الدكتور محمود الحنفي
ترك اتفاق أوسلو، الذي تحل ذكراه في الـ 13 من أيلول من كل عام، ندوبا كثيرة في بنية القضية الفلسطينية، وبدلا من أن يشكل هذا الاتفاق أفقا سياسا ممكنا للشعب الفلسطيني، بحسب ما تخيله عاشقو المفاوضات مع الاحتلال، إذا به يعطي الاحتلال فرصة ذهبية للتوسع والاستيلاء والتهويد والقتل والإجرام، وإذا به يشكل دافعا لدول عربية نحو التطبيع. تراجعت القضية الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو تراجعا دراماتيكيا. كما أنه كرس الانقسام العامودي والأفقي في الساحة الفلسطينية.. لقد عقد الحياة السياسية للشعب الفلسطيني وبات معالجتها أصعب بكثير من قبل 13/9/1993. كما أنه أوجد فئة من الشعب الفلسطيني استفادت من الامتيازات التي أعطاها إياها هذا الاتفاق يصعب معها أن تتنازل عنها بسهولة أو أن تقبل بشراكة سياسية في القرار الفلسطيني. لقد شكل اتفاق أوسلو عن حق هزلا وترفا ولعبا في موطن الجد، واجتهادا خاطئا في موضع النص.
تناول اتفاق أوسلو قضايا مصيرية تهم الشعب الفلسطيني، ومع ذلك لم يخضع لاستفتاء شعبي، أو يصادق عليه برلمان يمثل الفلسطينيين، وانتهك حقوقا راسخة منحها القانون الدولي للشعب الفلسطيني (حق تقرير المصير، حق الشعوب في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة...). اعترف بدولة الاحتلال دولة قائمة بحد ذاتها منكراً على ملايين اللاجئين حقهم في العودة إلى هذه الدولة، بل وأجّل نقاش أمرهم إلى مراحل نهائية لم يأت وقتها حتى الآن، في المقابل لم يعترف الاحتلال بأية دولة فلسطينية حتى على حدود عام 1967. أما الملحقات الأمنية والاقتصادية لهذا الاتفاق فكانت أكثر خطورة.
بعد توقيع اتفاقيات أوسلو بات الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر غموضا الأمر الذي أضعف الجهود القانونية؛ إن الاتفاق له طرفان، والطرف الإسرائيلي لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني أساساً. وفي الحقيقة، يمكن القول إن غياب التقرير الحقيقي للوضع القانوني والسياسي يؤثر على النشاطات الداعمة لحقوق الإنسان.
لقد خلت اتفاقيات أوسلو وملحقاتها من أية إشارة إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الفترة الانتقالية التي كان من المفترض ألاّ تتجاوز عدة سنوات. لقد أدى ذلك إلى تنصّل الاحتلال الإسرائيلي من تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأراضي المحتلة لكل حكومات الاحتلال المتعاقبة، ذلك الالتزام الذي لم تعترف به إسرائيل قطّ. وهناك العديد من الإشارات إلى وجود إرادة سياسية أميركية، بل وإصرار أميركي، خلال مراحل التفاوض المختلفة، على عدم إلزام إسرائيل بأي قاعدة من قواعد القانون الدولي، سواء الإنساني أو غيره؛ لأن ذلك حسب وجهة النظر الأميركية سيُعَدّ عقبة تضاف إلى العقبات الأخرى في طريق التفاوض السياسي حول المرحلة الانتقالية وتأخير الوصول إلى الحل النهائي.
إن اتفاقيات أوسلو طرحت على الفلسطينيين أسئلة غريبة من قبيل: هل المطلوب أن يسلم الفلسطيني أرضه ويهاجر إلى أماكن أخرى، أم يقاوم كما فعل الفيتنامي ليحرر أرضه وإنسانه؟ إن منطق التاريخ يفرض على الإنسان الفلسطيني أن يقاوم بشتى الوسائل المتاحة لديه. وعندما يقاوم يجب ألا تصنَّف مقاومته إرهاباً؛ لأنّ الإرهاب يأتي من الاحتلال، لقد صنف اتفاق أوسلو مقاومة الشعب الفلسطينية إرهابا. ومن الناحية السياسية، لقد وافقت قيادة م.ت.ف على أوسلو وما لحقها، مروراً بواي بلانتيشن، وواي ريفر، وخريطة الطريق، رغم أن السلام عمليا مع الاحتلال غير قابل للتنفيذ؛ لأن الإدارة الأميركية الراعية غير جادة وتطرح نسخاً باهتة وغير واضحة من الحلول الافتراضية غير القابلة للصرف، ولا تتلاءم مع الوقائع الميدانية[1].
وإثر إنشاء مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1994، ومن ضمنها المجلس التشريعي، برزت على السطح إشكالية العلاقة بين منظمة التحرير ممثلةً بمؤسساتها التشريعية، كالمجلس الوطني، والمجلس المركزي، وبين المجلس التشريعي الفلسطيني. وعلى الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية تُعَدّ حاضنة السلطة الفلسطينية، إلا أن الضعف التمثيلي الذي لحق بمؤسسات المنظمة بعد جملة من الانتكاسات السياسية، وخصوصاً بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، واتفاقية أوسلو عام 1993 وتداعياتها، فضلاً عن بروز تنظيمات جديدة لها تمثيلها الشعبي ودورها في الساحة الفلسطينية، من دون أن يكون لها تمثيل في المنظمة، كحركة حماس والجهاد الإسلامي. كل هذا جعل دور المنظمة مهمشاً وأثّر كثيراً في شرعيتها في الساحة الفلسطينية[2].
إن ثمة تقصيراً كبيراً من قبل المسؤولين الفلسطينيين، جعل المجتمع الدولي ينظر باستضعاف إلى الشعب الفلسطيني واستخفاف بمطالبه. إن القضية الفلسطينية قضية قانونية دولية بامتياز، إن هذا التقصير مثله مثل من يضع قضية ناجحة في يد محامٍ فاشل. ثمة استخفاف فلسطيني رسمي متواصل بالجوانب القانونية للقضية الفلسطينية، لعل أشهر حلقاته ظهرت حين أبرمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية دولية عام 1993 مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من دون وجود قانوني دولي واحد في الوفد الذي قاد المفاوضات في الجانب الفلسطيني، فيما كان الوفد الإسرائيلي يضم فريقاً من أشهر المحامين الدوليين.
وبعد إبرام اتفاقية أوسلو عام 1993، استمر الجانب الفلسطيني في تخبطه القانوني من دون الرجوع إلى أهل الخبرة في القانون الدولي، حتى إذا أراد الرئيس الراحل ياسر عرفات أن يعلن قيام الدولة الفلسطينية في ربيع عام 2000، كما كان مقرراً له بموجب اتفاقية أوسلو، واجه تحدياً عارماً من الجانب الإسرائيلي، ليكتشف لاحقاً أن ذلك الإعلان مرتبط بشروط قانونية في ملحقات الاتفاقية الدولية، يكاد يستحيل تحقيقها على أرض الواقع. فبدلاً من أن يطالب بتفعيل المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة في الجمعية العامة، بعد كل اعتداء يقوم به الإسرائيليون، ليتمكن من محاكمة المسؤولين الإسرائيليين في محاكم دولية، يكتفي المسؤولون الفسلطينيون بتكرار طلبهم، السياسي لا القانوني، في مجلس الأمن ليُواجه بفيتو أميركي في كل مرة، أو يحصل على مجرد تنديد من المجلس في أحسن أحواله من خلال بيان رئاسي أو ما شابه.
وبدلاً من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية من أجل استصدار فتوىً بمشروعية الحصار الجائر على غزة، طبقاً للمادة 65 من نظام محكمة العدل الدولية، على غرار الفتوى التي أصدرتها المحكمة بشأن الجدار العازل، ترفض قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كل اقتراح بهذا الشأن.
وبدلاً من متابعة فتوى محكمة العدل الدولية تجاه الجدار العازل، من أجل إرهاق الشركات الأوروبية والأجنبية التي تورطت في المشاركة في بناء الجدار العازل، مخالفة بذلك اتفاقية جنيف الرابعة 1949، التي وقّعتها حكومات دولها وإجبارها على دفع تعويضات للمتضررين، لا يحرك المسؤولون الفلسطينيون ساكناً بشأن هذا الأمر.
وبدلاً من أن تستغل قيادة منظمة التحرير علاقاتها الطيبة مع بعض الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على انتهاكاتها القانونية الفاضحة، ترفض تفويض حكومات أخرى لأجل القيام بذلك، وكأن الأمر لا يعنيها.
وفيما كان ينبغي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تستثمر تقارير بعثات الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن العدوان على الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ضمنها مثلا وليس حصرا "تقرير غولدستون"، من أجل إحالة نتائج التقرير الذي اعترف بارتكاب إسرائيل جرائم حرب إبان حربها على غزة، تصرف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية نظرها إلى الجهة الأخرى، وكأن الخيار الجنائي غير مطروح أصلاً.
وبدلاً من مقاضاة المجرمين الإسرائيليين تحت مبدأ الاختصاص العالمي (المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة)، من طريق تحريك مكاتب محاماة في الدول الأوروبية، لكون ممارسات دولة الاحتلال تعتبر خرقاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة 1949، يراوح القائمون على قيادة الشعب الفلسطيني مكانهم، مكتفين بفقاعات إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.
مع بدء عملية المفاوضات السياسية مع الاحتلال، أصبح الأمر مثيراً للسخرية حقاً حين أصبح تعنت الاحتلال أكثر وأشد: لا لحلّ الدولتين، لا لإيقاف الاستيطان، لا لهدم الجدار العازل، لا للمبادرة العربية، لا لعودة اللاجئين، لا لفكّ الحصار عن غزة، لا لإنهاء احتلال القدس والضفة الغربية، لا للاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية. ومع هذا التعنت الإسرائيلي، تتمسك قيادة منظمة التحرير بالمفاوضات حلاً وحيداً، وترفض خيار المقاومة بجميع أشكالها.
ترك اتفاق أوسلو، الذي تحل ذكراه في الـ 13 من أيلول من كل عام، ندوبا كثيرة في بنية القضية الفلسطينية، وبدلا من أن يشكل هذا الاتفاق أفقا سياسا ممكنا للشعب الفلسطيني، بحسب ما تخيله عاشقو المفاوضات مع الاحتلال، إذا به يعطي الاحتلال فرصة ذهبية للتوسع والاستيلاء والتهويد والقتل والإجرام، وإذا به يشكل دافعا لدول عربية نحو التطبيع. تراجعت القضية الفلسطينية بعد توقيع اتفاق أوسلو تراجعا دراماتيكيا. كما أنه كرس الانقسام العامودي والأفقي في الساحة الفلسطينية.. لقد عقد الحياة السياسية للشعب الفلسطيني وبات معالجتها أصعب بكثير من قبل 13/9/1993. كما أنه أوجد فئة من الشعب الفلسطيني استفادت من الامتيازات التي أعطاها إياها هذا الاتفاق يصعب معها أن تتنازل عنها بسهولة أو أن تقبل بشراكة سياسية في القرار الفلسطيني. لقد شكل اتفاق أوسلو عن حق هزلا وترفا ولعبا في موطن الجد، واجتهادا خاطئا في موضع النص.
تناول اتفاق أوسلو قضايا مصيرية تهم الشعب الفلسطيني، ومع ذلك لم يخضع لاستفتاء شعبي، أو يصادق عليه برلمان يمثل الفلسطينيين، وانتهك حقوقا راسخة منحها القانون الدولي للشعب الفلسطيني (حق تقرير المصير، حق الشعوب في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل الممكنة...). اعترف بدولة الاحتلال دولة قائمة بحد ذاتها منكراً على ملايين اللاجئين حقهم في العودة إلى هذه الدولة، بل وأجّل نقاش أمرهم إلى مراحل نهائية لم يأت وقتها حتى الآن، في المقابل لم يعترف الاحتلال بأية دولة فلسطينية حتى على حدود عام 1967. أما الملحقات الأمنية والاقتصادية لهذا الاتفاق فكانت أكثر خطورة.
لقد خلت اتفاقيات أوسلو وملحقاتها من أية إشارة إلى تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الفترة الانتقالية التي كان من المفترض ألاّ تتجاوز عدة سنوات. لقد أدى ذلك إلى تنصّل الاحتلال الإسرائيلي من تطبيق القانون الدولي الإنساني على الأراضي المحتلة لكل حكومات الاحتلال المتعاقبة، ذلك الالتزام الذي لم تعترف به إسرائيل قطّ. وهناك العديد من الإشارات إلى وجود إرادة سياسية أميركية، بل وإصرار أميركي، خلال مراحل التفاوض المختلفة، على عدم إلزام إسرائيل بأي قاعدة من قواعد القانون الدولي، سواء الإنساني أو غيره؛ لأن ذلك حسب وجهة النظر الأميركية سيُعَدّ عقبة تضاف إلى العقبات الأخرى في طريق التفاوض السياسي حول المرحلة الانتقالية وتأخير الوصول إلى الحل النهائي.
إن اتفاقيات أوسلو طرحت على الفلسطينيين أسئلة غريبة من قبيل: هل المطلوب أن يسلم الفلسطيني أرضه ويهاجر إلى أماكن أخرى، أم يقاوم كما فعل الفيتنامي ليحرر أرضه وإنسانه؟ إن منطق التاريخ يفرض على الإنسان الفلسطيني أن يقاوم بشتى الوسائل المتاحة لديه. وعندما يقاوم يجب ألا تصنَّف مقاومته إرهاباً؛ لأنّ الإرهاب يأتي من الاحتلال، لقد صنف اتفاق أوسلو مقاومة الشعب الفلسطينية إرهابا. ومن الناحية السياسية، لقد وافقت قيادة م.ت.ف على أوسلو وما لحقها، مروراً بواي بلانتيشن، وواي ريفر، وخريطة الطريق، رغم أن السلام عمليا مع الاحتلال غير قابل للتنفيذ؛ لأن الإدارة الأميركية الراعية غير جادة وتطرح نسخاً باهتة وغير واضحة من الحلول الافتراضية غير القابلة للصرف، ولا تتلاءم مع الوقائع الميدانية[1].
وإثر إنشاء مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة سنة 1994، ومن ضمنها المجلس التشريعي، برزت على السطح إشكالية العلاقة بين منظمة التحرير ممثلةً بمؤسساتها التشريعية، كالمجلس الوطني، والمجلس المركزي، وبين المجلس التشريعي الفلسطيني. وعلى الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية تُعَدّ حاضنة السلطة الفلسطينية، إلا أن الضعف التمثيلي الذي لحق بمؤسسات المنظمة بعد جملة من الانتكاسات السياسية، وخصوصاً بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، واتفاقية أوسلو عام 1993 وتداعياتها، فضلاً عن بروز تنظيمات جديدة لها تمثيلها الشعبي ودورها في الساحة الفلسطينية، من دون أن يكون لها تمثيل في المنظمة، كحركة حماس والجهاد الإسلامي. كل هذا جعل دور المنظمة مهمشاً وأثّر كثيراً في شرعيتها في الساحة الفلسطينية[2].
إن ثمة تقصيراً كبيراً من قبل المسؤولين الفلسطينيين، جعل المجتمع الدولي ينظر باستضعاف إلى الشعب الفلسطيني واستخفاف بمطالبه. إن القضية الفلسطينية قضية قانونية دولية بامتياز، إن هذا التقصير مثله مثل من يضع قضية ناجحة في يد محامٍ فاشل. ثمة استخفاف فلسطيني رسمي متواصل بالجوانب القانونية للقضية الفلسطينية، لعل أشهر حلقاته ظهرت حين أبرمت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية دولية عام 1993 مع دولة الاحتلال الإسرائيلي من دون وجود قانوني دولي واحد في الوفد الذي قاد المفاوضات في الجانب الفلسطيني، فيما كان الوفد الإسرائيلي يضم فريقاً من أشهر المحامين الدوليين.
وبعد إبرام اتفاقية أوسلو عام 1993، استمر الجانب الفلسطيني في تخبطه القانوني من دون الرجوع إلى أهل الخبرة في القانون الدولي، حتى إذا أراد الرئيس الراحل ياسر عرفات أن يعلن قيام الدولة الفلسطينية في ربيع عام 2000، كما كان مقرراً له بموجب اتفاقية أوسلو، واجه تحدياً عارماً من الجانب الإسرائيلي، ليكتشف لاحقاً أن ذلك الإعلان مرتبط بشروط قانونية في ملحقات الاتفاقية الدولية، يكاد يستحيل تحقيقها على أرض الواقع. فبدلاً من أن يطالب بتفعيل المادة 22 من ميثاق الأمم المتحدة في الجمعية العامة، بعد كل اعتداء يقوم به الإسرائيليون، ليتمكن من محاكمة المسؤولين الإسرائيليين في محاكم دولية، يكتفي المسؤولون الفسلطينيون بتكرار طلبهم، السياسي لا القانوني، في مجلس الأمن ليُواجه بفيتو أميركي في كل مرة، أو يحصل على مجرد تنديد من المجلس في أحسن أحواله من خلال بيان رئاسي أو ما شابه.
وبدلاً من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية من أجل استصدار فتوىً بمشروعية الحصار الجائر على غزة، طبقاً للمادة 65 من نظام محكمة العدل الدولية، على غرار الفتوى التي أصدرتها المحكمة بشأن الجدار العازل، ترفض قيادة منظمة التحرير الفلسطينية كل اقتراح بهذا الشأن.
وبدلاً من متابعة فتوى محكمة العدل الدولية تجاه الجدار العازل، من أجل إرهاق الشركات الأوروبية والأجنبية التي تورطت في المشاركة في بناء الجدار العازل، مخالفة بذلك اتفاقية جنيف الرابعة 1949، التي وقّعتها حكومات دولها وإجبارها على دفع تعويضات للمتضررين، لا يحرك المسؤولون الفلسطينيون ساكناً بشأن هذا الأمر.
وبدلاً من أن تستغل قيادة منظمة التحرير علاقاتها الطيبة مع بعض الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على انتهاكاتها القانونية الفاضحة، ترفض تفويض حكومات أخرى لأجل القيام بذلك، وكأن الأمر لا يعنيها.
وفيما كان ينبغي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تستثمر تقارير بعثات الأمم المتحدة لتقصي الحقائق بشأن العدوان على الأراضي الفلسطينية المحتلة ومن ضمنها مثلا وليس حصرا "تقرير غولدستون"، من أجل إحالة نتائج التقرير الذي اعترف بارتكاب إسرائيل جرائم حرب إبان حربها على غزة، تصرف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية نظرها إلى الجهة الأخرى، وكأن الخيار الجنائي غير مطروح أصلاً.
وبدلاً من مقاضاة المجرمين الإسرائيليين تحت مبدأ الاختصاص العالمي (المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة)، من طريق تحريك مكاتب محاماة في الدول الأوروبية، لكون ممارسات دولة الاحتلال تعتبر خرقاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة 1949، يراوح القائمون على قيادة الشعب الفلسطيني مكانهم، مكتفين بفقاعات إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع.
مع بدء عملية المفاوضات السياسية مع الاحتلال، أصبح الأمر مثيراً للسخرية حقاً حين أصبح تعنت الاحتلال أكثر وأشد: لا لحلّ الدولتين، لا لإيقاف الاستيطان، لا لهدم الجدار العازل، لا للمبادرة العربية، لا لعودة اللاجئين، لا لفكّ الحصار عن غزة، لا لإنهاء احتلال القدس والضفة الغربية، لا للاعتراف بنتائج الانتخابات الفلسطينية. ومع هذا التعنت الإسرائيلي، تتمسك قيادة منظمة التحرير بالمفاوضات حلاً وحيداً، وترفض خيار المقاومة بجميع أشكالها.
14/9/2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق