الأطفال الفلسطينيون في لبنان: مشاعر حزن وألم لمصاب أطفال غزة

 عبد معروف

تسيطر مشاعر الحزن والألم على أطفال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بسبب ما يتعرض له أطفال فلسطين من قتل وتشريد في قطاع غزة.

فمنذ أن أطلق الجيش الإسرائيلي حربه المستمرة والمتصاعدة على قطاع غزة، وما تخلفه من دمار وقتل وتشريد، يتابع الأطفال الفلسطينيون اللاجئون في لبنان، تداعيات هذه الحرب ونتائجها على أطفال فلسطين في قطاع غزة من خلال القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، وما تنشره الصحف ووسائل الإعلام.

وما بين مشاعر الغضب والألم، وما بين الحزن والوجع، يرى الأطفال الفلسطينيون في لبنان مشاهد الدمار والموت والجرحى من الأطفال الفلسطينيين في غزة، تذرف دمعاتهم ويطلقون العبارات التضامنية، لكنهم أطفال ليس باستطاعتهم التعبير عن مشاعرهم إلا ببعض الكلمات الرقيقة الممزوجة بدمعات العين، على أطفال يقتلون ويشردون وعالم لم يعد باستطاعته حماية الأطفال من عمليات القتل والإجرام.

العالم لا يهتم لحقوق الأطفال

محمود طفل لم يتجاوز عمره الثانية عشر يرفع علم فلسطين ويقف أمام منزله في مخيم الرشيدية قرب مدينة صور جنوب لبنان، جلسنا إلى جانبه بعد قوله: «هذا العالم كاذب، وليس حضاريا ولا يهتم لحقوق الأطفال كما يقولون وليس في مقدوره حماية حقوق البشر» قال هذه العبارات بلهجته الطفولية البسيطة، والدمع يغمر عينه وتابع القول «أنا لا أبكي عجزا ولا خوفا. نحن أطفال فلسطين لا نخاف، لكن أبكي هذا العالم الذي لا يستطيع حماية طفل في غزة».

وتساءل وهو يمسح دمعات عينيه بساق يده «لماذا يموت أطفال فلسطين، ولماذا لا تستطيع المنظمات الحقوقية وجمعيات حقوق الطفل حماية أطفال غزة؟». ثم صمت قليلا وقال: ليس بيدنا أن نفعل شيئا، نحن أطفال نموت ونجوع ونشرد أيضا كأطفال غزة، ولكن اليوم عيوننا ترحل لأطفال غزة».

أطفال تتجمع هنا وهناك في مخيم الرشيدية، يتحدثون ككبار السن والشباب، بما يجري من تطورات في قطاع غزة وتؤلمهم عمليات القتل والتشريد التي يصفونها بالوحشية والهمجية التي يتعرض لها الأطفال في القطاع دون رحمة بطفولتهم.

يبعد مخيم الرشيدية عن حدود فلسطين المحتلة حوالي خمسة عشر كيلو مترا، أهالي المخيم يراقبون الصواريخ وتبادل القذائف وإطلاق النار في القطاع الغربي من جنوب لبنان مع مواقع الجيش الإسرائيلي في الجليل الأعلى.

تجولت «القدس العربي» في أزقة وساحات مخيم برج الشمالي قرب مدينة صور اللبنانية واستمعت لأطفال يشعرون بالألم الشديد لما يتعرض له أطفال غزة، البعض منهم صرخ بأعلى صوته رافضا الحديث قائلا «ماذا يفيد الكلام وأطفال غزة يكتبون تاريخنا بالدم؟».

اقتربنا من سامر (15 عاما) يجلس أمام مؤسسة أطفال الصمود، أشار بيده إلى جداريات رسمت على جدار أحد المنازل وقال «هؤلاء أطفال غزة، أنظروا لصورهم، يقتلون دون رحمة في عالم يتشدق بشعارات حقوق الطفل».

بكى سامر، حقا بكى، وتوجه بالشكر لـ«القدس العربي» ولكل وسائل الإعلام التي تهتم بأوضاع أطفال فلسطين وخاصة أطفال غزة، وقال «نحن حقا أطفال، لكن لدينا من الوعي الكافي، ونحب وطننا فلسطين، نراقب ونتابع الأخبار وصور أطفال غزة، نتألم ونغضب ولكن ليس بيدنا إلا الدعاء لهم». وتابع سامر قائلا «أطفال غزة تقتل اليوم على مرآى ومسمع العالم المتحضر، وبالأمس قتل أطفال فلسطين بنفس الطريقة في مجزرة صبرا وشاتيلا». وأضاف «الغريب أن هذا العالم ما زال لا يرى بعين العدل والحقوق، بل هذا العالم إما صامت وإما مشارك في القتل».

المدارس مقفلة

لا يختلف مشهد الأطفال في مخيم البص القريب من مدينة صور ويتوسط المسافة بين مخيمي الرشيدية وبرج الشمالي، المدارس مقفلة تحسبا لأي تطورات أمنية عند الحدود الجنوبية مع الجليل الأعلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948.

يتوزع الأطفال بين أزقة مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة الضيقة التي تفصل منازلها البائسة عن بعضها، لا مكان للهو واللعب، فما يجري لأطفال غزة اليوم يشغلهم، يسمعون ويقرأون الأخبار المتناقلة من غزة ويتحثون بها وهم يعلمون أنهم معنيون بما يجري لمن هم بعمرهم في قطاع غزة.

يرفع الأطفال الفلسطينيون في مخيم البص الأعلام والرايات وصور الطفولة المقتولة واللافتات المنددة بقتل الأطفال في غزة.

وحول انعكاسات ما يجري لأطفال غزة من عمليات قتل متعمد على الأطفال الفلسطينيين في لبنان أكدت الدكتورة رانيا العوض، وهي ناشطة اجتماعية في الوسط الفلسطيني وتعنى بحقوق الطفل تقول لـ«القدس العربي» إن «ما يتعرض له أطفال غزة ينعكس بشكل سلبي على نفسيات وحياة الأطفال الفلسطينيين في لبنان، لأن ما تتناقله وسائل الإعلام والفضائيات والصحف يجعل الأطفال في لبنان وأيضا في العالم يعيشون أزمة إنسانية وبحالة خوف وقلق ليس بسبب حالات الموت وعمليات القتل البشعة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة فحسب، بل أيضا طريقة القتل والتشريد والتدمير التي ينفذها جيش الاحتلال يجعل الحياة غير آمنة للطفولة، وتجعل الأطفال يعيشون حالة هلع وخوف تؤثر على نفسياتهم وحياتهم وسلوكهم اليومي».

وأضافت الدكتورة العوض «ربما العدو يريد من هذه النتائج ويسعى لتحقيقها إلى جانب أهدافه التدميرية وعمليات القتل والمجازر في غزة، يريد زرع الرعب والهلع في نفوس أطفال المنطقة وخاصة الفلسطينيين، لكن وباء الخوف والهلع سينعكس على العالم كله لأنه سيؤدي إلى تحويل جيل كامل إلى جيل يفكر ويسعى للانتقام والثأر وهذا يشكل خطرا على العالم أن تحرم طفلا من حقه بالحياة وتعمل على قتله بهذا الأسلوب الوحشي والهمجي، فهذا الجيل لن ينسى ما يتعرض له لأنه عاش ورأى كل ذلك بعينه».

أطفال فلسطين في الشتات

وأمام هذا المشهد داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان وانعكاسات ما يتعرض له أطفال فلسطين في قطاع غزة، كانت هناك ضرورة للاستماع لمتخصص في علم النفس للوقوف على رأيه حول انعكاسات ذلك على الأطفال الفلسطينيين في لبنان.

حيث أكد المتخصص بعلم النفس الدكتور سامي زراقط أن ما يجري في قطاع غزة جريمة حرب بكل المعايير الإنسانية، ولهذه الجريمة انعكاسات خطيرة على أطفال المنطقة، وبالتالي فإن العالم والمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية المعنية بحقوق الطفل يرتكب جريمة ليس بحق أطفال غزة فحسب، بل بحق أطفال فلسطين في الشتات.

وردا على سؤال لـ«القدس العربي» قال: الطفل الفلسطيني يعيش حالة خوف وقلق وهلع، لأنه يرى أن هذا العالم وقوانينه ومنظماته الإنسانية لا تحميه من آلة القتل الإسرائيلية.

وأضاف الدكتور زراقط، لا يستطيع أحد منع الأطفال الفلسطينيين في لبنان من مشاهدة الفضائيات ومتابعة ما يجري لإخوانهم في قطاع غزة، وإن لم يشاهدوا الفضائيات فهم يتابعون مواقع التواصل الاجتماعي ويسمعون تبادل الأحاديث بين أهلهم وجيرانهم. وبالتالي يستمعون ويتابعون ويراقبون ويتألمون ويحزنون ويغضبون أولا لأنها قضيتهم وإخوانهم في غزة وثانيا لأن وسائل الاتصال والتواصل والفضائيات أصبحت متوفرة في اليد وداخل البيوت.

وحذر الدكتور زراقط من تداعيات ما يتعرض له أطفال غزة خاصة وأهالي القطاع عامة على يد الآلة الحربية الإسرائيلية، مشددا على أن أساليب القتل والتدمير وتشريد شعب، سوف تؤدي إلى حياة يسودها الجحيم، وجيل يسوده البؤس وحتما الانتقام والغضب.

وختم قائلا «غزة والمنطقة ليست جزيرة منفصلة عن العالم، بل تؤثر به وتتأثر».