مواجهة حاسمة بين المُعارضة وأردوغان في تركيا

 


بقلم: تمارا حداد.

تُعتبر الانتخابات التُركية المُقرر إجراؤها في 14 ايار لعام 2023 من أكثر الانتخابات تعقيداً بين الرئيس الحالي السيد طيب أردوغان مُمثلاً بحزبه “العدالة والتنمية” والمتحالفين معه ضمن تحالف” الجمهور” حيث يضم حزب العدالة والتنمية والحركة القومية والاتحاد الكبير والرفاه الجديد، والمعارضة برئاسة كمال كليجدار أوغلو مُرشح الحزب الجمهوري ومُمثلاً عن الأحزاب الستة تحت مسمى “الطاولة السُداسية” ضمن تحالف “الأمة” ويضم تحالف العمل والحرية الاجتماعية والحزب الديمقراطي الليبرالي وحزب التحرير الشعبي واحزاب يسارية يُقودها حزب الشعوب الديمقراطي.
وهناك مرشحين آخرين وهما “مُحرم انجه” رئيس حزب البلد “الوطن” يضم تحالف اتحاد القوى الاشتراكية والمُنشق عن الحزب الجمهوري، والمُرشح الرابع “سنانا اوغان” عن حزب النصر ومرشح عن تحالف “أتا” أو الأجداد اليميني.
تُعتبر هذه الانتخابات من أشدها مواجهة بسبب حالة الاستقطاب بين الطرفين فهي بمثابة استفتاء على واقع الحُكم الحالي ممثلاً باردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” فإما ابقاؤه وإما اختيار الطرف الآخر مُمثلاً بالمعارضة برئاسة “كمال اوغلو” ونتيجة التنافس القوي بينهما قد يتم حسم النتيجة في أكثر من جولة، حيث تُشير استطلاعات الرأي إلى أن الحظوظ متساوية بين الاثنين بفوارق بسيطة قد يؤدي إلى جولة ثانية.
رجب طيب أردوغان: هو رئيس حزب العدالة والتنمية الديمقراطي يتبنى الإيديولوجية الاخوانية ودرس الاقتصاد من جامعة مرمرة وكان نشيطاً في اتحاد الطلاب ثم أصبح رئيساً لبلدية اسطنبول وبعدها رئيس للوزراء حتى أصبح رئيساً لتركيا حتى اللحظة وقام بالعديد من المشاريع الاقتصادية في مجال البنى التحتية والطاقة والغاز ونقل تركيا من دولة منهمكة بسبب تداعيات الحرب العالمية الاولى والثانية حتى أصبحت دولة اقليمية قوية في منطقة الشرق الأوسط.
كمال كليجدار أوغلو:
زعيم حزب الشعب الجمهوري وهو حزب ديمقراطي علماني يحمل أفكار”كمال أتاتورك” ودرس الاقتصاد في أنقرة وعمل في الوزارة المالية ثم انتقل الى فرنسا كخبير للحسابات ثم انتقل إلى مديرية الدخل وتقلد منصب نائب المدير العام ثم أصبح مستشار لوزير العمل والضمان الاجتماعي. خلال فترته الماضية استطاع ان يُقنع بعض الأحزاب ذات الايديولوجية الاخوانية بضمها ضمن تحالفه الحالي ووعد بعدم فرض خلع الحجاب للنساء ووعد بوضع قانون بأن كل امراة لها حرية الخيار فيما يتعلق بذلك.
محرم انجه:
زعيم البلد المُنشق عن حزب الجمهوري درس الفيزياء من جامعة اولوداغ بمدينة بورصة عمل متحدثاً باسم مادي يالوفا وترأس جمعية الفكر الاتاتوركي وحالياً يُعارض كمال كليجدار أوغلو.
سنان اوغان:
مُرشح عن تحالف يضم أحزاباً قومية متطرفة وأهمها حزب النصر له مواقف ضد السوريين والافغان هو باحث اكاديمي ونائب سابق في البرلمان عن حزب الحركة القومية اوصوله آذرية درس العلوم الادارية والاقتصادية ويعمل الآن في جامعة مرمرة.
تأتي هذه الانتخابات في ظل ظروف اقتصادية صعبة أمام ارتفاع التضخم بسبب تداعيات فيروس كورونا والحرب الروسية_ الاوكرانية وتدني قيمة العُملة التركية والزلزال الذي أنهك الاقتصاد التركي، وتأتي أهمية هذه الانتخابات بسبب التنافس الشديد بوجود تحالفات تغيرت وجهتها فهناك الأحزاب الاخوانية مثل حزب السعادة المُقربة من اردوغان ذهب لتحالف كمال اوغلو والعكس صحيح هناك بعض الأحزاب العلمانية ذهبت لتحالف اردوغان وهذا يعني تشابك الأحلاف رغم الاختلافات الايديولوجية.
كما أن الايديولوجية أهم مؤثر في الانتخابات الحالية حيث أغلب الأحزاب مؤدلجة تمتلك قواعد صلبة لكل من اردوغان والمعارضة فلكل منهما اصوات انتخابية قد تتقارب نسبتها وبينهما فقط فارق بسيط وهذا ما يجعل الانتخابات ذو اهمية اخرى، وهناك عوامل عديدة تؤثر في الانتخابات التركية وهي ملف اللاجئين السوريين وملف العرقيات الاخرى. وتأتي أهمية الانتخابات أن 61 مليون ناخب سيتوجه إلى صندوق الاقتراع وهناك قرابة أربعة ملايين خارج البلاد ممثلة بالجاليات التركية ويخوض 24 حزب تلك الانتخابات لاختيار اعضاء البرلمان وعددهم 600.
اما نقاط التمركز فلكل من اردوغان والمعارضة تقريباً متساوية قد تتغير في كل لحظة حتى نهاية الانتخابات بسب تغير التحالفات بشكل مستمر، فنقاط التمركز في تركيا لحزب العدالة والتنمية تتمركز قوته في وسط الأناضول والبحر الأسود وجنوب شرق الأناضول والبحر الأبيض المتوسط وبحر مرمرة.
اما المعارضة تتمركز قوتها في سواحل منطقة بحر انجه وبعض ولايات جنوب شرق الاناضول وشرق الاناضول وله بعض الولايات في وسط الاناضول.
هناك نقاط ايجابية لاردوغان وهي انشقاق حزب البلد عن الحزب الجمهوري المُتطابق ايديولوجياً وبعض الاصوات العلمانية اتفقت مع اردوغان في اللحظة الاخيرة والعكس صحيح تم انفصال حزب السعادة عن حزب العدالة والتنمية من هنا سيستفيد كمال اوغلو من بعض اصوات الاخوان بسبب الانشقاق.
وتُعتبر القضية الاقتصادية من المؤثرات السلبية على اردوغان فهي الورقة التي تُلوح بها المعارضة نتيجة التراجع الاقتصادي خلال السنتين الاخيرتين، فيما تتركز قوة اردوغان بالقوة الاجتماعية حيث رسخ فكر وعقيدة في أغلب مناطق تركيا بالاضافة إلى شخصيته الكاريزمية وايضا اغلب المواقع الاعلامية يمتلكها اردوغان ناهيك أن الكثير من المؤسسات في يد اردوغان ناهيك عن اعلانه مؤخراً عن مشاريع جديدة مثل السيارات الكهربائية وافتتاح منشأة “اكويو كاول” محطة للطاقة النووية وتحويل تركيا لمركز الطاقة لتصدير الغاز الروسي إلى اوروبا من خلال تحويل مسار الغاز الروسي من “السيل الشمالي” الى منطقة البحر الاسود وتركيا.
الانتخابات التركية والقضية الفلسطينية:
فيما انعكاس الانتخابات على القضية الفلسطينية هذا يعتمد على سياسة المحاور والتحالفات الاقليمية والدولية التي تتغير كل يوم فأي تغيُر في الخريطة السياسية المستقبلية التركية قد تؤثر على القضية وقد لا، رغم ان اردوغان من الشخصيات التي تمسك العصا من المنتصف هذا يعني انه لن يقف يوماً ضد القضية بالاضافة الى استمرار تقديمه الدعم المالي والمعنوي للعديد من الجمعيات والمؤسسات مثل وكالة التعاون والتنسيق التركية وهيئة الاغاثة الانسانية وحقوق الانسان والحريات وجمعيات يطول ذكرها بالاضافة الى تقديم المنح التعليمية التركية، اضافة الى دعم المواقع الاعلامية الفلسطينية والالكترونية وتركيا كانت متقدمة في بعض المواقف حول الدفاع عن القضية الفلسطينية، وايضاً رغم الضغوطات على اردوغان لاخراج بعض الفلسطينيين من تركيا الا انه حتى اللحظة لم يستجب لطلبات الاحتلال حول ذلك رغم علاقته الجيدة مع الاحتلال ضمن البُعد الاقتصادي والامني.
قد يكون المخاوف الفلسطينية بالدرجة الأولى بفوز “اوغلو” حيث انه مقرب من الغرب والولايات المتحدة الاميركية اضافة الى علاقته القوية بالاتحاد الاوروبي ، لكن عملية التأثير على القضية الفلسطينية مهما كان الفائز سيكون محدود أمام تعنت الاحتلال بالتحديد بوجود حكومة يمينية مُتطرفة، وبالتحديد ان الاحتلال لا يأبه بالمجتمع الدولي أو الاقليمي ومستمر في سياساته التوسعية الاستيطانية في الضفة الغربية ومستمر في تهويد القدس وقام بتقليص العديد من المشاريع التركية في القدس، كما أن المؤثر الوحيد على القضية الفلسطينية هو فقط اميركا وهي غير معنية بإيجاد حل سياسي للقضية الفلسطينية وتعتبر ان حل الدولتين هو ذر الرماد في العيون لكسب الوقت للاستمرار في الاستيطان من قبل الاحتلال.
خلاصة: النتائج المتوقعة لدى هذه الانتخابات يصعب التنبؤ بها نتيجة تقارب الأصوات بينهما لكن اغلب استطلاعات الرأي تُشير ان الفارق بين المعارضة واردوغان بسيط لا يتجاوز الخمس نقاط وهناك مناطق تُحسم لصالح اردوغان ومناطق اخرى تُحسم للمعارضة وعملية الحسم النهائية تتغير بتغيُر التحالفات في اللحظة الاخيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق