علي هويدي*
نعم هي ذكرى مرور 75 سنة على النكبة المستمرة والمعاناة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، لكنها كذلك مرور أكثر من 7 عقود من ثبات الإرادة الفلسطينية والصمود في وجه الاحتلال وجميع محاولات تذويب اللاجئين في أماكن تواجدهم وطمس هويتهم الوطنية وإلغائهم كشعب، وعدم تخليهم عن حقهم المقدس بالعودة.
صمود اللاجئين يعني فشل المشروع الصهيوني الذي أراد لصغار اللاجئين أن ينسوا بعد أن يموت كبارهم، وتأكيد على أن هناك شعب لا يزال موجوداً، وبأن فلسطين لم تكن صحراء خالية كما قال نائب الرئيس الأمريكي حينها جوزيف بايدن في 2010، أو كما قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين مؤخراً، بل كانت أرضا فيها شعب لا يستحقها الغزاة من الصهاينة المحتلين.
بعد 75 سنة من النكبة، لا تزال حارات المخيم تسمى بأسماء القرى الفلسطينية التي طرد منها اللاجئون في العام 1948، حارة الدامون ونحف والطيرة وصفورية وحطين والصفصاف وغيرها..، وجدران شوارع وأزقة المخيم يزينها العلم الفلسطيني ويكسوها الرسومات واليافطات الوطنية وصور الشهداء والأسرى.
يسمّي اللاجئون أسماء مؤسساتهم ومدارسهم بأسماء المدن والقرى الفلسطينية كتعبير عن انتمائهم وتكريساً لهويتهم، عكا والنقب والناصرة والقدس ودير ياسين وغيرها..، وكذلك على أسماء الشخصيات والأدباء والشعراء والفنانين والكتاب الفلسطينيين الذين عاصروا النكبة وما بعد النكبة، فدوى طوقان ومحمود درويش وناجي العلي وغسان كنفاني وغيرهم..
على الرغم من ضنك العيش والأوضاع الاقتصادية والإجتماعية الصعبة التي يعيشها اللاجئون، فلا يكاد بيت في أي مخيم واينما تواجد اللاجئ الفلسطيني إلا وفيه خريطة فلسطين أو قبة الصخرة أو العلم الفلسطيني ولا يزال الحفاظ على العادات والتقاليد والتراث..
وحتى تسمية الأبناء والبنات تكون بأسماء المدن الفلسطينية (حيفا ويافا وبيسان وفلسطين..)، ولا يزال الكثير من العائلات تحتفظ بالوثائق التي تثبت ملكيتها لأراضيها وبيوتها في فلسطين وتحافظ على المقتنيات التي حملها الأجداد معهم أثناء طردهم القسري من قرارهم على أمل العودة القريبة ومنها مفتاح الدار.
لا تمر مناسبة وطنية الا ويحييها اللاجئون لتبقى ذكراها حاضرة بين الأجيال، يوم الأرض، وعد بلفور، نكسة عام 1967 والنكبة والذكرى السنوية لارتكاب المجازر الطنطورة وقبية وكفر قاسم وغيرها..
الشعب الفلسطيني يحب الحياة ولم يختر أن يكون لاجئاً، ولو لم يكن هناك احتلال لما كان هناك لجوء، ولو لم يكن هناك إقتلاع ممنهج وأعمال قتل وطرد وإبعاد من 531 قرية وبلدة ومدينة فلسطينية وتطهير عرقي واغتصاب للحقوق ومصادرة للأراضي من قبل العصابات الصهيونية لما كان هناك لجوء..
ولم يختر الشعب الفلسطيني أن يكون لاجئ تقدم له وكالة "الأونروا" الخدمات الانسانية من الصحة والتعليم والاغاثة وأعمال البنى التحتية.. وان تبقى الوكالة الأممية لـ 74 سنة كتعبير عن المسؤولية السياسية الدولية تجاه قضية اللاجئين دون تحقيق العودة وفي تخل واضح للمجتمع الدولي عن قضية اللاجئين..
أُنشأت "الأونروا" لتكون "وكالة مؤقتة" تقدم خدماتها الإنسانية على أن يعود اللاجئون بعد 18 شهرا بالتنسيق مع "لجنة التوفيق الدولية حول فلسطين" التي انبثقت عن القرار الأممي رقم 194 لعام 1948 الذي أكد على حق العودة والتعويض واستعادة الممتلكات، ولكن للأسف جرى تعطيل عمل اللجنة التي تشكلت من كل من أمريكا وتركيا وفرنسا في مطلع خمسينيات القرن الماضي، ولا تزال الوكالة تحمل هذا المسمى "وكالة مؤقتة" تقدم خدماتها لأكثر من 6 مليون لاجئ مسجل يعيشون في 58 مخيماً بانتظار العودة..
تُحارب "الاونروا" بأنها تطيل أمد اللجوء، مع العلم بأن من يطيل فترة اللجوء هي الأمم المتحدة نفسها التي تتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين بمكيالين وتطبق سياسة المعايير المزدوجة بتخليها عن عدم تطبيق القرارات الأممية التي أصدرتها حول اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة.
ولهذا ينشط اللوبي المعادي للوكالة في الأروقة الأممية والحراكات الدبلوماسية للضغط على الدول المانحة، يساندهم في ذلك مؤسسات ومراكز أبحاث أنشأت خصيصاً لإعداد تقارير ودراسات وأبحاث تستند إلى معلومات مزيفة في محاولة لإقناع المتبرع بعدم تقديم أي مساهمات مالية للوكالة.. وذلك بهدف خنق الوكالة وشل قدراتها وامكانياتها على الإستمرار تمهيداً لشطب القرار 194 الذي ورد ذكره في قرار إنشاء "الأونروا" الأممي رقم 302 لسنة 1948 لثلاث مرات تأكيدا على العلاقة العضوية بين الوكالة وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة.
في هذه المناسبة لا بد من التأكيد على أن حق العودة وفق القرار الأممي رقم 194 لا ينطبق فقط على اللاجئين في مناطق عمليات "الأونروا" الخمسة (لبنان وسوريا والاردن والضفة وغزة)، وانما كذلك على اللاجئين الفلسطينيين في العراق ومصر وغيرها، وربما الأهم بأنه ينطبق على المهجرين الفلسطينيين الصامدين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 والذين يقدر عددهم بحوالي نصف مليون فلسطيني مهجر تمنعهم سلطات الاحتلال من العودة إلى قراهم أو إعادة بناء أو ترميم بيوتهم وفقا لقوانين مزيفة وضعها الإحتلال بحجة "حراسة أملاك الغائبين" وهم الحاضرون المُغيَّبون، يتحدون الاحتلال سنويا بتنظيم مسيرات إلى قراهم المدمرة (البروة وأم الزينات ومسكة والغابسية والكابري وغيرها)، للتأكيد على حقهم بالعودة.
كلما اشتد الخناق على اللاجئين كلما زادهم إصراراً وقوةً وثباتاً وإبداعا في آليات التمسك بحقوقهم المشروعة، وآخرها اتفاق أوسلو 1993 الذي حاول سلب حقهم بالعودة، لنرى مؤسسات المجتمع المدني تتشكل في أماكن اللجوء والشتات وباتت تستطيع أن تصل لصانع القرار الأممي ليسمع السردية الفلسطينية من صاحب العلاقة مباشرة لا عبر وسيط أحيانا يكون غير مؤتمن..
أن تحيي الأمم المتحدة ذكرى النكبة بعد 75 سنة هو أمر مهم، ومهم للغاية وهو نوع من الاعتراف بجريمة النكبة والمسؤولية عن استمرار حالة اللجوء، لكن الأهم يكون بوضع آليات تطبيق العودة، فحق العودة إلى البيوت التي طرد منها اللاجئ لا يمكن إلغاؤه مهما طال الزمن أو قصر فهو حق لا يسقط بتقادم الزمن عدا عن أنه حق فردي وجماعي ولا تجوز فيه الإنابة.
كان عددهم في بداية النكبة حوالي 850 ألف، أصبح الآن أكثر من 8 ملايين لاجئ. استمرار النكبة لـ 75 سنة، ووجود "الأونروا" بعد 74 سنة، يعني أن الحل السياسي للاجئين الفلسطينيين بالعودة وتقرير المصير على أرضهم قد تأخر لأكثر من 7 عقود، وهذا يمثل وصمة عار في جبين المجتمع الدولي وصناع القرار في العالم.
*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني
بيروت في 8/5/2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق