دعاء عبد الحليم /بوابة اللاجئين الفلسطينيين
"مهما اشتدّت الأزمات وكثُرت المعوّقات، لا بدّ للساعي أن يصلَ إلى حلمه، خاصة من كان هدفه إنسانياً" هكذا عبّرت ريما العينا - وهي لاجئة فلسطينية في لبنان- عن سعادتها بمشروعها الجديد الذي رأى النور منذ أشهر قليلة.
ريما تبلغ من العمر 38 عاماً منحدرة من بلدة علما الفلسطينية المهجرة قضاء مدينة صفد المحتلة وتقطن في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان، لديها سمة تميزها وهي أنها ولدت بقامة أقصر من الآخرين.
المثير للتفاؤل والسعادة في قصة ريما أن طموحها وإصرارها على فعل شيء يميزها حقاً كانا أقوى من الظروف كافة، فالحلم صار حقيقة ومشروعها بإنشاء فريق كرة قدم لذوي القامة القصيرة في لبنان صار واقعاً، هو الأول من نوعه في هذا البلد.
في عام 2021 أسست هذه اللاجئة الفلسطينية فريقها لكرة القدم وأسمته "تنويع" ذوي الهمم، وفي مخططها هدفان هما تسليط الضوء على قضية الأشخاص ذوي القامة القصيرة واحتياجاتهم وتوجيه نداء بضرورة التفات المعنيين إليهم للحصول على حقوقهم التي تعتبرها "مهمّشة" وأيضاً من أجل أن توضح على أرض الواقع بأن هذه الفئة من الناس مهمة وتستطيع تقديم ما هو مفيد وهام وتشارك في بناء المجتمع.
فئة قصار القامة لا يتمتعون بحقوق في لبنان كما في الدول العربية الأخرى
يضم فريق ريما أحد عشر لاعباً بالإضافة إلى حارس مرمى ومدرب ومساعد، وأربع فتيات في قسم الإدارة إلى جانب المُؤسِسَة ريما التي استلهمت فكرة تشكيله من خلال متابعتها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المتخصصة بقضايا لها علاقة بالأشخاص ذوي القامة القصيرة، ودعوتها لحضور مباراةٍ لقصار القامّة في مصر، حيث تعرفت على أفراد في دول عربية شكلوا فرقاً لهذه الفئة، وتواصلت معهم وتفاعلت مع أنشطتهم وتجاربهم الرياضية، لتؤسس نفسها من أجل تشكيل فريق في لبنان.
تقول ريما لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن فئة قصار القامة لا يتمتعون بحقوق في لبنان كما في الدول العربية الأخرى وأنه انطلاقاً من غياب مؤسسة تهتم وترعى هذه الفئة، قررت أن تؤسس فريقاً كرويّاً لتكرر تجارب فرق مماثلة أخرى، ويحاولهذا الفريق نشر اسمه في العالم كله، وليس في لبنان فقط.
بدأت ريما بالبحث عن مدرب،واتصلت بأحد مدربي كرة القدم لللأطفال وطلبت منه استعارة ملابس للاعبين فوافق على ذلك وشجعها على تأسيس فريقها، بعدها بحثت عن لاعبين قصار قامة عبر منشورٍ على موقع فيسبوك، وتواصلت مع عددٍ منهم في الشمال والجنوب وبيروت، وباشرت العمل لتأسيس الفريق، وهو ما حصل خلال ثلاثة أسابيع.
تشير ريما إلى أنّ شغفها بهذا المشروع وإيمانها بأهميّته دفعها للتكفّل بتأمين المواصلات للاعبين على نفقتها الخاصة، فهو قائم على مبادرة شخصية وتطوعية منها من دون دعم أو أي تمويل ماديّ.
لاعبون من جنسيات مختلفة يجتمعون كل يوم أحد في ملعب بمخيم البداوي
فريق "تنويع" ذوي الهمم يضم لاعبين من جنسيات مختلفة تقيم على الأراضي اللبنانية، ففيه الفلسطيني واللبناني والسوري وفيه الذكور والإناث أيضاً، جميعهم يجتمعون يوم الأحد من كل أسبوع في ملعب بمخيم البداوي تحت راية هدف واحد وحلم مشترك.
تقول منسقة ومستشارة الفريق مروة زيتون، وهي من مدينة النبطيّة جنوب لبنان: إنها انضمت إلى هذا الفريق لأنه يمثلها، وكي تعمل بيد واحدة مع باقي أعضائه من أجل تحقيق هدف كل شخص من ذوي القامة القصيرة في التحدي والنجاح والتحدي، معتبرة أن المهم هو إثبات قدرتهم على تحقيق ما يريدون من أجل إقناع الجهات المعنية في المجتمع اللبناني والمجتمع الفلسطيني اللاجئ في لبنان بعدم عدالة تهميش هذه الفئة من المجتمع.
تضيف زيتون: "نعم تنتظرنا تحديات كثيرة سنواجهها ونتصدى لها للوصول إلى ما نريده، فريقنا يظهر موهبتنا وقدرتنا على مواجهة الصعوبات وتخطيها بعزيمة وقوة وإرادة صلبة".
هنا لا مجال للتنمر والاستهزاء ارتفعت معنوياتي كثيراً
ريّا الشبلي وهي من بلدة زغرتا شمالي لبنان عضو آخر في الفريق، تعبر عن سعادتها بانضمامها إليه وتقول: "ارتفعت معنويّاتي كثيرًا، أشعر بأنّي بين أهلي وعائلتي مع أشخاص يشبهونني، هنا حيث كلّنا قصار قامةٍ لا مجال للتنمّر والاستهزاء، هنا جميعنا واحد وهدفنا واحد وهو إيصال صوتنا إلى كلّ العالم، بعد انضمامي لهذا الفريق أصبح لديّ طموحات وأهداف، سنعمل عليها بكلّ قوّتنا لتحقيقها وسنحققها إن شاء الله".
كذلك وجد أحمد عرنوس وهو سوري من مدينة إدلب ما كان يحلم به منذ صغره في هذا الفريق، يقول أحمد: إنه أحب أن يلعب كرة القدم منذ أن كان طفلاُ إلا أن جميع محاولاته بالانضمام لفريق ما كانت تبوء بالفشل، فقط لاختلافه عن غيره بالشكل، ما أصابه باليأس والاتجاه إلى العمل في مجال آخر يعتاش منه.
يتابع أحمد: "دلّني أحد أصدقائي إلى هذا الفريق، وبالفعل قررت أن أخوض التجربة، حقيقةً بأسابيع قليلة تغيّرت حياتي الاجتماعية ثقتي بنفسي ارتفعت كثيراً، ألعب بشغفٍ وحبٍّ، كلّ أعضاء الفريق إخوة فيما بينهم".
هؤلاء الشابات والشبان يتدربون مبتسمين واثقين يحذوهم الأمل، ربما تغلبوا على غصة في نفوسهم سببتها الظروف المجتمعية المحيطة بهم، لكنهم ما زالوا يواصلون الحلم نحو تحقيق دور عالمي في لعبة كرة القدم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق