عن الرئاسة.. والطوائف والشارع

 


طلال سلمان


كل انتخابات رئاسية تضع البلاد على حافة الحرب الأهلية: تحتدم المنافسات بين أقطاب الطائفة الممتازة الذين يرى كل منهم انه الأجدر بالرئاسة والقيادة ودخول التاريخ..

في العام 1943 كان المرشح الأقوى، كما يروي الساسة من معاصري تلك الفترة، اميل اده.. لكن كلمة السر (البريطانية آنذاك) جاءت ببشارة الخوري، الذي طمع في ولاية ثانية فخلعته المعارضة في منتصف ولايته الثانية في العام 1952. ورفض اللواء فؤاد شهاب ان يتولى المنصب الفخم فجاء كميل شمعون (المعارض) رئيساً. ومع التحولات الخطيرة التي شهدتها المنطقة آنذاك (وحدة مصر وسوريا وقيام الجمهورية العربية المتحدة على حدود لبنان)، وطرح مشاريع أحلاف أميركية مع بعض عواصم المنطقة، وصل اللواء شهاب إلى رئاسة الجمهورية بدعم أميركي ـ عربي معلن لينهي حالة «عصيان» رفضاً لتمديد ولاية شمعون. أما في العام 1964 فقد اختار شهاب المرشح الأضعف (شعبياً) شارل حلو فتم تنصيبه رئيساً.

في العام 1970 ردت «المعارضة» ممثلة بالحلف الثلاثي (الماروني) أي ريمون اده وبيار الجميل وكميل شمعون، بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً سنة 1970 وكان الصوت المرجح لكمال جنبلاط…

لا يمكن اعتبار الصراع حول الرئاسة سبباً مباشراً في انفجار الحرب الأهلية في العام 1976 ولكن الخلافات السياسية كانت قد بلغت ذروة الاحتدام، خصوصاً مع التأثير المباشر للمقاومة الفلسطينية التي كانت قيادتها قد استقرت مع مقاتليها في لبنان… وهكذا أمضى الرئيس الياس سركيس سنوات ولايته محاولاً الحد من الخسائر طالما تعذر الحل.

بعد ذلك سيكون الاجتياح الإسرائيلي بتداعياته السياسية الصوت المرجح في انتخاب بشير الجميل رئيساً، فلما اغتيل تم انتخاب شقيقه أمين رئيساً ـ بديلاً.

… وكان ما كان من تمسك أمين الجميل بحلم التمديد حتى اليوم الأخير من ولايته التي حفلت بكوارث وطنية عدة. وقبيل منتصف الليلة الأخيرة وبعد تبخر أمله بالتمديد استدعى الرئيس المنتهية ولايته، قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون وعيّنه رئيساً لحكومة من أعضاء المجلس العسكري الذي يرئسه. لكن الأعضاء الثلاثة المسلمين أعلنوا رفضهم هذا القرار… وصار للبنان «حكومتان»: الشرعية التي كانت قائمة برئاسة الرئيس سليم الحص، والعسكرية بنصف أعضائها المسيحيين برئاسة العماد عون. ومعروف أن الوضع سرعان ما انفجر بـ «حرب التحرير»، التي شنها العماد تحت عنوان المطالبة بإجلاء الجيش السوري الذي كان قد دخل بقرار من جامعة الدول العربية تحت غطاء قوات الردع العربية في العام 1976، وقبل ان تتوقف «حرب التحرير» هذه، تماماً، تفجرت «حرب الإلغاء» بين العماد عون و «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع.

مع نهاية العام 1983 عُقد مؤتمر جنيف للمصالحة الوطنية، برعاية سورية ـ سعودية مشتركة (تحت المظلة الأميركية)… ثم عُقدت جولة ثانية لهذا المؤتمر في لوزان في ربيع 1984 ثم كانت الجولة الثالثة والحاسمة في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية في خريف 1989. وتنفيذاً للتوافق فيها تم انتخاب المرحوم رينيه معوض رئيساً للجمهورية في مطار القليعات العسكري في عكار. لكن أيادي الإجرام اغتالت هذا الرئيس التوافقي يوم عيد الاستقلال (22 ت2) في بيروت، فعقد المجلس النيابي جلسة استثنائية أخرى في فندق شتوره بارك أوتيل تم فيها انتخاب الراحل الياس الهراوي رئيساً.

ولقد تم تمديد ولاية الهراوي لثلاث سنوات.

بعد ذلك ستعجز الطبقة السياسية عن انتخاب رئيس جديد، فتجد الحل في اختيار قائد الجيش العماد اميل لحود رئيساً للجمهورية. وحين استصدر القرار الدولي 1559 حول لبنان ضغطت دمشق لتمديد ولاية الرئيس لحود لثلاث سنوات أيضاً.

مع انتهاء ولاية لحود شغر موقع الرئاسة لستة أشهر ونيف. وحين حصلت واقعة 5 أيار الشهيرة رد عليها «حزب الله» في السابع من أيار 2007 لمنع كشف خطوط الاتصال البري بين قيادة المقاومة ومجاهديها على امتداد جبهة المواجهة مع العدو الإسرائيلي.

استمر الشغور في موقع الرئاسة حتى تلاقى الأطراف السياسيون المختلفون في مؤتمر الدوحة في الثلث الثاني من أيار 2007، حيث توافقوا على انتخاب قائد الجيش آنذاك العماد ميشال سليمان الذي انتهت ولايته عام 2014 دون أن يتمكن مجلس النواب من انتخاب رئيس جديد.

وبقي لبنان في قلب الفراغ سنتين ونصف السنة، مع كل ما سببه ذلك من خلل بسبب غياب الرئيس الأول إلى أن تم انتخاب الرئيس ميشال عون مع نهاية العام 2016.

وها هي المنافسة على موقع الرئيس تحتدم مجدداً، على ان احتدام المنافسة يتجاوز الأشخاص إلى الكتل السياسية التي يلف الغموض مواقف معظمها، وكل كتلة تنتظر إعلان موقف الكتلة الأخرى لتقرر موقفها…

ومعروف ان في لبنان شوارع سياسية عدة وليس شارعاً واحداً. ربما لهذا يرى البعض ان «الشارع» ليس أفضل صندوق انتخاب للرئيس الجديد… وهكذا ينتهي عصر الفراغ برئيسين بدلاً من واحد، ومعهما طبعاً، الرئيس الجامع المانع الرادع… إلا بإذن الله.

بتصرف- مقال نشر في جريدة “السفير” بتاريخ 10 تشرين الأول 2016

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق