اللاجئون الفلسطينيون في العراق بين النكبة واللجوء مآسٍ متراكمة

 

الفلسطينيون في العراق يجسدون مـأساة وفصلا من فصول الشتات والضياع والغربة، وهي بكل تأكيد قصة تكتسب اليوم فصولا مأساوية جديدة مع مأساة العراق المتفاقمة فصولها هي الأخرى. وكأنه كتب على الفلسطيني في بقاع الأرض اللجوء والشتات الدائم. فالمنافي الفلسطينية ما زالت تتّـسع باستمرار ورحلة الشقاء تزداد خطوة جديدة، في كل المنافي التي هربوا إليها، يوماً بعد يوم. ولعلّ الفلسطينيين في العراق الذين كانوا مغيبين تماماً عن الإعلام العربي والفلسطيني قبل نكبتهم الثانية في عام 2003م، يجسدون المعنى الحرفي لهذه المأساة. فإلى جانب انقطاع مصادر رزقهم، وخروجهم من دائرة التنافس على فرص العمل شبه المنعدمة أساساً، يتعرض الفلسطينيون في كل يوم هناك إلى ضغوط اجتماعية واقتصادية وسياسية كبيرة.
وعلى الرغم من تعهّد العراق بالإشراف الكامل على شؤون اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه ورفضه لعمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الأنروا” فيها، فإن وضع اللاجئ الفلسطيني العراقي لم يختلف عن غيره من اللاجئين القاطنين في مناطق عمل الوكالة الخمس. بل إن ذلك الأمر قد أضفى على لجوئه متاعب كثيرة، منذ الفترة التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، وصولاً إلى المجازر بعد الاحتلال الأميركي، والتي كان أوّل ضحاياها اللاجئ الفلسطيني. هذا الأخير وجد نفسه مجّرداً من أي غطاء أممي، ينظر لحاله ويوفّر له حدّاً أدنى من الحماية.

تعود أصول وجذور اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلى عام 1948م عندما احتل الكيان اليهودي الغاصب أرض فلسطين، بعد أن سُلِّمت إليهم على طبق من ذهب من قِبَل المحتل البريطاني آنذاك، إذ بعد سقوط مدينة حيفا بيد العصابات الصهيونية في نيسان 1948م اشتد قصف القرى التابعة لقضاء حيفا، التي صمدت بدورها صموداً أسطورياً، ومع استمرار القصف البري والبحري والجوي اضطر أهالي قريتَي جبع وعين غزال تحت هذا الدمار والخراب إلى مغادرتها إلى قرية إجزم.

وصل اللاجئون الفلسطينيون إلى العراق عام 1948، عبر حافلات الجيش العراقي الذي قاتل في حرب فلسطين بعام النكبة، وانسحب بعد هزيمة الجيوش العربيّة، مصطحباً معه أعداداً من الفلسطينيين الذين هجّرتهم العصابات الصهيونية من قرى حيفا، ووصل بهم الى محافظة البصرة جنوبي العراق، وتحديداً في منطقة الشعيبة وذلك لكونها كانت مقراً للجيش العراقي، وقد تم إبلاغهم من قبل الضباط العراقيين بأنّ مجيئهم إلى العراق ليس دائماً كما يروي من عايشوا تلك الفترة.

تولت آنذاك وزارة الدفاع العراقية هذه المهمة. وعليه تم تأسيس مديرية شؤون اللاجئيين الفلسطينيين في العراق، وتشرف هذه المديرية على شؤونهم، وليس لها علاقة بباقي الفلسطينيين الذين وفدوا إلى العراق للإقامة فيه، و قد حددت المديرية تعريف اللاجئ الفلسطيني إلى العراق، بأنه “الإنسان الفلسطيني الذي تهجر من بلده المحتل عام 1948 ودخل إلى العراق وأقام فيه قبل تاريخ 1958 “.

ونتيجة للخطأ الفادح والكارثة التاريخية في عدم تسجيل الفلسطينيين ضمن سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) لم يشملهم التعريف الأممي للاجئ الفلسطيني الذي صاغته الوكالة على أنه “الشخص الذي عاش في فلسطين بين حزيران 1946 وأيّار1948، وفقد بيته ومصدر رزقه نتيجة تهجيره بعد حرب 1948. وبناء عليه يُعتبر لاجئاً معترفاً به تقف الوكالة عند حاجيّاته المعيشيّة والقانونية في مناطق عملها، حتى إيجاد حلّ عادل لقضيته”. ويعود السبب في عدم إدراج الفلسطينيين لرفض الحكومة العراقية القاطع أن يكون العراق من مناطق عملياتها. وتعهدت الحكومة حينها للوكالة الدولية بالإشراف الكامل على شؤون الفلسطينيين، وتقديم كافة المساعدات لهم. لكن هذا تم بمستوى رديء للغاية حيث أسكنتهم الحكومة العراقية في الأشهر الأولى لقدومهم في الكليات والمعاهد والمدارس والفنـادق وغيرها وبعد ذلك، انتقلت بعض العائلات إلى مدينــة الموصل، وأعيد إسكان العائلات المتبقية في بغداد في عدة نوادي منها: نادي الرافدين، ونادي العلويـة، ونادي الزوراء، ونادي الرشيد وغيرها، ووضعوهم ايضا في مجمعات بعضها طينية، كما تم إسكان الفلسطينيين في الدور المجمّدة لليهود العراقيين الذي هاجروا إلى ما يسمى “اسرائيل”، وفي بعض المؤسسات الحكومية المهجورة أيضاً.
واعتمدوا في معيشتهم، على مساعدات الطعام التي كانت تقدم لهم يومياً من قبل الضباط العراقيين، قبل أن يتم صرف مبالغ مالية شهرية لهم، وكان معظمهم حينها، يبحثون عن مقاهي تحتوي على جهاز مذياع ليستمعوا إلى أخبار تحرير فلسطين والعودة الى بلدهم.
واستمر هذا الحال إلى أن أصدرت الحكومة العراقية حينها، قراراً بسحب العوائل الفلسطينية من البصرة إلى بغداد، فسكنوا في مناطق متفرقة من بغداد القديمة مثل منطقة “تحت التكية” القريبة من سوق “قمبر علي” الشهير، ومنطقة الفضل، وباب المعظم، ولم يخلُ واقعهم الإيوائي حينذاك من المتاعب، بسبب ضيق المنازل التي سكنوها، وهي بيوت قديمة ذات سقوف خشبيّة، حيث قطنت كل أربع عوائل في منزل واحد.

لم تكن هنالك قرارات واضحة تنظم هذا الملف وكيفية التعامل في كثير من الجوانب مع الفلسطيني في العراق مدة طويلة لغاية صدور قرار عام 1964م، ثم بدأت تصدر القرارات تباعاً ومنها معاملة الفلسطيني معاملة العراقي بالواجبات والحقوق باستثناء الجنسية والترشيح، وكان آخرها قرار رقم 202 لسنة 2001م ، ومنحهم الإقامة الدائمة.
وكان لقرار رقم 23 عام 1994م الأثر الكبير في تكريس معاناة مضاعفة في كثير من الجوانب؛ إذ يقضي بعدم تمكُّن الفلسطيني من العمل أو السكن أو الإيجار أو حتى امتلاك خط هاتف، وعلى الرغم من التصريحات بمعاملة الفلسطيني معاملة العراقي في السنتين الماضيتين؛ إلا أن اضطراباً واضحاً وتضييقاً كبيراولّدت صعوبات كثيرة يعيشها الفلسطيني في العراق.

أصبح وضع الفلسطيني مرتبط بسياسة الحكومة العراقية التي تحكم البلاد، وهو ما جعل وضعه القانوني والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي وغيرها مضطرباً وغير مستقر، نتيجة تغيُّر وتقلُّب القوانين والأحوال المتعلقة بهم.

بعد عام ٢٠٠٣ بعد الاحتلال الامريكي للعراق تغيرت الظروف بحق اللاجئيين الفلسطينيين في العراق، وتأزم وضعهم؛ حيث بدأت هناك هجمات منظمة بحق اللاجئين الفلسطينيين بعد تعبئة الناس ضد الوجود الفلسطيني باعتبار انهم من مخلفات عهد الرئيس صدام حسين ووصفوهم بالأجانب ورعايا دولة اخرى لاغين جميع قرارات الدولة العراقية السابقة .

وبعد سلسلة من الهجمات المبرمجة من قبل القوات الاميركية وحملات قتل منظم وطرد وتهجير الآلاف من الفلسطينيين دفعوا ثمنا آخر غير الثمن الذي دفعوه حين النكبة الكبرى، وتهجيرهم من أرضهم، وهو الرحيل، والهروب من أرض العراق للبحث عن الأمان والاستقرار .

وقصدوا سوريا والأردن حيث رفضت الدولتان استقبالهم أيضاً. واضطر هؤلاء إلى نصب الخيام والمكوث فيها لمدة ثلاث سنوات إلى أن تم فتح باب اللجوء لهم في عدة دول مثل البرازيل، والتشيك، وكندا، وبريطانيا، والنروج، بينما هرب المئات منهم عبر البحر نحو أوروبا.

وعلى هذا النحو، يمكن القول إن فلسطينيي العراق يعانون من أشد أنواع الشتات قسوة، بسبب الأحزاب السياسة والمصالح والارتباطات الأيديولوجيّة، والتي كانت تستخدمهم كبطاقة رابحة في ألعابها السياسية ومصالحها، منذ العهود القديمة وحتى وقتنا الحاضر، دون أدنى حضور للمنظمّات الدوليّة المعنية بشؤونهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق