"لم ننصف الفلسطينيين في وعد بلفور..



علي هويدي*

بتاريخ 16/11/2002، نقلت الصحف نص تصريح لوزير الخارجية الأسبق في الحكومة البريطانية العمالية جاك سترو، أدلى به إلى مجلة نيوستيتسمان بأن "وعد بلفور والضمانات المتناقضة التي مُنحت للفلسطينيين سراً، في الوقت نفسه الذي أعطيت فيه للإسرائيليين؛ تشكل مرة أخرى حدثاً مهماً بالنسبة إلينا.. لكنه ليس مشرفاً كثيرا"، مضيفاً، "لم ننصف الفلسطينيين في وعد بلفور".

 

شكَّل الوعد محطة تاريخية بارزة في السياسية الخارجية البريطانية، وكتبت صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 16/11/2002: "أقرت بريطانيا بذنب، لم تعترف، لم تعتذر، خطوة متقدمة لكنها متأخرة أكثر من نصف قرن، فقد أقر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أخيراً في حديث أثار لغطاً كبيراً في بريطانيا بأن معظم المشكلات التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط وآسيا ناجمة، عن ماضينا الإستعماري غير المشرِّف". ‏

 

وبعد مرور 104 سنوات على صدور الوعد و19 سنة على تصريحات سترو، وما يجري في العالم العربي والإسلامي وحتى الدولي من متغيرات إستراتيجية، حتماً سيكون لها بعد انقشاع الغبار تأثيرات مباشر على إعادة رسم وتشكيل خريطة المنطقة على مستوى الجغرافيا السياسية والديموغرافية، لا سيما على مستوى تقرير الشعوب لمصيرها وفقاً للمادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأن "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها.. وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي.. وحرة في السعي لتحقيق نمائها الإقتصادي والإجتماعي والثقافي"، هذا يحتِّم الإقرار البريطاني بعدم شرعية وعد بلفور بأنه أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، وبأن بريطانيا بانتدابها على فلسطين خالفت أسس ومبادئ القانون الدولي بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وبالتالي المطلوب الإعتذار عن أكثر من مائة عام من الظلم سببته للشعب الفلسطيني.

 

نتيجة الفضاء الإعلامي المفتوح، لم يعد ممكناً ومتاحاً – كما كان في السابق – التفرد بالرواية المزيفة التي تنسجها دولة الإحتلال والحلفاء عموماً مع قادة دول الغرب حول فلسطين التاريخ والجغرافيا والحضارة والثقافة والأدب..، ومحاولة غسل دماغ الشارع الغربي بأن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب استحقها "شعب" بلا أرض..، في المقابل تتزايد وبشكل يومي المؤشرات بأن دولة الإحتلال في المدى الإستراتيجي إلى المزيد من حالة العزلة الدولية على طريق نزع الشرعية، فصورة الإحتلال المقيت قد ترسخت وبشكل قوي في ذهن ووعي أحرار العالم وباتوا قوى ضغط ومناصرة لا يستهان فيها على مستوى الشارع الغربي عموماً، وبهذا المعنى تستشعر دول العالم بأن دولة الكيان الإسرائيلي لا مستقبل لها في منطقتنا العربية وهي الشاذة عن السياق الطبيعي للدول فهي على الأقل الدولة المغتصِبة لأرض الغير وتمارس التطهير العرقي بحق سكانها الأصلييين منذ ما يزيد عن 7 عقود وتتنكر لوجودهم وحقوقهم وفي المقدمة منها حقهم في مقاومة وطرد الإحتلال وعودتهم إلى ديارهم، وهذا مما يمكن أن يعطي دفعاً سياسياً ومعنوياً للحكومة البريطانية للسير في خطى الإعتذار، وتصحيح الخطأ الإستراتيجي للأمم المتحدة التي رضيت بوعد بلفور نتيجة الهيمنة والظلم والتسلط وممارسة سياسة الكيل بمكياليين وممارسة المعايير المزدوجة لصالح الإحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني .

 

ما قام به سترو من الإقرار بالذنب سبقه خطوة متقدمة قامت بها الحكومة البريطانية كمحاولة للتخلص من الفكر الإستعماري للدول، ففي العام 1963 اعتذرت من قبائل الماو ماو في كينيا في إفريقيا على ما ارتكبته من مجازر، وكان لتلك القبائل حكماً ذاتياً، وفي شباط من العام 2013، زار رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون الهند واعتبر أن المجزرة التي ارتكبها الجنود البريطانيون بالهنود إبان إستعمار بريطانيا للهند في العام 1919 "وصمة عار في جبين بريطانيا"، صحيح أن الرجل لم يعتذر لكنه أقر بالذنب وهذا مؤشر مهم في السياسة البريطانية.

 

*كاتب وباحث في الشأن الفلسطيني

بيروت في 1/11/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق