اليسار الفلسطيني .. هل يحيي عظامه وهي رميم ؟١

 


عبد معروف

لاشك في أن معنى اليسار مستمد من عملية التقدم بمعناها العام أي مستمد من السعي لتحقيق تغيير تقدمي وفي مقدمتها قتال الاحتلال، وأيضا في مواجهة المحافظين الذين يتمسكون بالوضع القائم في مجتمع أصبح مأزوما وضعيفا ومهزوما وأنهكته الأزمات ويحتاج إلى التغيير.

واليسار أيضا يتعلق بالتغيير في بنية المجتمع في سياق تحقيق التقدم والتطور والوعي وتنظيم الصفوف .

بعد سنوات طويلة من انتشاره، بات اليسار الفلسطيني يتلاشى، ويتحول إلى تيارات هرمة ترفع شعاراتها القديمة وتتبع سياسات تميل إلى المهادنة، والتكيف مع الأمر الواقع.

بل إن تأثير اليسار الفلسطيني في إطار النضال الوطني العام، سواء في مواجهة الاحتلال، أو من أجل استهاض طاقات الشعب ورفع مستوى وعيه وتنظيم صفوفه بات دورا ضعيفا، وليس له التأثير البالغ على مسار الأحداث والتطورات، لذلك فاليسار الفلسطيني وإن كانت هياكله وبقاياه مازالت نوجودة، إلا أنه مازال يعيش برمقه الأخير وأزماته المستفحلة ، خلف أحزاب وتيارات يمينية ودينية وأنظمة قمعية.

ذلك لأن اليسار الفلسطيني كما اليسار العربي عامة، تجاوز المبادئ واندثر مع اندثار المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي، وأخذ يعطي لنفسه مبررات لهذا التراجع بعد أن اتضح ضعف هذا اليسار وترهله وتستره خلف حلفائه .

واليسار الفلسطيني يعيش أزمة أدت إلى كل هذه الانتكاسات التي أصيب بها، وأثبتت أن سياسته خلال العقود الماضية كانت مجرد شعارات ورايات حمراء، وسطحية في الوعي وعفوية في العمل وعدم القدرة على مواجهة الانحرافات .

وردد هذا اليسار ما كتبه ماركس وآنجلز ولينين، وماو تسي تونغ وغيرهم، كقصائد الشعر لتلاميذ المدارس دون فهم حقيقي لأدبيات وكتابات اليسار الفكرية ودون القدرة على تطويره استنادا للواقع العربي والفلسطيني خاصة، فكانت الماركسية عند الكثيرين شعارات وأحلام وكان عمل المخلصين منهم، عملا عفويا وارتجاليا، فلم يتمكن اليسار من تطوير الفكرة أو الوصول إلى الأهداف التي انطلق من أجلها.

وقد برزت أزمة اليسار الفلسطيني:

أولا أن هذا اليسار لم يتمكن من قيادة الثورة رغم ما حققه والنشاط الثوري الذي قدمه خلال السنوات الأولى للثورة رغم أن الفصائل اليسارية تؤكد دائما أنها قوى وتيارات طليعية في صفوف الثورة.

ثانيا أن اليسار الفلسطيني قدم الكثير من التنازلات وتراجع عن الكثير من الأهداف، ولم يتمكن خلال العقود القليلة الماضية من الدخول بجدية وتنظيم وفعالية في ميادين الصراع سواء مع الاحتلال الاسرائيلي(طبعا مع الاستثناء للأعمال الفردية والموسمية) أو في ميادين الصراع لمقاومة حالات الترهل والضعف التي أنهكت الساحة الفلسطينية وأدت إلى إضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية.

فالفصائل والقوى والتيارات اليسارية (أو التي ادعت اليسار)على الساحة الفلسطينية، لم تتمكن من الوحدة، وبناء جبهتها الموحدة، ولم تتمكن من الاتفاق على برنامجها الموحد، بل كانت طوال السنوات الماضية تعيش حالة الانقسام والتفكك والشرذمة والانشقاقات القاتلة، إلى أن أصبح كل خمسة أو عشرة عناصر يطلقون على أنفسهم تنظيم يساري، بل ونتيجة عدم قدرتها على فهم الواقع وعدم قدرتها على تغييره وقيادة الشعب، تخلى بعض منها عن ميزته، وتنكر لشهدائه ومبادئه ومنطلقاته وأهدافه، وتستلا خلف العجز والضعف والتفكك واستقوى بالحلفاء دون القدرة عن صناعة الثورة.

اليسار الفلسطيني مطالب اليوم، بالنهوض وتطوير الذات، وتصليب البنية، والدخول في ميادين الصراع مع الاحتلال والعمل على استنهاض طاقات الشعب والعمل من أجل وحدة وطنية فاعلة وجادة من خلال:

= تقييم المرحلة السابقة وتجاوز ثغراتها وانتكاساتها وتطوير نضالاتها ووعيها.

= التخلي عن سياسة المهادنة وتصليب مواقفها، وتطوير وعيها الفكري والسياسي وتنظيم صفوفها .

= تصعيد القتال والمواجهة مع الاحتلال الصهيوني وبناء القدرات القتالية القادرة على المواجهة والعمل من أجل وحدتها  وتنظيم صفوفها.

= العمل وسط الجماهير الشعبية وتلمس معاناتها والدفاع عن حقوقها، ومحاربة سياسة التخلف والجهل والانقسام والانشقاق والانحراف القائم، وتطوير العمل السياسي والنقابي .

لا شك أن للفكر اليساري دوره القيادي والطليعي في مرحلة النضال الوطني، وفي مرحلة بناء المجتمع المتقدم،وله الدور الطليعي والقيادي في وعي الشعب وحشد طاقاته وتنظيم صفوفه في ميادين الصراع المتعددة، لكن ذلك يتطلب قيادات وتيارات وبرامج يسارية قادرة ولديها الاستعداد للتضحية وخوض الصراع دون تردد بعيدا عن المهادنة والضعف والترهل والعفوية والارتجال الذي أصابها وأدى إلى تراجعها وترهلها وضعفها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق