المفوض العام للأونروا في رسالة مفتوحة للاجئين الفلسطينيين

 

رسالة مفتوحة من المفوض العام للأونروا إلى اللاجئين الفلسطينيين

تحية طيبة لكم جميعاً، أيها الأعزاء!
أكتب إليكم فيما نحن ننهي سنة أخرى كانت صعبة على اللاجئين الفلسطينيين وعلى الأونروا.
على مدار السنة، أتيحت لي الفرصة للقاء العديد من اللاجئين الفلسطينيين والتفاعل معهم في جميع أقاليم عملياتنا. فقد جعلت من أولوياتي أن ألتقي بكم وبممثليكم وأن أستمع منكم وأطلع مباشرة على المشقات التي تواجهونها. التقيت مع طلبة من مدارس الأونروا ولجان أولياء الأمور ومجموعات شبابية ومنظمات نسائية ولجان مخيمات، وأطلعوني على بواعث قلقهم وآمالهم وأفكارهم. وقد أجريت العديد من الحوارات مع موظفي الأونروا الميدانيين، بمن فيهم أطباء وطواقم تمريض ومعلمين ومرشدين وعمال نظافة ومسؤولين على مستوى المنطقة والمخيم، وغيرهم الكثير.
أينما ذهبت، يبهرني طلبة الأونروا بإنجازاتهم. ويثير أعضاء البرلمانات المدرسية إعجابي بأحلامهم، وبمهاراتهم في التمثيل والتفاوض وفي ممارستهم للقيم الديمقراطية.
وأينما ذهبت، أشعر بالألم من مستوى الضائقة والقلق بين مجتمعات اللاجئين. ففي غزة، شهدت ضائقة نفسية-اجتماعية منهكة في الأسابيع والأشهر التي تلت الجولة الأخيرة من الصراع، ولا سيما بين الأطفال. وفي الضفة الغربية، جلست مع عائلات الشيخ جراح في القدس الشرقية التي تعيش تحت تهديد يومي بالتهجير القسري. والتقيت باللاجئين في مخيم جنين ورأيت تأثير العنف المتزايد في الضفة الغربية على حياتهم. والتقيت بلاجئين من مخيمي اليرموك وحمص للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وعبروا عن إحباطهم بسبب البطء في وتيرة عودتهم إلى ديارهم. وفي لبنان، التقيت بخريجين شباب في مخيم برج البراجنة كان أملهم الوحيد في مستقبل أفضل هو الهجرة إلى الخارج عبر طرق هجرة خطرة. وفي الأردن، أخبرني اللاجئون عن المصاعب المالية الهائلة التي واجهوها في ظل كوفيد-19.
لقد جعلت من أولوياتي أن أصف للمانحين وصانعي السياسات ووسائط الإعلام التحديات التي تواجهكم كلاجئين فلسطينيين يومياً لا لشيء سوى لأنكم لاجئون فلسطينيون. وفي كل اجتماع من اجتماعاتي المكثفة مع المانحين الداعمين لنا، أسلط الضوء على رواياتكم أنتم، وأذكرهم بأن أحداً لا يريد أن يكون لاجئاً وأنكم تستحقون دعمهم الكامل إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتكم.
إنني أدرك بشكل مؤلم أن الأخبار عن الوضع المالي الصعب للأونروا تضيف طبقة أخرى من الضيق إلى حياتكم. فعندما ينهار كل شيء من حولكم، تصبح القدرة على إرسال أطفالكم إلى المدرسة والحصول على الرعاية الصحية والمشاركة في شبكة الأمان الاجتماعي بمثابة شريان حياة.
منذ توليت منصب المفوض العام للأونروا في نيسان/إبريل 2020، كانت أولويتي دائماً الحفاظ على استمرار جميع الخدمات في العمل. واليوم، أشعر بالارتياح لأننا نجحنا في إبقاء 710 مدارس و140 عيادة مفتوحة هذه السنة، وحمينا شبكة الأمان الاجتماعي لصالح ما يقرب من 400,000 لاجئ فقير في شتى أنحاء المنطقة.
لقد تلقينا قدراً أكبر من التمويل في إطار نداءاتنا الطارئة هذه السنة، وزودنا 1.5 مليون لاجئ فلسطيني بالمساعدات الغذائية أو النقدية للتدبر مع آثار الاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، والحصار في غزة، والأزمة في سوريا، والانهيار الاجتماعي-الاقتصادي في لبنان، والآثار الاجتماعية-الاقتصادية لجائحة كوفيد-19 في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك الأردن. وتلقت أكثر من 1,200 أسرة في غزة فقدت مساكنها خلال نزاع أيار/مايو مساعدات نقدية لتأمين مسكن انتقالي. كما تلقت الدعم نحو 750 أسرة في الضفة الغربية أخليت من مساكنها أو عانت من عنف المستوطنين. ونحن نواصل تعديل خدماتنا لمواجهة تحديات كوفيد-19، بما في ذلك نم خلال الشراكة مع البلدان المضيفة في تنفيذ حملات التطعيم الوطنية.
اسمحوا لي أن أتوقف هنا للحظة وأشجع جميع الذين لم يتم تطعيمهم بعد على الحصول على اللقاحات حالما تصبح متاحة لكم. إنها الطريقة الوحيدة لحماية صحتكم وعائلاتكم وأحبائكم والمجتمع الأوسع. وهي الأمل الوحيد في التعافي السريع للاقتصادات. والأونروا تواصل المناصرة عالمياً لتوفير المزيد من اللقاحات لكم.
إن الأزمة المالية التي شهدناها هذه السنة ليست أزمة أخرى جديدة. فقد ظل تمويل المانحين للوكالة راكداً منذ ما يقرب من عقد من الزمن، وظل قاصراً عن ملاقاة المبلغ اللازم لضمان استمرار الخدمات بجودة عالية. وفي الوقت نفسه، استمر عدد اللاجئين في النمو، فيما ارتفع الفقر ومجالات الضعف بصورة حادة. إن الأزمة المالية ذات طبيعة وجودية.
رحبنا هذا العام بعودة الولايات المتحدة بصفتها أكبر المانحين الداعمين لنا. وعلى الرغم من هذا التطور الإيجابي، فإن الدخل من المانحين لا يزال دون الاحتياجات لأن الكثيرين إما خفضوا التمويل أو حتى توقفوا كلياً.
ولكن بعض القرارات المتعلقة بتخفيض الدعم للوكالة أو وقفه ما هي إلا قرارات سياسية. فمنذ عام 2018، تعرضت الوكالة وولايتها لهجمات سياسية متزايدة. تهدف هذه الهجمات إلى الإضرار بسمعة الوكالة. وهي تستند إلى فكرة حمقاء وخاطئة مفادها أنها، بإغلاق الأونروا، ستمحو 5,8 مليون لاجئ فلسطيني. اسمحوا لي أن أؤكد لكم أن حقوقكم، بما في ذلك حقكم في العودة والتعويض، مكرسة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ولا علاقة لها بولاية الأونروا.
لمواجهة النقص المزمن في التمويل، استنفدت الأونروا ما لديها من احتياطيات منذ بضع سنوات، وأدخلت إصلاحات لزيادة الكفاءة. واعتباراً من عام 2015، اعتمدت الوكالة تدابير متزايدة للتقشف ومراقبة التكاليف سمحت لنا بمواصلة تقديم الخدمات. ومنذ عام 2019، أصبحنا أيضاً نقوم بتحميل التزامات كبيرة الحجم من سنة إلى أخرى، مما يعني أننا نبدأ كل سنة ونحن مديونون.
واليوم، بلغ التقشف حده الأقصى وأصبح يؤثر على جودة خدماتنا. يصل التقشف إلى حده الأقصى عندما نضع 50 طفلاً في غرفة صفية واحدة أو نترك الأطفال الأشد حرماناً دون وسائل نقل أو قرطاسية. يصل التقشف إلى حده الأقصى عندما لا يتمكن الطبيب من قضاء أكثر من ثلاث دقائق مع المريض. ويصل التقشف إلى حده الأقصى عندما يكون العديد من المعلمين وعمال النظافة عاملين بالمياومة. هؤلاء هم موظفون في الخطوط الأمامية ويؤلمني حقاً أن الأونروا لا يمكنها حتى الآن منحهم وظائف أكثر استقراراً. ويصل التقشف إلى حده الأقصى عندما لا نتمكن من زيادة عدد اللاجئين الفقراء الذين نستطيع دعمهم في وقت يتفشى فيه الفقر.
وفي مواجهة هذه المحنة، فإن الشيء الصحيح الوحيد الذي ينبغي القيام به هو الدفاع بدون كلل عن حقكم في حياة كريمة وإخبار المانحين بأن الإعياء والأولويات المنافسة ليست عذراً لنقص التمويل. هذا ما أقوم به أنا وإدارتي العليا كل يوم.
في المؤتمر الدولي الذي تشاركت في استضافته الأردن والسويد في بروكسل في تشرين الثاني/نوفمبر، قلت للمانحين بوضوح إن الأونروا واللاجئين الفلسطينيين لا يمكنهم أن يحملوا على عاتقهم نتائج فشل المجتمع الدولي في التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. وكررت التأكيد على أنه في غياب حل سياسي عادل، يجب أن تكون الأونروا قادرة على العمل دون أن تظل تحت تهديد مستمر بنقص الأموال.
إن ولايتنا واضحة وتحظى بتأييد دولي واسع النطاق. ويجب الآن ترجمة هذا الدعم السياسي إلى موارد تعادله. أما نحن في الأونروا فعلينا أن نوفق بين الخدمات المتوقعة منا والأموال المتاحة. وقد حذرت المجتمع الدولي مراراً وتكراراً من أن عدم القيام بذلك لن يؤدي إلا إلى التعجيل بانهيار الوكالة.
واليوم، أنا على ثقة أكيدة بأننا، سوية مع البلدان المضيفة للاجئين الفلسطينيين والمانحين الداعمين للأونروا، يمكننا أن نجد حلاً. ويتفق المضيفون والمانحون على أننا بحاجة إلى كسر الحلقة المفرغة من الأزمات المالية للأونروا. وهم ملتزمون بإيجاد حلول للحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العيش بكرامة. ولكن الحل ليس بسيطاً وسيتطلب مناقشات دؤوبة بين المانحين والمضيفين على السواء، وهذا ما سيمثل أولوية بالنسبة لي في عام 2022.
لدعم هذه المناقشات وإظهار الأونروا للعالم في الشكل الذي نحتاجه، وضعنا خلال السنة الماضية رؤية لوكالة عصرية قادرة على أن تستمر في مرافقة كل لاجئ فلسطيني في رحلته نحو الاعتماد على الذات. وقد تشاورنا بشأن ذلك على نطاق واسع مع اللاجئين والموظفين والمضيفين والمانحين. هذه الرؤية تتعلق بتحسين الخدمات المتاحة للاجئين الفلسطينيين باستخدام التكنولوجيا الرقمية، على سبيل المثال، مثل تطبيقات الهواتف المتنقلة التي طورناها لدعم النساء الحوامل أو مرضى الأمراض السارية، أو بوابة تسجيل اللاجئين عبر الإنترنت لتسهيل تسجيل المواليد الجدد، وغير ذلك. وسنبذل كل ما في وسعنا لضمان حصول الفتيات والفتيان اللاجئين الفلسطينيين، مثلاً، على المهارات التي يحتاجونها للحفاظ على القدرة التنافسية في السوق الرقمية العالمية السريعة التطور.
إن نجاح الوكالة مرهون بقدرتها على الاعتماد على تمويل كافٍ ومستدام ويمكن التنبؤ به. وستحتاج إلى مزيد من التمويل الطويل الأجل من المانحين الحاليين، وتوسيع قاعدة المانحين، وزيادة حشد التمويل بالقنوات الرقمية، بما في ذلك التبرعات الإسلامية. كما يتطلب ذلك منا النظر في آليات ونماذج الشراكة والتمويل المبتكر لضمان استمرار وصول اللاجئين الفلسطينيين إلى جميع الخدمات.
كما أن النجاح يتطلب منا حماية الوكالة من أولئك الذين يحاولون الإضرار بسمعتها ونزاهتها وأغراضها. لقد أدرك المانحون الآن هذه المخاطر ووافقوا على دعمنا في حماية الوكالة. ولكن علينا أن نظل يقظين لأن المتحاملين علينا سيستغلون أية حادثة لتقويض سمعة الوكالة.
وعلينا أن نكون قدوة للغير وأن نضمن أن كل ما نقوم به يتماشى مع قيم الأمم المتحدة وأغراضها ويتماشى مع المبادئ الإنسانية المتمثلة في الاستقلالية والنزاهة والإنسانية والحياد. ومن خلال القيام بذلك، سنستمر أيضاً في العمل بقوة على صد الاتهامات الكاذبة والساعية للإثارة التي تتهم الأونروا بأنها تعلم الكراهية في مدارسها أو تتهم موظفينا بأنهم يروجون للعنف. وسنواصل أيضاً الدفاع عن حق أطفال اللاجئين الفلسطينيين، أينما كانوا، في التعرف على هويتهم وتراثهم الفلسطيني، ولن تحاول مدارسنا أن تنكر الظروف الصعبة التي يعيشون فيها، مثل المعاناة التي يعيشها أكثر من 300,000 طفل لاجئ فلسطيني في غزة والضفة الغربية نتيجة لعواقب الاحتلال.
لقد وصلت الأونروا إلى نقطة تحول في تاريخها. وسيتطلب الأمر اتخاذ قرارات جريئة لضمان استمراركم أنتم وعائلاتكم في الوصول إلى خدمات عالية الجودة تشكل جزءاً من حقكم في حياة كريمة. هذا هو الهدف الرئيسي للإدارة العليا للأونروا. ولن ندخر جهداً للدفاع عن حقكم في العيش بكرامة.
في الختام، اسمحوا لي أن أتمنى لكم ولعائلاتكم وأحبائكم أن يكون احتفالكم بنهاية السنة مفعما بالسلام وأن تحظوا ببداية طيبة للسنة الجديدة.
مع تحياتي الحارة،
فيليبي لازاريني
المفوض العام للأونروا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق