون من ثروات غزة ما يزيد عن 200 ألف ليرة ذهبية كل عام؛ فشعر الناس بقرب الفرج حين سمعوا بقدوم محمد علي؛ فطردوا وكيل الجمرك، وأعلنوا العصيان؛ ولم يكن تهديد الجزار ليخيفهم؛ لأن الجنود المصريين سبقوه إلى غزة.

أما القدس ونابلس فقد جرد عليهم الجزار حملة نكبت زعماءهم، واضطر قسم منهم إلى الثورة، واعتصموا بقلعة صانور؛ فدمرها الجزار؛ ما دفع من تبقى من الزعامات إلى التعاون مع محمد علي.

لم يدفع عبد الله الجزار لمحمد علي ديونه، وآوى مجموعة كبيرة من الفارين من الجذرية في مصر؛ فاتخذ محمد علي ذلك ذريعة لمهاجمة فلسطين ومحاربة والي عكا. وبسبب كثرة الحروب بين الولاة؛ لم يكترث الباب العالي في البداية لهذه الحرب.

تحركت جيوش محمد علي براً وبحراً بقيادة إبراهيم باشا في 29/10/1731، ولم تجد صعوبة في احتلال العريش ورفح وغزة، وهربت قوى الجزار؛ فتابع إبراهيم باشا مسيره، ووصل إلى يافا في 8/11/1831، ودخلها وتوجه إلى حيفا في 13/11.   وفي 26/11 بدأ حصاره لعكا.

قدم زعماء المناطق الفلسطينية الولاء لإبراهيم باشا وهو في حيفا.  وكانت كتائب من الجيش المصري قد احتلت بقية فلسطين، ورفعت الضرائب التعسفية عن غير المسلمين؛ ما زاد في تأييد محمد علي باشا.  بعد عدة أشهر من حصار عكا، بدأ القلق يساور محمد علي، خصوصاً أن الباب العالي أعلن عصيان محمد علي في 23/4/1832، وأصدر ضده فتاوى دينية وجرده من الولاية مع ابنه وأباح دمهما.

لكن عكا سقطت في 27/5/1832 وأسر عبد الله باشا وأرسل إلى مصر.  وثارت بعد ذلك أزمة دولية خطيرة انتهت بصلح كوتاهية في 6/5/1833 الذي أعطى محمد علي ولاية فلسطين.

حاول إبراهيم باشا بعد ذلك دعم الإنتاج الزراعي، وأدخل إصلاحات على نظام التعليم؛ لكن مجموعة التدابير التي اتخذها جلبت عليه نقمة سكان فلسطين؛ ومن أهم هذه التدابير:

1.  مصادرة المؤن لتموين الجيش.  2.مصادرة حيوانات النقل.  3.إجبار الناس على إقامة التحصينات العسكرية بالسخرة.  4.  نزع السلاح من الأهالي.  5.  التجنيد الإجباري.

وعندما صدر أمر إبراهيم باشا بطلب 3000 مجند من كل قضاء في فلسطين، وذلك في 25/4/1834؛ ما أدى إلى الصدام؛ لا مع عواطف الأهالي وحسب، بل مع سلاحهم.

في منتصف أيار هجم الفلاحون والبدو على القوات المصرية في الكرك، وذبحت حامية الخليل.

وفي 25/5/1934 هب طريق باب الواد، وتحركت الفتية في بيت جالا وبيت لحم، والبيرة؛ وقام الناس بحصار القدس، واشتعلت نابلس؛ فوصلت الثورة من صفد شمالاً إلى غزة جنوباً.

لم تكن الثورة مجرد انفجار شعبي عفوي؛ بل اتخذت الشكل التنظيمي حين تسلمت الزعامات قيادتها؛ فقد اجتمعوا وقرروا إعلان الثورة في 28/4/1834، وسيطر ثوار القدس على المدينة في 14/5؛  وكانت الخليل وغزة في يد الثوار والتحقت اللد وطبرية بالصورة أيضاً.

اتجه إبراهيم باشا إلى القدس يوم 6/6/1834، وبعد 3 أيام من المعارك الطاحنة دخلها في 8/6/1834، وتحصن في قلعة القدس بانتظار نجدة أبيه.

حاول ثوار نابلس اقتحام القدس فصدهم إبراهيم باشا 3 مرات، ولم يجد بدًا من مفاوضتهم، كي يكسب الوقت؛ فأوقف التجنيد، وألغى ضريبة الفردة؛ وعين قاسم الأحمد (وهو قائد ثوار نابلس) حاكماً على البلاد في 26/6/1834؛ فانتهى بذلك الحصار الذي استمر شهراً ونصف.

جاءت النجدات من مصر بعد أيام؛ ووصل محمد علي نفسه إلى يافا، في أوائل تموز، وكلف الأمير بشير الشهابي بإخماد ثورة صفد، وعاد إلى الإسكندرية.  وكان ثوار نابلس (وهم الأكثر عدداً والأخطر في هذه الثورة) قد منعوا القمح المفروض عن إبراهيم باشا؛ فسار إليهم في 10/7/1834، ووعد بالإعفاء من التجنيد والتسامح في الميري، وأخذ يستحيل آل أبو غوش؛ فلما استجابوا له مقابل إطلاق زعيمهم إبراهيم أبو غوش، قطع مفاوضاته مع قاسم الأحمد، وسار إلى جبال نابلس وسحق في طريقه بلدة الطيبة وقاقون؛ وهزم الثوار عند زيتا، ولاقاهم عند دير الغصون في طولكرم يوم 16/7/1834، وتمكن من هزيمتهم هزيمة نهائية، عاد بعدها إلى نابلس، وخرج أهلها يطلبون الأمان؛ فقتل من وقع في يده من الثوار، وجرى تجريد السكان من السلاح؛ أما بقية الزعماء؛ فقد أخذوا عائلاتهم من نابلس وهربوا إلى الخليل.

في نفس الوقت سار الأمير بشير، حسب أوامر محمد علي، إلى صفد؛ فلاقاه شيخها صالح الترشيحي معلناً الطاعة؛ فدخلها الأمير، وخضعت المناطق المجاورة، وتلقى الأمير طاعة طبريا وقرى الجليل والساحل حتى عكا، وانتهى من ذلك في 25/7/1834.

دخل إبراهيم باشا القدس فقدم أهلها الطاعة، وأرسل ثوار الخليل يطلبون الأمان ليدخلوا في الطاعة؛ لكن إبراهيم باشا اشترط عليهم تسليم زعماء الثورة أحياء؛ فرفض الثوار مطلبه؛ فتحرك إليهم بقواته في 5/8 وهزمهم عند بيت جالا.  وأصرت الخليل على المقاومة؛ فهاجمها واحتلها بعد بضع ساعات من المقاومة، وأباحها للنهب والقتل والأسر، وخسرت الخليل مالا يحصى من الأموال، واعتقل علماءها ودراويشها وأبعدهم إلى مصر؛ وأما مشايخ نابلس؛ فقد فروا إلى الكرك شرقي الأردن. ولما هاجمها إبراهيم باشا فر النابلسيون إلى غزة؛ لكنهم وقعوا في الأسر لملاحقة إبراهيم باشا إياهم، وقتل قاسم الأحمد والبرقاوي وقطع رؤوس أولادهما.

وإن كانت الثورة في فلسطين قد خمدت؛ فإنها كلفت النظام المصري الكثير من الضحايا والجهد؛ كما أنها جرأت عليه المناطق الأخرى، وتركت الكثير من الأحقاد في فلسطين ستنفجر في وقت لاحق.

وكانت هذه الثورة من أهم أسباب إجهاض مشروع محمد علي في إقامة مملكة عربية موحدة في مواجهة العثمانيين؛ ما فرض على محمد علي الانسحاب من بلاد الشام.  وقد ترك آخر جنود محمد علي غزة في اتجاه مصر في 19/2/1841.

ثورة يافا:

تنامي الشعور القومي لدى الفلسطينيين بعد ثورة القدس في 4/4/1920؛ وعقد المؤتمر الفلسطيني الأول، ثم الثاني؛ وكان الثالث في حيفا في آذار 1921، وهو المؤتمر الذي رفض الانتداب، وطالب بوقف الهجرة اليهودية، وبإنشاء حكومة وطنية في فلسطين.

بعد المؤتمر شرع الصهاينة برفع سقف مطالبهم لتحويل فلسطين كلها إلى وطن قومي لليهود، وشنت صحفهم حملات ضد العرب مطالبة إياهم بالرحيل عن فلسطين.

تمسكت بريطانيا بالانتداب ووعد بلفور، وتمادت في السماح بهجرة اليهود، وقام الصهاينة بالمظاهرات تحدياً للعرب؛ وبصورة خاصة في مدينة يافا؛ حتى إنهم كانوا يستقبلون المهاجرين عبر ميناء يافا باحتفالات ومظاهرات، قبل أن ينقلوا على تل أبيب.  وقد كان العلم الصهيوني يرفع في هذه المظاهرات، وقام سكان المستعمرات المحيطة بتل أبيب بأعمال استفزازية ضد سكان يافا.

احتج العرب عن طريق الجمعية الإسلامية المسيحية وطالبوا بوقف الهجرة، وهددوا بمنع إنزال المهاجرين اليهود إلى البر مهما كلف الثمن، وقرر بحارة ميناء يافا مقاطعة البواخر التي تنقل مهاجري اليهود؛ وأيدت اللجنة التنفيذية للمؤتمر العربي الفلسطيني الموقف؛ فتوترت الحالة وهاجت الخواطر.

أعلنت الحكومة اعتبار اللغة العبرية لغة رسمية في البلاد إلى جوار العربية والإنجليزية؛ ورفض موسى كاظم الحسيني رئيس بلدية القدس تطبيق هذا القرار؛ فوقع اصطدام بين السلطة البريطانية وبينه، انتهى بإقالته.  وكان هذا سبباً إضافياً لحالة الاحتقان التي عمت البلاد؛ ولكن الشرارة انطلقت من يافا؛ لكونها تتلقى سيل الهجرة عبر مينائها.

في عيد العمال 1/5/1921، قام الصهاينة بمظاهرات كبرى في تل أبيب، أطلقوا فيها شعارات معادية للعرب، وطالبوا بالثأر لدماء اليهود في ثورة القدس.

وقد واكبت المظاهرة فئة من الجنود البريطانيين، وقوة من الشرطة اليهودية؛ لكن المتظاهرين اتجهوا إلى حي المنشية في يافا، وأخذوا يستفزون السكان؛ فهب أهل يافا لرد المتظاهرين؛ فوقع اصطدام دموي، سقط خلاله قتلى وجرحى، وانتهى برد المتظاهرين اليهود.

عاود الصهاينة مهاجمة يافا صباح اليوم التالي؛ وكان بينهم مسلحون؛ فنشبت معركة عنيفة مع العرب، أسفرت عن وقوع إصابات كثير بين المهاجمين.

وهاجم الصهاينة في نفس اليوم قرية العباسية المجاورة ليافا، وقتلوا عدداً من نسائها وأطفالها؛ فثار العرب، وهاجموا الصهاينة في تل أبيب، وقامت القرى المجاورة ليافا بمهاجمة المستعمرات؛ كما اشتبك أبناء عشيرة أبو كشك مع القوات البريطانية التي كانت تمنع وصول الإمدادات.

تواصلت أعمال العنف يوم 3/5/1921 ووقعت حوادث قتل، وحلت أضرار جسيمة بمحلات اليهود التجارية، ولم تلبث هذه الاصطدامات مع الصهاينة والإنجليز أن امتدت إلى قلقيلية وطولكرم والرملة واللد؛ وقامت مظاهرات صاخبة، وقرر كثير من الشباب حمل السلاح والتوجه إلى يافا.

سمع الفلاحون ورجال القبائل في المناطق المجاورة بتعرض العرب للقتل في يافا؛ فتجمع في 5/5 نحو 3000 عربي، شمال مستوطنة بتاح تكفا، وعدة مئات جنوبها؛ غير أن من تولى الدفاع عن هذه المستعمرة لم يكن غير البريطانيين الذين أطلقوا النار على الحشود؛ فارتقى 60 شهيداً وعدد من الجرحى.

لجأت الحكومة إلى الرؤساء الدينيين بعد أن فشلها في إخماد الثورة، وطلبت منهم المساعدة في وقفها، تحت وعد إعادة النظر في سياستها تجاه العرب.  وتبين أن البريطانيين كانوا في انتظار قوة آتية من السويس وقبرص.  وما أن وصلت هذه القوة حتى انقض رجال الجيش والشرطة على العرب في يافا وسائر المناطق المحيطة بها؛ فوقعت صدامات دامية استطاعت بعدها الحكومة إخماد الثورة التي استمرت 15 يوماً.

في هذه الثورة قتل 47 صهيونياً وجرح 146؛ أما العرب؛ فقد استشهد منهم 157 وجرح 700، وقد سقط أكثرهم برصاص البريطانيين.

شكلت حكومة الانتداب محاكم عسكرية وحكمت على عدد من المجاهدين بالسجن؛ وقررت بعدها تشكيل لجنة تحقيق (لجنة هيكرافت)، التي توصلت إلى أن سبب الثورة يتعلق بخطتها القاضية بإنشاء وطن قومي لليهود، وإلى تذمر العرب من محاباة بريطانيا لليهود ووقوفها في وجه حكم العرب لأنفسهم.

ثورة 1929:

حين قامت الحرب العالمية الأولى، أسهم العرب في هذه الحرب إلى جانب قوات الحلفاء، الذين قدموا للعرب وعوداً باستقلال بلادهم الواقعة تحت الحكم العثماني.

بمجرد أن بدت بشائر النصر للحلفاء، نكث الحلفاء وعودهم للعرب، وقاموا بتقسيم هذه الدول فيما بينهم؛ وأعطي وعد بلفور ووقعت اتفاقية سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا لاقتسام هذه الدول؛ وفتح باب الهجرة لليهود إلى أرض فلسطين؛ ما جعل العرب يدركون خطورة الأمر؛ فحدث أول تحرك شعبي واسع للتعبير عن الإحباط وخيبة الأمل.  وعرف هذا التحرك الشعبي تاريخياً باسم "ثورة 1920".

كان هناك أكثر من سبب لهذا السخط الشعبي، منها:

تشكيل اللجنة الصهيونية برئاسة حاييم وايزمن (1918)؛ للمساعدة في تطبيق وعد بلفور؛ فقد أخذت هذه اللجنة تدلي بكثير من التصريحات الاستفزازية؛ ما كشف عن الأطماع الصهيونية في فلسطين.

محاباة البريطانيين للصهاينة على حساب العرب، وذلك في كافة المجالات، مثل: جعل العبرية لغة رسمية في فلسطين. 

أسباب اجتماعية، من ضمنها وضع الفلاحين الفلسطينيين تحت وطأة الضرائب، "كان على الفلاح أن يدفع 6 جنيهات في السنة من دخلة الذي يبلغ 26 جنيهاً"؛ وفي نفس الوقت وقع الفلاح فريسة للمرابين؛ لرفض الحكومة البريطانية إنشاء مصرف زراعي لإقراض الفلاحين العرب.

تقلد البريطانيون والصهاينة الوظائف الكبرى في البلاد، وتركوا الوظائف الدنيا للعرب.

سياسة التعليم البريطانية.

منع السلطات البريطانية عقد المؤتمر الفلسطيني.

ونمو الحركة الثورية في مصر والسودان وسوريا ولبنان والعراق والمغرب.

بعد وقوع عدد من المظاهرات في جميع أنحاء فلسطين، أصدرت سلطات الانتداب أمراً في 11/3/1920 يقضى بمنع المظاهرات بمختلف أشكالها.

في 4/4/1920 وقع صدام بعد أن منعت الشرطة أهل الخليل من دخول القدس للاحتفال بموسم النبي موسى؛ وكان أهل القدس وأهل نابلس قد خرجوا لاستقبالهم؛ وشارك المسيحيون في الاستقبال حسب العادة المتبعة؛ فاقتحم أبناء الخليل باب الخليل في القدس بالقوة؛ ومن على شرفة النادي العربي بدأ الخطباء بإلقاء الكلمات الحماسية؛ ومنهم موسى كاظم الحسيني، وخليل بيدس، وعارف العارف، والحاج أمين الحسيني؛ ما أثار الشعور القومي.

تسلل صهيوني اسمه "كريمربن مندل" وحاول خطف العلم وتمزيقه؛ فانقض الناس عليه وقتلوه؛ ثم تقدم صهيوني آخر مع عدد من الجنود لخطف العلم؛ لكن رجلاً من الحشد قتلة بسيفه.

بعد ذلك اجتمع الشبان اليهود والجنود الإنجليز، وهاجموا العرب المحتفلين بالموسم؛ فنشبت معركة حامية سقط فيها 9 قتلى و122 جريحاً من الطرفين.

وقد فجرت هذه المعركة الصراع الذي استمر حتى يوم 8/4/1920؛ حيث حاصرت القوات البريطانية القدس.  وقد ذكر بلاغ بريطاني أن حصيلة هذه الأيام كانت مقتل 4 من العرب و9 من اليهود و2500 جريحاً من الطرفين.

ورغم إعلان الأحكام العرفية وحظر التجول؛ إلا أن المقاومة استمرت حتى 10/4؛ حيث أصدرت سلطات الانتداب أحكاماً بالسجن ضد 23 شخصا،ً من بينهم: عارف العارف، وأمين الحسيني، الذين تمكنا من الفرار إلى شرقي الأردن؛  كما أقالت موسى كاظم الحسيني من رئاسة بلدية القدس، وعينت راغب النشاشيبي مكانه.

بعد ذلك تم تكليف لجنة "بالين" بالتحقيق الذي كانت نيتجته: "أن الهجوم كان كله ضد اليهود"؛ لكن اللجنة أقرت بأن "المواطنين يشعرون بالظلم".

واتصفت ثورة 1920 بما يلي:

كانت أول تجربة للمقاومة ضد الاستعمار والصهيونية التي اتخذت شكلاً جماهيرياً. ا

انتقال الوعي إلى المقاومة.

القوى التي قامت بالثورة لم تكن منظمة.

لهذه الأسباب وصفت تارة بأنها ثورة؛ وبأنها انتفاضة، تارة أخرى.

ثورة البراق

كان العمل بين عامي 1922 و1929 على الصعيد الوطني راكداً، ماعدا بعض المظاهرات الجماهيرية؛ بسبب ضعف القيادة الفلسطينية وترددها؛ وبسبب شراسة الاستعمار البريطاني وبطشه وتشكيل الوحدات الصهيونية الإرهابية؛ ما أدى إلى عدم وجود تكافؤ في القوى.

ومع بداية عام 1929 ازداد الوضع سوءاً خصوصاً بعد سلسلة من الكوارث الطبيعية كالجراد والزلزال والوباء (1927)، وكذلك بداية الأزمة الاقتصادية العالمية (1932-1929)؛ في هذا الوقت سنت حكومة الانتداب مجموعة من القرارات سهلت من تدفق اليهود إلى فلسطين؛ ما اقترن بانتزاع رقعة أوسع من الأراضي من يد الفلاحين الفلسطينيين؛ فضلًا عن احتكار المؤسسة الصهيونية للصناعة.

وسط هذه الأجواء، نظم الصهاينة في 14/8/1929 في تل أبيب مظاهرة ضخمة؛ لمناسبة ذكرى "تدمير هيكل سليمان"، تلتها في اليوم التالي مظاهرة في القدس وصلت إلى حائط البراق؛ ورفع خلالها المشاركون العلم الصهيوني، وأخذوا يرددون النشيد القومي الصهيوني (هاتكفا)، وطالبوا بحائط البراق (المبكى)؛ بزعم أنه الجدار الباقي من الهيكل.

وفي يوم الجمعة 16/8، كانت ذكرى المولد النبوي الشريف؛ فتوجه أهالي القدس والقرى المحيطة إلى المسجد الأقصى للاحتفال بهذه المناسبة، كعادتهم كل سنة؛ وقد شكلوا مظاهرة ضخمة بعد صلاة الجمعة، اتجهت إلى حائط البراق؛ حيث حطموا طاولة وضعها اليهود على الرصيف، بجوار الحائط، وقاموا بإحراق أوراق فيها بعض نصوص الصلاة اليهودية الموضوعة في ثقوب حائط المبكي.

في اليوم التالي حدث اشتباك أدى إلى جرح 11 شخصاً من الجانبين، ووفاة أحد الصهاينة؛ فقامت القوات البريطانية باعتقال عدد كبير من العرب وبعض اليهود.

جاءت أخبار نية اليهود شن هجوم على حائط البراق واحتلاله؛ فتدفق أهالي القرى إلى القدس بأعداد ضخمة يوم 23/8/1929، وهم مسلحون بالعصي والهراوات، وخرج المصلون من الأقصى ليجدوا تجمعاً صهيونياً؛ فاشتبك الطرفان؛ ما شكل سبباً لدخول الدبابات البريطانية إلى القدس عصر ذلك اليوم.  وحين وصول أبناء القدس إلى الخليل ونابلس، انطلقت الجماهير في مظاهرات عنيفة، وهاجم أهالي الخليل الحي اليهودي؛ فقتل أكثر من 60 يهودياً، وجرح أكثر من 50 آخرين؛ في الوقت الذي حاول فيه أهل نابلس انتزاع الأسلحة من أحد مراكز الشرطة؛ وقامت مواجهات عنيفة كذلك في يافا وبيسان والحي القديم في حيفا، التي قتل فيها إمام أحد المساجد، وستة من العرب؛ نتيجة إطلاق النار عليهم من قبل الشرطة البريطانية. وفي يوم 26/8 هاجم اليهود مسجد عكاشة وخربوه.

شاع الخبر في صفد أن اليهود اعتدوا على الحرم الشريف وهدموه وأحرقوه؛ فهرع الناس مساء 29/8/1929 إلى حارة اليهود، وخلعوا أبواب المحلات التجارية، وأشعلوا فيها النار.  وحدث أن ألقى مجهولون قنبلة قتلت 4 من اليهود و3 من خيول الشرطة؛ فجاءت يوم 30/8 القوات البريطانية من المناطق المجاورة، وأطلقت النار على كل عربي وجدته في (حارة اليهود)؛ ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.

ألقي القبض على حوالي 400 عربي؛ وتم نقل بعضهم إلى سجن عكا؛ وأعدم في تلك القضية يوم 17/6/1930 الشهداء الثلاثة: فؤاد حجازي في صفد؛ ومحمد جمجموم وعطا الزير من الخليل.

بعدها شكل عدد من شباب صفد جماعة تحصنت في الجبال لمقاومة الإنجليز والصهاينة.

وكان من نتائج المعركة التي جرت في صفد أن أخذ اليهود يخلون المدينة تدريجياً.

في النهاية كانت حصيلة هذه الثورة:

وقوع 133 قتيلاً من اليهود وجرح 239 منهم.

ارتقاء 116 شهيداً وجرح 232 مقاومًا.

قدم إلى المحاكمة ما يزيد عن ألف شخص أكثر من 900 منهم من العرب.

صدر الحكم بالإعدام على 25 شخصًا، منهم يهودي واحد.

ثورة 1935:

مع ازدياد الوعي السياسي في بداية الثلاثينات، بدأت الدعوة إلى اتباع نوع آخر من النضال يختلف عن التمرد السلبي؛ إذ أخذت الدعوات تزداد إلى الكفاح المسلح.  وقد شكل الشيخ عز الدين القسام جماعات سرية مدربة؛ وبذا يكون القسام هو رائد الكفاح المسلح في الحركة الوطنية الفلسطينية. وأحيط تشكيل هذه المنظمة السرية بإطار كثيف من الكتمان؛ ولذا فإنه من الصعب تقديم المعلومات وفيرة عن هذه المنظمة.

ولد عز الدين القسام في قرية جبلة السورية؛ بجوار اللاذقية عام 1871م، تلقى العلم على يد الإمام محمد عبده في الأزهر، ثم عاد إلى سوريا مدرساً.  حكم عليه الديوان العرفي في اللاذقية بالإعدام؛ لاشتراكه في مقاومة الفرنسيين؛ فاضطر إلى اللجوء إلى حيفا عام 1922 في شهر شباط، وتولى التدريس في جامع النصر بالمدينة؛ كما عمل مدرساً في المدرسة الإسلامية بحيفا، وعينة المجلس الإسلامي الأعلى خطيباً لجامع الاستقلال ومأذوناً شرعياً؛ ما وفر له صيغة للاتصال بالجماهير.  أصبح رئيساً لـ"جمعية الشبان المسلمين"، وأنشأ بعد عدة سنوات عصبة سرية لها شرطان: أن يقتني العضو السلاح على حسابه الخاص، وأن يتبرع للعصبة بما يستطيع.

وبمرور الزمن أخذت نواة الحركة الثورية تتوسع؛ فشكل القسام من أفراد المنظمة حلقات صغيرة، كل منها رقيب وخمسة أفراد؛ ولم تكن أي حلقة تعرف شيئاً عن الحلقات الأخرى؛ وشكل أيضاً مجموعات أخرى للتدريب ولجباية الأموال والاتصال السياسي والشعبي وشراء السلاح؛ وأخرى للتجسس.  واستطاع القسام أن يوجد تشكيلات سرية مسلحة في مناطق خارج حيفا أيضاً.

تحت ضغط مجموعة من العوامل من ضمنها تدفق الهجرة اليهودية وتسلح الصهاينة من قبل بريطانيا واستفحال خطر تسرب الأراضي؛ بدأ القسام عمله العسكري، الذي تمثل بادئ الأمر في الضربات الخاطفة؛ ومن ثم تطور إلى العمل العسكري ضد المستعمرات الصهيونية والدوريات البريطانية؛ ما أشاع الذعر في الأوساط الصهيونية والإنجليزية؛ لعدم معرفتهم أصحاب هذه الأعمال.

وما لبث القسام وجماعته أن قرروا القيام بالثورة علناً؛ لرفع معنويات الجماهير، وإبراز أهداف الثورة، وإحباط الدعاية المضادة؛ فعقد اجتماع في بيت محمود سالم المخزومي في 12/11/1935؛ وعلى إثره توجه الثوار إلى الجبال وأحراج يعبد، وتسلل عدد كبير منهم إلى حيفا لمساندة الهجوم من هناك.  علم الإنجليز بوجود القساميين في أحراج يعبد؛ فأرسلوا قوات كبيرة، وحاصروا الأحراج، وحدثت عدة صدامات بين طلائع الرصد القسامية، وطلائع القوات البريطانية، قتل خلالها جندي بريطاني وبعض رجال الشرطة؛ فأمر المسؤولون البريطانيون بمهاجمة الأحراج.

استمرت المناوشات حوالي خمسة أيام، ثم اكتشف الإنجليز أن القسام نفسه موجود في المنطقة؛ وكانوا قبل ذلك يظنون أنه في حيفا؛ فشنوا هجوماً مركزاً صده القساميون.

وفي يوم 20/11/1935، وقعت المعركة الكبرى، واستمرت 4 ساعات، قتل فيها عدد كبير من رجال القوات البريطانية؛ واستشهد ثلاثة من قادة القسام، وجرح عدد آخر.

استؤنف القتال بعد ظهر ذلك اليوم؛ فاستشهد الشيخ عز الدين القسام، واستطاع من تبقى اختراق الحصار، ووصلوا إلى الشمال الفلسطيني، وهم يحملون جثة قائدهم الشهيد إلى حيفا.  وقد وقع عدد قليل من المجاهدين أسرى في يد الإنجليز؛ فنقلوهم على سجن نابلس.

نعي الشيخ وأصحابه من مآذن المساجد، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وصلى الناس عليهم في كل مكان صلاة الغائب، وسار كوكب الجنازة مجللاً بالأعلام السورية والمصرية والعراقية واليمنية والسعودية؛ ودفن القسام في مقبرة الياجور قرب بلد الشيخ التي تبعد عن حيفا 7 كم.

وعلى عكس ما توقع الإنجليز، لم تكن ثورة القسام غير منعطف في تاريخ الحركة الوطنية؛ فقد أسست ومهدت للحركة الثورية التي ستسود فلسطين بعد عدة أشهر من استشهاد الشيخ ورفاقه.

ثورة 1936-1939

إذا استثنينا ثورة الجزائر؛ فإن ثورة الشعب الفلسطيني التي خاضها من سنة 1936 وحتى 1939 تعتبر أطول وأكبر ثورة قام بها أي شعب عربي ضد أعدائه.

لقد ولدت الثورة في نيسان 1936، حينما أعلن الإضراب العام، واتخذ شكلاً مسلحاً وعنيفاً في مطلع أيار 1936.  وقد كان متفقاً عليه أن يبقى الإضراب مستمرا وتؤجل الثورة المسلحة؛ لكن التطور السريع للظروف حتمت ضرورة إعلان الثورة؛ فرغم اشتداد الإضراب رفضت الحكومة البريطانية المطالب العربية بوقف الهجرة اليهودية، ثم تحدَّت الإرادة العربية علناً بإصدار شهادة هجرة جديدة قدمتها للوكالة اليهودية.

وبعد سلسلة من الاجتماعات السرية قرر المسؤولون الفلسطينيون إعلان الثورة، تبعه إعلان الجهاد المقدس في مطلع أيار 1936؛ وأذاع جيش الجهاد المقدس بياناً ضمنه أهداف الثورة التي هي نفسها التي اشتمل عليها الميثاق الوطني الفلسطيني.

خرج الحسيني فور صدور البيان مع فصائل جيش الجهاد إلى الجبال في القدس، وشرعوا بمهاجمة ثكنات الجيش والشرطة والمستعمرات، وبقطع طرق المواصلات؛ وقد اقتصرت الأعمال في الأيام الأولى على لواء القدس وحده بقيادة عبد القادر الحسيني.

اتسع نطاق الثورة بعد الانتصارات المتفرقة التي حققها المجاهدون، حتى عمت جميع أرجاء فلسطين بعد شهر من بدايتها.

تدفق المتطوعون من الأردن وسوريا ولبنان، ودخل فوزي القاوقجي وقواته إلى فلسطين؛ ما زاد حماس الفلسطينيين؛ فأخذوا يتبرعون بالمال والسلاح والرجال.  وفي الشهر الثالث للثورة تحولت إلى معارك مكشوفة مع قوات الاحتلال البريطاني والصهاينة.

بعد أن تبين للإنجليز أن المسألة تعدت الفورة الآنية؛ أخذوا يرتكبون المذابح وأعمال الإرهاب ضد العرب، ويدمرون بيوتهم، ويعتقلون المئات منهم؛ فيما تطور أداء المجاهدين إلى مهاجمة المدن الكبيرة لتحريرها، واغتيال موظفين كبار في سلطة الانتداب والجواسيس وباعة الأراضي والسماسرة؛ كما وقعت صدامات دامية بين النساء الفلسطينيات والجيش البريطاني؛ ما اضطر بريطانيا لإعلان حالة الحرب في فلسطين، ووضع قوانين الطوارئ موضع التنفيذ.

وعندما شعرت بريطانيا بأن الأمر أصبح خارج السيطرة رغم تدابيرها الوحشية؛ لجأت إلى أسلوب آخر؛ فأعلنت أنها ستوفد لجنة ملكية للتحقيق في قضية فلسطين؛ كما حاولت توسيط بعض الزعماء العرب لإيقاف الثورة؛ لكن هذا أيضاً لم يجد نفعاً.

أقالت الحكومة البريطانية القائد العام للقوات البريطانية في فلسطين، وعينت مكانه الجنرال ديل، الذي أحضر قوات عسكرية ضخمة بحراً وبراً وجواً من قبرص وقناة السويس والحبانية في العراق؛ حتى بلغ عدد القوات البريطانية في آب 1936 أكثر من 70 ألف جندي؛ هذا عدا عن 40 ألف شرطي؛ كما وضع الصهاينة قواتهم كذلك في خدمة الجيش البريطاني.

رغم ذلك صمد العرب، وحققوا مزيدا من الانتصارات؛ فسحبت بريطانيا الجنرال ديل، وولت مكانه الجنرال ويفل، الذي مني بالفشل نفسه؛ فاستبدل بالجنرال رتشي؛ ولكن دون جدوى؛ فاستبدلته بالجنرال ماكميلان؛ لكن الثورة ظلت مشتعلة.

وبعد توسط عد من الزعماء العرب تحت وعود بريطانيا بإنصاف عرب فلسطين، توقف الإضراب والثورة في 13/10/1936، بعد أن استمر 176 يوماً.

صدر النداء الذي توقف على أثره الإضراب والثورة عن عاهل السعودية (عبد العزيز آل سعود)، والملك غازي (عاهل العراق)، والإمام يحيى، والأمير عبد الله في 8ـ9/10/1936.

عادت الحياة إلى طبيعتها في فلسطين، وعاد القاوقجي والمتطوعون العرب إلى بلادهم، وعاد المجاهدون إلى قراهم، بعد أن قاموا بإخفاء الأسلحة؛ واتخذ قرار بلجوء كبار قادة الثورة إلى سورية ولبنان والعراق؛ وكان منهم: عبد القادر الحسيني، وحسن سلامة، وحنا خلف، وعبد الحليم الجيلاني، وعبد الرحيم الحاج محمد، وغيرهم.

في نهاية كانون الثاني 1937، أنهت لجنة بيل الملكية أعمالها، وعكفت على إعداد تقريرها في لندن.  وأفادت الأنباء بأن اللجنة ستوصي بتقسيم فلسطين؛ فأذاعت اللجنة العربية العليا بياناً رفضت فيه التقسيم؛ فعمت المظاهرات البلاد من جديد.

نشر تقرير اللجنة في 7/7/1937، وأوصى بإنشاء دولة لليهود على أقسام من فلسطين، وجعل القدس وحيفا تحت الانتداب؛ وأعلنت الحكومة البريطانية تبنيها للتقسيم واستعدادها لتنفيذه.

أذاعت اللجنة العربية العليا بياناً برفض التقسيم؛ فاشتد حنق بريطانيا على المفتي (أمين الحسيني)؛ فقررت اعتقاله وإبعاده إلى جزيرة موريشيوس في المحيط الهندي؛ لكنه أفلت من الاعتقال ولجأ إلى المسجد الأقصى.

تطورت الأوضاع بشكل سريع؛ فاشتدت المقاومة الشعبية للتقسيم واتسعت الهجمات العربية على ثكنات الجيش والمستوطنات؛ ولكن بريطانيا عنيت لويس أندروز حاكماً للواء الخليل، وأطلقت يده للعمل على مشروع التقسيم (وهو من غلاة الاستعماريين)؛ فاغتاله المجاهدون في الناصرة يوم 26/9/1937 مع مرافقة؛ ما دعا بريطانيا لتصعيد عدوانها؛ فأعلنت مجدداً حالة الطوارئ، وأذاعت بياناً يتهم اللجنة والمفتى بأنهما وراء الأحداث في فلسطين، واعتبرت أن اللجنة العربية العليا واللجان القومية الأخرى غير شرعية؛ وعزلت المفتي من رئاسة المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، واستبدلته بلجنة ثلاثية برئاسة البريطاني كيرك برايد.

اعتقلت الحكومة البريطانية 819 شخصاً من رجال الدين والأطباء والتجار والمحامين والصحفيين، ومعظم أعضاء اللجان القومية، ونفت بعض الزعماء الوطنيين إلى جزر سيشل، واستطاع بقية أعضاء اللجنة العربية العليا اللجوء سراً إلى لبنان.

رغم كل تلك التدابير، اشتدت المقاومة، واستطاع المفتي الهرب إلى لبنان؛ وهناك ورغم الرقابة التي فرضها الفرنسيون عليه إلا أنه أصدر بياناً أعلن فيه تمسكه بالحقوق المشروعة ورفضه قرار التقسيم؛ فاعتبر الفلسطينيون هذا البيان دعوة لمواصلة الثورة.

في هذه المرحلة أصبحت بيروت هي المركز الرئيس للقيادة الوطنية الفلسطينية؛ نتيجة وجود الحاج أمين، والكثير من قيادات الثورة هناك، واختيرت دمشق كمصدر للتموين.

لم تدخل قوات شعبية إلى فلسطين في هذه المرحلة من الثورة؛ بل اعتمدت على الفلسطينيين بقيادة عبد القادر الحسيني؛ رغم دخول بعض المتطوعين من الأردن والعراق وسوريا ولبنان.

كانت المعارك أشد عنفاً وتركيزاً واتساعاً، وخصوصاً داخل المدن؛ وتوالت أعمال اغتيال موظفي الحكومة الإنجليز والمتعاونين معهم وباعة الأراضي والسماسرة؛ ولكن هذه المرحلة لم يرافقها إضراب؛ ما سهل العمل نسبياً.

وقعت معارك عسكرية ضخمة، كان بعضها يستمر عدة أيام، واستطاع المجاهدون استرجاع بعض المدن ورفع العلم العربي مكان العلم البريطاني، ومنها: عكا، وبئر السبع، والخليل، وبيت لحم، وبيت ساحور، والمجدل، والفالوجة؛ ولم يخرجوا منها إلا بعد معارك ضارية مع البريطانيين؛ كما اتسعت الهجمات على المستوطنات.

من أهم المعارك التي دارت في أثناء الثورة: نور شمس، والجاعونة، وبلعة، واليامون، وبير السبع، وطبرية، والقدس.

في عام 1939، توقفت الثورة في الأراضي الفلسطينية؛ لأسباب، كان أهمها على الإطلاق بوادر نشوب الحرب العالمية الثانية.

معركة جدين:

بتاريخ 22/1/1948، تلقى أديب الشيشكلي قائد فوج اليرموك الأول، برقية من قائد جيش الإنقاذ، يطلب منه فيها مهاجمة مستعمرة صهيونية في الخليل للتغطية على عبور فوج اليرموك الثاني لنهر الأردن؛ بالإضافة للحصول على معلومات حول تحصينات المستوطنات.

قام الشيشكلي باختيار مستعمرة "جدين" هدفاً للهجوم؛ وتم الهجوم، وقاتل الصهاينة بعناد دفاعاً عن المستوطنة؛ لكن المهاجمين استطاعوا احتلال المراكز الأمامية؛ ولم تنجح قوافل الإمداد الصهيونية في فك الحصار عن المستوطنة، إلى أن وصلت قوة بريطانية لنجدتهم يوم 23/1/1948؛ فتراجعت قوات اليرموك بناء تعليمات تلقتها؛ تجنبا للصدام مع البريطانيين.

كانت خسائر فوج اليرموك 18 شهيداً (هم أول شهداء جيش الإنقاذ)؛ ولكن المعركة قدمت المطلوب منها؛ إذ استطاع جيش اليرموك الثاني عبور النهر بقيادة محمد صفا؛ كما قدمت المعركة معلومات وافرة عن المستوطنات وتحصيناتها.

معارك باب الواد:

باب الواد عبارة عن ممر يربط السهل الساحلي بجبال القدس، وتتشعب منه طرق كثيرة مثل: القدس، والرملة، وبيت جبرين، وعرطوف، وغزة، ورام الله.  وتطل عليه قرى مثل عمواس واللطرون وتل الجزر وأبو شوشة وبيت نوبا ويالو.

ولأنه مفتاح القدس؛ فإن له أهمية عسكرية عظيمة؛ فدارت فوقه معارك عظيمة عبر القرون؛ فعنده قام صلاح الدين بصد هجوم ريكاردوس قلب الأسد، (ق12م)، وفي موقعه وقف المقدسيون في وجه إبراهيم باشا سنة 1834م، ودارت فوقه معارك دامية في الحرب العالمية الأولى بين الأتراك والإنجليز 1917.

عمل العرب على قطع الطريق على الصهاينة الذين أرادوا احتلال باب الواد بعد قرار التقسيم؛ فتجمع المقاتلون من القرى المجاورة لباب الواد، وكانوا في البداية 300 مقاتل، على رأسهم الشيخ هارون بن جازي (أحد شيوخ قبيلة الحويطات شرقي الأردن)؛ وقد انضموا إلى لواء قوات جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني.

قامت القوات العربية بتخريب الطريق، وإتلاف أنابيب المياه التي توصل الماء للأحياء اليهودية؛ ثم أخذوا يتصدون للقوافل اليهودية المحروسة التي تمر كل أسبوع بباب الواد.

فقد هاجموا القافلة يوم 1/3/1948، وقتلوا 4 من رجالها؛ وفجروا الألغام تحت السيارات الصهيونية يومي 12،13/3، وقتلوا 5 من ركابها؛ وفي 19/3 قتلوا 15 رجلاً، بعد أن هاجموا القافلة. ونتيجة اشتداد وطأة الهجمات؛ استنجد يهود القدس بسلطات الانتداب، التي وضعت في عرطوف قوة بريطانية من 200 جندي لحماية القوافل الصهيونية.

حاولت القوات الصهيونية ليلة 31/3، احتلال التلال المشرفة على باب الواد؛ لكن العرب اشتبكوا مع القافلة قرب مستعمرة خلدة؛ ما خلف قتلى كثيرين في الجانبين؛ ولكن الأهم أن العرب استطاعوا دحر الصهاينة وإعادتهم إلى خلدة، وغنموا بعض السيارات.

في 16 نيسان خاض العرب معركة بقيادة أحمد زونا والشيخ هارون بن جازي، قافلة من 250 سيارة عسكرية عند دير أيوب؛ استمرت حتى الساعة الرابعة عصرا وانتهت بتدمير 60 سيارة والاستيلاء على 15 سيارة أخرى وكمية من الأسلحة.

وفي 13 أيار حدثت معركة كبيرة أسفرت عن مقتل 300 صهيوني، وتمسك العرب بالموقع حتى تسلم الجيش الأردني الموقع في15/5/1948.

معركة بيت سوريك

تقع بيت سوريك شمال غرب القدس، وتشرف على الطريق بين السهل الساحلي والقدس.  وقام عبد القادر الحسيني ببث العيون لجمع المعلومات عن الأنشطة العسكرية للصهاينة؛ فكان من ضمن الأبناء التي تلقاها أن الصهاينة سيرسلون إلى القدس قافلة من السيارات تحمل التموين يوم 19/1/1948.  وأفادت المعلومات أن القافلة سيحرسها الصهاينة والبريطانيون.

عقد عبد القادر الحسيني اجتماعاً مع قادة قطاعات قرى ساريس والقسطل وقالونيا وصوبا؛ وكان في الاجتماع كامل عريقات وإبراهيم أبودية؛ وتم في هذا الاجتماع وضع خطة لتدمير القافلة والقوات التي تتولي حراستها؛ على أن يقود الهجوم بنفسه.

تغيرت الخطة؛ لأن القافلة غيرت مسارها إلى بيت سوريك؛ فانتقل المقاتلون العرب إلى تلك القرية؛ وعند الظهر وصلت القافلة إلى الكمين الجديد؛ فانقض عليها المهاجمون العرب من كل الجهات، وقاموا بتفجير الألغام تحت العربات؛ فأخذ الصهاينة يتركون العربات ويفرون باتجاه مستعمرة الخمس؛ فانتهت المعركة بتدمير القافلة، وقتل عدد كبير من الصهاينة والإنجليز، وفرار الأحياء منهم. وأصدر الحسيني أمراً لقواته بعدها بالتراجع.

وقد كانت خسائر الجانب العربي في هذه المعركة سبعة شهداء؛ لكنهم غنموا كمية كبيرة من الذخيرة والبنادق والرشاشات.

معركة بئر السبع

تشكلت في بئر السبع حامية من الشرطة والهجانة قوامها 60 رجلاً، بعد إعلان بريطانيا عن نيتها في الانسحاب من فلسطين؛ وأضيف إلى هذه الحامية عدد من المتطوعين من أبناء البدو، وتولى قيادتهم عبد الله أبو ستة.

لجأ الصهاينة، بمجرد انسحاب بريطانيا من منطقة بئر السبع في 14/5/1948، إلى بسط سيطرتهم على الطرق الهامة من الناحية العسكرية؛ فيما قام العرب بدعم الحامية بعدد من المتطوعين المصريين والليبيين.

وفي 18/5 دخلت كتيبة مشاة مصرية بقيادة أحمد عبد العزيز إلى قطاع بئر السبع؛ وما لبثت القيادة المصرية أن سحبت معظم هذه الوحدة؛ بسبب الوضع العام الذي يتطلب ذلك حسب ادعائها؛ ما جعل الدفاع عن المدينة ضعيفاً.

في 18/10/1948، شن الجيش الإسرائيلي هجومًا على بئر السبع فطلب قائد الحامية النجدة من الحكومة المصرية؛ إلا أنها لم تنجده؛ في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي يملك الطائرات ويهاجم المدينة بخمسة آلاف مقاتل مزودين بالمدافع والمصفحات والرشاشات الثقيلة.

بدأت المعركة بقصف جوي بدأ يوم 18/10 إلى يوم 21/10، نجم عنه تدمير عشرة منازل وقتل 7 أشخاص؛ عدا عن الذعر الذي خلفه في المدينة.

يوم 20/10/1948، مهدت المدفعية للهجوم البري من الشمال والشمال الغربي لتدخلها يوم 21/10/1948، وتقضي على ما تبقي من مقاومة داخلها، لتسيطر عليها تماماً.

معركة بيسان

ضمن إطار خطة "دال" التي تقضي باحتلال أكبر عدد من المدن والقرى العربية، قبل الانسحاب بريطانيا؛ قامت “الهاغاناة” بشن هجوم على بيسان فجر 1/5/1948.

تسلل 300 مقاتل من “الهاغاناة” إلى تل الحصن، واحتلوه ومن هذا الموقع، بدأوا بقصف بيسان، تمهيداً للهجوم عليها.

بدأ الهجوم على بيسان فجر 12/5/1948؛ ولم يكن فيها غير 175 رجلاً من الأردنيين والفلسطينيين؛ الذين تمكنوا من صد الهجوم الأول؛ إلا أن الصهاينة كثفوا هجومهم مرة ثانية؛ فدخلوا بيسان وقاموا بجمع أسلحة المناضلين.

أبلغ قائد الهجوم السكان بأن بإمكانهم البقاء في منازلهم؛ على ألا يبدوا أي مقاومة؛ فبقي سكانها جمعياً.  وبعد شهر طلب من الجميع مغادرة البلدة؛ فنزح بعض السكان عنها؛ أما من أصر على البقاء؛ فقد نقلته السلطات الصهيونية في عربات بقوة السلاح إلى الحدود السورية.

معارك حيفا:

إن وجود مصفاة للنفط في حيفا عام 1947 جعلها من أكبر الموانئ في البحر المتوسط بعد الإسكندرية، هذا طبعاً عدا عن وقوعها على عقده طرق حديدية وبرية؛ فكان هذا سبباً جعلها محل اهتمام السلطات البريطانية؛ فخططت لإجلاء قواتها عبر ميناء حيفا.

بالنسبة للصهاينة لم تكن المدينة تقل أهمية؛ لكونها تربط خطوط مستعمراتهم، ولأنهم يطعمون في جلب المهاجرين عبر مينائها؛ أما العرب فكانوا ببساطة يعتبرون حيفا جزءاً من وطنهم التاريخي،له أهميته الاقتصادية.

كان في حيفا قوة عسكرية مدربة من “الهاغاناة” و”الأرغون” تبلغ 5000 رجل، ضمن تشكيلات نظامية مجهزة ومسلحة، لها قيادات؛ فيما افتقر العرب إلى السلاح والعتاد.  أضف إلى ذلك أن العرب كانوا يقطنون أسفل سفح الكرمل؛ أما الصهاينة فقد كانوا يقطنون أعلاه "هادار الكرمل" ويطوقون الأحياء العربية بعدد من المستعمرات.

تألفت لجنة وطنية مرجعها السياسي "الهيئة العربية العليا"، بعد تلقيها وعودًا بالدعم من اللجنة العسكرية في دمشق، التي كان يرأسها رشيد الحاج إبراهيم؛ وقد كلف الملازم محمد حمد الحنيطي بقيادة الحرس الوطني وتنظيم الدفاع عن المدينة.

بدأت الاشتباكات فور صدور قرار التقسيم، وازداد توتر الموقف؛ بعد أن فجر الصهاينة قنبلة في الجانب الغربي من المدينة في 30/12/1947؛ فقتل 6 عمال عرب وجرح 41، وهم من عمال مصفاة النفط؛ فانقض العمال العرب في المصفاة على الصهاينة العاملين فيها؛ إذ قتلوا 41 منهم. 

وفجر العرب عربة بريد في القطاع الصهيوني بتاريخ 14/1/1948؛ فأصيب 45 صهيونياً؛ ولكن المعارك التي دارت بعد ذلك أدت إلى استشهاد الملازم محمد الحنيطي في كمين صهيوني، وهو عائد بالسلاح من لبنان في  18/3/1948، وتولى أمين عز الدين القيادة مكانه.

 

في أواخر آذار 1948 قضي العرب على قافلة صهيونية بالكامل.  وفي 21/4/1948 أبلغ الحاكم البريطاني المسؤولين العرب قراره إخلاء حيفا؛ وكان قد أبلغ الصهاينة بذلك يوم 17/4؛ وكان هذا إشارة للصهاينة لبدء خطتهم للاستيلاء على حيفا والمعروفة باسم "سباراييم" (المقص).

فجر يوم 22/4 اندفعت سرية صهيونية واستولت على بيت النجادة الذي يشرف على وادي رشمية؛ لكن العرب حاصروها طوال اليوم، وقتلوا كثيرا من أفرادها، ولم تستطع التعزيزات الصهيونية أن تفك الحصار عنها؛ لكن هذه العملية جذبت الكثير من المناضلين نحوها؛ ما أدى إلى تسهيل عمل لواءين آخرين من الصهاينة؛ فما أن جاء 23/4 حتى كان الحي العربي مقسم إلى 3 أقسام حسب الخطة الإسرائيلية.

طلب الجنرال البريطاني ستوكويل من الطرفين عقد هدنة، ونقل للعرب عشرة مطالب صهيونية، من ضمنها: أن يسلموا أسلحتهم خلال 3 ساعات، ويزيلوا الحواجز عن الطرق، ويسلموا  إدارة المدينة للصهاينة؛ لتقوم بمنع التجول والتفتيش بحثاً عن أسلحة.

بالطبع قرر العرب رفض الشروط؛ لاقتناعهم بأنهم سيتعرضون للذبح إذا قاموا بتسليم أسلحتهم؛  وفي نفس الوقت قام الصهاينة بقلب المساجد التي استولوا عليها إلى اسطبلات، ونزعوا شواهد القبور الرخامية لاستعمالها في البناء.  ولكي يشيعوا الرعب في المدينة؛ ألقو جثث الشهداء على الأرصفة؛ ما أدى إلى مغادرة حوالي 70 ألف عربي للمدينة؛ فسقطت حيفا في أيدي الصهاينة؛ ما كان له أكبر الأثر في سير الحرب بكاملها.

 

معركة ظهر الحجة:

ظهر الحجة جبل يقع شمال قرية صوريف، وهي إحدى قرى الخليل.

كانت مستعمرة كفار عتصيون مركز تهديد للمسافرين العرب بين بيت لحم والخليل. وفي ذات اليوم الذي  أخلت بريطانيا مراكز البوليس من الجنود في جبل الخليل (13/1/1948)، أطلقت النار من مستعمرة كفار عتصيون على سيارة القنصل العراقي وهو في طريقه إلى الخليل؛ فهب أبناء الخليل والقرى المجاورة، ومعهم أفراد من القدس والسبع، وهاجموا المستوطنة؛ ولكن الاقتحام فشل؛ لأن الهجوم كان بناء على العواطف ويفتقر إلى خطة عسكرية؛ وكانت النتيجة أن استشهد 14 من المهاجمين وجرح 24.

في 16/1/1948 تصدى سكان صوريف لقوة صهيونية متجهة إلى كفار عتصيون؛ فاعتصم من في القوة الصهيونية بجبل الحجة، وطوق المناضلون الجبل وأخذوا يقتحمونه حتى أبادوا القوة الصهيونية عن بكرة أبيها؛ واستشهد خمسة مناضلين في هذه المعركة؛ فيما ذكرت تقارير صهيونية لاحقة أن قتلاهم بلغوا 35 قتيلاً نشرت أسماؤهم في صحيفة حيروزالم بوست.

 

في 18/1 جاءت قافلة صهيونية لنقل جثث القتلى؛ فتصدى لها المناضلون واشتبكوا معها لمدة 7 ساعات؛ فارتدت القافلة على أعقابها، واستشهد 3 مناضلين؛ وقتل 13 صهيونياً؛ وتدخلت حكومة الانتداب، ونقلت جثث القتلى في معركة ظهر الحجة.

بعد هذه المعركة انقسم الرأي العام في إسرائيل حول ضرورة إبقاء المستوطنات البعيدة؛ لكن هذه المستوطنات بقيت حتى تم تدميرها تدميراً كاملاً بين 10 و13/5/1948 من قبل حرس القوافل في الجيش الأردني، بمشاركة أبناء الخليل.  واقتيد الأسرى إلى معسكر اعتقال الأسرى.

 

معركة خربة اللحم:

تقع خربة اللحم بين قرية قطنة وقرية بيت عنان قضاء القدس.

في صباح يوم 26/5/1948، قامت سرية من الجيش الأردني باحتلال معسكر للرادار مقابل مستوطنة الخمس، وتمركزت فيه؛ وكانت بقية الكتيبة التي تتبع لها السرية متواجدة في القرى المحيطة؛ لهدف منع تقدم القوات الإسرائيلية وتهديد الطريق الرئيس رام الله/ القدس.  رام الله / اللطرون. 

في أوائل الهدنة الأولى، استلمت كتيبة المشاة الخامسة المواقع المذكورة؛ وفي يوم 9/7/1948م استؤنف القتال؛ فعاد الإسرائيليون يركزون هجماتهم على مواقع الجيش الأردني في اللطرون وباب الواد. 

وفي صباح 17/7/1948، تقدمت مجموعة من الإسرائيليين باتجاه موقع الرادار؛ فتصدى لها أهالي بيت عنان؛ فقتلت اثنين منهم. وحينما وصل الخبر إلى خربة اللحم، تصدى للمجموعة الإسرائيلية مناضلون من القرى المجاورة بقيادة فخرى إسماعيل.  ودارت الاشتباكات بين الفريقين؛ فأرسل فخري إسماعيل طلباً للنجدة إلى الكتيبة الأردنية؛ فأرسلت فئة مشاة بمدفع هاون ورشاشات لمساندة المناضلين.

أطبق المناضلون على القوة الإسرائيلية في خربة اللحم، واقتحموا مواقعها، وخلال ساعات أبادوا معظم أفرادها، وفر الباقون؛ واستشهد مناضل واحد وجرح 3 آخرون.


معركة الدهيشة:

نتيجة للحراسة المشددة من “الهاغاناة” والجيش البريطاني؛ تمكن الصهاينة من تمرير قافلة كبيرة من الساحل إلى القدس مساء 27/3/1948، وجهزوا قافلة مكونة من 100 سيارة شحن و19 مصفحة وجرافة وخمسة باصات، مع قوة من الهاغاناه مسلحة بالرشاشات والبنادق ومدافع الهاون والقنابل اليدوية؛ وذلك لنقل هذه القافلة إلى مستعمرة كفار عتصيون على طريق القدس الخليل.

وصلت القافلة إلى كفار عتصيون في 28/3/1948 وأحاطت بقوات الجهاد المقدس؛ علماً بأن هذه القافلة ستعود إلى القدس صباح 29/3/1948؛ فتم حشد قوات كبيرة من المجاهدين بقيادة كامل عريقات نائب قائد الجيش؛ وكمن المجاهدون على جوانب الطريق في المنطقة بين برك سليمان والدهيشة، وجرى تجهيز الألغام وإقامة الحواجز.

تابعت القافلة سيرها إلى أن وصلت إلى الكمين؛ فانقض عليها المجاهدون من جميع الجهات؛ كما قاموا بقطع طريق العودة عليها.  وحين حاولت الدبابات شق طريقها إلى الأمام تصدر للمصفحة الأمامية المناضل يوسف الرشماوي بقنبلة عطلت المصحفة وأوقفتها، واستشهد يوسف.

 وبعد أن ضيق المجاهدون الخناق على القافلة الصهيونية؛ أخذت الطائرات تحاول مساعدة القافلة؛ فألقت بعض المؤن والذخائر؛ لكن معظمها وقع في أيدي المجاهدين. 

وفي ساعات المساء أقبلت نجدات للمجاهدين من بيت ساحور وبيت جالا وبيت لحم والخليل والتعامرة؛ وظل القتال محتدماً بعد أن تسلل الصهاينة إلى داخل بناية "النبي دانيال".

وفي صباح 30/3 طلب المجاهدون من الصهاينة الاستسلام؛ وطلبت القيادة الصهيونية من البريطانيين والصليب الأحمر التدخل؛ ولكن البريطانيين رفضوا، وأرسلوا عارف العارف وعيسى البندك؛ لإقناع المجاهدين بالسماح للصهاينة المحاصرين بالمغادرة؛ لكن القائد كامل عريقات رفض وأصر على استسلامهم. 

وجاءت قوة بريطانية على رأسها الكولونيل هاربر لنجدة الصهاينة؛ لكن المجاهدين فجروا الألغام في طريقها فعادت إلى القدس.

وفشلت مفرزة بريطانية أخرى في الوصول إلى المكان، وجاء هاربر مع ممثل الصليب الأحمر، وتفاوضوا مع عريقات الذي أصر على استسلامهم؛ فجرى اتصال لاسلكي بالمفتي أمين الحسيني الذي أجاب بأن العرب يكتفون بأن يسلم الصهاينة جميع أسلحتهم ثم يتولى الصليب الأحمر نقلهم إلى القدس.

عرض عريقات اقتراح المفتي على الكولونيل الذي لم يجد بدًا من القبول؛ وفعلاً ألقى الصهاينة أسلحتهم كاملة؛ وسلمت إلى عريقات مع المصفحات التي لم تحرق.  وحضرت سيارات من القدس لنقل الصهاينة تحت إشراف البريطانيين والصليب الأحمر.

استشهد في هذه المعركة ثلاثة مجاهدين؛ أما خسائر الصهاينة فكانت 15 قتيلاً وعشرات الجرحى و16 أسيراً، سلموا إلى الجيش البريطاني والصليب الأحمر؛ وغنم المجاهدون 3 مصفحات و8 سيارات سحب، 30 سيارة شحن وحافلة.


معارك جبل الرادار:

جبل الرادار سمي بهذا الاسم؛ لأن الجيش البريطاني أقام فيه موقعاً للرادار.  ويقع الجبل على طريق القدس- تل أبيب؛ بجوار مستعمرة "معاليه ميشاه". وقد كان من يحتل هذا الجبل، يتمكن من السيطرة سيطرة تامة على طريق القدس- تل أبيب. 

وفي ليلة 28/4/1948 شن الصهاينة هجوماً واسعاً على مرتفعات شمال القدس، ومن ضمنها جبل الرادار؛ فقامت باحتلاله؛ إضافة إلى احتلال قريتي بيت أكسا وبيت سوريك، إلى مشارف قرية بدو؛ وكادت تسيطر على مقام النبي صمويل؛ وهنا هب المناضلون من بدو القوى المجاورة للتصدي بعنف للقوة المهاجمة.

واستمرت المعركة طوال الليل، واشترك فيها فوج اليرموك الثالث التابع لجيش الإنقاذ بقيادة عبد الحميد الراوي، الذي شن الراوي هجوماً معاكساً على المواقع التي احتلها الصهاينة؛ فأجبرهم على التراجع بعد أن تكبدوا 185 قتيلاً.

استولى فوج اليرموك على كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر، واسترد العرب سيطرتهم على الطريق الرئيس، ومنعوا التحركات الصهيونية عليها. 

وفي شهر 5/1948 عاود الصهاينة الكرة بمرافقة الطيران؛ لكن الهجوم أخفق مجدداً.


معركة رأس العين:

رأس العين قرية إلى الشمال من القدس على بعد 60كم منها، تميزت بعذوبة مياهها.  تمركز في رأس العين 500 جندي من جيش الإنقاذ في 8/3/1948، وطردوا الموظفين الصهاينة من مؤسسة المياه، واستبدلوهم بموظفين عرب.

وعندما سقطت دير ياسين والقسطل بيد الصهاينة أوائل نيسان 1948؛ قرر المناضلون نسف الأنابيب التي توصل مياه رأس العين إلى الأحياء اليهودية في القدس، ودمروها عند باب الواد؛ ما نتج عنه تضرر الأحياء اليهودية ودوائر الحكومة وقوات الجيش البريطاني في القدس.  وأخذت الهيئات الصهيونية توزع الماء على السكان اليهود من الآبار والصهاريج.

وبعد سقوط يافا في 17/5/1948، دمر العرب الأنابيب في 4 مواضع أخرى؛ كي لا يصل إليها الصهاينة ويستولوا عليها؛ لكن محاولات الصهاينة استمرت للاستيلاء على رأس العين؛ ودارت حولها معارك عنيفة كان أشدها تلك التي وقعت في آخر ثلاثة أيام من أيار.

تمكن الصهاينة يوم 30/ أيار من الاستيلاء على رأس العين؛ ولكن في صباح 31/5 هب المناضلون من القرى المجاورة لرأس العين لنجدة الشيخ حسن سلامة (قائد القطاع الأوسط)؛ فشنوا هجوماً مضاداً كاسحاً على مراكز العدو في رأس العين، وأصيب الشيخ حسن سلامة وظل رجاله يقاتلون حتى طردوا الصهاينة من رأس العين بعد ساعات فقط على احتلالها.

أعاد الصهاينة تنظيم قواتهم بهجوم مضاد، وفشل الهجوم وعادوا أدراجهم.

وفي يوم 1/6/1948 استلمت قوة عراقية الموقع؛ فتراجع الصهاينة دون أن يشتبكوا معها.

ظلت راس العين بيد العراقيين حتى سقوط اللد والرملة؛ فانسحبت هذه القوات من مواقعها.

 

معركة بيت داراس:

تقع بيت داراس على طريق تربط مجموعة من المستعمرات؛ لذا فقد كانت تتعرض للكثير من الهجمات، مثل: هجوم 16/3/1948، و13/4/1948...  الخ.

في 1/5/1948 وصلت قوة من المستعمرات المجاورة للقرية، وبدأت بقصف القرية من الخارج؛ تمهيداً لمهاجمتها، ثم تحركت القوة؛ فاحتلت مدرسة القرية؛ فيما كانت قذائف الهاون تقصف شرقي القرية. 

انسحبت الموجة الأولى من الهجوم؛ لاستبسال المدافعين في الدفاع عن القرية؛ ولكن بعد أن تكبدت القوة المهاجمة بعض الخسائر، ووصلت نجدات من القرى المجاورة إلى بيت داراس، وحاولوا مطاردة المعتدين الهاربين الذين استنجدوا بالجيش البريطاني؛ فجاءت 3 مصفحات منعت العرب من مطاردة الفارين.

بعد 3 أسابيع هاجم الصهاينة القرية مرة أخرى في 21/5/1948 من جهاتها الأربع؛ وبدأت القوى المهاجمة بقصف القرية.  شعر المناضلون بحرج الموقف؛ فقرروا الصمود وإخلاء القرية من النساء والشيوخ والأطفال.  وتحرك هؤلاء عبر جنوب القرية؛ وما أن بلغوا مشارفها حتى تصدى لهم الصهاينة بالرصاص، ليضيفوا مذبحة جديدة إلى قائمتهم.

قام الصهاينة بإحراق بيادر القرية وبعض منازلها؛ ونسفوا البعض الآخر؛ ورغم ذلك؛ فقد استبسل المدافعون عن القرية، حتى نجحوا في رد المعتدين وإخراجهم من بيت داراس.

أثرت المذبحة على المعنويات، ونفاد الذخيرة كذلك؛ فبدأ الناس يغادرون القرية، ماعدا القليل منهم.  ورغم ذلك لم يدخل الصهاينة القرية إلا بعد أن تأكدوا من عدم وجود مقاومة، وكان ذلك يوم 5/6/1948.

 

معركة الزرّاعة:

طلب فوزي القاوفجي (قائد جيش الإنقاذ) من المقدم محمد صفا "السوري" أن يقوم بالهجوم على إحدى المستعمرات في المنطقة الوسطى؛ لتغطية عبور قوات أخرى من جيش الإنقاذ تحمل معدات ثقيلة.  اختار محمد صفا مستعمرة الزراعة جنوب شرق بيسان، ويطلق عليها الصهاينة مستوطنة "طيرة تسفي"؛ وأهميتها تكمن في وجود محطة لتوليد الكهرباء داخلها وآلات ضخ المياه وبرك لتربية الأسماك.  وكانت محصنة تحصيناً جيداً؛ فعدا عن الخنادق والأبراج التي أقيمت فيها؛ أحيطت بالأسلاك الشائكة.  وتم تجهيز برك تربية الأسماك لتطلق مياهها في خنادق مجهزة لذلك بغرض الدفاع عن المستوطنة.

كان غور بيسان قد تحول إلى ما يشبه المستنفع بعد شهر من الأمطار المستمرة؛ فانتهز محمد صفا تحسن الجو ليلة 16-17/2/1948 لتنفيذ العملية؛ وكانت الخطة تقضي بالتظاهر بالهجوم على مستوطنتين متجاورتين لتغطية العملية الأساسية.

بدأ الهجوم عند منتصف الليل، وكان مفاجأة للصهاينة.  وبعد البدء بقليل عاد المطر ليتساقط بشدة؛ فقطع المجاهدون الأسلاك، وتراجع الصهاينة. 

وعند الفجر، حاول المغاوير تفجير برج المراقبة، ولم يفلحوا بسبب المطر؛ ولكن المشاة تقدموا ودمروا بعض بيوت المستوطنة تحت غطاء المدفعية؛ ففتحت عليهم البرك وغمرت الخنادق فلم يستطع المناضلون التقدم؛ ورغم ذلك؛ اشتبكوا في قتال عنيف مع مواقع العدو، وازدادت فيهم الإصابات بعد وصول نجدات صهيونية، خصوصاً وهم يغوصون في الوحل إلى الركبة.

أصدر القائد أمراً بالانسحاب؛ فانسحبت فوج اليرموك بعد أن خسر 37 شهيداً وعدداً من الجرحى؛ أما الصهاينة فقد قتل منهم 112 قتيلاً.  ولم تحقق هذه المعركة هدفها.


معارك سلمة:

سلمة قرية محاطة بالمستعمرات الصهيونية، تقع على طريق يافا- اللد، التي كانت التي كانت تسلكها القوات البريطانية من وإلى معسكر ليتفنسكي.

منذ 1/12/1947 والصهاينة يتحرشون بأهالي سلمة؛ حيث اعتدى سكان هتيكفا على مزارع عربية؛ فما كان من شبان سلمة إلا الرد بقتل اثنين من الصهاينة في نفس اليوم والمكان.

وتحسباً للرد؛ انتخب أهالي سلمة لجنة من 7 أعضاء كانت مهمتها تنظيم شؤون الدفاع وأمور الحراسة على أطراف القرية؛ وجمعوا السلاح والذخيرة من القرى المجاورة؛ ولهذا لم يحاول الصهاينة مهاجمة القرية؛ لعلمهم باستعداد القرية الجيد؛ ولكن بدلاً من الهجوم المباشر بدأوا بقصفها يومياً؛ لكن سكان سلمة رفضوا مغادرتها، بل أخذوا يردون على النيران بالمثل.

وفي يوم 18/12/1947، ارتكب الصهاينة مجزرة في قرية يازور المجاورة؛ لكنهم كانوا يرتدون زي الجيش البريطاني؛ فخشي سكان سلمة أن يتكرر الأمر معهم؛ فطلبوا من اللواء تدخله لمنع وحدات الجيش البريطاني من المرور في قريتهم؛ فادعى عدم قدرته على فرض رأيه على الجيش.

وبعد يومين مرت سيارة نقل بريطانية فهاجمها المناضلون وأحرقوها وجرحوا سائقها واستولوا على سلاحه؛ فغضب القائد العسكري البريطاني، وتوجه بقوة كبيرة إلى القرية، مطالباً بإعادة ببندقية السائق، ودفع خمسة آلاف جنيه، تعويضًا عن جرح السائق وحرق الشاحنة.  ولما رفض الأهالي الاستجابة، اعتقل بعضهم؛ وفيهم لجنة الدفاع.  وبعد مفاوضات طويلة، وافقت السلطات العسكرية على قطع طريق يافا وإطلاق سراح المعتقلين؛ وزرعت أعمدة أسمنتية حول القرية؛ بحجة ضمان قطع الطريق؛ وهي في الواقع، لمنع أي إمدادات قد تصل إليها من القرى المجاورة.

شن الصهاينة هجوماً قوياً بمجرد مغادرة البريطانيين؛ فتصدى لهم الأهالي وكبدوهم خسائر فادحة؛ فأجبروا على التراجع؛ لكن المفاجأة كانت أن هناك هجومًا آخر من شمالي للقرية؛ إلا أن مناضلي سلمة استطاعوا صد الهجوم، وقاموا في الليلة نفسها بهجوم معاكس على مستوطنة هيتكفا، وأشعلوا النار في بعض المنازل؛ ففر سكان المستوطنة تاركين 26 طفلاً وراءهم، سلمهم المجاهدون للسلطات البريطانية.

جاءت قوات جديدة لنجدة هتيكفا، ووصل مناضلون من اللد والعباسية لنجدة سلمة؛ فطاردوا الصهاينة حتى مشارف تل أبيب، وأحرقوا بعض منازل مستعمرة "شابيرو"؛ فتدخلت السلطات البريطانية، وأجبرت المناضلين على التراجع، بعد طلب من رئيس بلدية تل أبيب.  وأحاطت القوات البريطانية بسلمة من كل جانب بدعوة الفصل بينها وبين المستعمرات المجاورة؛ فاستغل الصهاينة الظرف لتحصين مستعمراتهم.  ولما انتهوا من التحصين انسحبت القوات البريطانية.

 

تمكن سكان سلمة من الصمود حتى أواسط نيسان 1948؛ وظلوا يقاومون حتى نفدت ذخيرتهم، ووصلهم خبر سقوط يافا 28/4/1948؛ فبدأوا في مغادرة القرية، ولم يجرؤ الصهاينة على دخول القرية إلا بعد أيام من هجرة أهاليها.

 

معارك الشجرة:

الشجرة قرية تقع بين الناصرة وطبريا، شكلت عقدة مواصلات حيوية لطرفي الصراع من الأساس.

في 9/6/1948 احتل الصهاينة مجموعة من القرى أدت إلى عزل مدينة الناصرة؛ فقام قائد جيش الإنقاذ بتجهيز جيش حطين؛ بقصد القضاء على القوات الصهيونية في منطقة الشجرة.  وبدأ الهجوم يوم 10/6؛ فقد اندفع المشاة بمساندة المدفعية والمصفحات؛ ولكن القوات العربية منيت بخسائر كبيرة؛ لمرورهم في أرض مكشوفة للنيران الإسرائيلية.

جذب صوت المدفعية المجاهدين من كل المناطق المجاورة، وكان هجومهم عنيفاً وسريعاً؛ فبدأت قوات الصهاينة بالانسحاب باتجاه قرية الشجرة؛ وطاردتها القوات العربية، وقصفت مستعمرة الشجرة بالمدفعية.  ودخلت القوات العربية الناصرة؛ ولكن في هذه الأثناء توقف إطلاق النار بعد إعلان الهدنة الأولى.

قامت القوات الصهيونية بمهاجمة قرية الشجرة وقرى أخرى أثناء الهدنة؛ لكن قوات جيش الإنقاذ أحبطت الهجوم في 11/6، وقام الصهاينة باحتلال خربة راس علي يوم 20/6؛ لكن هجوماً مضاداً من جيش الإنقاذ استطاع إخراجهم منها.

صباح 8/7/1948، بادر الصهاينة بالهجوم؛ وقد انتهت الهدنة، واحتدمت المعركة في الشجرة.  ولأول مرة ظهر الطيران الحربي الإسرائيلي، وكذلك المدفعية الثقيلة.

استمرت المعركة دون انقطاع، وبدأت الذخائر تتناقض بسرعة في أيدي القوات العربية، وأخذ الصهاينة يصعدون جبهة الشجرة.  وكان انسحاب القوات العربية من الشجرة يعني سقوط الناصرة؛ لذا قام جيش الإنقاذ بمحاولة يائسة زج فيها جميع قطاعاته، تمثلت في الهجوم على قاعدة الشجرة للإفادة مما يتوفر فيها من عتاد وأسلحة، وذلك ليل 13/7/1948.

تقدمت القوات العربية حتى الشجرة وسط كثافة نيران هائلة؛ لكنهم استولوا على الشجرة يوم 13/7/1948 بعد أن تكبدوا خسائر فادحة.

أعاد الصهاينة تنظيم أنفسهم، وهاجموا من كفر سبت في نفس اليوم 13/7.  ورغم ارتفاع عدد الشهداء؛ إلا أن العرب استطاعوا في 15/7 استرجاع قرية تل التين. 

وما لبثت الناصرة أن سقطت في يد الإسرائيليين، 16/7؛ ما هدد بتطويق جيش الإنقاذ، الذي انسحب بغطاء من فرقة يمنية وفرقة بدوية يوم 18/7.  وتوقف القتال يوم 19/7/1948؛ بسبب من الهدنة الثانية.

 

معركة شعفاط

 في  24/3/1948قام المناضلون من جيش الجهاد المقدس بالهجوم على قافلة صهيونية عند منطقة شعفاط، تحمل الإمدادات من القدس إلى مستوطنة النبي يعقوب، وتحميها مصفحتان.

 

توقفت القافلة؛ فتوافد إلى المكان مناضلون من القدس والقرى المجاورة، واقتحموا سيارات القافلة وقتلوا 14 صهيونياً وجرحوا 10 منهم، كما قاموا بإحراق المصحفتين والاستيلاء على الأسلحة التي كانت فيهما.

صادف الحادث مرور الجنرال ماكميلان (قائد القوات البريطانية ) وغلوب باشا وأحمد صدقي الجندي؛ فتدخلوا لوقف المعركة؛ فأبقي المناضلون على حياة الستة الباقين من القافلة وسمحوا بإخلاء الجرحى.

شارك في هذه المعركة ثلاثة من قادة ثورة 1936-1939، وأشرف عليها عبد القادر الحسيني.  وقد جرح من العرب في هذه المعركة اثنان فقط.

 

معارك الشيخ جراح:

حي الشيخ جراح من الأحياء العربية في القدس، وكان الصهاينة يعتمدون على الخط المار بالحي لإيصال إمدادات الأسلحة إلى يهود القدس والمستعمرات شمالها؛ وبسبب هذا الموقع؛ شهد حي الشيخ جراح الكثير من المعارك بين العرب والقوات الصهيونية.

بسبب تعرض القوافل الصهيونية للهجوم؛ أقام البريطانيون موقعاً يسيطر على الشيخ جراح.  وفي 13/4/1948 فجَّر عناصر من جيش الجهاد المقدس ألغامًا تحت قافلة صهيونية؛ فدمروا سيارتين وفتلوا 38 صهيونياً؛ انتقاماً لمصرع قائدهم (عبد القادر الحسيني) قبل أسبوع؛ فتحرك البريطانيون لمساعدة القافلة؛ فسمع المجاهدون في أنحاء القدس؛ فتوافدوا إلى حي الشيخ جراح ليخوضوا معركة ضد الصهاينة والبريطانيين معاً.

شعر الصهاينة بقوة الهجوم؛ فطلبوا الاستسلام وإلقاء السلاح؛ فوافق المجاهدون على ذلك وأرسلوا مندوباً لإبلاغهم بالشروط؛ لكن الصهاينة قتلوا المندوب العربي؛ فتجدد القتال بعنف أكبر، واستمر حتى ساعات المساء، وقتل من الصهاينة 120 صهيونياً؛ وخسر الجيش البريطاني ستة جنود بين قتيل وجريح؛ ولم ينج من القافلة إلا 8 أشخاص؛ بينما خسر المجاهدون 12 شهيداً. 

وفي 18/4 استولى المجاهدون على مستشفى أوغستا فكتوريا في جبل المكبر وقرية العيسوية، قرب الجامعة العبرية والمدينة القديمة؛ فطلب القائد الصهيوني الدعم؛ فحركت “الهاغاناة” لواء "هاريل"، وانطلقت قافلة من 350 سيارة إلى القدس بقيادة ديفيد بن غوريون، ووقعت القافلة في كمين عربي؛ لكنها استطاعت المرور بعد عدة ساعات من قدوم نجدة كبيرة لها.

في 24/4 هاجم الصهاينة حي الشيخ جراح، ووقعت معركة استمرت طوال الليل، وتراجع المهاجمون؛ نتيجة شجاعة المدافعين.

استمرت معارك الشيخ جراح حتى بعد انسحاب القوات البريطانية من القدس في 13/5/1948، أهمها المعركة التي جرت يوم 19/5/1948 والتي استطاع المجاهدون فيها مع بقية من جيش الإنقاذ منع القدس من السقوط الكامل في يد الصهاينة.

حاولت القوات الإسرائيلية بعد ذلك اختراق حي الشيخ جراح والاستيلاء عليه؛ لكن محاولاتها فشلت؛ ما اضطرها لشق طرق بديلة بعيداً عنه.

 

معركة الصبيح:

الصبيح عشيرة تقيم بين كفر كنّا والناصرة وقرية الشجرة، وقد حدث اشتباك مع 8 رجال من أبناء هذه العشيرة في  3/1/1948، كانت نتيجة مقتل 7 صهاينة وفرار الباقين؛ فأصدرت “الهاغاناة” أمرها للمستعمرات المجاورة بالهجوم على العرب؛ لسحب القتلى الصهاينة؛ فشعر رجال عشيرة الصبيح بالأمر؛ ما جعلهم يطلبون النجدة من القرى المجاورة.

بدأ الصهاينة المعركة في مساء ذلك اليوم بإطلاق المدافع لساعتين، ثم بالهجوم، مستخدمين السيارات والجرافات، لغزارة الأمطار وكثرة الوحول. وكان العرب يكمنون لهم.  ولما صار الصهاينة في مرمى نيرانهم فتحوا عليهم النار؛ فبدأوا يفرون باتجاه المستعمرات، والجرافات تنقل قتلاهم وجرحاهم.

خسر الصهاينة في هذه المعركة 20 قتيلاً و20 جريحاً؛ ولم يتكبد العرب أي خسارة في الأرواح.

 

معركة صفد:

الطرق التي تصل الساحل والجليل الشمالي والجليل الشرقي كانت تسيطر عليها مدنية صفد، ولهذا السبب كانت محوراً للعديد من المعارك.

خطط الصهاينة لاحتلال صفد عبر عملية عسكرية أطلقوا عليها رمز "يفتاح".  فبعد أن تسلم الصهاينة حيفا من البريطانيين في 22/4/1948، أصبحت الطريق أمامهم مفتوحة إلى صفد.  وقبل ذلك؛ أي ما بين كانون أول 1947 ونيسان 1948، كان القتال في صفد مستمراً على شكل اشتباكات خفيفة وأعمال قنص وكمائن.

كان أديب الشيشكلي (قائد فوج اليرموك الأول التابع لجيش الإنقاذ) هو قائد القطاع الذي يضم صفد.  وفي 16/4/1948 انسحبت القوات البريطانية من صفد؛ فدخلها العرب واحتلوا القسم الأكبر منها، وكان فصيل من “البالماخ” قد تسلل في 14/4/1948 إلى الحي اليهودي في صفد لتنظيم المقاومة فيه.

قام هذا الفصيل بعدة محاولات للاستيلاء على أماكن حيوية في صفد؛ لكن القوات العربية أفشلت جميع هذه المحاولات؛ وفي أحدها خسر الصهاينة 28 قتيلاً.  وهنا قررت القيادة الصهيونية تنفيذ عملية "يفتاح"؛ بهدف الاستيلاء على المواقع العربية الهامة، وتحقيق السيطرة على المحاور الرئيسة وتنظيم الجليل؛ للدفاع ضد أي هجوم عربي محتمل.

تولى إيغال ألون (قائد “البالماخ”) قيادة العملية بنفسه؛ فقام باحتلال بيريا وعين الزيتون؛ ما ساهم في عزل صفد عن بقية القرى العربية، وفتح طريقاً إلى الحي اليهودي. 

وفي 3/5 وصلت كتيبة بالماخ ثانية إلى صفد، وتدفقت النجدات الصهيونية؛ في حين بدأت ذخائر العرب تتناقص؛ ولم تفلح جهود الوفد الذي أرسله الصفديون إلى دمشق لطلب الدعم.

تقدمت القوات الصهيونية إلى صفد نفسها في 6/5، وهاجمتها؛ ولكنها لم تحرز إلا تقدماً بسيطاً.

وتكرر الهجوم يوم 8/5، وأحبطه العرب.  كما قام العرب بقصف المواقع الصهيونية يومي 9-10/5.

في العاشر من أيار هاج الصهاينة مرة أخرى، والتحم الفريقان، واستمر القتال من دار إلى دار؛ فسقطت عمارة البوليس في 11/5، وسقطت بقية المواقع تباعاً؛ نتيجة قوة الأسلحة التي بيد الصهاينة.

في 12/5 أخلى العرب مركز الشرطة، وسقطت المدينة؛ بعد أن تكبد الصهاينة 850 قتيلاً؛ أما العرب فبلغ عدد شهدائهم مئة شهيد.

 

معركة صور باهر:

صور باهر قرية عربية تقع جنوب مدينة القدس.  وبعد امتداد مدينة القدس أصبحت تعد حيا من أحياء المدينة.  في عام 1948 كان يقطنها 2450 نسمة، ولم يكن لليهود فيها غير 540 دونماً من مجمل مساحتها البالغة 9471 دونماً، أي حوالي 6% فقط؛ وكانت القرية محاطة بثلاث مستوطنات من الشمال والجنوب والغرب هي: تل بيوت، ورامات راحيل، وميكور حاييم.

في يوم 26/1/1948، تمكن المناضلون العرب من محاصرة الحي اليهودي في البلدة القديمة، ودمروا ثلاثة منازل، وأخذوا يطلقون النار على الحي وعلى الجنود البريطانيين المكلفين بحراسته، وضيقوا الخناق على معظم الأحياء اليهودية خارج السور، حتى منعوا وصول المواد التموينية لهم.  واستمر هذا الحصار إلى أن بلغ ذروته يوم 4/2/1948؛ فأشرف الصهاينة على الموت.  ولم يستجيب الصهاينة لنصيحة البريطانيين بإخلاء الحي؛ ولم يستجيب العرب لطلب فك الحصار؛ واشترطوا أن يسلم الصهاينة أنفسهم. 

وفي يوم 17/2 نشب قتال عنيف عند مدخل الحي اليهودي في البلدة القديمة، استشهد فيه عربي وجرح آخر، وجرح عدد من الصهاينة والبريطانيين.

وتحت حماية البريطانيين تمكن الصهاينة من نسف منزل آل نمر وأطلقوا الرصاص على ساحة الحرم، ليتضح فيما بعد أن إطلاق الرصاص على الحرم كانت تغطية لهجوم انطلق من المستعمرات الثلاث على قرية صور باهر.

تصدي مناضلو صور باهر للهجوم، ومنعوا الصهاينة من احتلالها؛ رغم أن الصهاينة قاموا بحرق مطحنة، وقتل حارسها، ونسف منزل في طرف القرية

معركة طبريا:

في عام 1947 كان أغلب سكان طبرية من اليهود، بلغ عددهم 6000 نسمة؛ فيهم عدد كبير من المحاربين المدربين، وكان العرب يعدون 5000 نسمة؛ ولكنهم تقريباً بدون سلاح.

تألفت في العاشر من نيسان 1948 لجنة قومية لتدبير شؤون الدفاع عن الأحياء العربية، وانتدب كامل الطبري لقيادة المناضلين؛ ووصل عدد من المجاهدين من دمشق يقودهم صبحي شاهين (وهو من أصل طبراني).

نشب القتال يومي 13 و14/3/1948؛ ثم تهادن الطرفان شهراً.  وفي الأسبوع الثاني من نيسان تأزم الموقف؛ فبدأت المناوشات، وحاول الصهاينة القيام بهجمات محدودة صدها العرب؛ لكن الصهاينة قاموا ليلة 15-16/4 بهجوم كبير، واستمر القتال حتى صباح 16/4، حين تدخل الإنجليز وفرضوا حظر التجول في المدينة، وأمروا بهدنة لمدة 3 أيام.

في اليوم الثالث للهدنة شن الصهاينة هجوماً مركزاً على الأحياء العربية؛ فتغلبوا على المدافعين واحتلوا فندق كروسمان ومعظم البنايات الضخمة، مثل بنك باركليس، وقتلوا عدداً من العرب؛ لكن المقاومة استؤنفت صباح 19/4. ولم يدم القتال طويلاً، ودخل الصهاينة الأحياء العربية، واستولوا عليها؛ فراح السكان العرب يرحلون من المدينة.

معركة عطروت:

عطاروت: مستوطنة صهيونية على طريق رام الله/ القدس.

في أوائل آذار 1948، أراد سكان عطاروت قطع طريق رام الله القدس؛ فعلمت قوات الجهاد المقدس أن بعض المسلحين الصهاينة تحصنوا في المحاجر الواقعة شرق المستعمرة، وهم يطلقون النار على المارة والسيارات في طريق رام الله/ القدس.

توجهت قوة من جيش الجهاد المقدس بقيادة كامل عريقات، وقوة أخرى من جنين بقيادة فوزي جرار، وقوة أخرى من السوريين بقيادة مصطفى السباعي، إلى قرية الرام شرق المستعمرة.

بدأ المجاهدون في 15/3/1948 بقصف منطقة المحاجر، واستمر الاشتباك بضع ساعات، ثم تقدم المجاهدون على المحاجر وطردوا الصهاينة منها، ثم وجهوا نيرانهم إلى المستعمرة نفسها.

 

وظل إطلاق النار ممتدًا حتى الصباح، وعاد المجاهدون وقد جرح منهم شخص واحد.

 

قام العرب بقطع أي اتصال للمستوطنة بالقدس حتى أوائل أيار؛ فتكدست محاصيلهم ومنتجاتهم، وكان سكان المستعمرة يتوقعون سقوطها؛ فوجهوا نداءً إلى البريطانيين، الذين قاموا بنقل النساء والأطفال من المستوطنة إلى القدس.

انسحب الجيش البريطاني من تلك المنطقة في 14/5/1948، وأخلوا مطار قلنديا؛ فاحتله سكان المستعمرة؛ لكن قيادة “الهاغاناة” أمرتهم بالانسحاب من المستوطنة فوراً؛ فغادروها ليلاً تاركين دوابهم وأثاثهم واتجهوا إلى مستعمرة النبي يعقوب بعد أن زرعوا المفارق بالألغام.


معركة عكا:

أرسل جيش الإنقاذ قوة للدفاع عن عكا؛ لكن اللجنة القومية قالت: إن هذا سيكون سبباً يجعل الصهاينة يعتدون على المدينة؛ ولكن اللجنة عدلت عن رأيها حين كمن الصهاينة لقافلة عربية تحمل سلاحاً من لبنان بتاريخ 17/3/1948، وأطلق الصهاينة النار على القافلة بجوار مستعمرة موتسكين، وقتلوا 14 رجلاً من رجالها، من بينهم الشهيد أحمد الحنيطي قائد منطقة حيفا.

 

وفي صباح 18/3 كمن عدد من سكان عكا لسيارة صهيونية، وقتلوا ركابها الأربعة، وبعد أيام أحرق العرب سيارة نقل صهيونية مصفحة وأحرقوها. 

بعد سقوط حيفا في 21/4/1948، استتب الأمر للصهاينة، وبدأوا بتنفيذ خطة "بن عامي" لاحتلال عكا؛ وذلك بتطويق المدينة واحتلال تل الفخار شرق عكا.  وبعد قصفها بالمدافع هاجم الصهاينة المدينة يوم 25/4 واحتلوا المقبرة الإسلامية جنوب شرق عكا؛ فبدأ سكان عكا بالنزوح فزاد الصهاينة ضغطهم على المدينة، ولوثوا مياه نبع الكابري بجراثيم التيفوئيد. 

وفي صباح 15/5 شن مناضلو عكا هجوماً على الصهاينة؛ لكن المدفعية  أجبرتهم على الانسحاب بعد أن خسروا 60 شهيداً.

انسحبت وحدة جيش الإنقاذ من المدينة يوم 16/5؛ فلم يتبق فيها إلا قليل من المقاتلين الذين استسلموا في مساء نفس اليوم.  ودخل الصهاينة المدينة، وارتكبوا مجزرة راح ضحيتها 91 شخصاً، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.  وبنى الصهاينة نصباً كتب عليه "تخليداً لذكرى 750 من المقاتلين الذين سقطوا أمام أسوار عكا".

 

معركة غور الصافي:

غور الصافي يقع جنوب شرق البحر الميت، على بعد 8كم من المستعمرة التي أنشأتها شركة البوتاس الصهيونية.

بعد أن أخلى الإسرائيليون كامل منشآت شركة البوتاس، بناء على اتفاق مع السلطات البريطانية والأردنية؛ هاجموا غور الصافي فجر 2/6/1948، بعد أن زرعوا الألغام في طريق الغور -الكرك، وبعد أن قطعوا أسلاك الهاتف، للحيلولة دون وصول النجدات الأردنية.

بعد أن استولت القوة المهاجمة على مساحة واسعة من الغور، قامت بتطويق مخفر الدرك الأردني؛ وكاد المخفر يسقط في أيديهم، لولا وصول مفرزة من الجنود الأردنيين قامت بإصلاح خطوط الهواتف وطلبت النجدة، ونظفت الطريق من الألغام، وبعد ذلك راحت تصب نيرانها على القوات المهاجمة.

وبوصول الخبر إلى عمان، قامت 3 طائرات أردنية بالتحليق فوق مكان القتال؛ فانسحب المهاجمون تحت كثافة نيران المعركة التي اشتدت بسبب ارتفاع معنويات الجنود الأردنيين برؤيتهم الطائرات، وقد تكبد العدو حوالي 40 إصابة، وطاردهم الجنود حتى مداخل المستعمرة.


معركة قاقون:

قاقون قرية عربية شمال غرب طولكرم.  في النصف الأول من عام 1948 جرت عدة معارك بين أهالي قاقون والصهاينة انتصر فيها أهالي قاقون ولم يخسروا غير 3 شهداء وبعض الجرحى.

بعد انسحاب الجيش العراقي من معركة غيشر، حط رحاله في مدينة طولكرم، وأخذ يقصف المستوطنات القريبة بالمدفعية. 

قرر الصهاينة زيادة عمق منطقتهم؛ فاختاروا قرية قاقون لهجومهم، وكلفوا أحد الألوية باحتلالها.   وفي مساء 4/6/1948 بدأ الإسرائيليون بقصف القرية؛ فاستشهد 10 من سكانها وجرح 10 آخرون؛ فرحلت النساء والأطفال إلى البيارات شرق القرية واستعد الرجال للقتال.

وفي صباح 5/6 بدأ الإسرائيليون بالتحرك باتجاه القرية مستفيدين من ساتر السكة الحديد الترابي؛ ولكن ما إن تجاوزوا هذا الساتر حتى تعرضوا لمقاومة عنيفة؛ لكن المهاجمين وصلوا إلى مشارف القرية، ورغم تحرك بعض وحدات الجيش، إلا أنها لم تتمكن من صد الهجوم الإسرائيلي؛ فسقطت قرية قاقون بعد استشهاد 40 من رجالها و17 من المفرزة العراقية.  وحاولت القوات العراقية استرداد القرية بعد ذلك؛ لكنها فشلت؛ فقامت بقصفها.

 

معركة القسطل:

ربما تكون معركة القسطل (وبغض النظر عن نتائجها) من أهم المعارك التي جرت على أرض فلسطين في عام 1948؛ لذا، سنتحدث عنها بقليل من التفصيل.

القسطل قرية على بعد 10كم إلى الغرب من مدينة القدس، تمتعت بموقع استراتيجي لتحكمها بطريق القدس/ يافا، وترتفع عن الطريق حوالي 200م.  وكانت تعد البوابة الغربية للقدس.

استعد الصهاينة للقيام بعمليات واسعة لاحتلال أكبر مساحة من الأرض التي تنسحب منها القوات البريطانية، ومن ضمن خططهم كانت خطة "خشون" التي تهدف إلى فتح طريق القدس- تل أبيب، وفك الحصار عن يهود القدس؛ وقد جهزوا لهذه العملية 5000 رجل مزودين بأحدث الأسلحة، وشمل هذا العدد قوات من “الهاغاناة” و”البالماخ” و”الأرغون” و”شتيرن”، وشملت الأسلحة: دبابات خفيفة، ومصفحات، وبنادق آلية من تشيكوسلوفاكيا وسلطات الانتداب البريطاني.  وقد تقرر أن تبدأ الخطة في 6/4/1948.

توجه عبد القادر الحسيني (قائد جيش الجهاد المقدس) إلى دمشق، أواخر آذار 1948 للاتصال باللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية؛ للحصول على أسلحة ومعدات للتصدي للهجوم الذي كان على علم به؛ وتولى القيادة مكانه كامل عريقات.

وصلت إلى قيادة جيش الجهاد المقدس أنباء بقرار الصهاينة تقديم موعد الهجوم إلى 2/4 بدلاً من 6/4؛ فعقد كامل عريقات مجموعة من الاجتماعات وضعت فيها خطة لمجابهة الهجوم الصهيوني، وذلك بمشاركة الشيخ حسن سلامة.

حشدت قيادة جيش الجهاد قواتها على مراكز باب الواد وبيت محسير والقسطل وساريس، ولم تغفل عن طريق بيت لحم، الذي قد يفكر الصهاينة فيه للوصول إلى القدس.  وحشد الشيخ حسن سلامة القوات في دير محيسن قضاء الرملة.

بدأ الصهاينة تنفيذ خطتهم ظهر يوم 2/4/1948؛ فاتجه قسم من قواتهم إلى دير المحيسن، والقسم الآخر إلى باب الواد لاقتحامه والاستيلاء على القسطل؛ فتمكن الشيخ سلامة مع قواته، بعد معركة عنيفة، من صد الهجوم على دير المحيسن، وتأهب للسير إلى باب الواد لنجدة المقاتلين هناك؛ لكن نجدات صهيونية وصلت إلى دير المحيسن فمنعت ذهابه.  اضطر الشيخ حسن سلامة لخوض معركة أخرى استمرت حتى منتصف الليل، وانتهت بانتصار المجاهدين مرة أخرى.

أما القسم الثاني من القوات الصهيونية؛ فقد اشتبك معه المجاهدون في معركة عنيفة دامت ساعتين ونصف، تمكن بعدها الصهاينة من اقتحام باب الواد؛ نتيجة تفوقهم الساحق في العدد والعدة.

وتقدم الصهاينة في المساء إلى مشارف قرية القسطل، وهاجموها عند منتصف الليل؛ فدافع عنها أبناؤها حتى نفدت ذخيرتهم؛ فتمكن الصهاينة من احتلالها، وبدأوا بتحصينها على الفور.

وقد كانت القسطل أول قرية عربية يحتلها الصهاينة عام 1948؛ وسقطت بعدها دير المحيسن وخلدة؛ فاهتز الشعب الفلسطيني للحادثة، وانطلق المئات من الشبان يطلبون من قيادات جيش الجهاد المقدس إرسالهم إلى جبهة القسطل؛ فقامت قيادة جيش الجهاد بالإعداد لهجوم مضاد سريع؛ فحشدت القوات من مختلف القطاعات في القدس، وتقدمت هذه القوات، بقيادة كامل عريقات، عبر بيت صفافا إلى عين كارم، فانضم شبابها بقيادة خليل منون إلى القوات.  وتابع الجميع التقدم باتجاه القسطل ليلاً، ووصلوا إلى بعد 2كم عنها.

صباح 4/4، تقدم المجاهدون فاحتلوا كاجر الياشار، ثم تقدموا تحت وابل النيران الصهيونية؛ لكن ضغط الهجوم من قبل المجاهدين وتواصله أجبر الصهاينة على إخلاء عدد من المراكز الأمامية، وتراجعوا نحو القرية. 

حاصر المجاهدون القرية، واستمر تبادل النار طوال الليل؛ فيما استمرت النجدات في الوصول طيلة يوم 5/4، حيث شن المجاهدون هجوماً عاماً على القرية، وتمكنوا من حشر الصهاينة في مركز القرية بعد مقاومة عنيدة؛ فأصبحوا على بعد 200م من مركز القرية، وواصلوا حصارهم للقرية بمعنويات مرتفعة.

وفي صباح 6/4 أصيب كامل عريقات بشظية فاضطربت صفوف المجاهدين، خصوصاً وأن ذخيرتهم بدأت بالنفاد.

قام إبراهيم أبو دية بنقل كامل عريقات على ظهره إلى قرية صوبا، ثم عاد ليجمع شمل المجاهدين، منهياً حالة الفوضى، وقادهم على هجوم جديد، يعاونه عبد الحليم الجيلاني.

 

مال الموقف لصالح الصهاينة بعد وصول نجدات إليهم؛ لكن إبراهيم أبو دية استطاع مع عدد من الرجال اختراق القرية ونسف بعض البيوت والعودة بسلام.

صباح 7/4 وصل عبد القادر الحسيني من دمشق، وتوجه إلى القسطل ظهر نفس اليوم، وأمسك بزمام الموقف وأعاد تنظيم المجاهدين. 

وزع الحسيني القوات على أربعة محاور بقيادته ونيابة كل من حافظ بركات وهارون بن جازي وعبد الله العمري وعلي الموسوس؛ كل شخص على جهة؛ وبقيادته العامة.  ورابطت مجموعات مقابلة للإسناد بقيادة صبحي أبو جبارة وعبد الفتاح المزرعاوي.

بدأ الهجوم على القسطل منتصف ليلة 7/4؛ وتمكنت قوات القلب والميسرة من اكتساح مواقع العدو واستحكاماته الأمامية، واتصلت قوات الفريقين، وكادت تدخل القرية؛ ولكن تقدم القوات من الناحية الشرفية كان صعباً؛ إذ نفدت ذخيرة كثير من المجاهدين، وأصيب إبراهيم أبو دية و16 من رجاله؛ ما جعل المجاهدين يتراجعون أمام كثافة نيران العدو وقلة ذخيرتهم.

اندفع الحسيني لينقذ الموقف، واقتحم القرية تحت وابل من نيران الصهاينة؛ واستمر القتال طوال الليل.

وفي صباح 8/4 أعلنت القيادة أن عبد القادر الحسيني ورفاقه مطوقون في القرية؛ فأسرعت النجدات من جميع المدن والقرى المجاورة إلى القسطل، وبينهم مجموعة من حراس الحرم وشباب القدس وجيش الإنقاذ؛ وأخرى من الخليل وغيرها.

بدأ الاقتحام مجدداً للقرية بقيادة رشيد عريقات، صباح 8/4.  وبعد ثلاث ساعات تمكن من دخول القرية وتحريرها، وفر الصهاينة باتجاه القدس، وغادروا القسطل. 

وبعد قليل وجد المجاهدون عبد القادر الحسيني شهيداً في أحد بيوت القسطل؛ ما دب الارتباك في صفوفهم؛ ففقد القادة سيطرتهم على الأفراد، وأخذت النجدات تغادر القسطل، وبقي فقط رشيد عريقات وعبد الحليم الجيلاني وقواتهما.  ولم يستجب أحد لطلبهما بإسال التعزيزات؛ لانشغال الناس باستشهاد الحسيني.

غادر عريقات والجيلاني القرية ليلة 9/4؛ فعاد الصهاينة واحتلوها في 9/4/1948.

ورغم كون معركة القسطل مثالاً على البطولة؛ إلا أنها مثال على انتصار ضاع بسبب ضعف التسليح والافتقار للتنظيم وقلة الذخيرة وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال.

 

معركة القطمون:

حي القطمون جنوب غرب القدس، يقع على رابية تشرف على معظم الأحياء اليهودية فيها، والحي مقر الكرسي البطريركي الصيفي للروم الارثوذوكس؛ ولذا فقد كان للحي قيمة عسكرية كبرى، جعلت الصهاينة يحاولون احتلاله منذ أواخر نيسان 1948.

كان في الحي قلة من المجاهدين بقيادة إبراهيم أبو دية وهم غير مزودين بذخيرة كافية، وقام الصهاينة بالاستيلاء على معظم المباني والمرتفعات المشرفة على الحي.  وبعد عدة مناوشات قطع الصهاينة الكهرباء والهواتف عن الحي، وهاجموه يوم 10/3/1948، ونسفوا 3 منازل عربية؛ لكن المجاهدين دافعوا ببسالة، أجبرت المهاجمين على التراجع؛ وقد تكرر ذلك أكثر من مرة خلال شهري آذار ونيسان 1948.

ومع اقتراب موعد انسحاب القوات البريطانية، وضعت القوات الصهيونية خطة رمز لها باسم "يبوس" (وهو اسم القدس الكنعاني) هدفها الأساسي هو فك الحصار عن يهود القدس، والاستيلاء على مجموعة مناطق في المرحلة الأولى من الخطة، من ضمنها القطمون.  وبدأ الهجوم يوم 27/4 على بيت اكسا وشعفاط.

وفي 28/4 هاجم الصهاينة حي الشيخ جراح، واحتلوا دير مار سمعان في ليلة 29-30/4، بعد معركة قصيرة مع عراقيين من جيش الجهاد المقدس؛ إلا أن العراقيين تمركزوا في البنايات المجاورة، وأخذوا يطلقون النار، ومنعوا الصهاينة من توسيع رقعة احتلالهم.

ثم عاود العرب الهجوم على الدير في 30/4 بعد الظهر، وذلك بعد فشل محاولة في الصباح، وفشل هذا الهجوم أيضاً؛ ولكن الصهاينة خسروا الكثير من الأرواح فيه.

في مساء 30/4 وصلت قوات لواء "عتصيوني" إلى الدير.  وفي صباح 1/5 تابع اللواء تقدمه من بيت إلى بيت، حتى سيطر على حي القطمون بكامله.  وخلال 24 ساعة لم يبق في الحي أي مواطن عربي.

 

معركة كفار عتصيون:

كفار عتصيون مستوطنة تقع على طريق القدس- الخليل.  أنشئت بالأساس كي تؤدي دوراً عسكرياً منذ صدور قرار التقسيم.

قام سكان المستوطنة باحتلال بناية تابعة للكنيسة الأرثوذوكسية، وأخذوا يطلقون النار على السيارات العربية؛ وأصابوا سيارة القنصل العراقي.

في 13/1/1948 هاجم مناضلو المناطق المجاورة المستوطنة فاستشهد منهم 14 وجرح 24 لقلة تنظيمهم.

هاجم المناضلون أيضاً في 13/2/1948 قافلة بين كفار عتصيون والقدس؛ فقتلوا اثنين، وجرحوا اثنين، وأحرقوا سيارتين، أنقذهما الجيش البريطاني.

تعرض صهاينة كفار عتصيون في 6/5 لقافلة عربية متجهة إلى الخليل؛ فحضرت نجدة من الجيش الأردني، وأمطرت كفار عتصيون بالنيران؛ فاضطر الصهاينة إلى التراجع؛ لكنهم تعرضوا في اليوم التالي لقافلة قادمة من الخليل؛ فتصدى لها الجيش الأردني؛ ولكن الصهاينة استمروا في عدوانهم.

في 13/5/1948 هاجم الجيش الأردني ومجموعة من المناضلين بالهجوم على كفار عتصيون والمستوطنات المجاورة؛ فأرسل الصهاينة نجدات للمستوطنة، وأنزلوا جنودا بالمظلات؛ لكن المهاجمين فتحوا ثغرات في الأسلاك الشائكة وعبروا إلى المستوطنة.

سقطت المستعمرات الأربع وقتل 200 صهيوني وأسر 287، وخسر الجيش الأردني 14 شهيداً؛ واستشهد عدد كبير من الأهالي في حقول الألغام المحيطة بالمستوطنات قبل اقتحامها.

 

معركة كفر كنا

معركة عين ماهل

في 13/1/1948 حدثت معركة بين رجال عشيرة صبيح وقوة من “الهاغاناة”؛ وقد هب لنجدة آل صبيح مجموعة من المناضلين كبدوا القوة الصهيونية خسائر كبيرة.

علم الصهاينة أن المجندين يتمركزون في قرية كفر كنا شمال شرق الناصرة؛ فاعتزموا احتلالها؛ فقاموا في 15/1/1948 بالتقدم نحو القرية، وقسموا الهجوم إلى قسمين: قسم يتجه مباشرة على القرية، وقسم يلتف حولها؛ فنجح جنود القسم الأول بالتسلل حتى مدخل معسكر المناضلين؛ لكنهم لم يتقدموا أكثر؛ لأن المناضلين تنبهوا لهم واشتبكوا معهم في قتال عنيف وأجبروهم على التراجع سريعاً؛ فوصل الخبر إلى القسم الثاني الذي توقف قبل أن يتصدى له أحد.

إثر فشل الهجوم على كفر كنا؛ قررت القيادة الصهيونية القضاء على المعسكر العربي قي قرية عين ماهل القريبة من كفر كنا؛ فهاجمت القرية فرقة من “الهاغاناة”؛ ومهدت لهجومها بقصف مدفعي، وما أن أغار جنود العدو على القرية حتى سقطوا الواحد تلو الآخر بنيران المناضلين.  وارتفعت نسبة الخسائر لدى المهاجمين؛ فبدأوا بالتراجع، واخفق الهجوم على عين ماهل.

 

معركة كوكب الهوا:

كان الصهاينة يمتلكون حاميتين قويتين في كل من مشروع كهرباء روتنبرغ ومستعمرة جيشر، وبعد الإنذار الذي وجهته الحكومة الأردنية إلى هيئة إدارة المشروع، انسحب الصهاينة على مستعمرة جيشر وعززوا دفاعاتها؛ وكان من ضمن دفاعات المستعمرة، حصنها المنيع الذي أقامه البريطانيون خلال الحرب العالمية الثانية.

بعد دراسة الواقع الجغرافي للمنطقة، استنتج الصهاينة أن الدفاع عن المستعمرة يستوجب احتلال قرية كوكب الهوا؛ وذلك لمنع المناضلين من معاونة الجيش العراقي في هجومه المرتقب على المستعمرة.

نسف الصهاينة جسر المجامع على نهر الأردن؛ لإعاقة تقدم القوات العراقية.

وفي يوم 15/5/1948 طوقت القوات الصهيونية كوكب الهوا بقوات كبيرة؛ فتصدى لها رجال القرية وأوقعوا بها خسائر كبيرة؛ إلا أنهم اضطروا للانسحاب لنفاد ذخيرتهم؛ فدخل الصهاينة القرية فور إخلائها.  وفي تلك الأثناء تمكنت سرية عراقية من عبور النهر وإقامة جسر تحت جنح الظلام.

وتوالى عبور القوات العراقية بقصد مهاجمة جيشر، وتيقن القائد العراقي أنه لا يمكن مهاجمة المستوطنة دون استعادة كوكب الهوا؛ فكلف سرية بمهاجمتها، ونجحت السرية في تحرير القرية بعد معركة عنيفة تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة. 

هاجمت القوات العراقية المستعمرة عدة مرات دون أن تتمكن من احتلالها.  وقد استمر وصول النجدات إلى جيشر من قبل الصهاينة، وهاجموا العراقيين بعنف؛ فسقط منهم 23 شهيداً، بينهم الرئيس الأول طالب العزاوي؛ وانسحب العراقيون بعدها من القرية في 18/5/1948، وبعدها سيطر الصهاينة على القرية نهائياً.

 

معركة اللد والرملة:

إن وجود مطار عسكري صغير وآخر مدني ومحطة الهاتف الرئيسة في فلسطين في مدينتي اللد والرملة؛ إضافة إلى بعدهما 15كم عن تل أبيب، عند ملتقى خطوط المواصلات؛ جعلا من هاتين المدينتين هدفاً مغريًا للصهاينة. 

وضع الصهاينة خطة للاستيلاء على المدينتين في وقت مبكر؛ فيما أدرك سكان المدينتين الخطر المحدق بهم؛ فبدأوا بتحصين الدفاعات بالتعاون مع قوات جيش الجهاد المقدس بقيادة الشيخ حسن سلامة.

وقامت اللجنة القومية التي تم تشكيلها بإشراف الشيخ حسن أبو السعود بمساع جيدة في سبيل التنظيم وتوحيد الجهود وعمل مختلف التدابير للدفاع والتسليح.  وقد قوى عزيمة سكان الرملة ومناضليها انضمام 250 متطوعًا من بدو شرقي الأردن بقيادة الشيخ فضيل الشهوان من مشايخ العجارمة؛ والشيخ جمال المجالي من مشايخ الكرك. وأصدرت اللجنة العسكرية بدمشق في 16/2/1948 أمرًا إلى سرية من وحدات جيش الإنقاذ معها فصيل من المتطوعين المصريين بالتوجه إلى قطاع اللد والرملة.

تحركت السرية المذكورة من دمشق يوم 23 شباط بقيادة الملازم الأول عبد الجبار العراقي. ووضعت هذه القوة تحت إمرة الشيخ حسن سلامة الذي اعترفت به اللجنة العسكرية قائدًا لهذا القطاع.

وقد نشبت عدة اشتباكات بين مناضلي المدينتين والصهيونيين منذ صدور قرار التقسيم. وكان النصر حليف العرب دائما. فقد أسقط مناضلو اللد طائرة كانت تحلق فوق مطار المدينة واستولوا مع مناضلي القرى المجاورة على المطار ومحطة السكة الحديدية ومخزن الوقود ومعسكر بيت نبالا، وأقاموا مفارز خاصة لحراسة هذه المواقع والدفاع عنها.

وظل الأمر على هذه الحال إلى أن انتهى الانتداب وأعلن قيام الكيان الصهيوني ودخلت الجيوش العربية فلسطين في حرب 1948 وأعلنت الهدنة الأولى.

وفي أثناء هذه الهدنة تحركت يوم 18/6/1948 سرية المشاة الخامسة التابعة لقيادة اللواء الثالث من الجيش الأردني؛ وكان عدد عناصرها 185 ضابطًا وفردًا، تحركت إلى مدينتي اللد والرملة لتأخذ مواقعها هناك، وتساعد الحاكم العسكري الأردني في إدارة المدينتين، وتنسق الدفاع عنهما وتعيد تنظيمه.

وقد تبين لقائد السرية أن المدينتين قادرتان على الدفاع أمام هجمات المشاة لفترة زمنية محدودة، ولكنهما لا تملكان القدرة على الدفاع والصمود في وجه الدبابات والمدفعية، وينقص القوات المدافعة عنهما في الوقت ذاته التنظيم والتدريب المتماسك.

سعى الإسرائيليون بعد استئناف القتال في 9/7/1948 إلى احتلال مدينتي اللد والرملة، والانطلاق منهما إلى مواقع الجيش الأردني في باب الواد؛ لفتح طريق القدس بالقوة، بعد فشلهم في تحقيق ذلك أثناء مرحلة القتال الأولى قبل الهدنة.  وكانت المدينتان هدفا مغريًا؛ لقلة القوات المدافعة من جهة، ولقربهما من مراكز القوات الإسرائيلية الرئيسة؛ حيث يسهل عليها التحشد والعمل من جهة ثانية، ولبعدهما عن مراكز القوات العربية من جهة ثالثة.

وقد أعطى الإسرائيليون الأسبقية لاحتلال اللد والرملة أيضا للقضاء على تجمع سكاني عربي قريب من تل أبيب، وللقضاء على فكرة المناطق المحددة في التقسيم والحصول على مكاسب إقليمية واستراتيجية وتخفيف الضغط عن القدس.

أطلق الإسرائيليون على عملية اللد والرملة الاسم الرمزي داني وخصصوا لها نخبة الجيش الإسرائيلي، وهي قوة البالماخ المؤلفة من 6.500 رجل منظمة في ثلاثة ألوية ومزودة بناقلات الجنود المدرعة المجنزرة والمدرعات والمدفعية والإسناد الجوي.

بدأ الهجوم الإسرائيلي يوم 9/7/1948، وسعى الإسرائيليون إلى عزل المدينتين عن أي مساعدة قد تأتي من الشرق؛ فتقدم إلى شرقي اللد والرملة لواءان، أحدهما من الجنوب حيث دخل قرية عنابة في الساعة الواحدة من صباح 10 تموز، ثم قرية جمزو؛ وثانيهما من اتجاه تل أبيب في الشمال الغربي. وقد احتل هذا اللواء "ويلهمينا" ثم مطار اللد.  وباحتلاله عزلت سرية الجيش الأردني في الرملة والعباسية واليهودية. وهكذا اكتمل تطويق المدينتين وعزلهما، ولم يستطع المناضلون في القرى المذكورة ومطار اللد الصمود طويلًا أمام هجمات الدبابات والمدفعية المنسقة.

وتعرضت المدينتان في أثناء ذلك لقصف جوي ثقيل وجه إلى مركز شرطة الرملة خاصة، وقصف مدفعي شمل الأحياء الآهلة بالسكان.

استمر ضغط الإسرائيليين على امتداد واجهة القتال. وقد ألقت طائراتهم في صباح يوم 11 تموز نشرات تدعو الأهالي إلى التسليم؛ إذ لا فائدة ترجى من القتال بعد أن أصبحت المدينتان مطوقتين، وطلبت من أهالي اللد إرسال وفد عنهم إلى مقر القيادة الإسرائيلية في قرية جمزو شرقي اللد؛ ومن أهالي الرملة إرسال وفدهم إلى مقر القيادة الإسرائيلية في قرية البرية شرقي الرملة أيضا.

ركز الإسرائيليون هجومهم على مدينة اللد أولًا فشنوا عند الظهر هجومًا قويًا عليها من الناحية الشرقية عند قرية دانيال؛ ولكن مجاهدي المدينة استطاعوا أن يصدوا الهجوم بعد معركة دامت ساعة ونصفًا، خسر الإسرائيليون فيها 60 قتيلًا، وعاد المجاهدون وقد نفد عتادهم.

ثم شن الإسرائيليون هجوما آخر بقوات أكبر تدعمها المدرعات؛ وتمكنوا في الساعة 16.00 تقريبًا من دخول مدينة اللد واحتلالها، وهم يطلقون النار على الأهالي دون تمييز. فارتقى نتيجة ذلك عدد كبير من أبناء المدينة شهداء.

وكانت قوة من حوالي سريتين، معها عدد من المدرعات من الكتيبة الأولى للجيش الأردني، قد تحركت من منطقة رام الله إلى بيت نبالا في 10 تموز؛ في حين اتجه من بقي من الكتيبة الأولى مساء 11 تموز إلى مخفر الجفتلك في غور الأردن، ومكثوا فيها يومين، ثم عادوا إلى منطقة دير قديس.

أرسل قائد اللواء الثالث الأردني دورية يوم 11 تموز إلى قرية جمزو؛ فطردت القوة الإسرائيلية منها، وقتلت عشرة من أفرادها؛ ولكن الإسرائيليين عادوا إلى القرية بعد انسحاب الدورية الأردنية منها.

وضربت قوة الكتيبة الأولى من مراكزها في بيت نبالا عدة مراكز متقدمة للقوات الإسرائيلية وطردتها منها.

أرسلت القيادة الأردنية فئة مدرعات للتثبت من الموقف في مدينة اللد.  ولما رآها أهالي المدينة، وهي تشاغل تحشدات العدو على مشارف اللد وتفرقها، ظنوا أن هذه الفئة مقدمة رتل قادم لإنقاذ اللد؛ فتشجعوا وراحوا يهاجمون الصهيونيين في كل مكان، ولا سيما في الناحية الشمالية؛ حيث دخلت المدرعات الأردنية؛ ولكن المدرعات الأردنية انسحبت بعد وقت قصير. وقد أدى ذلك إلى تغلب القوات المعادية على المناضلين؛ فتمكنت من سكان اللد وقتلت 426 مواطنًا عربيًا؛ منهم 176 قتلوا في مذبحة نصبت لهم في مسجد المدينة.

تقدمت القوات الإسرائيلية بعد سقوط اللد باتجاه مركز القسم الواقع بين اللد والرملة، وفيه مقر الحاكم العسكري الأردني؛ وقطعت خطوط الهاتف بين قيادة السرية الأردنية الخامسة المقيمة في القسم، ومراكز الفصائل.

أرسل قائد السرية مفرزة مؤلفة من ثمانية جنود لاستطلاع الأمر، كما طلب إلى قائد حامية محطة سكة حديد اللد أن يقوم بحماية مركز القسم والحاكم العسكري الأردني.

حينما أشرف هذا القائد على المركز، وجد أن القوات الإسرائيلية أصبحت على مقربة من مقر الحاكم؛ فاشتبكت فصيلته مع قوة الاستطلاع المعادية، ودمرت لها سيارتي جيب، وغنمت بعض أسلحتها، بعد أن فر من بقي من رجالها.  وعندئذ توقف الإسرائيليون عن التقدم باتجاه الرملة، وأنقذ الحاكم العسكري الأردني مع المفرزة الموجودة في مقره.

وقد قاتل المناضلون الذين كانوا يرابطون في عمارة الشرطة بعناد إلى جانب الجيش الأردني، واندحر الإسرائيليون، وهم يظنون أن هناك قوات كبيرة تتمركز في مدينة الرملة.

جمعت السرية الأردنية الخامسة فصائلها في مركز شرطة الرملة، ثم تلقت برقية من اللواء الأردني الثالث، الذي كان يقوده العميد أشتون الإنكليزي، تأمرها بالانسحاب.  وتم الانسحاب ليلًا على الأقدام عن طريق جمزو- عنابة - بيت سيرا؛ حيث منطقة تجمع السرية.  وقد أتلفت السرية قبل الانسحاب معداتها الثقيلة وأسلحتها الزائدة.

أحكم الإسرائيليون الطوق على مدينة الرملة، وجاؤوا بحشود جديدة، وزادوا من قصفهم الجوي والمدفعي لها.

علم أبناء المدينة بخبر انسحاب السرية الأردنية؛ فاضطروا للاتصال بالإسرائيليين للتسليم؛ فذهب وفد منهم إلى قرية البرية؛ ومنها أخذهم الإسرائيليون إلى مستعمرة النعاني.  واستمرت المفاوضات من الساعة 22.00 من يوم 11/7/1948 حتى الساعة 6.00 من صباح اليوم التالي.  وقد اتفق على تسليم المدينة بشروط مكتوبة، منها: عدم التعرض للآهلين أو المساس بالأملاك.  ولما عاد الوفد إلى الرملة كانت القوات الإسرائيلية قد احتلتها، فوضع أعضاء الوفد تحت الحفظ في بلدية الرملة.

جمع الإسرائيليون شباب المدينة وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكان جمع الأسرى في مركز شرطة الرملة؛ حيث ظلوا حتى السابعة مساء؛ ثم أطلق الإسرائيليون سراح أعضاء الوفد.

وفي 13 تموز طلب الإسرائيليون من السكان إخلاء الرملة، فرفضوا؛ ولم يتقيد العدو بالشروط التي اتفق عليها مع وفد المدينة؛ بل أجبر معظم السكان على الرحيل، وأركبهم في سيارات حملتهم إلى آخر نقطة باتجاه الشرق.  وهناك تركوهم يسيرون على أقدامهم.  وقد استمرت عملية الترحيل ثلاثة أيام.

 

معركة الماصيون:

في 1/3/1948، عبر عشرون صهيونياً من مستوطنة عطاروت جنوب رام الله، إلى شمال قرية رافات وكمنوا لسيارة نقل ركاب وقذفوها بالقنابل، وأطلقوا عليها الرصاص؛ لكنهم لم يصيبوا أحدًا من ركابها؛ فانسحبوا عن طريق وادي الدير؛ وفيما هم يتسلقون سفح تل الماصيون، تصدى لهم أبناء البيرة ورام الله؛ فنشبت معركة قتل خلالها خمسة صهاينة وفر الباقون؛ فوصل إلى المكن عدد كبير من سكان القرى العربية المجاورة، فحاصروا الفارين وقتلوا ستة منهم؛ فاستسلم من تبقى من الصهاينة.  ولما اقترب المناضلون منهم، ألقوا عليهم قنبلة يدوية ففتح المناضلون النار عليهم وقتلوهم جمعياً.

تم تسليم جثث القتلى إلى القوات البريطانية؛ وتبين أن خمسة من القتلى هم من موظفي مصلحة البريد، وقد حصلوا على إذن من رؤسائهم بالتغيب ذلك اليوم.


معارك المالكية:

تقع قرية المالكية على بعد نصف كم من الحدود اللبنانية مع فلسطين، شمال مدينة صفد، وقد كانت حتى عام 1923 تابعة للبنان.

وحسب خطة وضعتها القيادة العامة للقوات العربية في عمان، كان مقرراً أن يدخل الجيش السوري من الحدود اللبنانية للاستيلاء على صفد وعزل مستوطنات الحولة عن طبريا، والقيام بهجوم مشترك على حيفا مع الجيش اللبناني وجيش الإنقاذ. 

وصلت هذه المعلومات إلى الصهاينة؛ فأصدر قائد لواء "يفتاح" وإيغال ألون أمراً في 13/5/1948 إلى قائد الكتيبة بالتقدم لاحتلال المالكية والتلال المحيطة بها؛ لإغلاق الطريق أمام الجيش السوري واللبناني.

وقام قائد الكتيبة ليلة 14-15/5 باحتلال قرية قدس والمعسكر البريطاني خارج المالكية؛ لكن مفرزتين من الجيش السوري واللبناني قامتا بهجوم معاكس أجبر القوات الصهيونية على التراجع، بعد أن خسرت عدداً كبيراً من رجالها؛ وبذا تم استرداد المالكية والمعسكر وقدس؛ لكن القوات الصهيونية المنسحبة أعادت تجميع نفسها، وهاجمت النبي يوشع بعد قصفها، وتمكنت من احتلالها. 

وفي 19/5 تحركت قوة إسرائيلية معززة إلى داخل الأراضي اللبنانية والتفت على المالكية، واستطاعت احتلالها رغم المقاومة العنيفة للقوات اللبنانية، واحتلت قدس، ونسفت الجسور التي تؤدي إلى تلك المنطقة.

ألقيت على عاتق فوزي القاوقجي مهمة استرداد المالكية؛ وبدأت مدفعية جيش الإنقاذ ظهر يوم 6/6/1948 بقصف الصهيونية في المالكية، ودارت معارك عنيفة بين الجانبين اشترك فيها أيضاً الطيران السوري؛ واستطاع العرب استعادة المالكية؛ وفي اليوم التالي تم استعادة قدس أيضاً.

 

معركة مشمار هعيميك "حامية المرج"

مشمار هعيميك مستعمرة تقع في مرج ابن عامر.

كانت خطة جيش الإنقاذ في الهجوم على مستوطنة مشمار همعيميك تهدف إلى اختبار القدرة  الدفاعية للمستعمرات، ومعرفة أساليب التنسيق بينها، ومدى قدرة الصهاينة على خوض معركة في العراء بعد استدراجهم.

سبقت عملة الهجوم على المستعمرة عملية هجوم مخادعة على مستعمرة زراعيم ليلة 4/4 ودمرت مجموعة من المنازل وبرك المياه.  وتمكن أفراد وحدة جيش الإنقاذ من أخذ مواقعهم بسرية جوار مشمار هعيميك؛ وذلك لأن الأنظار اتجهت إلى زراعيم.

في مساء نفس اليوم (4/4) فتحت مدافع جيش الإنقاذ نيرانها على المستعمرة، وتقدمت سرية من المشاة إلى الأسلاك الشائكة، وبدأت بتقطيعها.  واقتربت مصفحات جيش الإنقاذ من أبراج الحراسة وقصفتها بكثافة حتى أسكتتها نهائياً.

انسحب القاوقجي بعد حلول الليل إلى التلال المجاورة، ووجه إنذاراً إلى المستعمرة بإرسال وفد للتفاوض لوضع المستعمرة تحت حماية جيش الإنقاذ؛ فأرسلت المستعمرة مندوباً يعلمهم بأن هيئة تمثل المستعمرة يصحبها ضباط بريطانيون سيصلون للمفاوضة ظهراً.

اضطر القاوقجي لإرسال نجدات إلى القسطل؛ بسبب تطورات الموقف هناك، وجاء وفد من المستوطنة إلى القاوقجي الذي أمهلهم 24 ساعة لنقل قتلاهم والتقرير بشأن الاستسلام؛ لكن السيارات التي كانت تنقل جثث القتلى كانت تعود محملة بالرجال والسلاح، وفي صباح 10 نيسان قام الصهاينة بأعنف هجوم عرف حتى تلك الفترة؛ فطوقوا قوات جيش الإنقاذ وعزلوها عن مواقعها واضطروها للعودة مسافة 4كم عن مواقعها.

أعادت قوات جيش الإنقاذ تنظيم نفسها، وفي صباح 11/4 فتحت المدفعية العربية نيرانها على المستعمرة ،وقام المشاة بهجوم قوي عليها؛ فبدأ أفراد “الهاغاناة” بالتراجع باتجاه المستوطنة والمستوطنات المجاورة.

راح جيش الإنقاذ يتقدم متجاوزًا الجثث والأسلحة المتروكة، وعادت في هذه الأثناء القوة التي شاركت في معركة القسطل.  وفي نفس الوقت وصلت قوات دعم صهيونية جديدة، وقام الصهاينة بهجوم مضاد؛ فنجح مأمون البيطار في إحباط الهجوم لكنه استشهد في المعركة، وتوقفت قوات جيش الإنقاذ عند قرية منسي، وأعادت تنظيم نفسها، وقامت بهجوم ثان، واستردت المواقع التي خسرتها، وألحقت الهزيمة بالقوات الصهيونية.

استمر القتال 7 أيام دون انقطاع، تم خلالها تحرير التلال المحيطة بالمستعمرة، وقتل قائد الحامية الصهيونية؛ وهاجر على إثر ذلك عدد كبير من سكان المستوطنة إلى مناطق أخرى.

 

معركة مشمار هايردين:

بعد تولي حسني الزعيم قيادة الأركان السورية، قرر تحقيق نصر عسكري في فلسطين، مهما كان الثمن، لاسيما وأن مجلس الأمن كان على وشك اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار.

وقع اختيار الزعيم على مستعمرة مشمار هيردين (وهي مستوطنة على نهر الأردن قريبة من جسر بنات يعقوب أقيمت عام 1890، وهي موشاف زراعي محصن).

نصت الخطة على إبقاء منطقة المستعمرة هادئة، والقيام في نفس الوقت بهجمات مخادعة يمين ويسار المستعمرة، وبالفعل في صباح 7/6/1948 عبرت الوحدة السورية نهر الأردن وتمركزت باتجاه المستعمرة، دون أن يشعر بها أحد.

تحركت القوة باتجاه الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستوطنة، وفتحت فيها عدة ثغرات فتنبه لها الصهاينة، وراحوا يطلقون النار؛ لكن ذلك لم يكسر حدة الهجوم، وتابعت القوة تقدمها، وأسكتت أبراج الحراسة، وانتشرت بين أبنية المستوطنة، وخاضت معركة بالسلاح الأبيض.

وفي هذه الأثناء عبرت قوة سورية أخرى نهر الأردن؛ فساهمت في القضاء على فلول المنسجين، وقد وصلت القوات السورية إلى مستعمرة روشينا ثم عادت بعد أن كبرت المسافة بينها وبين المشاة.

سيطرت القوات السورية عل المستوطنة، وقامت بتصفية جيوب مقاومة صغيرة بقيت فيها.

وفي صباح 8/6، قام الإسرائيليون بهجوم معاكس؛ فتصدت لهم القوات السورية بقيادة النقيب عدنان المالكي، وطاردوهم حتى تل أبو الريش، وقد دعي هذا التل في ما بعد باسم "تل المالكي".

 

وقد فشلت كل المحاولات الإسرائيلية اللاحقة في إجلاء أي جندي سوري عن موقعه.  وظل الوضع هكذا حتى دخول الهدنة الأولى 11/6/1948.

وضعت القيادة الإسرائيلية خطة رمزها "بيروش" تنص على تطويق القوات السورية التي تحتل المستعمرة.  وما أن انتهت الهدنة الأولى في 8/7/1948، حتى بدأ الإسرائيليون في 9/7 برمايات غزيرة من النيران وبقصف مدفعي بعيد. 

وحلقت 4 طائرات إسرائيلية فوق المواقع السورية، وأخذت تقصف بالقنابل، وفي العاشرة ليلاً نجح رتل مهادي في عبور النهر إلى الضفة الشرقية، وبدأت من هناك عملية قصف مدفعي للقوات السورية؛ ما قطع اتصال القوات مع القيادة.

فتحت القوات السورية نيرانها على الأرتال التي هاجمت مواقعها، وأجبرتها على التراجع؛ ما دعا القائد الإسرائيلي إلى الانسحاب السريع.

وفي 10/7 تحركت الدبابات السورية وطاردت المنسجين؛ فدب الذعر في صفوفهم، وأخذوا يفرون؛ ما اضطر القائد الإسرائيلي إلى تهديد الفارين بإطلاق النار عليهم؛ كي يجبرهم على البقاء في مواقعهم.

استمرت المعركة ستة أيام خسر خلالها اللواء الإسرائيلي المهاجم نصف قواته بين جريح وقتيل قبل أن تنتهي عملية "بيروش" بالفشل التام رغم النجدات التي وصلت يوم 14/7/1948. لم تنسحب القوات السورية من مواقعها، إلا بموجب اتفاقية الهدنة النهائية؛ بشرط أن تبقي مشمار هيردين منطقة مجردة من السلاح.

 

معركة المصرارة :

المصرارة من الأحياء الشمالية في القدس، وهو يجاور حي مياشوريم اليهودي.

في 24/2/1948، قام الصهاينة بقصف المصرارة بالهاون مما أدى إلى استشهاد بعض سكانه؛ وكان ذلك رداً على الانفجار الذي وقع في حي بن يهودا.

رد العرب على النار بالمثل؛ فتدخلت القوات البريطانية وفرضت الهدنة، ووصلت أخبار هزيمة “الهاغاناة” في كفار عتصيون يوم 27/3/1948؛ فقام يهود القدس بالانتقام، وأطلقوا قذائف الهاون على حي المصرارة؛ ما أدى إلى ارتقاء سبعة من العرب، وجرح 40.  وقد قام العرب بقصف حي مئاشعارايه بمئة قنبلة أشعلت الحرائق فيه، وقتل وجرح كثيرون؛ فبدأ أهل الحي اليهودي بالنزوح عنه؛ فاندفع المناضلون العرب لاقتحام الحي؛ لكن تدخل القوات الإنجليزية منعهم من ذلك.

بعد سقوط حيفا ويافا، عاد المهاجرون إلى الحي اليهودي، وعاودت القوات الصهيونية قصف حي المصرارة طوال ليلة 27/4 الأمر الذي جعل سكانه يرحلون عنه؛ ولم يبق فيه سوى 130 مناضلاً من جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس حين احتل الصهاينة المستشفى الإيطالي يوم 14/5، وسيطرت “الهاغاناة” على مبنى النوتردام؛ فأصبحوا يشرفون علي حي المصرارة والأحياء المجاورة؛ فراحوا يطلبون من السكان العرب الانسحاب على البلدة القديمة بمكبرات الصوت، وادعوا أنهم احتلوا القطمون والبقعة والشيخ جراح.

فشل المناضلون في استعادة المباني التي احتلها الصهاينة، ورفض قائد جيش الجهاد المقدس الانسحاب الذي أمر به قائد جيش الإنقاذ العراقي.

وعندما تقدمت القوات الصهيونية يوم 15/5 وطوقت القوات العربية؛ قام المناضلون بهجوم معاكس أدى إلى طرد القوة الصهيونية من الأماكن التي احتلتها لتطويق القوات العربية؛ فدب الذعر في صفوف الإسرائيليين.  ولما تأكدوا أن الجيش الأردني لم يدخل، كما كانوا يتوقعون؛ قاموا بهجوم معاكس واحتلوا المواقع التي أخلوها.

في 16/5 شن العرب هجوماً معاكساً وطردوا الصهاينة من الحي وبلغوا حي مئا شعرايم؛ ولكن في 17/5 قام الصهاينة بهجوم واسع على الحي ونسفوا كثيرا من منازله وعادوا، وبقي الحي عربياً كاملاً حتى 8/6/1948 حين اشتبك الصهاينة مع الجيش الأردني واحتلوا قسماً من الحي.


معركة جبل المكبر:

يشرف جبل المكبر في جنوب القدس على معظم أحيائها؛ ولهذا فإن له ميزة عسكرية فريدة.

قام المندوب السامي بوضع دار الحكومة ومبنى الكلية العربية والمدرسة الزراعية اليهودية تحت تصرف منظمة الصليب الأحمر، وقبل العرب هذا الترتيب يوم 9/5/1948.

تسلم الصليب الأحمر مباني جبل المبكر؛ وقد اشترط يومها ألا يقيم في المنطقة المسلحة أي شخص في سن الجندية.

انتهك الإسرائيليون يوم 17/8/1948 الاتفاق، وتسللوا إلى جبل المبكر؛ فتصدي لهم المناضلون العرب وساندتهم مدفعية الجيش الأردني ومدفعية الجيش المصري؛ فتراجع الإسرائيليون إلى مبنى المدينة الزراعية، وعادوا في نفس اليوم واحتلوا مبنى الكلية العربية.

في 18/8 تجمع أبناء شرق القدس، وانضم إليهم مجموعة من الأخوان المسلمين المصريين وسرية من الجيش الأردني؛ وقاموا بهجوم مضاد عنيف؛ فاندحر الإسرائيليون واحتموا بدار الحكومة؛ فطوقها المجاهدون وهددوا بتدميرها؛ فقام مراقبو الهدنة بترتيب وقف إطلاق النار.

حاول الإسرائيليون استعادة المواقع التي احتلها المجاهدون يوم 19/8؛ لكنهم فشلوا.  وقدرت خسائر الطرفين بمئتي قتيل ومئتي جريح.

يوم 22/8 عقد الجنرال رايلي (كبير المراقبين الدوليين) اجتماعاً بين القيادات العربية والإسرائيلية؛ وأضيفت بناء على الاجتماع منطقة جديدة تحت إشراف الصليب الأحمر؛ وسحب الفريقان العسكريين، وأزالوا المنشآت من المناطق التي حددت، وتم تسليمها للصليب الأحمر.   وجدد اتفاق وقف إطلاق النار في 20/11/1948.

 

معركة ميكور حاييم:

أحاطت بحي صور باهر جنوب القدس ثلاث مستعمرات هي: ميكور حاييم، وتل بيوت، ورامات راحيل.  وعندما وصل إلى المناضلين العرب خبر قيام الصهاينة بقتل امرأة وطفلها من سكان بيت صفافا؛ قرروا مهاجمة تلك المستعمرات.

اقتحم المناضلون تلك المستعمرات بقيادة عبد القادر الحسيني؛ ودارت بينهم وبين سكانها معارك قاسية، كان أعنفها معركة "ميكور حاييم" في 13/3/1948م. 

استطاع المجاهدون تدمير كثير من منازلها بعد احتلال الجزء الأكبر منها، وقتلوا وجرحوا كثيرًا من سكانها، واستولوا على كمية من الأسلحة والذخيرة، واقتربوا من احتلال كامل المستعمرة؛ لولا تدخل القوات البريطانية من معسكر العلمين جنوبي القدس، التي هددت بقصف المجاهدين بالمدفعية؛ فاضطر المجاهدون إلى الانسحاب؛ ولكنهم فرضوا حصاراً على ميكورحاييم وتصدوا للنجدات القادمة إليها.  ولم تتخلص المستوطنة من الحصار إلا بعد سقوط حي القطمون في 1/5/1948.

 

معارك الناصرة:

وضعت القيادة الصهيونية مخططاً عسكرياً باسم "ديكل"، استهدف مهاجمة قوات جيش الإنقاذ المتمركزة في الجليل الغربي، واحتلال مواقع دفاعية، وشل خطوط المواصلات.

كلف حاييم لاسكوف بقيادة عملية احتلال الناصرة ضمن الخطة.  وكانت حامية الناصرة قوية في الجانب العربي، قياساً إلى الوضع العام للحاميات العربية.

وبتاريخ 9/7/1948 استولى الصهاينة على مخفر أمامي يسيطر على أسفل التلال؛ وعلى عدد من القرى العربية 11/7؛ فقامت قوات جيش الإنقاذ بشن هجوم مضاد باتجاه نهاريا وعكا، وركز لاسكوف هجومه باتجاه شفا عمرو؛ عندما تأكد من عدم قيام الجيش اللبناني بأي هجوم. سقطت شفا عمرو صباح 14/7، وهي بالطبع الطريق المؤدي للناصرة. 

وخطط لاسكوف للاندفاع نحو الناصرة، قبل أن يدرك القاوقجي الأمر، فيحصن دفاعاته.  وفي نفس الوقت قامت قوة من لواء غولاني بالإيهام بهجوم على الناصرة من الجنوب؛ لتشتيت تركيز قوات جيش الإنقاذ.

وصلت قوات لاسكوف إلى صفورية صباح 16/7؛ فأرسل أهل صفورية برقية إلى القاوقجي يطلبون النجدة؛ فأرسل سرية لحماية الناصرة؛ لكنه تسلم برقية أخرى تفيد بخطورة الحالة في طبريا، استعداداً لمهاجمة المغار (واحتلال المغار كان يعني عزل جيش الإنقاذ في وحدتين والفصل بينهما)؛ فسحب القاوقجي سرية من ترشيحا وأرسلها إلى المغار ثم الناصرة؛ واشتبكت السرية مع الدبابات الإسرائيلية، وتم صد الهجوم؛ لكن المقاومة الإسرائيلية كانت عنيفة.

قام الإسرائيليون بهجوم مضاد؛ فدمروا مصفحات جيش الإنقاذ؛ وأخذت مقاومة القوات العربية تضعف تحت وطأة التفوق الإسرائيلي.

وفي المساء دخلت القوات الصهيونية المدينة من الغرب والجنوب؛ فانسحبت قوات جيش الإنقاذ تحت قصف المدفعية الصهيونية، وسقطت الناصرة.


معركة النبي يوشع:

النبي يوشع قرية شمال مدينة صفد، قريبة من الحدود اللبنانية، وسميت بهذا الاسم لوجود مزار فيها يعتقد بأنه قبر يوشع بن نون.

كان للقرية أهمية عسكرية خاصة؛ لوقوعها على الحدود، وإشرافها على طريق يؤدي إلى مرتفعات الجليل وجبل عامل في لبنان؛ وتشرف كذلك على وادي الحولة، وعلى الطريق العام لوحيد في الوادي.

في 15/4/1948 انسحب الجيش البريطاني من مركز شرطة بجوار القرية؛ فتصارع الصهاينة والعرب على احتلاله، واستطاع الملازم السوري شفيق عيسى احتلاله مع قوة صغيرة من جيش الإنقاذ؛ غير أن الصهاينة هاجموا المركز ليلة 19/4/1948؛ وحدثت معركة كانت نتيجتها ارتداد القوة الصهيونية، بعد أن خلفت وراءها عدداً من القتلى وكمية من الذخائر والأسلحة.

في 13/5 هاجمت المركز سرية من “البالماخ” واستطاع المناضلون ردها وقتلوا 10 من رجالها. 

عاد “البالماخ” للهجوم ليلة 15/5 معززين بقوات إضافية؛ فاستشهد الملازم عيسى، وانسحبت القوة العربية من المركز صباح 15/5 ودخلت القوات الصهيونية المركز يوم 17/5/1948.


معركة وادي الجوز:

فشل الصهاينة عدة مرات في احتلال وادي الجوز بعد عدة هجمات في 28/1 وفي 22/2 و23/2/1948؛ ولكن هذه الهجمات دفعت سكان الحي إلى مغادرته، ولم يبق غير عدد قليل من سكانه؛ لكن من بقي فيه صمم على الدفاع عنه، وقاموا بتحصينه بشكل جيد للتعويض عن نقص المقاتلين. 

اعتقد الصهاينة أن الاستيلاء على الحي أصبح سهلاً؛ فشنوا عليه هجوماً يوم 26/2/1948 منطلقين من مستشفى هداسا والجامعة العبرية، وتمكنوا من احتلال تل العفيفي، ونسف منزلين عربيين؛ ما أدى على استشهاد 3 أطفال تحت الأنقاض.

حاولت القوة الصهيونية التقدم داخل الحي؛ فتصدي لهم شبان الحي والمجاهدون العرب، وكبدوهم خسائر أجبرتهم على التوقف؛ وطاردهم العرب حتى أخرجوهم من الحي كاملاً، بعد أن سقط منهم 12 قتيلاً و18 جريحاً؛ ولم يخسر المقاومون غير الأطفال الثلاثة الذين نسفت البيوت فوقهم.

تصدى المناضلون لهجوم ثان في منتصف آذار وأفشلوه أيضاً.

 

معارك يافا:

لعله من المجدي قبل الحديث عن معارك يافا أن نذكر أن هذه المدينة كانت من الناحية العسكرية ساقطة دفاعياً؛ بسبب وجود مدينة تل أبيب شمالها ومستعمرة بيت يام جنوبها؛ وكذلك أجرو بانك وحولون؛ أما في الشرق فتوجد مستعمرة نيتر الألمانية؛ والبحر المتوسط من جهة الغرب.

بعد صدور قرار التقسيم، جرى تشكيل لجنة قومية للمدينة باقتراح من الهيئة العربية العليا؛ وكانت مهمة اللجنة الإشراف على الدفاع، والإعداد، وجمع السلاح.

حدثت مجموعة من الاشتباكات بين الصهاينة وسكان يافا، بدأت باشتباك بين مجموعة من المناضلين والصهاينة، بين تل الريش ومستعمرة حولون، قتل فيها عدد من الصهاينة فيهم قائد المجموعة، ثم قام الصهاينة في 4/1/1948 بنسف دار الحكومة؛ فقتل عشرات العرب وجرح كثيرون؛ فأثار هذا الحادث أهالي يافا؛ فتوحدوا وأزالوا الخلافات.

كان الشيخ حسن سلامة هو المسؤول العسكري عن منطقة يافا.  وقد دارت معارك بين المجاهدين والصهاينة استمرت شهرين ونصف، بدأت في 4/12/1947.

وقد اعترف مناحيم بيغن (زعيم “الأرغون” في تلك الفترة) بشدة معاناة تل أبيب من يافا وحي المنشية، ووطأة الضرب من هاتين المنطقتين.  وقد سقط من سكان تل أبيب حوالي ألف قتيل وجريح.  وقد أقر بيغن أن القناصة العرب كانوا يرسلون الموت إلى كل مكان، حتى أن رصاصهم وصل إلى النيابة التي تعمل فيها بلدية تل أبيب.

لم يكن في يافا أسلحة كثيرة؛ وهذا ما جعل المسؤولين العسكريين الذين ترسلهم دمشق يأتون فيدرسون الوضع ثم يعودون إلى دمشق.

قام الصهاينة يوم 20/3/1948 بهجوم كبير على ثكنة "أبي كبير، ودمروا بعض المنازل العربية؛ لكن هذا الهجوم كلفهم 36 قتيلاً.  وحاولوا بعد يومين اقتحام يافا بعد قصفها؛ لكنهم فشلوا.

ذهبت وفود كثيرة إلى دمشق لتوضح عدم تكافؤ قوة المدينة مع قوة الصهاينة؛ لكنها جميعها عادت دون أن تحصل على شيء.

في 31/3/1948 غنم المجاهدون عدداً من السيارات والمصفحات بعد معركة مع الصهاينة.

وفي 13/4 توغل الصهاينة في تل الريش؛ لكن العرب أخرجوهم منه؛ وأعادوا الهجوم يوم 24/4، وهاجموا المنشية، واحتلوا مركز الشرطة ومحطة سكة الحديد.

قام العرب بهجمات مضادة، وتمكنوا من استعادة المواقع المحتلة، وطرد الصهاينة منها.

وجدد الصهاينة هجماتهم يوم 25-26-27/4؛ لكن حماة يافا صدوا الهجومات؛ إلا أن الصهاينة قاموا يوم 28/4 بهجوم كبير من جهة تل الريش، وآخر من جهة المنشية؛ ودارت معارك طاحنة؛ فاستطاع المجاهدون رد الهجوم الأول في تل الريش، بعد أن خسر الصهاينة 25 قتيلا وبعض الجرحى؛ أما هجوم المنشية، فقد نحج فيه الصهاينة، واحتلوا الحي؛ فأخذ السكان يغادرونه؛ لكن قائد جيش الإنقاذ أقال قائد حامية يافا (المقدم عادل نجم الدين) وعين مكانة الرئيس ميشيل العيسي؛ فوصل إلى يافا يوم 28/4/1948، واستطاع دحر الصهاينة على طريق تقدمه؛ ولكن بدا واضحاً أن ميزان القوى يميل لصالح الصهاينة، الذين احتلوا عدداً من القرى حول يافا.

في أوائل أيار، بدأ الناس يغادرون إلى غزة بعد أن عم الاضطراب؛ فشدد الصهاينة من هجومهم على المدينة؛ وأخذت المقاومة تنهار وازداد القتلى والجرحى.

في 13/5/1948، سلم الحاكم الإنجليزي مفاتيح الدوائر الحكومية إلى الحاج أحمد أبو لبن؛ باعتباره مسؤولاً عن شؤون المدينة؛ وقدم الحاكم اقتراحاً باعتبار يافا منطقة مفتوحة؛ فوافق العرب والصهاينة على الاقتراح؛ ووقعت اتفاقية في 13/5 بين وفد من أهالي يافا و”الهاغاناة” في تل أبيب.

لم يحترم الصهاينة الاتفاقية، وبمجرد انسحاب الإنجليز يوم 14/5، قاموا باقتحام المدينة ورفعوا الأعلام الصهيونية على مبانيها؛ وسقطت يافا.

 

حرب 1948:

صممت الصهيونية والقوى الداعمة لها على إقامة الدولة اليهودية في فلسطين بناء في قرار التقسيم؛ ما حدا بالدول العربية إلى السعي لحماية فلسطين؛ فنشآت الحرب الأولى بين الجيوش العربية الخمسة التابعة لمصر وسوريا والأردن والعراق ولبنان من جهة والقوات الصهيونية من جهة؛ فيما عرف بحرب 1948.

وكانت الجامعة العربية في 16/9/1947 قد قررت تقديم أقصى ما يمكن من الدعم العاجل لأهل فلسطين في حال إقرار التقسيم.  هب العرب من خلال جيش الإنقاذ وجيش الجهاد المقدس للدفاع عن فلسطين ضد جيش الصهاينة، الذي بلغ عدده حوالي 67 ألف مقاتل، مقابل 24 ألف مقاتل للجيوش العربية مجتمعة؛ مع فارق التدريب ونوعية الأسلحة لصالح الصهاينة.

أعلن بن غوريون يوم 14/5/1948 قيام دولة إسرائيل، وشكل حكومة مؤقتة لها، واعترفت بها كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على الفور.

انسحبت القوات البريطانية يوم 15/5/1948 مخلفة وراءها عتادها وأسلحتها، وكانت الهاغاناه قد أكملت استعداداتها للاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من فلسطين؛ ورمزت لخطتها برمز "دال"؛ وأعلنت التعبئة العامة بين القوات الصهيونية منذ مطلع نيسان 1948. 

وخلال شهر ونصف، تمكنت هذه القوات من السيطرة على الجزء المخصص لإسرائيل؛ حسب قرار التقسيم، بالإضافة إلى أجزاء أخرى؛ وأصبحت جاهزة لمواجهة أي هجوم عربي محتمل.

دخلت الجيوش العربية، التي كانت أقل بكثير مما كان متوقعاً؛ وبدون خطة واضحة.  وقد أجمع رؤساء أركان الجيوش في ذلك الوقت على أن جيوشهم غير جاهزة لخوض حرب؛ وكانت غير واضحة المهام؛ بل تعدى الأمر ذلك إلى تغيير المهام في الساعات الأخيرة.

في منتصف ليلة 15/5/1948 دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين.  ورغم النواقص التي عانتها؛ إلا أنها حققت نجاحات في الأيام الأولى لدخولها؛ ما دعا أمريكا أن تطلب من مجلس الأمن إصدار قرار لوقف إطلاق النار.

وصلت الخطوط الأمامية إلى بيت لحم، وضواحي القدس الجنوبية، وغرباً حتى حدود يافا؛ كما سيطر الجيش المصري على منطقة النقب وخليج العقبة؛ وسيطر الجيش السوري على الجليل حتى جنوب بحيرة طبريا؛ ووقف الجيش اللبناني غير يعبد عن عكا؛ وسيطر الجيش العراقي على قلب فلسطين، وامتدت خطوطه إلى طولكرم وجنين وحدود تل أبيب؛ كما سيطر الجيش الأردني على غور الأردن الجنوبي، ومنطقة القدس ورام الله والرملة؛ حتى التقى بالجيش العراقي والمصري؛ ولكن سرعان ما توقف اندفاع الجيوش العربية وجاءت الهدنة الأولى؛ فتغيرت الأوضاع، وانقلبت الموازين.

أعلنت أمريكا وبريطانيا أن الحالة في فلسطين تهدد السلم العالمي؛ وضغطتا على الدول العربية وبذلتا الوعود؛ فقبلت جامعة الدول العربية قرار مجلس الأمن رقم 50 في29/5/1948 ، القاضي بوقف إطلاق النار لمدة 4 أسابيع.  وفي صباح 11/6/1948 توقف القتال.

وقد نص القرار على منع الأطراف من تحصين مواقعها الراهنة، وألا تعزز قواتها الراهنة.  وتقيد العرب ببنود القرار؛ لكن هذه الهدنة أتاحت لإسرائيل إعادة تنظيم قواتها وتدريبها؛ كما وصلت إلى إسرائيل خلال الهدنة كميات كبيرة من الأسلحة.

عاد الجانبان للقتال يوم 9/7/1948؛ لكن مجلس الأمن ما لبث أن أصدر قراراً آخر بالهدنة الثانية، يوم 15/7/1948، التي بدأت عملياً يوم 18/7/1948؛ بعد أن تمكنت إسرائيل في الأيام العشرة من احتلال مساحات أخرى من الأرض.

لم يحدد المجلس زمناً لهذه الهدنة؛ على أمل أن تتحول إلى هدنة دائمة.  وقد انهمك الكونت برنادوت في تلك الفترة في إعداد خارطة لفلسطين، عازماً على تعديل قرار التقسيم؛ فأعد مشروعاً عرف باسم "مشروع الكونت برنادوت"؛ لكن الإسرائيليين لم يعجبهم المشروع؛ فقاموا باغتياله في القدس يوم 17/9/1948.

مجدداً تابعت إسرائيل خرق الهدنة، رغم قبولها لها؛ ونظمت هجوماً على القوات المصرية في الفالوجة 27-28/7/1948؛ لكنة أحبط؛ وهاجمت عراق المنشية، وأخفقت في السيطرة عليها؛ إلا أنها نفذت عدة عمليات على طريق النقب، أدت على احتلاله والوصول إلى مرفأ "أم الرشراش"، الذي سماه الإسرائيليون بعد ذلك "ميناء إيلات"، وهو جزء من خليج العقبة.

قام الطيران الإسرائيلي يوم 15/10/1948 بقصف مطار العريش وغزة وبيت حانون والمجدل والفالوجة؛ لإخراج القوات المصرية من المعركة.

وفي 16/10 قطعت خطوط المواصلات المصرية، ودارت معركة أخرى حول عراق المنشية تمكنت المدفعية المصرية فيها من صد الهجوم الإسرائيلي،.

وفي 19/10 احتلت القوات الإسرائيلية الحليقات، وأصبح بإمكانها التقدم نحو الجنوب؛ ما دفع القوات المصرية إلى إخلاء المجدل خوفاً من التطويق.

أصدر مجلس الأمن مجدداً قرراً في 29/12/1948 بوقف إطلاق النار، وأعلنت بريطانيا أنها ستقوم بمساعدة مصر إن لم تلتزم إسرائيل بالهدنة.

وبعد هذا توقفت الاشتباكات واستمر الصراع السياسي حتى انتهي الأمر بعقد اتفاقات هدنة دائمة فردية فيما عرف باسم "اتفاقيات رودس"، وكانت هذه نهاية الحرب في تلك الفترة.  وقد تمت الاتفاقية برعاية الأمم المتحدة في جزيرة رودس في شباط 1949.

 

معركة رامات هكوفتش:

هي آخر معارك الجيش العراقي قبل انسحابه من فلسطين؛ وقد خاضها بمشاركة فلسطينيين من قلقيلية والطيرة.  فقد كان العراقيون وأهالي القريتين مسؤولين عن الدفاع عن المنطقة بمسافة 10كم تمتد من الطيرة إلى جنوبي جلجولية.

قام لواء جفعاتي الإسرائيلي في 2/1/1949 في الحادية عشرة ليلاً بالهجوم على قرية الطيرة من الشمال؛ فتصدى له مناضلو القرية القليلون؛ ولكن الإسرائيليين تغلبوا عليهم.  وقامت قوة أخرى إسرائيلية باحتلال التلال الثلاثة شرق رامات هكوفتش.

وفي الفجر شنت القوات العراقية هجوماً معاكساً، تمكنت فيه من استرداد بعض المواقع؛ لكن وصول نجدات للصهاينة أوقف هذا الهجوم وحوله إلى مجرد مناوشات يومية في يومي 3 و4/1/1949؛ وحاول العدو بعدها احتلال كفار سابا؛ لكن محاولاته أحبطت. 

وفي صباح 7/1/1949 استطاعت كتيبة عراقية معززة بالمدافع والمدرعات مفاجأة المواقع الجنوبية للعدو، وطردت منها قوات"يفتاح"، ثم أخذت تركز القصف المدفعي على المواقع الشمالية، وعلى مستعمرتي كليمانية ورامات هكوفتش.  وفي المساء تمكن العراقيون من استعادة جميع الأماكن التي احتلها الصهاينة.

حاول قائد لواء جفعاتي استرداد هذا الموقع ليلاً؛ لكن العراقيين أنزلوا به خسائر فادحة، أجبرته على الانسحاب.  ولم تنسحب القوات العراقية إلا بعد توقيع اتفاقية الهدنة الدائمة بين الأردن وإسرائيل في نيسان 1949.

 

معركة السموع:

في 27/10 و2/11/1966، انفجر لغمان، أدى الأول إلى خروج قطار شحن إسرائيلي من مساره؛ والثاني كان تحت سيارة عسكرية إسرائيلية جنوب الخليل أدى إلى مقتل 3 جنود إسرائيليين وإصابة 6 بجروح.

استندت إسرائيل إلى الحادثين المذكورين كذريعة لمهاجمة بلدة السموع في 13/11/1966؛ فتقدمت الدبابات الإسرائيلية باتجاه مواقع الجيش الأردني بغطاء كثيف من القصف المدفعي.

نجح الجيش الأردني في صد أحد الرتلين المهاجمين؛ لكن الرتل المتجه نحو السموع استطاع التغلب على المقاومة الأردنية، ودخل قسم منه السموع، وبدأ بنسف منازلها الواحد تلو الآخر.

تعرضت النجدة الأردنية إلى قصف جوي، واصطدمت بكمائن؛ ما أخر تقدمها.

ورغم إسهام سلاح الجو الإسرائيلي بفاعلية في المعركة؛ إلا أن الطيارين الأردنيين تمكنوا من إسقاط 3 طائرات من نوع "ميراج"؛ وانسحبت إسرائيل من الموقع بعد ظهر نفس اليوم؛ فيما خسر الجيش الأردني 6 شهداء و11 جريحاً.

 

حرب 1956: العدوان الثلاثي:

بعد نجاح ثورة يوليو عام 1952، في مصر، وعقدها اتفاقاً للتسلح مع الاتحاد السوفيتي وتأميم قناة السويس عام 1956؛ قررت فرنسا وانجلترا وإسرائيل القيام بعمل عسكري ضد مصر؛ إسرائيل؛ بهدف وضع حد لتطور الجيش المصري والعمليات الفدائية المنطلقة من قطاع غزة، وفرنسا؛ بهدف إنزال الضرر بمصر لمساعداتها الثورة الجزائرية، ولتأميمها قناة السويس؛ وانجلترا بهدف استعادة مركزها في مصر قبل التأميم.

اجتمع ممثلو الدول الثلاث في ضاحية سيفر قرب باريس؛ ووقعوا على بروتوكولًا سريًا، يحدد مهام كل طرف؛ بحيث تقوم إسرائيل بخلق حالة صراع مسلح محدود على مشارف قناة السويس، تستغلها انجلترا وفرنسا للتدخل.

بدأ العدوان يوم 29/10/1956 بالهجوم الإسرائيلي.

في (30/10) وجهت بريطانيا وفرنسا إنذاراً لحكومة مصر كي تسمح لقواتهما النزول في مدن القناة (بورسعيد والسويس والاسماعيلية)؛ وإلا فإنها ستحتل هذه المدن بالقوة؛ بحجـة الفصل بين قوات مصر وقوات الصهاينة.

 وفي مساء 31 /10 /1956 شرعت القوات البريطانية بقصف المواقع المصرية؛ تمهيداً لإنزال قواتها في مدن القناة.

احتلت القوات الإنجليزية والفرنسية مدينة بورسعيد ولكنها عجزت عن التقدم نحو الإسماعيلية بسبب شدة المقاومة المصرية.

ونتيجة لأهمية ردع إنجلترا وفرنسا عن التوغل في الأراضي المصرية؛ قامت الحكومة المصرية بسحب قواتها من سيناء لرد العدوان عن مدن القناة، فانتهزت القوات الإسرائيلية الفرصة وتوغلت في سيناء.

وفي يوم 1/11/1956 خطب عبد الناصر بصوته الجهوري يقول: "إذا استطاع عدونا أن يفرض علينا القتال ...فلن يستطيع أن يفرض علينا الاستسلام .. سنقاتل ...سنقاتل ...سنقاتل ..."

التفت الأمة العربية حول مصر وزعيمها؛ فوضعت سوريا جيشها في تصرف مصر؛ وتم نسف أنابيب النفط العراقي المملوكة لشركات أجنبية والتي تمر في الأراضي السورية.

وتدفق المتطوعون العرب للمشاركة في المعركة؛ وقدم الأمين العام للأمم المتحدة استقالته؛ استنكاراً للعدوان، وارتفعت أصوات المعارضة في فرنسا وانجلترا ضد حكوميتهما، وصدر الإنذار السوفيتي من قبل وزير الخارجية الروسي.

دارت معارك ضارية في منطقة ممر متلا بين لواء مظلات إسرائيلي ولواء مشاة مصري؛ ولكن القوات الإسرائيلية فشلت في اقتحام الممر، وراحت مدفعية الأسطول الفرنسي ليلة 31/10 تقصف دفاعات رفح، وسقطت رفح وقطاع غزة بيد إسرائيل في 3/11/1956.

 

في 4/11 فقد الأسطول الانجليزي إحدى مدمراته في معركة البرلس البحرية.

نجحت مصر في حصر الغزو الإنجليزي الفرنسي في بورسيعد ثم صدر قرار وقف إطلاق النار عن الجمعية العامة فانصاعت حكومات العدوان الثلاثي له.

توقف إطلاق النار صباح 7/11/1956 وانتهي العدوان بانسحاب انجلترا وفرنسا يوم 22/12 وجلاء إسرائيل عن سيناء وقطاع غزة يوم 6/3/1957.

 

حرب 1967:

نكسة حزيران يونيو 1967

هذه الحرب ملخصها أن إسرائيل قامت في صباح الخامس من حزيران 1967 بالهجوم على القوات العربية المصرية والسورية والأردنية، واحتلال أجزاء من أراضيها، فيما عرف بعد ذلك بـ "عدوان الخامس من حزيران".

 

جرت الحرب ضمن إستراتيجيتين المتناقضتين عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً؛ ففي الوقت الذي كانت إسرائيل تنطلق من قاعدة قوية مأمونة، وتعمل باستمرار على تطوير القدرة الحركية والقتالية للهجوم العسكري، لتعويض النقص البشري؛ وفي الوقت الذي كان هدفها واضحا، وهو وضع المنطقة في حالة ضعف، لا تسمح بتكامل القدرات العربية لمهاجمة إسرائيل، وارتبط ذلك بمعرفة دقيقة للظروف الدولية والإمكانات العربية- اتصفت الإستراتيجية العربية بالالتزام بالعقيدة الدفاعية، وانعدام التنسيق بين القيادات، وعدم وضوح الهدف لديها.

أما الأسباب التي أدت إلى الحرب فكان أهمها:

تعاظم المد الوطني العربي بعد ثورة 14 تموز 1958 في العراق.

انتصار ثورة الجزائر في 1962.

قيام م.ت.ف 1964 وانطلاق العمل الفدائي 1965.

الارتباط العضوي بين إسرائيل وأمريكا ومطامعها في الشرق الأوسط.

 أما الأسباب المباشرة فكانت:

رغبة إسرائيل في ضم الأراضي المجردة من السلاح في شمال فلسطين.

قيام إسرائيل بتحويل روافد نهر الأردن، وفد أنشأت الدول العربية هيئة خاصة لاستثمار موارد هذه الروافد؛ فما كان من إسرائيل إلا أن أمعنت في تنفيذ ضم الأراضي وتحويل الروافد بقوة السلاح؛ وصعدت استفزازاتها بضرب المعدات الخاصة بهيئة استثمار الروافد، وتحرشت بالمزارعين السوريين؛ ما أدى على زيادة حدة الاشتباكات حتى وصلت إلى الاشتباك الجوي يوم 7/4/1967.

تواترت الأخبار عن التجهيزات الإسرائيلية للحرب؛ فأعلنت مصر حالة التعبئة القصوى؛ لالتزامها باتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا والموقعة في 4/11/1966. 

طلبت مصر من قائد قوات الطوارئ الدولية سحب قواته يوم 16/5 من سيناء، وتم ذلك يوم 19/5.

وأعلن عبد الناصر إغلاق مضائق تيران يوم 23/5 في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهذا ما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان حرب. 

شرعت القوات المصرية والسورية تتوجهان نحو جبهات القتال، ووصلت فصائل من القوات الكويتية والسودانية الجزائرية إلى الجبهة المصرية، وتوجه الملك حسين إلى مصر يوم 30/5 وعقد معها اتفاقية دفاع مشترك، ووضعت القوات الأردنية تحت تصرف القيادة المشتركة.  واتضح من التعديلات الوزارية الإسرائيلية والتدابير الاستثنائية نية إسرائيل بالعدوان.

وفي ليلة 4-5/6 طلب السفيران الأمريكي والسوفيتي من عبد الناصر عدم البدء بالهجوم؛ ولم تمض ساعات قليلة حتى بدأت إسرائيل الحرب.

على الجبهة المصرية، قامت الطائرات الإسرائيلية بإخراج الطيران المصري من المعركة من الضربة الأولى؛ إذ تم ضرب الطائرات في مهابطها قبل أن تقلع، وهاجمت الطائرات الإسرائيلية جميع المطارات العسكرية تقريباً من الصعيد إلى القاهرة.  وحمل مخطط إسرائيل اسم "حركة الحمامة".  وقامت البحرية الإسرائيلية بغارات على الموانئ المصرية في إطار العدوان الشامل، وقدرت الخسائر المصرية بعشرة آلاف شهيد ومفقود وخسارة 80% من أعتدة الجيش.

 

وعلى الجبهة الأردنية وجهت إسرائيل ضربة للسلاح الجو الملكي فدمرت 32 طائرة في مطاري عمان والمفرق.  وقد حدثت معارك دامية في القدس، والضفة الغربية عموماً.  ورغم صمود الجيش الأردني؛ إلا أنه اضطر للانسحاب تحت الضغط الهائل للقوة الإسرائيلية يوم 6/6 مساء، وقد قدرت خسائر الأردنيين بـ "6094" شهيداً وخسارة 150 دبابة.

وعلى الجبهة السورية، لم يبدأ القتال حتى يوم 9/6، عدا عن الهجوم السوري على مصافي النفط في حيفا يوم 5/6 والذي ردت عليه إسرائيل بتدمير 60 طائرة سورية.

بدأ الهجوم البري الإسرائيلي على الجبهة السورية صباح 9/6 بقصف جوي مركز على المواقع الدفاعية، ودمرت 40 دبابة إسرائيلية، وتابعت إسرائيل هجومها يوم 10/6، واستولت على قمم جبل الشيخ الجنوبية وشمال الجولان، وخسرت سوريا 1000 شهيد و70 دبابة.

عدا عن انتصار إسرائيل؛ فقد أكملت احتلال بقية فلسطين، بما فيها القدس؛ وأضافت إليها الجولان من سوريا؛ وسيناء من مصر.

 

معركة الكرامة:

أعلنت إسرائيل رسمياً أنها بصدد القضاء على مواقع الفدائيين الفلسطينيين في مخيم الكرامة على بعد 5كم من جسر اللنبي؛ فقامت بشن هجوم واسع في 21/3/1968 على ضفة نهر الأردن الشرقية، بين جسر الأمير محمد شمالاً حتى جنوب البحر الميت.

لم يكن الهجوم مفاجئاً؛ لأن فتح والقوات الأردنية شاهدوا تحركات قبل الهجوم بيومين؛ فعدا عن ذلك أعلن مندوب الأردن في الأمم المتحدة أن إسرائيل تعد لهجوم على الأردن؛ كما كانت تصريحات وتهديدات المسؤولين الإسرائيليين تشير إلى ذلك بوضوح.

حشدت إسرائيل 4 ألوية لتنفيذ الهجوم؛ إضافة إلى 4 أسراب نفاثة كغطاء جوي وحوامات لنفل المشاة؛ وبلغ قوام هذه القوة 15000 جندي.

اتخذت حركة فتح قراراً بالصمود الواعي للهجوم؛ وذلك لرفع معنويات الجماهير العربية والفلسطينية بعد نكسة 1967، وتحطيم معنويات العدو، بإنزال الخسائر في صفوفه، وتحقيق الالتحام مع الجماهير، وزيادة الثقة بين الثورة والجيش الأردني.  كما وضعت القيادة الأردنية قواتها في حالة تعبئة.

في الخامسة والنصف من صباح 21/3 تحركت القوة الإسرائيلية على 4 محاور؛ فعبرت النهر تحت غطاء المدفعية، ولم تتقدم سوى 200م حتى جوبهت بمقاومة عنيفة؛ فدفعت بعناصر محمولة بالحوامات؛ فتصدت لها القوات العربية وكبدتها خسائر كبيرة؛ ما دفع القيادة الإسرائيلية إلى زج قواتها الجوية بكثافة؛ وذلك بقصف مرابض المدفعية الأردنية والمدافع المضادة للطائرات، ومواقع الفدائيين ومرابض الدبابات.  وخلال ذلك كانت الحوامات تنقل المزيد من الجنود وتعود بالقتلي والجرحى.

تمكنت القوات المدرعة الإسرائيلية من الالتقاء بالقوات المنزلة جواً في الكرامة، حوالي العاشرة من صباح 21/3، ودارت معارك دامية مع الفدائيين بدأت بالبنادق والقنابل اليدوية؛ ثم بالسلاح الأبيض؛ فيما خاضت القوات الأردنية معارك عنيفة منعت فيها العدو من التقدم.

في الثانية بعد الظهر كانت الخسائر الإسرائيلية تشير بوضوح إلى حجم الثمن الذي دفعته إسرائيل في العملية؛ فأذاعوا أنهم حققوا هدف العملية، وبدأوا بالانسحاب؛ وكانوا قد طلبوا وقفًا لإطلاق النار الساعة 11:30 بواسطة الجنرال أودبول المراقب الدولي؛ لكن رئيس الحكومة الأردنية رفض ذلك؛ إلا بعد انسحاب القوات الإسرائيلية بكاملها؛ وفعلاً تم انسحاب آخر جندي إسرائيلي في الساعة 2:30.  وأثناء انسحابها تكبدت إسرائيل كثيراً من الخسائر لوقوعها في كمائن نصبتها المقاومة.

قاد عملية إسرائيل رئيس أركان الجيش حاييم بارليف، وكانت أول عملية تتخطى فيها إسرائيل نهر الأردن، وقال يوري افنيري :"إن المفهوم التكتيكي للعملية كان خاطئاً من الأساس، وأن النتائج أدت إلى نصر سيكولوجي للعدو الذي كبدنا خسائر كبيرة".

بعد هذه المعركة تدفق سيل من متطوعي حركة فتح والمقاومة الفلسطينية، وقوبل الشهداء في المدن العربية التي دفنوا فيها بمظاهرات كبرى، وازداد اهتمام الصحافة العالمية بالمقاومة الفلسطينية، حتى أن الجماهير في السويد والنرويج أطلقت هتافات معادية لإسرائيل أثناء زيارة آبا ايبان في 7/5/1968، كما كانت معركة الكرامة نوع من استرداد جزء من الكرامة المفقودة في حرب 1967.

خسر الإسرائيليون في المعركة 70 قتيلاً وأكثر من 100 جريح، و45 دبابة و25 عربة مجنزرة و27 آلية و5 طائرات.

في الجانب الفلسطيني كان هناك 17 شهيداً.

وأما الأردنيون فقد خسروا 20 شهيداً و65 جريحاً و10 دبابات و10 آليات ومدفعين.  ودمر الإسرائيليون أثناء انسحابهم عدداً من المنازل، وأخذوا معهم 147 عربياً من الفلاحين؛ بحجة أنهم من الفدائيين.

 

حرب الاستنزاف المصرية الإسرائيلية:

منذ انتهاء حرب 1967، وحتى بداية حرب الاستنزاف المصرية الإسرائيلية، قامت إسرائيل بسعي محموم لتثبيت مواقعها المحتلة، وإحباط المشاريع العربية لإعادة إنشاء القوات المسلحة وتطويرها؛ فكانت تقوم باعتداءات متوالية مثل: معركة راس العش يوم 1/7/1967؛ في محاولة لاحتلال مدنية بورفؤاد المصرية؛ ومحاولة تدمير المنشآت الدفاعية المصرية على الضفة الغربية للقناة؛ ودخول المدمرة الإسرائيلية إيلات إلى المياه الإقليمية المصرية وإغراقها بصواريخ مصرية؛ وتبادل القصف المدفعي على جبهة الإسماعيلية؛ وقيام إسرائيل ببناء خط بارليف للدفاع على طول الضفة الشرقية للقناة.

تابعت إسرائيل اعتداءاتها؛ فيما تعززت القوات المصرية بوصول الأسلحة السوفيتية؛ ما حدا بالقيادة السياسية المصرية إلى اتخاذ قرار بتطبيق إستراتيجية عسكرية جديدة هي "حرب الاستنزاف"، التي بدأت فعلياً يوم 8/3/1969.  وأعلن الرئيس المصري آنذاك (جمال عبد الناصر) بدء مرحلة جديدة من الصراع هي "مرحلة الاستنزاف".  وقد حدد لهذه الحرب مجموعة أهداف:

1ـ تدمير تحصينات خط بارليف.

2ـ جعل الحياة مستحيلة على الإسرائيليين شرقي القناة.

3ـ زرع الروح الهجومية لدى الجندي المصري.

4ـ تعويد القوات المصرية على عبور القناة والعمل خلف الخطوط.

استمرت الحرب لمدة 17 شهراً وقد استشهد قائد قوات الأركان عبد المنعم رياض، في اليوم الثاني من حرب الاستنزاف في مدينة الإسماعيلية؛ بعد أن سقطت مجموعة قذائف قرب مقره؛ فتولي أحمد إسماعيل علي رئاسة هيئة الأركان مكانه.

شعرت إسرائيل أن العمليات المصرية، وخصوصاً ما تنفذه وحدات المغاوير، قد بدأت بالتأثير على معنويات جنودها وسكانها؛ فقامت بعملية يوم 20 تموز دمرت خلالها موقع رادار، وعادت إلى قاعدتها، بعد أن فقدت 6 قتلى. 

وابتداء من يوم 20/7/1969 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بالموافقة على إشراك سلاح الطيران في المعركة؛ فقامت بسلسلة غارات استمرت 10 أيام.  رغم ذلك عجزت إسرائيل عن وقف عمليات الاستنزاف المصرية؛ فعمدت إلى إشراك سلاح الطيران بشكل مباشر؛ فقام بغارات عديدة استهدفت مواقع بطاريات الصواريخ المصرية المضادة للطائرات؛ وقصفت طائرات إسرائيل أيضاً مصنعاً للحديد والصلب في 12/2/1970 ؛ ما أدى إلى استشهاد 70 عاملاً في أبو زعبل.  وبعدها بأيام أسقطت إسرائيل قنبلة على مدرسة بحر البقر الابتدائية مسببة ضحايا كثيرة من الأطفال.

بعد ذلك بدأت المعدات السوفيتية الأكثر تطوراً بالوصول إلى مصر؛ فأصبحت الطائرات الإسرائيلية تسقط تباعاً بعد أن نجحت مصر في إقامة شبكة مضادة للطائرات تغطي العمق المصري.

وفي شهر تموز 1970 شهد الطيران الإسرائيلي كارثة حقيقة بفقدانه 25 طائرة.

في 8/8/1970 قبلت مصر وإسرائيل التوقف عن إطلاق النار؛ وهكذا انتهت حرب الاستنزاف.

 

حرب الاستنزاف السورية الإسرائيلية:

بدأت حرب الاستنزاف السورية الإسرائيلية في هضبة الجولان في 12/3/1974؛ بعد أن قامت إسرائيل بعدة مناورات على الجبهة السورية، مستغلة اتفاقية فصل القوات مع الجانب المصري.  استمرت هذه الحروب حوالي 82 يوماً، حتى تم الاتفاق على فصل القوات السورية والإسرائيلية.

كانت حرب الاستنزاف نوعًا من الضغط العنيف أثناء المفاوضات الخاصة بفصل القوات؛ وكانت الأداة الأساسية لهذه الحرب هي المبارزة بالنيران مع استخدام الكمائن والهجمات المحدودة والإغارات.

بقيت المبادرة في هذه الحرب بيد القوات السورية، لأن إسرائيل لم يكن لديها هدف استراتيجي إيجابي في هذه الحرب، بل اقتصر هدفها على منع سوريا من تحقيق هدفها؛ بينما كانت الأهداف السورية واضحة وهي:

1ـ إلحاق خسائر يومية تتراكم وتؤدي إلى تغيير نوعي.

2ـ خلق حالة من انعدام الأمن للقوات الإسرائيلية.

3ـ تثبيت عدم قبول سوريا للوضع الراهن.

4ـ منع إسرائيل من تحصين مواقعها أو خطوطها القتالية.

5ـ إجبار إسرائيل على وضع جيشها في حالة تعبئة مستمرة.

6ـ السيطرة على قمم جبل الشيخ؛ لتحسين الوضع الاستراتيجي للترتيب القتالي السوري.

أدى استمرار الاشتباكات إلى تعاظم الدعم العربي والعالمي لسورية؛ فاستمرت في تنفيذ خطة حرب الاستنزاف التي تصاعدت حدتها في شهر نيسان 1974، تميزت باستخدام إسرائيل لأعتدة أمريكية جديدة، كالقنابل الحرارية والصواريخ الموجهة تلفزيونياً؛ كما تميزت معارك شهر نيسان بجودة التحصين الهندسي السوري الذي أقامته وحدة المهندسين والعسكريين السوريين؛ وتميزت كذلك بضرورة المعارك وشراستها.  وقد دارت أعنف هذه المعارك يوم 19/4/1974، واشتركت فيها مجموعة كبيرة من الطائرات الإسرائيلية والسورية.

في بداية شهر أيار قامت القوات السورية بعملية نوعية أدت إلى مقتل 22 عسكرياً إسرائيلياً وأسر 3 جنود. 

في نهاية شهر أيار 1974 توقفت الأعمال القتالية؛ بعد أن تم التوصل إلى اتفاق لفصل القوات،

أخلت إسرائيل بموجبه مدنية القنيطرة، وأجزاء من الأراضي التي احتلتها عام 1967.

 

معركة كفر شوبا:

بتاريخ 11/1/1975 هاجمت قوات المقاومة الفلسطينية مركز تل العلم "جبل الروس" في جبل الشيخ، المشرف على معظم الجولان، واستطاعت تطهير المركز من العناصر الإسرائيلية فيه، وعادت إلى قواعدها؛ وقد اعترفت إسرائيل بإصابة 4 جنود.

في نفس اليوم شنت إسرائيل هجوماً على قرية كفر شوبا في جنوب لبنان؛ رداً على العملية؛ بعد أن مهدت لذلك بقصف مدفعي لضواحي القرية؛ وتقدمت باتجاه القرية، فاصطدمت بمقاومة عنيفة من كمائن قوات المقاومة.  وقد استمرت الاشتباكات من الثامنة مساء حتى منتصف الليل حين انسحبت إسرائيل.

تابعت إسرائيل القصف بعد انسحابها؛ فقطعت الكهرباء والمياه ونسفت الطرق، وظلت تحاصر القرية حتى يوم 12/1/1975؛ وظل الحصار مصحوباً بالقصف.

حاولت القوات الإسرائيلية دخول القرية مرة أخرى؛ لكنها اصطدمت بمقاومة عنيفة؛ ما حال دون دخولها القرية، وأصيبت قوات المهاجمين بخسائر كبيرة.

واستمر القصف يوم 13/1 وتقدم للمرة الثالثة؛ فدارت معارك شديدة، وازدادت خسائر إسرائيل. وعاودت قصف القرية يوم 14/1، وتمكنت من دخولها لكن قسماً منها أبيد داخل القرية.

تجاوزت خسائر إسرائيل في هذه المعركة 100 قتيل وجريح، ودمر الكثير من آلياتها؛ أما القصف الإسرائيلي، فقد دمر 250 منزلاً من منازل كفر شوبا البالغة 350 منزلاً؛ ولكنها في النهاية اضطرت إلى الانسحاب.

 

انتفاضة الجليل: (يوم الأرض)

يوم 12/2/1976، صدر أمر من الشرطة الإسرائيلية بمنع دخول سكان الجليل إلى المنطقة المعروفة باسم "المنطقة التاسعة" (وهي أرض معظمها سهل صالح للزراعة، ومساحتها حوالي 17 ألف دونم)؛ وورد في الأمر أن من يدخل هذه المنطقة سيعامل كمن يدخل ثكنة عسكرية دون إذن.

دعا العرب إلى رفع احتجاج، تجسد في "مؤتمر سخنين" يوم 14/2/1976؛ فدعت السلطات الإسرائيلية ممثلي السكان؛ وانتهى الأمر إلى حل وسط بتقسيم المنطقة إلى قسمين.

ولم ينقض أسبوعان حتى بدأت إسرائيل بمصادرة الأراضي في الجليل؛ عندئذ دعت لجنة الدفاع عن الأراضي العربية إلى اجتماع في الناصرة يوم 6/3/1976.  وقرر المجتمعون، وعلى رأسهم رؤساء المجالس المحلية، إعلان يوم 30/3/1976 إضراباً عاماً للعرب في إسرائيل؛ احتجاجاً على مصادرة الأراضي؛ لكن إسرائيل أرسلت ليلة 30/3 قوات كبيرة من الجيش تمركزت في مدن وقرى الجليل.

شمل الإضراب فلسطينيي 1948، والضفة الغربية وقطاع غزة؛ الذين هبوا لمساندة إخوانهم (عرب الجليل). 

عمت المظاهرات أنحاء الضفة والقطاع وألقيت قنبلة على دورية في نابلس؛ أما في منطقة الجليل، فقد هاجمت القوات الإسرائيلية منزل رئيس بلدية الناصرة (توفيق زياد)، وأصابت أفراد أسرته بجروح؛ وهاجم المتظاهرون الجنود في كل مكان؛ فقتل 3 جنود إسرائيليين، وجرح 12؛ واستشهد 3 مواطنين فلسطينيين وجرح 27 آخرون؛ هذا في الناصرة؛ أما في شفا عمرو، فقد قتل جنديان إسرائيليان، وأصيب تسعة آخرون؛ فيما استشهد 4 مواطنين فلسطينيين، وجرح 18، واستشهد 4 فلسطينيين في سخنين، بينهم سيدة، وجرح 17 مواطناً؛ وقتل 4 جنود إسرائيليين.

عمت الاشتباكات بقية مدن الجليل، وقتل جنديان في قانا الجليل الأعلى، وجرح 5؛ في حين استشهد من الفلسطينيين 3، وجرح 12.

وحتى هذا اليوم يحتفل الفلسطينيون والعرب في 30/3 من كل عام، بما أصبح يعرف "بيوم الأرض".


معركة الشقيف:

قلعة الشقيف أقامها الصليبيون على بعد 15كم جنوب شرق النبطية؛ وقد حررها صلاح الدين الأيوبي عام1194م.

في شهر آب 1980؛ كلفت قيادة الجيش الإسرائيلي “لواء جولاني” بتنفيذ هجوم على منطقة قلعة الشقيف؛ هادفة إلى اختبار قوة المقاومة، ونقل المعركة على مراكز المقاومة الفلسطينية، وإجبارها على البقاء في حالة دفاع، وتخريب أسلحتها بعيدة المدى؛ كما تضمنت الأهداف القضاء على أكبر عدد ممكن من أفراد المقاومة؛ لإجبار القيادة الفلسطينية على التراجع والتخلي عن مطالبها.  وتم تدريب “لواء جولاني” في مواقع مشابهة لقلعة الشقيف في الجولان السوري المحتل في 12/2/1980 بإشراف رئيس أركان الجيش. 

وشارك في الهجوم على القلعة وحدات “لواء جولاني” وسريتا مظليين، وسرب طائرات هليوكبتر، ووحدات من المدفعية والمدرعات؛ وكل ذلك بدعم من القوات الجوية.

بعدما لاحظ المقاومون تحركات لوحدات من الجيش الإسرائيلي ليلة18-19/8؛ أمرت القيادة الفلسطينية جميع تشكيلاتها في كفر تبنيت وقلعة الشقيف وحرش النبي طاهر وقصر الأسعد والرادار ويحمر وزوطر الشرقية؛ وجميع مواقع المقاومة في منطقة النبطية، بالاستعداد لصد الهجوم. 

تقدم “لواء جولاني”؛ فضبطت المقاومة نفسها إلى أن أصبح الجنود الإسرائيليون على بعد 200م من القلعة؛ فانصبت عليهم النيران بغزاره، وبدأت مدفعية المقاومة بضرب محاور تحرك الأعداء؛ فمنيت الوحدة المهاجمة بخسائر كبيرة؛ فبدأت مدفعية العدو الثقيلة قصفاً مركزاً على قلعة الشقيف؛ لتغطية انسحاب قواتها ونقل الجرحى.

قررت قيادة المقاومة القيام بهجوم معاكس لإجبار الإسرائيليين على الانسحاب قبل أن تتمكن قيادته من إرسال نجدة؛ فتمكنت قوة احتياطية من الوصول إلى مدخل أرنون صباح 19/ آب، وكان الاشتباك مستمراً؛ فاستطاعت القوة إجبار العدو على الانسحاب؛ وحدث هذا في أكثر من مكان بنفس الطريقة.

وفي أثناء انسحاب القوات الإسرائيلية هبطت طائرات الهيلوكبتر لنقل الجرحى؛ لكن المقاومة أخذت تطارد العدو المنسحب وفرضت عليهم حصاراً على جسر الخردلي؛ فلم يستطع الإسرائيليون الإفلات، إلا بعد تدخل قواتهم الجوية. 

لقد كانت معركة قلعة الشقيف من المعارك القليلة في التاريخ القديم والحديث التي استطاعت فيها قوة تعادل سرية فقط أن ترد هجوماً يشنه لواء من جيش نظامي جيد التسلح والتدريب، ومدعوم بالمظليين والمدفعية والقوات الجوية.  وقد تم تقدير نسبة القوى المدافعة إلى القوى المهاجمة في هذه المعركة بـ1/15.

 

حرب لبنان 1982

كان هدف هذه الحرب هو إبعاد المقاومة الفلسطينية مسافة 40 كم، عن شمال فلسطين.  وادعت إسرائيل أن هذه المسافة هي مدى قدرة صواريخ المقاومة؛ وهذا بالطبع كان السبب المعلن؛ أما السبب الحقيقي فكان احتلال بيروت، وإخراج الفلسطينيين من لبنان.

استطاعت إسرائيل تحقيق هدفها؛ ولكن بعد أن صمدت المقاومة الفلسطينية لثلاثة أشهر في وجه أعنف قصف شهدته عاصمة عربية في التاريخ.  وكان الصمود الفلسطيني أسطورياً بالمعنى العملي للكلمة. 

وكانت النتيجة هي التوقيع على وثيقة مايكلوسكي التي تقضي بخروج أفراد المقاومة من لبنان؛ مقابل المحافظة على أرواح المدنيين الفلسطينيين؛ إلا أن هذا لم يحدث؛ فبعد خروج المقاومة تقدمت القوات الكتائبية بتغطية من إسرائيل، وقامت بواحدة من أبشع المجازر في التاريخ الفلسطيني، وهي مجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها 1700 فلسطيني لم يكن فيهم مقاتلا واحدا من سكان المخيمين.

 

انتفاضة 1987

بسبب من التراكمات القمعية التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967، من قتل واعتقالات وإقامة مستوطنات...إلخ، والتي ظلت تحتشد في صدور الفلسطينيين، كن التاسع من كانون أول عام 1987 موعدًا لتفجير انتفاضة الغضب الفلسطيني في وجه الجلاد المحتل، حين صدم سائق شاحنة إسرائيلي أربعة عمال فلسطينيين فقتلهم على الفور، عند المعبر الفاصل بين حدود الاحتلالين 1948 و1967؛ فاشتعل قطاع غزة مبتدئًا بمخيم جباليا أولًا؛ ليمتد في اليوم التالي إلى باقي قطاع غزة، ولتمتد نار الغضب الشعبي إلى كافة أنحاء الأرض المحتلة.

استمرت الانتفاضة لمدة سبع سنوات.

وانتهت الانتفاضة بتوقيع إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، فيما عرف باسم اتفاق أوسلو، بعد أن خلفت آلاف الشهداء والمعتقلين ومئات آلاف الجرحى.

 

انتفاضة النفق 1996

هذه الانتفاضة قصيرة العمر، استمرت عدة أيام بعد توارد الأخبار عن حفر إسرائيل لنفق تحت المسجد الأقصى، ما يهدد بسقوطه؛ فاشتعلت الأراضي الفلسطينية غضبًا وغيرة، وخاضوا مقاومة شرسة عرفت بـ"انتفاضة النفق"، التي خلفت شهداء وجرحى؛ ولكنها أوصلت رسالة إلى إسرائيل بأن المسجد الأقصى خط أحمر لن يتركه الفلسطينيون فريسة للغطرسة والعدوان.

 

الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) 2000

في 28 أيلول من عام 2000، قام أريئيل شارون (وكان وقتها وزير البنى التحتية في إسرائيل) بزيارة لباحة المسجد الأقصى، وسط أوضاع محتقنة بسبب فشل مفاوضات كامب ديفيد التي جرت مع إسرائيل برعاية أمريكية؛ فانطلقت الانتفاضة بشكل مختلف عن جميع الانتفاضات السابقة؛ إذ استخدم الفلسطينيون السلاح ضد الإسرائيليين؛ ما شكل ذريعة استخدمتها دولة الاحتلال الإسرائيلي لتبرير استخدامها القوة بشكل غير مسبوق، وصل إلى استخدام الطيران الحربي في القصف بطائرات الأباتشي والإف 16.  وسقط في هذه الانتفاضة آلاف الفلسطينيين، معظمهم كانوا ممزقي الجثث، بسبب نوعيات الأسلحة التي كانت تستخدمها إسرائيل.

 

حرب الرصاص المصبوب 2008 - 2009

بذريعة أن مستوطنات إسرائيل الجنوبية تتعرض لصواريخ قادمة من غزة، شنت إسرائيل يوم السابع والعشرين من كانون أول 2008، حربًا على قطاع غزة، استمرت 22 يوما.  خاضت إسرائيل الحرب بشكل أساسي، مستخدمة سلاح الطيران بجميع أنواعه؛ إضافة إلى القصف البري والبحري. 

وقد استخدمت إسرائيل في هذه الحرب، لأول مرة، الفوسفور الأبيض، وأسلحة أخرى محرمة، وقصفت مناطق مدنية ومدارس للأنروا. 

وقد أسفر هذا العدوان عن استشهاد 1500 فلسطيني، وإصابة حوالي 5000 شخص؛ إضافة إلى تدمير شامل للبنى التحتية في غزة، وتدمير جميع المقرات والمؤسسات الحكومية.  كل هذا وسط حصار قاس ومستمر على قطاع غزة.

 

إعداد: خالد جمعة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق