النشرة
خطفت تطورات سياسية وأمنية فلسطينية
على الساحة اللبنانية، الاضواء والاهتمام عن زيارة لافتة للمفوض العام لوكالة
الاونروا" فيليب لازاريني، الذي دقّ ناقوس الخطر من العجز المالي المتراكم،
ما اعتبره اللاجئون إشارات سيئة حول مستقبل الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية،
التي يتلقونها في ظل معاناتهم من الفقر وقلة المال وسط تداعيات الازمة اللبنانية
الخانقة.
التطورات السياسية التي شهدتها الساحة
الفلسطينية والتي جاءت غير مترابطة ولكنها متوالية في غضون ايام قليلة، بدأت مع
قرار وزير العمل مصطفى بيرم حول استثناء الفلسطينيين من المهن اللبنانية، والضجة
السياسية التي اثارها وابرزها من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي وصف
القرار بانه "توطين مبطن"، ما استدعى توضيحا من الوزير بيرم نفسه،
وانتهت بالانفجار الذي حصل في مخيم "برج الشمالي" في منطقة صور، واللغط
الذي أثير حوله لجهة ما اذا كان عرضيا، او لجهة وجود اسلحة وذخيرة تحت مسجد، مع
صدور توضيح حركة "حماس" بانه ناجم ماس كهربائي واسطوانات اوكسجين ومواد
تنظيفات وطبية لمواجهة فيروس "كورونا" وان ضحية واحدة سقطت هو المنهدس
حمزة شاهين.
وبين التطورين، وخلافا لما كان متوقعا،
جاءت زيارة المفوض العام لازاريني إلى لبنان مخيبة للامال، لم تحمل جديدا، بل
تلويحا بتقليص الخدمات بسبب العجز المالي الذي وصل الى رواتب الموظفين، فقوبلت
باستياء فلسطيني سياسي واحتجاج نقابي وتساؤلات شعبية، ولم تشفع له وعوده باطلاق
نداء طوارئ خاص بلبنان بداية العام ولا تعبيره عن الاسى في وصف معاناة اللاجئين
التي باتت محصورة بين تفكيرين لا ثالث لهما: البحث عن الهجرة او عن لقمة عيش كريم
وحليب للاطفال. رغم تأكيده بان المساعدة النقدية التي تقدمها الوكالة ستبقى
أولوية.
وقال لازاريني: "اللاجئون الذين
قابلتهم يعانون من اليأس الشديد ويعانون من أجل تغطية احتياجاتهم الأساسية"،
"قابلت خريجين شباب أملهم الوحيد لتحسين مستقبلهم هو الهجرة وهم حتى يعرفون
تماما الثمن الذي يجب أن يُدفع لكل طريق من طرق الهجرة. قابلت آباء تراودهم ليلياً
كوابيس حول كيفية شراء الحليب والحفاضات لأطفالهم في اليوم التالي. النسيج
الاجتماعي داخل المجتمع يتفتت وحالات الطلاق في ازدياد، وكذلك العنف القائم على
النوع الاجتماعي. كما يواجه موظفو "الأونروا" غضب واستياء اللاجئين.
اليوم، أدق ناقوس الخطر وأدعو المجتمع الدولي إلى ضمان الدعم الكافي للأونروا
للإستمرار في توفير خدماتها لهؤلاء اللاجئين الذين هم بأمس الحاجة إليها والى
العيش الكريم".
في المقابل، لم تخفِ مصادر فلسطينية
لـ"النشرة"، انها تفاجأت بتصريحات لازاريني في الوقت الذي يئن اللاجئون
الفلسطينيون تحت وطأة أسوأ أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة في لبنان، اذ جاءت
لوصف الواقع المأسوي لا تحمل حلولا يتوق اليها ابناء المخيمات الذين يعانون أصلا
من الفقر المدقع.
وأكد مدير عام "الهيئة 302"
علي هويدي، الذي شارك في لقاء المؤسسات الاهلية "شرحنا للمفوض لارازيني قلقنا
على مصيرنا، وتحدثنا عن مخاطر عدم توفير المبالغ المطلوبة على خدمات اللاجئين وعلى
الموظفين وعلى الوكالة نفسها"، مضيفا "الأزمة المالية في حال استمرارها
وتصاعدها فإنها تهدد بإغلاق الوكالة بقرار من الجمعية العامة"، موضحا ان
"الأموال متوفرة لدى الدول وبكثرة، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية"،
مشيرا وهو ينتقد الدول المانحة الى أن ميزانية يوم واحد من الأعمال العسكريّة التي
تجري "تغطي العجز المالي للأونروا"، مضيفًا أن لازاريني قاطعه بالقول
"بل ميزانية ساعة واحدة".
القوى السياسية
ولم يسلم لارازيني من القوى السياسية
الفلسطينية، اذ طالبته "هيئة العمل الفلسطيني المشترك" وهي المرجعية
السياسية والامنية والشعبية في لبنان، برفض اتفاق الإطار مع الولايات المتحدة
الاميركية لانه يمس بالولاية الدولية للاونروا وبالرواية الفلسطينية، وبضرورة
التعامل مع لبنان بشكل استثنائي واعتبار المخيمات "مناطق منكوبة" بسبب
الاوضاع الاستثنائية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون، وتشكيل فريق عمل مكون من
ممثل عن لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني وممثل عن "الاونروا" وممثلِين
عن الهيئة وممثل عن سفارة دولة فلسطين، لوضع استراتيجية شاملة للعمل، وصولا الى
إقرار خطة طوارئ مستدامة طيلة الازمة الاقتصادية التي يتعرض لها لبنان، وما ينتج
من الانعكاسات السلبية لجائحة كورونا على الوضع المعيشي والاقتصادي.
وشدّدت الهيئة على صرف رواتب العاملين
في "الاونروا" وعدم المسّ بها تحت ايّ ظرف، والتراجع عن فرض الاجازة
الاستثنائية، والعودة عن وقف العلاوات السنويّة، وإعادة فتح باب التوظيف وفتح
برنامج الشؤون الاجتماعية في الاونروا واستيعاب المزيد من حالات العسر الشديد،
واستكمال اعمار مخيم نهر البارد ودفع التعويضات لأبناء المخيم الجديد، ورفع نسبة
مساهمة الاونروا في كلفة الاستشفاء والدواء، خاصة للامراض المستعصية ومنها على
سبيل الذكر لا الحصر (الكلى، الاعصاب، القلب والسرطان الخ..) وتأمين الوسائل
الضرورية للتعلم عن بعد واستكمال صرف مساعدة الـ40$ وتوسيع دائرة المستفيدين منها.
اتحاد الموظفين
كذلك لم يسلم لارازيني من الموظفين،
الذين قابلوه بالإضراب عن العمل في مدارس ومراكز العمل وعيادات
الـ"أونروا" في مختلف المناطق لمدّة ساعة واحدة، احتجاجاً على ما وصفوها
بـ"سياسة التدمير الممنهجة"، وبأنه "غير مبال بكل التداعيات
السلبية على العاملين ومجتمع اللاجئين، الذين يعانون من جراء الاوضاع الاقتصادية
والاجتماعية السيئة جدا"، وتلاعبه بموعد صرف الرواتب وتأخيرها لأكثر من
أسبوعين.
واعتبر رئيس الاتحاد في لبنان الدكتور
عبد الحكيم شناعة، أن "العجز المالي لهذا العام ليس أكبر من الاعوام
السابقة" ووضع قرار تأخير رواتب الموظفين بخانة "الاستهداف المباشر
لحقوق العاملين وخدمات اللاجئين، وهو سابقة تحصل للمرة الاولى في تاريخ الوكالة،
مشيرا إلى أنّ "راتب الموظف حقٌ مقدس يجب عدم التلاعب به، وأن تراجع دور
الأونروا في مهامها تجاه شعبنا عمل مشبوه يهدف لإنهاء عملها".
وتعاني "الأونروا" من عجز
مالي خطير قدره 60 مليون دولار من موازنة البرامج التشغيلية، وهو ما يحول دون
قدرتها على دفع رواتب موظفيها لشهر كانون الأول الحالي، وبسبب العجز المالي صرفت
الأونروا رواتب موظفيها عن شهر تشرين الثاني الماضي، يوم الثامن من كانون الأول،
بتأخير مدته نحو أسبوعين، لتسجل بذلك المرة الأولى في تاريخها.
وخلال المؤتمر الدولي الذي نظم يوم 16
من الشهر الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل، جرى خلاله التبرع بمبلغ 38 مليون
دولار لـوكالة "الأونروا من أصل 100 مليون طالبت بها لسد العجز المالي حتى
نهاية العام الجاري. ولم تحصل سوى على مبلغ يفوق 600 مليون دولار كدعم متعدد
للسنوات الثلاث المقبلة، ما يشكل فقط 40٪ من ميزانية هذه المنظمة الدولية، بينما
تطالب الاونروا بدعم متعدد ودائم، لتتمكن من التنبؤ بميزانيتها، ضمن خطواتها
الرامية لتغيير سياسة التبرع التي كانت تقوم على "الطوعية".
يذكر ان لارازيني وعلى مدى ثلاثة أيام، التقى خلالها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، ورئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن، والسفير الفلسطيني اشرف دبور وممثلي الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني وموظفي "الأونروا" وتفقد عددا من المخيمات ومدارسها ومؤسساتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق