معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ من حق المواطن الفلسطيني أينما كانت إقامته، داخل فلسطين أم خارجها، أن يسأل عن مصيره ومصير قضيته؛ في ظل الأوضاع المضطربة داخل فلسطين، وتصاعد أعمال العنف الإسرائيلي، في ظل غطاء سياسي وفرته حكومة بينيت لجيش الاحتلال، حين خرج رئيس الوزراء، بنبرة فاشية واضحة المعالم، داعياً جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين إلى توسيع دائرة العنف، وارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين، دون تردد بذريعة الدفاع عن النفس. هذا التصريح، أهميته أنه ورد بعد الحملة الدولية لإدانة جريمة اغتيال الصحفية اللامعة الفلسطينية، قلباً وقالباً، شيرين أبو عاقلة، وإصابة زميلها علي السمودي.
يبدو أن هذه الحملة الواسعة من الإدانة، من داخل الولايات المتحدة، وعموم أوروبا، وباقي أطراف العالم، بدلاً من أن يكون لها وقعها في القرار الإسرائيلي، بحيث تفرمل حكومة بينيت سياستها العدوانية، إرضاءً للرأي العام العالمي، بادرت إلى التصعيد، غير آبهة بما يقوله العالم أو يفكر به، فإسرائيل أولاً وإسرائيل عاشراً، وليذهب العالم ومعه الفلسطينيون إلى الجحيم.
ولعل مسيرة تشييع الشهيد وليد الشريف في القدس، وما تعرضت له من قمع دموي أدى إلى سقوط أكثر من سبعين جريحاً، بينهم رجال الإسعاف، دليل على فجور جيش الاحتلال ومنظومته السياسية والأمنية، وفجور إيديولوجية الصهيونية.
تصعيد، يليه تصعيد ثم تصعيد، والقيادة السياسية الفلسطينية تقف مشلولة.
الشارع الفلسطيني يقدم كل ما بإمكانه أن يقدمه، شبانه وشاباته، رجاله ونساءه، حتى أطفاله يقدمهم في خندق المقاومة الشعبية، ويقدم جرحاه، ويقدم شهداءه ويقدم أسراه. ولا يصرخ ألماً، بل لا يكف عن التأكيد على عزمه مواصلة المسيرة أياً كان الثمن، وأياً كانت التضحيات.
أما السؤال عن المصير، مصير الأفراد، ومصير القضية فهو غير مطروح على طاولة القيادة السياسية الفلسطينية، التي اعتادت أن تتوارى عن الأنظار، كلما اشتعلت الأوضاع صدامات ومواجهة مع الاحتلال. توارت القيادة السياسية للسلطة عن الأنظار في «معركة القدس» و«معركة سيف القدس» العام الماضي.
وتوارت كذلك عن الأنظار، في معركة رمضان (حرب رمضان تشبهاً بحرب رمضان عام 1973)، خاض بها الشعب الفلسطيني معارك كبرى، قدم خلالها 18 شهيداً خلال شهر واحد. أما منذ مطلع العام فإن الإحصائيات تشير إلى حوالي 140 شهيداً سقطوا برصاص الاحتلال والمستوطنين، دون أن نتجاهل حالات القمع اليومي، وهدم المنازل، وغير ذلك من أعمال البطش والإرهاب المنظم.
في جريمة اغتيال الشهيدة الكبيرة شيرين أبو عاقلة، حاولت السلطة الفلسطينية أن تجعل من مسألة تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، وكأنها هي القضية، وحاولت أن تجعل من رفضها تسليم الرصاصة القاتلة إلى إسرائيل، وكأنها هي القضية في قفزة بهلوانية مكشوفة عن القضية المركزية المتمثلة في وقف كل أشكال التنسيق الأمني، التزاماً لقرارات المجالس الوطنية والمركزية.
حاولت السلطة أن تغطي غيابها عن الفعل السياسي وتواريها عن الأنظار بسلسلة من التصريحات «النارية» (وفقاً لمقاييس السلطة)، لكنها كلها توقفت عند حدود الإدانة اللفظية وعند حدود الشكوى (والشكوى لغير الله مذلة) وكلها توجهت بلغة التذلل إلى الإدارة الأميركية تستحثها، وتتوسل إليها أن تتدخل قبل انهيار الهيكل لقد أكدت القيادة السياسية للسلطة في مجرى الأيام الماضية مدى عجزها عن اتخاذ قرارات سياسية ذات مضمون استراتيجي لمواجهة الحالة القائمة.
كما اثبتت القيادة السياسية للسلطة عجزها عن قيادة الحركة الشعبية في معركة المواجهة مع الاحتلال، وكذلك غابت اللجنة التنفيذية، جماعة وأفراداً، وغابت ما يسمى بـ «القيادة السياسية الفلسطينية»، وبقيت المواقف متفرقة على لسان ممثلي فصائل العمل الوطني «غابت المبادرات لتوحيد الميدان» في مواجهة تقاعس القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية.
ومع ذلك يستمر الجهد النضالي الفلسطيني للأفراد والمجموعات في تحدي الاحتلال، وتحدي السلطة الفلسطينية وبدأت بعض المجموعات تبني لنفسها ميدانها النضالي الخاص، كالمقدسيين الذين ألهبوا سماء القضية وأشعلوا نارها بكل جدارة وشرف، وأبناء مدينة جنين ومخميها الذين اختاروا مساراً استعادوا فيه مسار المواجهة الدائمة، وأبناء نابلس ومخيمها وريفها، حيث المعركة تمتد فصولاً، وكذلك بيت دجن، والنبي صالح وكفر قدوم وغيرها ...
القضية الفلسطينية أمام لحظات مفصلية، والخاسر الأكبر هو من سيعجز عن قراءة هذه اللحظات وأبعادها■
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق