مبادرة لترسيخ الثقافة الفلسطينية في مخيم نهر البارد

 

الميادين نت- باسل عبد العال
07-04-2022
يعيش سكّان مخيّم نهر البارد في شمال لبنان أوضاعاً معيشية صعبة كباقي المخيّمات والمناطق الفقيرة في لبنان. لكن بعد حرب مخيّم نهر البارد عام 2007 والتي استمرّت 6 أشهر، أعيد ترميم وبناء المخيّم من جديد، بعدما كان ينقسم إلى قسمين هما:"المخيّم القديم والمخيّم الجديد" أو (الفوقاني والتحتاني).
لكن معالم المخيّم وحاراته تغيَّرت كثيراً عمّا كانت عليه من قبل. الحارات والشوارع والبيوت وألوان البيوت وأرقامها، أصبحت شكلياً لا تشبه المخيّمات الأخرى، مثل: عين الحلوة وبرج البراجنة وشاتيلا ومار الياس. هذا المخيّم اختلفت طبيعته "المُخيّمية" عمّا كانت عليه قبل إعادة إعماره. فالبيوت صارت ذات ألوان صفراء وخضراء بحسب ما هَنْدَسته وصمّمته المؤسّسات الدولية التي أعادت إعماره بالطريقة النموذجية كما أطلقوا عليها حينها.
خلال تلك الفترة لاحظ الشباب الفلسطيني من أبناء المخيّم بأنّ الحارات لم تعد تحمل أسماءها الأصلية، وهي نسخة مُصَغَّرة عن أسماء قرى ومدن في فلسطين المحتلة، مثل: صفوري وهي قرية من قضاء الناصرة، وسعسع إحدى قرى قضاء صفد، وعمقا في قضاء عكا. كلّها باتت أحياء وحارات ملوَّنة بألوانٍ واحدةٍ وأرقامٍ مختلفة مثلاً: تسأل شاباً من المخيّم، من أين أنت ؟ يقول لك: أنا من بلوك (أ) و (ب) لأنّ حارات وأحياء المخيّم أصبحت أرقاماً وليست أسماء لقرى ومدن محتلة في فلسطين، وهذا أثّر كثيراً على الجيل الجديد من الأطفال في المخيّم، لم يعد يعرف أو يسمع بتلك القرى.
لهذا السبب، بادر الشباب والصبايا من متطوّعي "مركز زاوية رؤية الثقافية" في مخيّم نهر البارد إلى إطلاق حملة لترسيخ أسماء قراهم الفلسطينية التي هُجِّروا منها في حارات المخيّم. بدأت الحملة بالنزول إلى تلك الحارات، ورسم خريطة فلسطين بكافة مدنها وقراها على حائط الحارة، وتحديد مكان هذه الحارة في فلسطين، مع لائحة معلومات عنها، أين تقع؟ وبماذا تشتهر؟ وعدد سكّانها، وكم تبلغ مساحة القرية؟ ومقابلات ميدانية مع أجداد فيها، من رجال ونساء من كبار السن مواليد القرية، فبدأت الحملة في قرية عمقا ثمّ انتقلت إلى قرية السمّوعي، وبعدها دخل الشباب والصبايا إلى قرية البروة، ثمّ إلى الدامون، وقبل فترة بسيطة رسم وخطّط الشباب على حائط حارة جاحولا مع تحديد القرية في خريطة فلسطين.
الخطّاط كامل إسماعيل (25 عاماً) الذي قام بتخطيط خريطة فلسطين على جدران الحارات، قال للميادين: "إن الحملة التي يقوم بها زملائي في مركز زاوية رؤية لترسيخ الثقافة الفلسطينية نابعة من قلبٍ يفيض بحب الوطن، والخوف على أبنائه من الجهل لقضيّتنا العادلة، فثقافة الأرض هي أسمى درجات الثقافة لدينا كفلسطينيين لاجئين في المخيّمات، وإنه من الرائع أن أكون واحداً من منفّذي هذه الحملة، وأنا فخور بما أقوم به، أشعرُ بأنّني أقاوم بسلاح الفن والثقافة لأهدافٍ وطنيةٍ عريقةٍ في ترسيخ الثقافة الفلسطينية التي قد تفتقر إليها الأجيال الجديدة، والتي نحن في أمسّ الحاجة إليها في وقتنا الراهن".
وتضيف: "كنت أشعر أني قدّمت الكثير لأبناء مخيّمي، وذلك بفضل رسم خريطة فلسطين وترسيخ المعلومات في أذهان الجيل الجديد الذي يفتقد لتاريخنا وتاريخ أجدادنا، وبواسطة الرسم في كل حارة هذا... كان له القدرة على لفت انتباه وانشداد أطفال المخيّم للمعلومات الجديدة عن وطنهم المحتل فلسطين. لاحظت أنّ المخيّم بحاجة ماسّة لهذا التاريخ ليبقى ويستمر ويتعزّز في أطفالنا وفي جيل المستقبل".
لم تنته المبادرة عند تلك القرى فقط، فهي مستمرة في باقي الحارات والأحياء والتجمّعات في المخيّم، مثلما جاء شعار المبادرة "مش حارة أو حارتين حتى كل فلسطين". كما شكّلت إشارات وشواهِد للقرى، يستطيع كل مَن يدخل إلى المخيّم أن تكون الخرائط بأسماء القرى والحارات المُرِشد لهُ على شكل شواهِد.
كما أنّ باقي الأحياء والحارات المختلطة في المخيّم التي فيها أهالي قرى مختلفة في فلسطين، ساهمت المبادرة بإجراء إحصاء اجتماعي عن أكثرية اللاجئين الذين يسكنون فيها ومن أية قرية في فلسطين، كي يباشر الشباب بتخطيط خريطة فلسطين فيها، ووضعها على الخريطة مع تحديد القرية وأين تنتمي؟ من أي قضاء في فلسطين، هكذا يصبح لهذا التجمّع شاهد ثقافي لقريته يأبى النسيان، كما أنّ الخريطة على الحائط التي تحدّد مكان القرية ومعلومات عنها تضيف للأطفال الذين يلعبون في الحارات والشوارع معلومات إضافية عن القرية، هكذا ترسّخ الثقافة كما الذاكرة في العقول والأذهان كما هي خالدة وتأبى النسيان.
مشاركة إسماعيل في حملة ترسيخ الثقافة الفلسطينية وتخطيطه على جدران المخيّم دفع ببعض الشباب الخطّاطين والرسّامين في المخيّم إلى طلب المشاركة في الحملة، لمساعدة كامل وزملائه من المتطوّعين لأهميّة ما يقوم به من أجل القضية.

أمّا الرسّامة المساعدة في الرسم والتخطيط جنين القاضي (20 عاماً) من فريق متطوّعي المبادرة، فقالت للميادين:"مبادرة رؤية لترسيخ الثقافة الفلسطينية، من هنا بدأنا وبها أكملنا الطريق، لنحيا بين ثقافتنا، ونغدو بها نحو فلسطين أرض الوطن. وهذا العمل أقلّ ما تستحقّه فلسطين فهي الروح النابِضة بإسمنا وبها نرفع رايات الإبداع، عملي ضمن الحملة رؤية لترسيخ الثقافة الفلسطينية كان لديّ دور مهمّ للغاية وهو الرسم وبدوري هذا أضفت لكل حارة لمسة، من عمقا، البروة، السمّوعي، الدامون، سعسع إلى جاحولا".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق