السلاح الفلسطيني في لبنان الى الواجهة من جديد ... فما قصة هذا السلاح؟ ومن يتحمل مسؤولية تواجده؟



كتب رمزي عوض

ناشط حقوقي


اعلن محامي لبناني على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عدة أيام انه قدم دعوى للنيابة العامة التمييزية لنزع سلاح الفصائل الفلسطينية في لبنان، فبغض النظر عن طموحاته السياسية لتقديم نفسه كبطل لحراك 17 تشرين، وبغض النظر عن تبنيه ملف بعض الشباب الفلسطيني المطالب بالهجرة وتحويل الفلسطيني من لاجيء فلسطيني بخصوصية القوانين اللبنانية والدولية التي تربط وجوده بالعودة الى فلسطين، الى جالية تسعى للهجرة، وما تبعها من مطالبات باسقاط قيود اللاجئين الفلسطينيين من وكالة الأونروا وإحالة ملفاتهم إلى المفوضيّة الأممية للاجئين، وإلغاء حق العودة الذي هو أساسا مطلب للاحتلال الاسرائيلي يؤدي بالنهاية لتسويات التوطين بما يخالف مقدمة الدستور اللبناني (لا للتوطين)، فسنحاول في هذا الموضوع طرح مقاربة وملخص تاريخي بسيط لقصة سلاح الفصائل الفلسطينية، وما إشار إليه المحامي اللبناني، بأن هذا السلاح انتهى وجوده القانوني بعد إلغاء اتفاقية القاهرة.


اتفاق القاهرة تم التوقيع عليه في 3 نوفمبر 1969 في القاهرة بهدف تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، بعد تدخل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، لحل النزاع القائم حول مقاومة الاحتلال الاسرائيلي مابين الدولة اللبنانية من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية من جهة أخرى، حيث قام الرئيس اللبناني آنذاك شارل حلو بإرسال وفد لبناني برئاسة قائد الجيش إميل البستاني إلى القاهرة للتفاوض مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وتحت إشراف وزير الدفاع المصري محمد فوزي، ووزير الخارجية المصري محمود رياض.


وقد كان لإتفاق القاهرة شقين أساسيين، هما مدني ينظم الوجود الفلسطيني في لبنان من خلال أربعة نقاط تسمح للفلسطيني بالدخول والخروج والتواجد في لبنان بما فيها العمل والتملك وباقي الحقوق الانسانية الأخرى، وشق عسكري من خمسة عشر نقطة أعطيت من خلاله الشرعية لوجود وعمل الفصائل الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير في لبنان، حيث تم الاعتراف بالوجود السياسي والعسكري للمنظمة من قبل لبنان، وتم التأكيد على تنظيم العمل الفدائي انطلاقاً من أراضي لبنان بفقرة من نص محدد ومتعلق بالعمل المسلح الفلسطيني، وذلك لضبطه يؤكد على مباديء سيادة لبنان وسلامته، وبذلك يكون الاتفاق حمى السيادة اللبنانية، وأراضيها، كما حمى الفلسطينيين، من المحاولات المتعددة السابقة التي حاولها الاحتلال الاسرائيلي سابقا عقب نكسة 1967 لضرب المقاومة الفلسطينية من الجبهة الشمالية، واطماعها في لبنان (حتى نهر الليطاني).


وفي حزيران 1987، وقع الرّئيس اللبناني امين الجميّل على قانون يلغي اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية، من طرف واحد، حيث تمت الموافقة على قانون إلغاء الاتفاق من قبل البرلمان اللبناني في 21 مايو 1987 وتوقيعه في وقت لاحق من قبل رئيس الوزراء سليم الحص، بحجة أن الاتفاق كان ينال من سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها، ليبقى النزاع الحقوقي في أحقية الدولة اللبنانية بالغاء اتفاق القاهرة من طرف واحد دون أي مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية.


بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 1982، لحقها اجتياح للاحتلال الاسرائيلي وصل الى العاصمة اللبنانية بيروت، وتبعها من مجازر بحق اللاجئين الفلسطينيين، كمجزرة صبرا وشاتيلا، التي هزت ببشاعتها الوجدان العالمي، تفاقم الوضع في لبنان بتأجج الحرب الأهلية اللبنانية، التي كانت قد بدأت فعليا منذ 1958 أي قبل دخول منظمة التحرير الفلسطينية الى لبنان فعليا بعد نكسة 1967، ولكن المؤرخ اللبناني يعتبر أن الحرب الاهلية اللبنانية بدأت في العام 1975، بكل سيناريوهات ومسببات بدءها المختلفة، والتي انتهت باتفاق الطائف عام 1989 وطبق في عام 1990، ولبسط نفوذ الدولة اللبنانية ومؤسساتها سلمت المخيمات الفلسطينية في الجنوب عام 1991 ماتبقى من سلاحها الثقيل والمتوسط الى الدولة اللبنانية، وجاء ذلك بعد مفاوضات بين مسؤولين لبنانيين وقادة فلسطينيين على رأسهم حركة فتح، والذين كانوا على تواصل مستمر ومباشر بقائد منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك الشهيد ياسر عرفات.


ولكن بقيت أسلحة خفيفة في المخيمات الفلسطينية كان لبعضها علاقة باستمرار الصراع مع الاحتلال اسرائيلي، ولبعضها الآخر علاقة باوضاع الداخل اللبناني وبتغطية لبنانية، وبعضها الآخر كان له علاقة لبنانية اقليمية دولية بالقدرة على توظيف هذه المخيمات او بعض المعنيين فيها لدفع هذه الاوضاع في اتجاه او آخر أمنيا أو سياسيا، ولبعضها الاخير علاقة فلسطينية لبنانية برفض توطين الفلسطينيين في لبنان.


بعد ذلك تفاقم وضع اللاجئين الفلسطينيين بنزع الحقوق الانسانية منهم بقرارات من مجلس الوزراء اللبناني أوجدت فئة من الفلسطينيين يسمون (فاقدي الأوراق الثبوتية) او (فاقدي الشخصية القانونية)، ومنع اللاجيء الفلسطيني من العمل في 73 مهنة، كما منع من تملك منزل، ووصلت تلك التضيقات إلى حد طلب تأشيرة من الفلسطيني اللاجيء في لبنان تم إلغاؤها فيما بعد، ورغم كل ذلك بقي السلاح الفلسطيني غير مؤثر بالنزاع اللبناني اللبناني السياسي، بين معسكرين لبنانيين سميا فيما بعد 8 أذار و 14 أذار.


يعتَبَر اتّفاق الطائف هو الأساس في التوافقات اللبنانية، خصوصاً بعد دمج مقرّرات اتفاق الطائف بالدّستور اللبناني في العام 1990، ولكن التّحولات السياسية الفعلية العميقة التي عرفها لبنان، زدات عمق خلافاتها بعد اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005 وزادت حدتها في أعقاب خروج القوات السورية من لبنان وانقسام القوى السياسية الى 8 أذار و 14 أذار، ولكن ظلت المواقف اللبنانية والفلسطينية الرسمية رافضه للتوطين، وفي الوقت ذاته سعت قوى سياسية لبنانية الى تأكيد دعم حقوق الشعب الفلسطيني في العودة، وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وفق قرارات الأمم المتحدة، وقد تجلّى التوجه اللبناني الجديد تجاه تنظيم الوجود الفلسطيني بشقيه المدني والعسكري في اعتماد الحكومة اللبنانية في العام 2005 تأسيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني بهدف تكريس إتباع سياسات تكفل سيادة الدولة اللبنانية دون منازع، وفرض قوانينها بواسطة قواها الرسمية على المقيمين على أراضيها، وتضمّن في الوقت نفسه أمن وحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان باعتبار الدولة هي المسؤولة بمؤسساتها عن سلامتهم، ويدخل في هذا التّوجه ما قرّرته طاولة الحوار الوطني، في شهر 3 من العام 2006 برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني الأستاذ نبيه بري، التي أجمعت على نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات ومعالجته داخلها، والاعتراف بالحقوق الانسانية والاجتماعية، وتأمين تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وتوفير مقوّمات العيش لهم بكرامة، مع مواصلة التشديد على استمرار الاونروا في تحمّل مسؤوليّاتها كممثّلة للمجتمع الدولي وشاهد أممي على مأساة اللاجئين منذ عقود متواصلة، ودعم ومساندة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، والعمل على قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والسعي لضمان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ولكن انتهى النقاش دون مقررات فعليه عقب الحرب اللبنانية متمثلة في حزب الله مع (الاحتلال الاسرائيلي) في شهر 6 من نفس العام 2006، ولم تستكمل تلك الحوارات وبقي النزاع اللبناني اللبناني اللبناني حول السلاح الفلسطيني باق ولم ينتهي.


كل تلك التناقضات والانقسامات اللبنانية السياسية أفقدت الفلسطينيين الثقة بالمضيف اللبناني وذكرت بحروب ابادة للفلسطينيين في المخيمات ابان الحرب اللبنانية خاصة بعد تصويب قادة 14 أذار على السلاح الفلسطيني كمقدمة للتصويب على سلاح حزب الله، مما جعل قادة فلسطينيون ولبنانيون يسعون لابقاء السلاح بيد المنظمات الفلسطينية، ومازاد الطين بلة الانقسام الفلسطيني الفلسطيني في الصراع بين حركة فتح وحركة حماس مما أفقد الفلسطينيين مرجعية القرار الوطني في لبنان من يد واحدة تمثلت في منظمة التحرير الفلسطينية سابقا إلى أياد كثيرة، ومع تنامي جماعات ذات طابع اسلامي داخل المخيمات، أدت لمطالبات فلسطينية ببقاء السلاح لضبط أمن المخيمات وحمايتها، واعادة ربطه بمقاومة الاحتلال الاسرائيلي.


حاولت السفاره الفلسطينية في بيروت بعد افتتاحها في 2011 ان تجعل للوجود الفلسطيني في لبنان خصوصية بجمع القادة الفلسطينيين رغم اختلافاتهم السياسية، على اتفاقات اختلفت عند الخوض بموضوع تنظيم السلاح.


أما الموقف الرسمي الفلسطيني كان قبل ذلك على لسان 

الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العام 2010 ضمن تعليقه على أحداث اشتباكات في مخيم عين الحلوة قال فيها انه يأمل الا يتكرر ما حدث في مخيم نهر البارد، مضيفا أن (كل ما تقوله الحكومة اللبنانية عن السلاح خارج المخيمات، نحن معها، هي تتصرف كما تريد، تريد بحث السلاح داخل المخيمات نحن معها، خارجها نحن معها)، وبهذا التصريح من أعلى رأس الهرم الفلسطيني أكد أن بحث أمر السلاح هو بيد الدولة اللبنانية، وفق التفاهمات والاتفاقات والقوانين اللبنانية.


هناك حدثان هامان لايمكن تجاوزهما أثناء الحديث عن السلاح الفلسطيني في لبنان وهما، أحداث مخيم نهر البارد عام 2007 بعد اشتباكات مابين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الاسلام المتطرف، وكذلك أحداث مخيم المية ومية عام 2019 بعد اشتباكات عديدة انتهت باشتباك بين حركة فتح وانصار الله الفلسطينيتين، حيث أدت تلك الأحداث في المخيمين إلى نزع السلاح المتفلت وتنظيمه وقامت الدولة ببسط نفوذها داخلهما بقوة الجيش اللبناني، بعد توافق لبناني فلسطيني على ذلك.


اذا ما المشكلة؟ ولماذا يبقى السلاح الفلسطيني في لبنان؟

برأيي المتواضع وبعد دراسة متواضعة لكل ماسبق في هذا الموضوع، ان المشكلة لا تكمن عند اللاجئين الفلسطينيين أو عند الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والمتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن المشكلة تقع عند الدولة اللبنانية المتمثلة بمختلف القوى السياسية اللبنانية، وبتطبيق معايير حقوق الانسان والدستور اللبناني، فبعيدا عن أي صور نمطية تعود عليها اللاجئون الفلسطينيون وكذلك المواطنون اللبنانيون حول السلاح الفلسطيني في لبنان، كان من الأجدر بالمحامي اللبناني رفع دعوى قضائية ضد الدولة اللبنانية، كونها ألغت اتفاق القاهرة من طرف واحد ولم تلحظ أن للاتفاق شق انساني تم محوه دون أي حلول، ابقى السلاح الفلسطيني في لبنان دون أي حلول جذرية، تحت عناوين وهواجس أوجدتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة مشتركة مع بعض القوى السياسية اللبنانية التي لم تتفق الى الآن منذ تأسيس لبنان عام 1943 على أي لبنان نريد، ما أدى لاختلاف في الاستراتيجية السياسية للاطراف اللبنانية المختلفة، أدى في النهاية لانفجار اقتصادي خطير وضياع حقوق اللبنانيين والفلسطينيين على حد سواء، ولن تنتهي هذه الأزمة، بل على العكس ستستمر وسيستمر الفلسطيني في لبنان الشماعة التي يعلق عليها كل فشل تصل إليه الدولة اللبنانية الى حين أن يتفق اللبنانيون فيما بينهم على دستور موحد ودولة يحترم فيها القضاء والقانون وتحترم فيها معايير ومباديء حقوق الانسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق