رسائلُ الكيانِ الرمضانيةُ قتلٌ ودهسٌ واعتقالٌ



بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ملأ العدو الصهيوني الدنيا صراخاً وعويلاً، ورفع عقيرته شاكياً خائفاً، وسخر إعلامه المحرض وأطلق أبواقه الكاذبة، وجند دبلوماسيته الخبيثة، وحرك قنواته السرية، واستنجد بمن حوله طالباً العون والمساعدة، وأرسل إلى دول الجوار القريب والبعيد طالباً وساطتهم، وجمعهم في ضيافته للوقوف معه ومساندته، وأشهدهم على ما يواجه، وشكا إليهم ما يعاني، فنددوا بالمقاومة كما يريد، وشجبوا أعمالها كما يتمنى، وأدانوا رجالها وحرضوا عليها، وشككوا فيها وأعلنوا حربهم عليها.
وخاطب الإدارة الأمريكية لمزيدٍ من الضغط على الفلسطينيين، واستدعى الدبلوماسيين المعتمدين في كيانه وحرضهم، وزودهم بمعلوماتٍ كاذبةٍ ومعطياتٍ مقلوبةٍ، وأمر الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالحيطة والحذر، واليقظة والانتباه، ومراقبة الشبان ومتابعتهم، وتفقد الغائبين منهم، وضبط واعتقال المشتبه فيهم.
وظهر أمام دول العالم بأن دولته مظلومة وأن كيانه مستهدفاً، وأن حياة شعبه في خطر وأمن مستوطنيه مهدد، وأن الفلسطينيين يتربصون بهم ويخططون للنيل منهم، وأنهم سيستغلون شهر رمضان لمزيدٍ من العنف والعمليات "الإرهابية"، وقد أعدوا العدة وجهزوا أنفسهم، وأعلنوا عن نواياهم وأسفروا عن مخططاتهم، واستبقوا الشهر الفضيل ببعض عملياتهم.
كذب الإسرائيليون حتى صدقوا أنفسهم، وخدعوا دول العالم ومضوا في روايتهم، وظهروا كأنهم عقلاء يخافون على الفلسطينيين ويحرصون على سلامتهم، ويريدون استقرار الأوضاع في شهرهم، ضمانةً لحرية عبادتهم وتيسيراً لممارسة طقوسهم، وغدوا بسرابِ وعودهم وكَذبِ ادعائهم، أمام الرأي العام الدولي، كما يقول المثل العربي الشهير، "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، إذ نسوا أنهم يحتلون أرضنا، ويغتصبون حقوقنا، ويدنسون مقدساتنا، ويحرموننا من العيش الكريم والحياة الآمنة المستقرة المطمئنة، ويقترفون بحقنا كل يوم مختلف أنواع الجرائم والموبقات، دون مراعاةٍ للقوانين الدولية واللوائح الإنسانية.
في ظل هذه البروباغاندا الإعلامية المدروسة، والمظلومية الكاذبة التي اعتاد عليها منذ ما قبل تأسيس كيانه، استغل العدو الإسرائيلي الظروف السائدة والأجواء الكاذبة التي اصطنعها، وبدأ في توجيه أوسع هجمة عدوانية ضد الشعب الفلسطيني، وكلف جيشه بحرية العمل في المناطق الفلسطينية، وسمح لجنوده ولعناصر الشرطة بممارسة القوة والعنف إلى أوسع مدى ممكن، بحجة تحييد "الإرهابيين"، ومنعهم من الاعتداء على المستوطنين وتهديد حياتهم، واستدعى الآلاف من جنود الاحتياط، وكلف كتائب الجيش بالانتشار الواسع وضبط الأمن بالقوة، وسمح للمستوطنين بحيازة السلاح واستخدامه، وشكر الذين أطلقوا النار وقتلوا فلسطينيين "مشتبه فيهم"، واعتبر عملهم مشروعاً وأشاد به وقَدَّر مرتكبيه.
واصل العدو الإسرائيلي قبل حلول شهر رمضان الفضيل توجيه رسائله الدموية ضد الشعب الفلسطيني، وأقدم على اعتقال مئات الفلسطينيين من الجنسين ومن مختلف الأعمار، وطالت اعتقالاته أهلنا في النقب الثائر، وفي مدن وبلدات الأرض المحتلة عام 1948، ولم تسلم بلدة ولا مدينة ولا مخيماً في الضفة الغربية من مداهمات جيشه، الذي نفذ والأجهزة الأمنية المصاحبة له أوسع عمليات الاعتقال والمداهمات المستفزة.
لم يكتفِ العدو الإسرائيلي بعمليات الاعتقال والمداهمة والاجتياح، بل جنح إلى إطلاق النار عمداً على الفلسطينيين على الحواجز الأمنية، وسمح لمستوطنيه بإطلاق النار على سيارات العابرين وعلى المارة الآمنين، وسكت عن محاولات دهس الأطفال والاعتداء على البيوت والمنازل، وسمح لمستوطنيه بإطلاق النار حتى الموت على كل فلسطينيٍ مشتبهٍ فيه، وأقدمت وحداتٌ خاصة من جيشه على ارتكاب جرائم الاغتيال والتصفية ضد شبانٍ من أهلنا في مدينة جنين وبلداتها، ومن قبل قتلت صبيين يافعين في مخيمها وجوارها، وما زال جيشه يعيث فساداً في مختلف أنحاء الضفة الغربية، يطلق النار ويقتل، ويترك المصابين على الأرض ينزفون، ويحتجز جثامين الشهداء ويمنع تسليمهم.
الحقيقة الساطعة أن العدو الصهيوني، المحتل الغاصب، هو الذي يكثف عدوانه في شهر رمضان الفضيل، كما في غيره من شهور السنة، وهو الذي يستفز الفلسطينيين ويضيق عليهم، ويتعمد اعتقالهم وقتلهم، ويخطط لشطبهم وترحيلهم، وما زال يخطط لطرد المقدسيين وهدم بيوتهم، ويعمل على توسيع مستوطناته ومصادرة المزيد من الأراضي لبناء الجديد عليها، وقد أراد بدعايته الكاذبة وأخباره المضللة أن يوهم العالم أنه مظلومٌ وأنه يدافع عن نفسه ويحمي شعبه.
لكن الفلسطينيين الذين عرفوه وخبروه، ويعلمون أكاذيبه ويكشفون أضاليله، لا يهربون من مواجهته، ويصرون على منازلته بذات السلاح وبنفس القوة، ويفتخرون بأنهم يحبون شهر رمضان الكريم، ويعتبرونه شهر الانتصارات والفتوحات، وشهر الصمود والثبات، فلتكن فيه المنازلة والمواجهة، فإن كان سيف القدس في رمضان قد أرعبه، فإن سيوف فلسطين ونصل جنين ستنسيه وساوسه، وسترد عليه بالقوة رسائله، وستعلمه في رمضان درساً جديداً سيحفظه.
بيروت في 2/4/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق