شاتيلا ذاكرة الأحياء


 موسى جردات
في مساء السادس عشر من أيلول، تحرك القتلة من عصابات أدمنت طاعة سيدها الإسرائيلي، هناك صوب مخيم شاتيلا، مدعومين بجنود ودبابات ووزير الإرهاب الإسرائيلي شارون، لحصار وذبح المخيم ، مستخدمين أسلحة بدائية موجهة نحو المدنيين الفلسطينيين، ليسقط مئات الضحايا على يد تلك العصابات التي تدعي انتماءها للعالم المتحضر. في الوقت الذي لم تكن الضحية قادرة على الدفاع عن نفسها، بعد أن خرج المقاتلون من لبنان، إلى المنافي الأبعد.
بعد أربعين سنة من المذبحة ما يزال القاتل طليقا، فكرا وجماعة، ينكر أحيانا ، ويبرر فعلته أحيانا أخرى، يحاول أن يبقي أيديولوجيا القتل والذبح جزءًا من عقيدته التي تربى عليها، هناك في تل أبيب، ومهما حاول أن يتبجح بفهمه السيادي للوطن غير أنه مازال حتى هذا الوقت مرتبطا ارتباطا عضويا بسيده الإسرائيلي، الطاعة له تحميه ظنا منه.
لماذا شاتيلا ؟
اختار القاتل مخيم شاتيلا، ليمارس كل هذا التوحش، لأنه مخيم صغير الحجم وقليل السكان، يقع في العاصمة بيروت، وهو متأكد من عدم وجود المقاتلين. اختار العزل لرسم صورة عن نفسه. إنه القوي والقادر على إرهاب الجميع، ولكنها ايام فقط ليكتشف الزيف، فأمل عودته لاستلام الحكم في لبنان، بددته طلائع المقاومة اللبنانية التي أفرغت رصاصها في صدور المحتل في كل شوارع وساحات بيروت، لينسحب منها، مع تلك العصابات التي اوغلت في ذبح شعبنا.
بعد أربعين عاما من ذبح شاتيلا، ماتزال تلك الأصوات والجماعات ترى أن حل مشكلة اللجوء واللاجئين، يكمن في طرد الفلسطيني وهدم خيمته، ليتساوق مع سيده التلمودي الذي يتلذذ في قتل الغرباء، ليتسنى له استكمال طقوسه وشعائره، وكأن التجربة لم تقنعه وتثنيه عن أخذ العبر والدروس من المذبحة، الفلسطيني واصل مسيرته الكفاحية، مستعينا بهذه الذكرى وغيرها من المذابح التي قام بها المحتل، على طول سنين دولته، فالمذبحة صارت جزءًا من ذاكرته التي تقول إن العودة إلى الوطن فلسطين هي القادرة على أن تطفئ عطش الغربة والمنفى، وليس هناك خيار غيره، على عكس ما اعتقد المحتل .
أربعون عاما من ذكرى المذبحة، وها هي فلسطين وشعبها، حاضرة وبكل قوة، تشمر عن ساعديها، لتحتضن شعبها. ففي كل الميادين، في الداخل والشتات، ماتزال القضية في وهجها، ومن جيل إلى جيل ماتزال الرواية تنسج فصولها على وقع المقاومة فكرا وعملا، وما تزال شاتيلا المكان والناس حاضرة كأخوتها من مخيمات اللجوء، شاهدة على تضحيات هذا الشعب .
في الذكرى تحضر أرواح الضحايا ، تستلهم الهمم، فيشق درب النصر فرسان المقاومة في فلسطين، يقاتلون ويشتبكون ، يقتلون ويقتلون، في معادلة واضحة لا لبس فيها ، فالعدو عليه دفع الثمن، ليتذكر دوما أن زولاه مرهون بقوة تلك المعادلة .
في شاتيلا اليوم مخيم يلف اللاجئين بجدرانه وزواريبه الضيقة، وفي شاتيلا ناس، وأجيال، مدارس وروضات واطفال، وحكايات لم تتعب الألسن عن ذكرها فلسطين، لذلك شاتيلا لم يمت، لكن قاتل مازال طليقا، يعيش على هامش التاريخ، مربكا يحلم بالعودة لفعله الدموي، يتحين الفرصة، يتحسس المرحلة لربما توفرت له الظروف مرة أخرى، فالمخيم يعني أن الفلسطيني مازال حيا ويقاتل، ويوما ما قادم، يحاسب القاتل والمحرض الذي ارتضى ان يكون على الحياد.
16-09-2022
تحل الذكرى الأربعون لمذبحة صبرا وشاتيلا، وفلسطين لاتزال على موعد مع الدم. القاتل مازال يفتش عن ضحيته، ليواصل مهمته التي امتهنها، فيما الحياة بالنسبة له لا معنى لها خارج دائرة القتل. في المقابل الحياة بالنسبة للفلسطيني تعني له أن قضيته ماتزال ساخنة، وهناك من يعلي الصوت، قولا وعملا، مطالبا بحقوق لم ينساها، ولهذا ماتزال ذكرى المذبحة حاضرة وبقوة في ذاكرة تأبى النسيان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق