القضية الفلسطينية بين خيار الثورة ومشاريع التصفية


عبد معروف

كيف يمكن لنا أن نقرأ ونفهم الواقع الفلسطيني وتطورات القضية الفلسطينية في هذه المرحلة؟
شهدت القضية الفلسطينية تطورات ومنعطفات سياسية وأمنية واجتماعية، ساهمت في رسم المشهد الحالي الذي تظهر فيه بحالة تراجع وانكماش، وذلك من خلال تصاعد العدوان والاقتحامات الاسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتعرض القيادة الفلسطينية لأنواع مختلفة من الضغط وذلك من خلال سلطات تل أبيب بشكل مباشر أو من خلال الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية من أجل إخضاعها للشروط الاسرائيلية على المسار الفلسطينية من عملية التسوية.
كما ظهر في الآونة الأخيرة فشل قيادة الفصائل الفلسطينية في الوصول إلى مصالحة  وطنية جادة، تضع حدا للانقسام  من أجل وحدة الموقف ومواجهة التحديات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي دول الشتات وفي مقدمتها تصاعد العدوان الصهيوني في الأراضي المحتلة وارتفاع حالات اليأس والاحباط والفقر والعوز في صفوف اللاجئين.
وعلى صعيد أوضاع اللاجئين الفلسطينيين خاصة في لبنان، فقد ازدادت أوضاعهم الانسانية سوءا وترديا وفقرا وعوزا وتصاعدت حالات الهجرة غير الشرعية بقوارب الموت، وحالات الفوضى والعبثية التربوية والبيئية وانتشار آفة المخدرات بصورة غير مسبوقة.
هذا هو المشهد الفلسطيني العام، ما أدى إلى تعميم حالة اليأس والاحباط في صفوف الشعب.
وبرزت منذ العام 2015 عمليات بطولية ضد مواقع الاحتلال قام بتنفيذها أبطال معظمهم خرج من صفوف الفصائل ليعبر عن رفضه ومقاومته للإحتلال بطريقته الخاصة.
عمليات شكلت عنوانا للمرحلة الحالية من تاريخ القضية الفلسطينية، لكنها لم تستطع أن تكون حالة أو ظاهرة شعبية عامة، وبقيت محصورة حتى الآن بعدد من الأبطال الفدائيين، رغم المحاولات الجارية لتشكيل كتائب عسكرية(عرين الأسود، كتيبة جنين وغيرها.. من المجموعات الفدائية يحاول البعض تدجينها واختراقها لاستثمارها في الصراعات الاقليمية والدولية) .
أمام هذه القراءة الموجزة والسريعة للمشهد الفلسطيني نرى أن الأوضاع تزداد تعقيدا وتشابكا والفصائل تزاداد انقساما وتباعدا رغم الشعارات والخطابات والاجتماعات لذر الرماد في العيون، والعدو يزداد قوة وعدوانا وشراسة وارهابا دون رادع.
لماذا؟
لأن هذا العدو يعتقد أن لا رادع له، ولا قوة تواجهه، ولا وضعا عربيا وفلسطينيا يمكن أن يضع حدا لعدوانه، وبالتالي يعمل هذا العدو على تنفيذ مشاريعه، من مصادرة أراضي وبناء مستوطنات ويضاعف من عمليات القتل والتدمير والمصادرة وبناء المستوطنات، كحلقة من حلقات سياسته لتثبيت كيانه وفرض الاستسلام الكامل على الجانب الفلسطيني  والعربي وتصفية القضية الوطنية الفلسطينية.
فهل يرضى الشعب بكل هذه المهانة؟، ربما يتعرض الشعب لحالة من السكينة لمرحلة من الوقت، لأسباب مختلفة ولعدم وعيه لمخاطر ما يجري، وربما يحاول إقناع نفسه بأن لا مجال للمواجهة، لكن هذا الشعب العظيم سرعان ما سيجد نفسه قويا، أمام مشاريع معادية تفرض عليه الذل والتخلي عن كرامته ويعيش فيها بحالة الفقر والتسول والعجز ما يجعله متضررا ليس بالميدان الوطني والكرامة الوطنية فحسب، بل على المستوى الشخصي أيضا سيجد نفسه غير آمن وعاجز عن تأمين لقمة العيش الكريم والدواء .
ربما تستوعب دول الغرب مائة ، ألف ، مائة ألف من المهجرين، لكنه لن يستوعب شعبا كاملا أمام موجة اللاجئين في العالم، وبالتالي لا مكان للكثيرين إلا الوطن وحتى لا يعيش الانسان في وطنه بالذل والقهر عليه أن يصمد ويناضل من أجل كرامته وحقوقه الوطنية والانسانية.
= ماذا لو انتصر العدو وتمكن من تحقيق أهدافه؟
لاشك أن مخاطر انتصار العدو وقدرته على تصفية القضية الفلسطينية سيشكل خطرا محدقا ليس على الأجيال الحالية وضرب الكرامة الوطنية وعمليات التجويع والفقر والقهر والاذلال فحسب، بل تشكل خطرا على الأجيال القادمة، على أولادنا وأولاد أولادنا لأنها ستولد تحت سلطة الاحتلال ومافيات الاحتلال وعملاء الاحتلال ومخططاته ونهبه وسيطرته وستكون الاجيال القادمة مكبلة بالذل وبالبطالة والغلاء وبالعجز والأزمات والضعف.
لا شك أن القضية الفلسطينية بخطر محدق، ولا تكفي عمليات الفدائيين بين الفترة والأخرى، كما لا تكفي الخطابات والمهرجانات والشعارات الرنانة، الشعب يحتاج اليوم لقوى وقيادات وطنية قادرة ومتمكنة وصلبة، تتحمل مسؤولياتها في حشد الطاقات وتنظيم الصفوف ولا تتهاون في المواجهة، لأن الخطر المحدق بالعجز والتصفية وانتصار العدو سيؤدي إلى الموت المحتم، فالشعب لا يملك إلا خيار المواجهة، بعيدا عن المحاولات الجارية للتشويه والاعلام والوعي المزيف الذي يكاد يطغى على سطح المرحلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق