الدعاية الصهيونية الكاذبة في الغرب


 {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون}
 النمل 50
معروف موسى 

بعد الحرب التي شنتها قوات التحالف ضد العراق، وكانت مبنية على أسس أقنعت الرأي العام في الغرب بضرورة تحرك عسكري ضد "سلاح كيماوي" يشكل خطرا على الإنسانية، خطر يمكن تجنبه من خلال هذه الحرب. 
بعد فترة قصيرة، أصرت وسائل الإعلام الغربية على تقصي ملف "السلاح الكيماوي"، وتابعت القضية بشكل حثيث من خلال وسطاء ذوي اختصاص، منهم من عمل بشكل علني، ومنها من كان يعمل بالخفاء. 
لم يدم ذلك طويلا، حتى بدأت تنهال جمل متلاحقة من الأسئلة المحرجة على صقور تلك الحرب في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الدول التي روجت للكذبة الكبرى بوجود سلاح كيمياوي لدى صدام حسين، الحرب التي راح ضحيتها أكثر من مليون إنسان، وتم فيها تدمير كافة مقومات الحياة، مع ملاحظة استخدام أسلحة فتاكة وأخرى محرمة دوليا، لم تجرِ رياحها كما تشتهي سفن أولئك الصقور. 
شيئا فشيئا، بدأ يتكشف للرأي العام في الغرب، أن العنوان الأساسي للحرب على العراق كان كذبة كبيرة مفتعلة، حتى صرح بذلك علنا وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك المجرم كولن باول، ورئيس وزراء بريطانيا السفاح توني بلير، ثم توالت الاعترافات داخل مؤسسات العدو الأمريكي، حتى وصلت إلى رأسه هرمها: السفاح جورج و. بوش. 

الكذبة الكبرى في غزة
مع الانهيار المدمر لسمعة جيش العدو الصهيوني في الساعات الأولى من عملية الطوفان. 
بثت الدعاية الصهيونية في عموم وسائل الإعلام الغربية روايتها التي من شأنها أن تؤجج فعلا، وبكل قوة، الرأي العام في الغرب، وأن تدفعه للوقوف بشكل مطرد إلى جانب كل تحرك تقوم به "إسرائيل" ضد غزة، وضد فلسطين كلها. 
مباشرة، تبنت الولايات المتحدة الأمريكية الرواية الإسرائيلية، وجاء ذلك على لسان كبير الآلهة عندهم "جو بايدن"، الذي خرج للرأي العام مؤكدا للرواية: "نحن نواجه نموذجا إرهابيا جديدا لـ داعش، تمثله حركة هاجمت المدنيين، وقتلت المئات من الأطفال والنساء، وقطعت رؤوسهم" 
سرعان ما تبنت كل من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأوكرانيا للرواية الصهيونية التي أكدها الرئيس الأمريكي. 
وأثرت هذه الدول بشكل سريع /لكن لحظيا/ بكل دول الاتحاد الأوروبي، حتى تبنت جميع دوله قرارات تعاقب جميع الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم. 
وبعد ساعات قليلة من ذلك الإعلان، قرعت دولٌ طبولَ الإنذار المتقدم: "لن نتسرع هذه المرة، دعونا نتأكد مما نصنعه، دعونا نتريث، دعونا لا نتورط"، كان هذا لسان حال دول عدة مثل إسبانيا وهولندا وفنلندا والبرتغال وبلجيكا. نجحت تلك الدول فعلا في كبح جماح صقور بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ومنعتهم من جر جميع دول الاتحاد الأوروبي لقرارات ستأتي بنتائج غير محمودة على الاتحاد الأوروبي، حتى لو كانت تحت سقف الراعي الأكبر، والإله الغربي "بايدن". 
لكن، بالتزامن مع ذلك، كثفت وسائل الإعلام الغربية في الأيام الأولى من ضخ الرواية في كل وسائلها، حتى أسست لرأي عام عالمي وشعبي مساند لأي تحرك إسرائيلي ضد غزة. 
بدأ العدو حربه على غزة بلا هوادة، 1.500.0000 مقذوف على قطاع مكتظ بالسكان، ارتكب العدو فيها عشرات المجازر، ودمر كل مقومات الحياة. 
سجلت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الغربية، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الغربية استهدافات مباشرة ومتعمدة ضد السكان المدنيين، ما أدى إلى مقتل مئات الأطفال والنساء. 
هذا الأمر (قتل الكثير من الأطفال والنساء في غزة)، دفع وسائل الإعلام الغربية للعودة قليلا إلى الخلف في سبيل التحقق من مصادر الرواية الصهيونية حول مقتل عشرات الأطفال الإسرائيليين وقطع رؤوسهم، لم يدم ذلك طويلا، حتى بدأت وسائل الإعلام الغربية، وعلى رأسها وسائل إعلام أمريكية بدحض أصل تلك الرواية وتكذيبها، إذ إنه لم يتبين ولا بأي شكل من الأشكال، أن عنصرا واحدا من كتائب القسام قتل طفلا أو قطع رأس طفل، بل على عكس ذلك، تبنت وسائل إعلام غربية روايات لمستوطنين تعامل معهم مقاتلو القسام بكل إنسانية، وأن بعض شهاداتهم كانت تدلل على روح الدعابة التي كان مقاتلو القسام يتحلون بها مع الأطفال.

"والناس راجعة" 
العرب... أيدوا الرواية الصهيونية 
جاء بيانا كل من الإمارات والبحرين الرسميين مطابقين للرواية الصهيونية، ثم تبعته مواقف متشابهة لكل من الأردن ومصر، ثم وللأسف الشديد جاء موقف لبنان الرسمي مؤيدا لذلك، على لسان وزير خارجيته.
لا بل كان لهذه الدول دور في بسط أراضيها لإمداد العدو الإسرائيلي بالسلاح والعتاد من خلال القوات الأمريكية. 
ارتداد الروايات الغربية الكاذبة
تخيلوا أن آثار الرواية الصهيونية الكاذبة لاجتياح لبنان عام 1982، تحت عنوان محاولة اغتيال سفير العدو لدى بريطانيا، لا تزال قائمة في الذاكرة الغربية. فضلا عن الشرخ الكبير الذي أحدثته الكذبة الكبرى للحرب على العراق في جدار الجماهير الغربية التي تمثل عموم الرأي العام.
إذا كانت صناعة الجمهور في العالم الغربي لا تزال سهلة من أجل تبني قرارات حساسة متعلقة بالسياسات الخارجية، فإن الحفاظ على وحدة ذلك الجمهور لم يعد سهلا، وخاصة بعد كذبة "قتل الأطفال وقطع رؤوسهم"، التي سمحت لأصحاب القرار بتبني حرب إبادة بحق شعب كامل، حرب سجلت الأمم المتحدة فيها قتل 60 طفلا و60 امرأة يوميا. 
دور الجمهور الداعم لفلسطين في الغرب
إن أحد أهم الأدوار التي يمكن أن يلعبها الداعمون لفلسطين في الغرب، هي التركيز على دحض الروايات الصهيونية بشكل مكثف. وإن على المعنيين داخل الساحة الفلسطينية ضخ كل المواد التي من شأنها أن تساعد في ذلك.
أيام قليلة وينكشف المستور
سترون في الأيام القليلة القادمة، انقسامات كثيرة داخل المنظومة الغربية، في كل مقوماتها، فعلى سبيل المثال: 
- تراجعت حدة الضغط في كل من فيسبوك وانستغرام على الترويج للرواية الصهيونية من جهة، ومنع ضخ الرواية الفلسطينية من جهة أخرى. 
- أخذت منصة "إكس/تويتر" موقفا محايدا في نشر الرواية. فضلا عن أن مؤسسها لم يدعم أصلا الرواية الصهيونية، وكان موقفه افضل من مواقف العديد من الدول العربية والإسلامية. 
- غالبية وسائل الإعلام الغربية بدأت تفسح مجالات واسعة للرواية الفلسطينية على حساب الرواية الصهيونية. 
- مواقف العديد من دول العالم لم تكن بهذا المستوى من العدائية المطردة لفلسطين. 
- تحركات قوية داخل الغرب (عربية وغربية) بدأت تعلو وتزداد وترفع الرواية الفلسطينية على الرواية الصهيونية.  
كل ذلك ستكون له ارتدادات ستُسجل انتصارا جديدا لطوفان الأقصى لاحقا.
ثم إن: 
سلوك شخص كافر في الغرب يعكس قيم الأخوة في مساندته قضية فلسطين، هو أفضل بكثير من سلوك جميع المسلمين في العالمين العربي والإسلامي الذي لا يمثل قيم الأخوة والجسد الواحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق