الأرض تختنق..عولمة موحشة ومتوحشة


 نصري الصايغ
إيمي سيزار، شاعر المارتينيك الشهير، قارن النازية بالاستعمار. والنازية، ابنة اوروبية بالتمام والكمال، فكراً وتطبيقاً. يقول سيزار “جريمة هتلر انه طبق الاساليب الاستعمارية على الانسان الأبيض. وهكذا اتهم فرانكو، لأنه طبق اساليب الاستعمار على شعبه”. هذا كان لادانة العنصرية الغربية.
ما العمل راهناً، بعدما كنَس الاعلام، كل الآثام. هتلر، واحد من مئات القادة، الذين ابادوا شعوباً. من يصدق ان الغرب الراهن، “المهفهف، الجميل، الانيق، السيد، النموذج، مبدع شرعة حقوق الانسان، ومعمم موجبات الديمقراطية و.. و…”، من يصدق ان الاستعمار الغربي، مارس “النازية البدائية” فعلاً وقولاً، عبر جعل الكولونيالية، عقيدة البيض، التي تقوم بواجب انساني فظيع: “تهذيب البربرية”. أين؟ حيث تطال بنادقهم واساطليهم. استعملوا كل ما هو رهيب ومخيف ومبيد. عاملوا العرب في الجزائر، بالسيوف والحرائق. على مدى مئة عام ونيف. وكذلك ارتكبوا ما يشين، ضد السود في افريقيا، كل افريقيا، وظلت آثارهم المريعة، الى زمن تحولت فيه جنوب افريقيا الى دولة عنصرية، بمحاية “المثالية الغربية المشينة”.
في حوار أجرته كاتبة فرنسية، في خمسينيات القرن الماضي، مع خبير اقتصادي هندي، رسم صورة الواقع، ولم يلجأ الى القيم والافكار التي تدعي بريطانيا، انها ام الحريات، فيما هي إلهة الاستبداد والاستعباد والنهب. قال لها كيف تريدين ألا يعترض الهندي على الارتكاب البريطاني؟. “كيف ذلك عند 90 % من سكان بلاد خصبة جداً لا يأكلون الى حد الشبع. يومياتهم جوع متراكم. اليس هذا ادانة للنظام المفروض على الهند. الهند تنتج 64% من الانتاج العالمي للأرز والفلاح الهندي يموت جوعاً… أليست هذه وضعية تثير ثورة”.
أما شهادة البير كامو في ما يرتكبه الفرنسيون في الجزائر، فهي ادانة ضمير حي، لضمائر متخثرة. لا بد هنا، من حذف الشناعات التي ارتكبت بحق الجزائريين. انها مفزعة ومرعبة وتثير في القارىء نزعة الانتقام. ماذا يُقال عن محاولة فرنسة الجزائر، واعتبارها ارضاً فرنسية؟ هذا يعني، احلال نخب وجاليات فرنسية، تستوطن الارض وتنعم بثرواتها، وإحالة شعب بكامله الى مستوى الخدم، والى “حقل رماية” بالرصاص والسيوف. مليون شهيد جزائري؟ صح. وربما أكثر. هذه محصلة لمحاولة قمع الثوار الجزائريين في الاربعينيات والخمسينيات. أما عدد القتلى الذين ابيدوا، فهو اكثر من 10 ملايين جزائري. فرنسة الجزائر كانت تقتضي ابادة شعب.
أليس كذلك فعل الغرب في فلسطين. إن جرائم الغرب مريعة جداً. لا تغرنا اناقتهم، لغتهم، فنونهم، افكارهم. هذه عابرة للقارات، اذا توفرت الحرية والانسانية. أما في ظل الطغيان والابادة، فلا ادب ولا فكر. هل عرف العالم، كتَابا غير مغضوب عليهم في ظل ستالين والقادة السوفيات؟ ابداً. لعل الشاعر آفتوشنكو كان فلتة شعرية محبوبة من الجميع.
نعود الى الغرب الحضاري المتمدن الذي عرف كيف يقود ثورة المعرفة، والذي قدم للعالم الغربي فقط، نموذج المواطنة والحرية والاستقلال. ان روسو وفولتير وفلاسفة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، صادرهم الغرب لنفسه، وارتكب افعالاً ضد الحرية والانسان.
المثال الفادح، لاغتراب الغرب عن الحرية والعدالة وحقوق الشعوب، هو الدعم الثابت، سياسة وسلاحاً وتدميراً واقتلاعاً “لإسرائيل”، التي حبلت بها الرأسمالية الجشعة في الغرب. “اسرائيل”، مشروع غربي استعماري. تخلصوا من اليهود الذين كانوا يضطهدونهم، وقذفوهم بحراً، ودعموهم كي يكونوا قاعدة غربية استعمارية استيطانية في الشرق. وهكذا كان، وهكذا ظلت “الرسالة الصهيونية” الشريرة، محمية ومصانة ومتقدمة على كل الحركات في العالم. إن الحرب الروسية الاوكرانية، برغم شناعتها، لا توازي ابداً، عشر سنوات من الفدائح الاسرائيلية الغربية. الغرب مجرم، ولكنه يلبس ياقات منشاة، ويقول كلاماً مبطناً دائماً بالعقوبات.
فلسطين تُقتل، ثم تُقتل، ثم تُقتل، منذ مئة عام. الحاضنة العروبية قتلت، مع انها كانت عنكبوتية. دمرت المنطقة بحروب مريعة، من دون سبب. عدوان ثلاثي على مصر جمال عبد الناصر. ممنوع ان لا تكون غربياً وتابعاً وقابلاً للإملاء ومنفذا للرغبات. ثم عدوان 1967، وتهشيم دول، وطرد سكان وابادة شعب. ان البلاد العربية نزفت كثيراً، ثم تعلمت سبل النجاة. كي تنجو من الغضب الاميركي الغربي، عليك ان “تطيع”. اي ان تستسلم. وان غداً لناظره قريب. ولبنان يعاقب، وسيعاقب، طالما ان هناك قوة صامدة تردع اسرائيل. المقاومة في لبنان، ليست المسؤولة عن العقوبات الاميركية والغربية. إن كل من لا يطبع، سيدفع الثمن. ومن يعش يرَ.
باختصار، لم يكن الغرب رسول فكر ونهضة وحرية وقيم. كان رسول مال وعنف واخضاع. الحضارة الغربية نعمة نسبية للشعوب في تلك القارة، ولكنها كانت جيوشاً همجية، وعصابات مالية، تنهب وتحتل وتصادر، الحجر والشجر والبشر. الاستعمار لم يكن لاكتشاف بلاد وقارات، بل كان جموحاً تجارياً ودفعاً باتجاه التملك والمصادرة.
كان ذلك منذ زمن يعود الى مئة عام ونيف. ومن اراد الاطلاع على جرائم الغرب، ما عليه الا إقتناء كتاب اصدره مارك فيرو بالفرنسية: “الكتاب الأسود للاستعمار”. شارك فيه واحد وعشرون كاتباً. وهو يسهب في سرد “مآثر” الاستعمار، من القرن السادس عشر حتى القرن الواحد والعشرين.
هل هي قصة مناخ يهترىء، أم هي مسيرة حتمية، لإطلاق ومضاعفة مسيرة السيطرة على الاقتصاد العالمي وعلى الاسواق برمتها. من يظن ان الحروب قامت من اجل نصرة مبادىء، ومذاهب، وأديان، وقوميات الخ… يخترع وهما يمنعه من النظر والرؤية والاعتبار. الغرب، برمته، كائناً شرِهاً لا يشبع. الغرب، يؤمن بإله واحد أحد: الرأسمال. هذا الدين مغرٍ واجتياحي. وفي تعميم الرأسمالية عالميا، سوق تربح فيه القلة القابضة، وسوف تخسر الكثرة المنتجة. لعل ماركس هنا كان على حق. قبله، المسيح حذر من عبادة ربين: الله والمال. الله ضعيف جداً ازاء المال. المال يهزم الاديان، لا بل يحتلها  ويحِول اتباعها الى تجار دين. والراهن واضح والسيرة علنية. وعليه، فإن الاديان، عندما خسرت روحانيتها، احتلت المادية مركز الصدارة. للمال وحي شديد الاقناع والاثارة والشهوات. الرأسمالية غلبت الجميع. انها الجحيم المشتهى من قبل الميسورين وبؤساء الحال.
من يلوث هذا العالم؟ من يدمر طبيعة مناخه؟ من يهدد الكرة الارضية بالاختلال؟ الخطب والمداخلات التي روجت للمأساة، حاولت ان تداوي الجراح البشرية بمراهم المال. والمال الذي سيصرف، على سخائه، سيعود الى مصادره. فكل مشروع لتخفيف تلويث المناخ، يفترض ان تقوم به دول بمساعدة وإمرة الغرب، والولايات المتحدة اولاً.
سيدفع الفقراء ثمن التلوث والتلويث. ووباء التلوث قادم ومنتشر في العالم كله. الدول الفقيرة، لا تلوث بل تتلوث. والحضارة الصناعية والنفطية والـ… الراهنة، جشعة الى حدود نكران الانسانية، وتهديد الحياة في الكرة الارضية.
نحن ضحايا القوة العظمى الاميركية والقوة الاغرائية الغربية والاسرائيلية. يضاف اليها، القوة العظمى الرأسمالية. من يظن ان الحروب ستتوقف، غبي ومسطول. الحروب كنز لا يفنى. شهوة الرأسمال، زواجه مع العنف والحروب. وعليه ، فالعالم ماض من رعب مؤقت الى رعب مستدام.
الوعد القادم علينا، نحن الشعوب المسحوقة، المزيد من الكوارث.
مسكين لبنان… انه في آخر الروزنامة.
سيكون لبنان في عهدة “شيا”، في نزاعه المقيم والدائم.
هنا، في لبنان، يتواجه الضدان ميدانياً: ايران وأميركا.
انتظروا، كي تعرفوا في ما بعد، من أين ستشرق الشمس. طبيعي ان تكون من الشرق، ولكن الرأسمال يستطيع انجاب الشمس من الغرب.
من يدري؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق