هل يصمد القانون الدولي في مواجهة جرائم الإبادة في غزة



المحامي محمد أبو ظاهر

تتواصل الدعوات الرسمية والجماهيرية في جميع انحاء العالم، لوقف وإدانة المجازر الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني في غزة، وهي تلك الأعمال الهمجية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث ظل العالم يتفرج على الانتهاكات الجسيمة بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، في انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي لحقوق الانسان، يجري كل ذلك برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ومباركة بعض الأنظمة فاقدة السند الشرعي والأخلاقي في المحيط العربي.

و مع تتالي الدعوات الرسمية من بعض حكومات العالم الحر، تقف المنظومة الدولية عاجزة عن بلورة حراك او نشاط لحماية الجانب الأخلاقي لهذه المنظومة ومؤسساتها، وأكثر من ذلك تزداد الهوة بين الحكومات الامبريالية و شعوبها الطامحة إلي العدل والإنصاف وتحقيق مزيد من الأمن و الاستقرار العالمي، وهكذا أدركت هذه الشعوب وغيرها أن الأنظمة الامبريالية التي ظلت تحمي الكيان الصهيوني و تتستر على افعاله الشنيعة بحق الكرامة البشرية، قد شوهت ما بنته البشرية من منظومة حقوقية و ما أرست و تواضعت عليه من قواعد لحماية الانسان .

لقد عانت البشرية خلال القرن الماضي من مآسي وويلات لم يكن لها من عاصم سوي تفعيل قواعد القانون الدولي ومعاقبة المسؤولين عن الجرائم الشنيعة في حق البشرية كان ذلك قد تجسد في شكل المحاكم الخاصة رغم المآخذ عليه وعلى مآلاتها إلا أنها كانت تعبر عن ردة فعل المجتمع الدولي تجاه انتهاكات القانون الدولي.

اليوم يعيد التاريخ نفسه ويظهر الاحتلال الإسرائيلي أكثر عنفاً وهمجية، و استخفافا بقواعد القانون الدولي في تحدي صارخ للبشرية و قواعدها السلوكية والأخلاقية ، حيث يشكل القتل الجماعي  للمدنيين العزل اطفالاً ونساءً وشيوخاً ومرضي فوق الأسّرة وهدم المباني المدنية والمنشآت الصحية  والتعليمية ودور العبادة من كنائس ومساجد وتعريض السكان لظروف قاسية بهدف قتلها، يجري كل ذلك بقصد وسبق إصرار و توجيه من القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يجري كل ذلك والعالم يتفرج علي صرخات الأطفال تدوسهم الجرافات بلا رحمة وأناة المدفونين أحياء تحت الانقاض بلا شفقة، إنها أنصع صورة لإبادة البشرية وأكثرها قساوة وجسارة وكلها أفعال موصوفة في المادة 3 من اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها .

لقد كان لتفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، أثر بالغ في دق ناقوس الخطر الذي أصبح يهدد العالم بفعل الانتهاكات المتكررة لقواعد القانون الدولي دون عقاب مما يفقد الأمم المتحدة مصداقيتها ومبرر وجودها، وعبثية قراراتها وازدواجية معاييرها مما يهدد الامن والسلم الدوليين ويعيد البشرية إلى مربع الحروب والفوضى.

و تعزيز الجهود الحرة و النبيلة الهادفة الى فضح ممارسات الاحتلال الصهيوني بحق الفلسطينيين، و خاصة اعمال الإبادة الجماعية التي يتعرض لها منذ السابع من أكتوبر 2023، تقدمت جمهورية جنوب افريقيا بدعوي أمام محكمة العدل الدولية ضد الممارسات التي يقترفها جيش الاحتلال الصهيوني في غزة باعتبارها تستهدف إبادة الشعب الفلسطيني، حيث توافرت العناصر الأساسية لهذه الجريمة من حيث القصد الجنائي و الأثر المحقق، و تحققت الصفة ممن له المصلحة و الشرعية، استنادا لأحكام  المادة التاسعة من الاتفاقية الدولية لمنع الإبادة الجماعية و المعقبة عليها، و يتشكل هذه الدعوي تطورا لافتا في مسار متابعة و محاكم مجرمي الحرب الإسرائيليين ، و تعزيزا لجهود الكثير من الأطراف لإنشاء محكمة دولية خاصة بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في فلسطين .

ونظرا لقوة الأدلة وحالات التلبس التي لا تزال تكتنف عمليات الإبادة الجماعية في غزة، والتصرفات الفردية والجماعية الصهيونية من مختلف القيادات المدنية والعسكرية، التي تدفع إلى الاعتقاد بالسلوك الإجرامي لقادة الاحتلال محركاً وموجهاً لهذه الممارسات، كل ذلك يجعل الدعوى قوية، ومتماسكة لا يمكن التغاضي عنها.

وبتعهد محكمة العدل الدولية في هذه الدعوى تكون مجبرة على التحقيق فيها من منطلق ذاتي من خلال ملف الأدلة والبراهين التي تدين الاحتلال أو من خلال تبني محكمة فرعية خاصة للتحقيق في الجرائم موضوع الدعوى وبإدانة الاحتلال بهذه الجرائم ضد الإنسانية تكسب القضية الفلسطينية مزيداً من الانتصار في محافل القانون والقضاء الدوليين.

لم يعد قياس تنفيذ الأحكام الدولية خاصاً بمستوى التزام الدولة محل الإدانة بالأحكام الصادرة في حقها بقدر ما يقاس بمستوى التزام المنظومة الدولية بتلك الاحكام برفض التعامل والتبادل مع الدولة محل الإدانة، وسيكون ذلك ميسوراً خاصة أن الدول الراعية للاحتلال تشهد غليانا شعبياً وجماهيرياً منقطع النظير رافضا للممارسات الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، بل رافضة لمواقف تلك الدول وصمتها إزاء الممارسات الإسرائيلية والانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي.

والمنظومة الدولية اليوم - قبل أي وقت مضى - هي بحاجة إلى إعادة الاعتبار للعلاقات الدولية والقواعد الناظمة لها وتعزيز الثقة بها، ولن يتأتى ذلك إلا بمنع مجرمي الحرب الإسرائيليين من الإفلات من العقاب وادانة الممارسات والانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق