أمام حالة الاختلاط وتشويه الوعي ..شروط وأهمية التحليل السياسي


عبد معروف

يعتبر التحليل السياسي واحد من أبرز الوسائل التي يستعملها الاعلامي والمسؤول السياسي الرسمي والحزبي والنقابي من أجل تحليل حدث ما، أو شرح وجهة نظر، يخاطب فيها الرأي العام ومحاولة اقناعه استنادا لمعايير علمية ومهنية عالية.

وبالتالي فإن التحليل السياسي في وسائل الاعلام برز كظاهرة إعلامية مؤثرة، لتحليل خبر أو حدث قائم، أو تحليل مظهر أو معلم قائم ومحاولة شرحه للرأي العام، وبرز كظاهرة تعتمدها القوى والقيادات السياسية المعبرة عن مصالح الشعب من أجل تفسير وتحليل ما يجري من أحداث.

لهذا فالتحليل السياسي هو نشاط فكري وعلمي رفيع المستوى، يتميز به الاعلامي القدير والقيادي المثقف الذي يعمل من أجل رفع مستوى وعي الشعب وتنظيم صفوفه حرصا على عدم تشويه وعيه.

فلا يجوز الوقوف عند سطح الأحداث، فكل خبر جاد ومؤثر، جدير بالتفسير والتحليل، لتسهيل فهمه على القارئ، وذلك بإضافة خلفية تاريخية للخبر، تلقي الضوء على جذوره، وتغذيته بالمعلومات، بما يساعد الرأي العام على الاحاطة بشتى جوانب الأحداث وما وراءها.

فالأخبار المجردة لم تعد تجذب القارئ، الذي يريد أن يشبع فضوله بإجابات شافية عن كيف؟ ولماذا وقع الحدث وتوقيته وخلفياته، لأن الرأي العام أصبح يتطلع لما وراء الخبر، قصة الخبر، لأن قيمة الخبر لا تتجلى إلا إذا تم تفسيره وتحليله بما يضعه في سياق الصيرورة التاريخية.

فالخبر يتضمن أمور كثيرة بحاجة للتفسير، والتفسير الكامل للخبر يشتمل على عناصر ونقاط كثيرة كوصف الجو العام المحيط بالحدث، أو أماكن حدوثه ومعلومات عن خلفياته وجغرافيته إلى جانب النتائج والتداعيات المحتملة، وهذا ما يحتاجه الشعب. 

والتحليل السياسي هي مسؤولية القيادي السياسي المثقف والمتابع، ومهمة الاعلامي المحترف، مسؤولية وطنية يستند إليها الشعب من أجل استيعاب ووعي ما يجري حوله من أحداث، لذلك فالتحليل السياسي هي مهمة  الاعلاميين المحترفين، ومسؤولية القيادات والقوى السياسية التي يجب أن تعمل على تأهيل كادراتها ونخبها وتخضعهم لدورات تأهيل وتعليم، لتكون بمستوى تحليل وتفسير ما يجري من أحداث.

والتحليل السياسي هو فهم وإدراك فكري وعلمي عميق لجذور وأصول الممارسة السياسية، ويهتم بمخرجات السياسة وأهدافها، وهو نوع من التفكير الإستراتيجي الذي يهتم بمعرفة طبيعة الأحداث السياسية وأسبابها ومساراتها والدوافع المسؤولة عن وقوعها إضافةً إلى تطوراتها، كما يحرص على معرفة الأحداث السابقة وما يشابهها من شواهد تاريخية، فيؤدي إلى الفهم العميق لمجريات الأزمات والأحداث الجسيمة، وأخيرًا فهو يهتم بتنمية المقدرة على التنبؤ بالمسارات المستقبلية للأمور وما يترتب عليها من نتائج، كما يقدم النصائح والتوصيات في ظل هذه النتائج.

فكيف يمكن كتابة التحليل السياسي للحدث أو للخبر؟

لقد غدا التحليل السياسي بطرق منهجية حديثة ومبنية على أسس علمية سليمة ضرورة من ضروريات الحياة السياسية. وأصبحت المنهجية العلمية في التحليل السياسي ضرورة وأساسًا في الوصول إلى أقرب النتائج للصواب والدقة، وذلك بناءً على مخزون معرفي كبير من المعلومات والمهارات والخبرات والإحصاءات وغيرها، وهذا ما يجب أن يتصف به أو يتعلمه القيادي السياسي أو الاعلامي.

ويقوم التحليل السياسي على عدد من الأدوات الأساسية، والتي هي بمثابة العدة التي يشتغل بها الباحث أو المحلل السياسي، ولا يمكن إجراء تحليل سياسي دقيق ومنهجي إلا بتوفرها، ومن أهمها ما يلي:

1- النهج العلمي بالتحليل المستند إلى الواقعية بعيد عن التضخيم والعصبوية والمبالغة والعاطفة  ودون الإكثار من ضرب الأمثلة لغير حاجة، كما أنها تتجنب اللغة العاطفية والمنحازة وإطلاق التهديد والتخويف والاتهامات والتجريح، كما تحرص على استخدام لغة بسيطة من المفردات التي يمكن للرأي العام فهمها بسهولة.

2- لا يمكن بناء تحليل سياسي عميق في العصر الحديث بأحداثه المعقدة، إلا بخلفية كبيرة من المعارف والعلوم الأساسية والمساعدة، مثل المنطق والفلسفة والعلوم السياسية، والتاريخ ومتابعة الصحافة والأحداث والتحليلات المختلفة.

3- إضاقةً إلى الخارطة السياسية في القضية المُراد تحليلها، مثل التصريحات الرسمية والتسريبات، الأحداث والمعطيات، ومصادر المعلومات الخاصة والاتصالات الشخصية، وعمق الخبرة في القضية والحضور الشخصي لموقع الحدث إن أمكن.

وإذا كان التحليل السياسي ضرورة بعيدا عن الصراخ والتعصب والوصول إلى النتائج المرجوة، لابد من اتقان فن التحليل السياسي، وهناك ضرورة لمنح هذه الظاهرة أهمية خاصة في الحياة السياسية، فلا يكفي أن ننقل للرأي العام الخبر المجرد، فالخبر سهل المنال، والشعب يحتاج لمن يطلعه على خلفيات الحدث وأسبابه ونتائجه واحتمالاته المستقبلية، ومن لا يعلم ذلك عليه أن يسارع إلى التعلم والتأهيل والدراسة حتى يتمكن من اقناع الرأي العام ورفع مستوى وعي الشعب حتى لا تخترقه الآفات السياسية والأمنية والاجتماعية والاخلاقية ويصاب باليأس والاحباط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق