"الأونروا" تُعاقب موظفيها بسلاح "مكافحة الإرهاب والالتزام بالحياديّة"

 

كشفت العديد من الجهات المختصّة بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في وقتٍ سابق من شهر أغسطس/ آب الجاري عن قيام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بتوقيع ما أُطلق عليه "اتفاقيّة الإطار" مع إدارة الولايات المتحدة الأمريكيّة.
ويرى مراقبون أنّ هذه الاتفاقيّة "مسمومة" وفيها الكثير من الألغام التي قد تصيب ثوابت لطالما دافعت عنها وكالة "الأونروا" ورفضت الخوض فيها منذ نشأتها والحفاظ عليها خاصّة من تدخّلات الإدارات الأمريكيّة المُتعاقبة المدفوعة من تحرّكاتٍ صهيونيّة يمينيّة في أميركا تحرّض على اللاجئين الفلسطينيين والشاهد الوحيد على مظلمتهم التاريخيّة ألا وهي وكالة "الأونروا".
الحديث عن غسّان كنفاني تهمة!
بكل تأكيد هناك هجوم وتحريض واضح على الوكالة الأمميّة التي تحفظ للاجئين حقوقهم، ولكن لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال الذهاب نحو التخفيف من حدّة الأزمة الماليّة التي تُعاني منها الوكالة من خلال تكميم أفواه الموظفين الذين هم جزء من هذا الشعب، رضوخًا للمطالب الأمريكيّة التي أساسها "مطلب إسرائيلي" وتسلّط سيف "عدم الالتزام الحياديّة" على رقاب موظفيها، فلا يُعقل أن توقف الوكالة أحد الموظفين عن العمل لأنّه فقط يتحدّث عن الأديب الفلسطيني الشهيد غسّان كنفاني عبر صفحته الشخصيّة في موقع "فيسبوك"، وآخر لأنّه فقط يتحدّث في أمور السياسة، وثالث وهو مدير مدرسة بالضفة لأنّه يتحدّث عن دعم صمود أبناء شعبنا في وجه آلة العدوان المُستمر على كامل الأراضي الفلسطينيّة، وهذه المعلومات أكَّد صحتها مصدر من داخل "الأونروا" صرّح لـ"بوابة الهدف".
قبل أيّام، أكَّد اتحاد الموظفين في وكالة "الأونروا" هذا التوجّه لدى الوكالة، لكنّه شدّد على أنّ للاجئين الفلسطينيين كامل الحق في التعبير والانحياز لقضاياهم الوطنيّة والوقوف إلى جانب الحق الفلسطيني الذي كفلته لهم قوانين الأمم المتحدة، مُطالبًا الإدارة بالتراجع عن قراراتها المجحفة بحق موظفيها، مُلمحًا أنّ "ذلك حتى لا تتصاعد الأمور".
وفي بيانه، طالب الاتحاد كافة موظفي "الأونروا" بالتمتّع بالحكمةِ واللباقة في التعامل مع قضية "الحياديّة" في هذا الظرف الصعب حفاظًا على المؤسّسة.
اتفاقية الإطار التي وُقِعت تشكّل أسوأ صور الابتزاز السياسي والمالي من قِبل الإدارة الأمريكيّة الحاليّة، إدارة بايدن، حيث يتبيّن من خلال الاتفاقية أنّ واشنطن تفرض على "الأونروا" قيودًا تجعلها رهينة الموقف الأمريكي في صياغة برامجها وسياساتها، وتجعلها تحت ضغطٍ دائم وتخوّف مستمر إزاء قطع التمويل من جديد، إذا لم تتوافق سياسات "الأونروا" مع رغبات البيض الأبيض ومن خلفه "إسرائيل".
مقدمّة الاتفاقيّة جاء فيها التالي: تشكّل هذه الاتفاقيّة التزامات سياسيّة للسنتين التقويميتين 2021 2022، وتعتزم الولايات المتحدة و"الأونروا" العمل معًا لتقديم الخدمات بكفاءة، وتستخدم الوكالة إطارًا لحياد مرافقها وموظفيها، (أ) الموظفين والعاملين بما في ذلك المبادئ التوجيهية بشأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، (ب) مرافق "الأونروا"، (ج) أصول "الأونروا"، (د) الجوانب الأخرى لعمليات "الأونروا" مثل المانحين والشركاء.
"الإرهاب والحياديّة"
الإدارة الأمريكيّة ومعها صنيعتها "إسرائيل" تصفان النضال الوطني الفلسطيني برمّته بـ"الإرهاب"، فيما يتبيّن من الاتفاقيّة أنّ واشنطن لن تقدّم أي مساهماتٍ ماليّة إلى "الأونروا" إلا إذا اتخذت هذه الأخيرة "تدابير" تضمن عدم وصول أي جزء من هذه الأموال لأي لاجئ تصنّفه هي أو "إسرائيل" بأنّه يُمارس عملاً "إرهابياً"، وهذا قمّة الابتزاز، إذ يُفسّر مصطلح "الإرهاب" وفق أهواء المموّل.
وتم الاتفاق أيضًا على التزام "الأونروا" بالإبلاغ عن أي انتهاكاتٍ جسيمة للحياد مع الولايات المتحدة في الوقت المناسب ومُعالجة أي انتهاكات من هذا القبيل بما يتماشى مع متطلبات إطار الحياد الخاص بها، وتحسين قدرة الوكالة على مراجعة الكتب المدرسية المحلية والمواد التعليميّة لضمان الجودة التي تستخدمها لتحديد واتخاذ التدابير لمعالجة أي محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليميّة.
مساسٌ بحقوق شعبنا
دائرة شؤون اللاجئين في الجبهة الشعبيّة، حذَّرت قبل أيّام من استمرار إدارة وكالة "الأونروا" في تجاوزاتها الخطيرة التي تمس حقوق شعبنا الثابتة وفي المقدمة منها قضية اللاجئين، وتُشكّل تجاوزًا لصلاحياتها، ومساسًا لدورها المناط به في خدمة اللاجئين، حيث اتخذت إدارة "الأونروا" في الآونة الأخيرة مجموعة من الإجراءات ذات أبعادٍ سياسيّة بحق عدد من الموظفين، والتوقيع على تفاهمات مع الإدارة الأمريكيّة يتيح للأخيرة التدخّل الفج في قضايا اللاجئين.
ووصفت الدائرة أنّ "ذلك تَحّول خطير في سلوك إدارة الأونروا وانتقالها من حالة التماهي مع المؤامرات التي تستهدف قضية اللاجئين وحقوقهم، إلى مشاركٍ رئيسي في هذه المخططات، ما يستوجب التصدي بكل قوّة ومسؤوليّة من جموع اللاجئين وأبناء شعبنا في كل مكان لهذه التجاوزات الخطيرة والسياسة التصعيديّة من قِبل الأونروا"، داعيةً "دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينيّة، والمؤسّسات والاتحادات الفلسطينيّة ذات الصلة وفي المقدمة منها اتحاد العاملين في الوكالة إلى اتخاذ موقفٍ موحّد يرفض هذه الإجراءات الخطيرة، وكل أشكال التدخّل الأمريكي الفج في عمل إدارة الأونروا".
محاولات لكي الوعي
ورأت الدائرة أنّ "الوقوف بحزم لإفشال أيّة محاولات قد تقدم عليها إدارة الأونروا للرقابة على المنهاج الفلسطيني التعليمي في مدارس الأونروا أو شطب بعض المواد خلاله، يُمثل خطوة أساسيّة في الحفاظ على هويّة اللاجئ الفلسطيني، وعلى الثقافة الوطنية ضد محاولات كي الوعي الجارية"، مُشددةً على أنّها "ستتصدى بقوّة لهذه الإجراءات التصعيديّة والسياسات الجديدة من قبل إدارة الأونروا عبر الضغط الميداني والسياسي، حتى تتراجع عن كل ذلك".
هذه الإجراءات التي بدأت "الأونروا" بتنفيذها بحق بعض موظفيها، لم تكن مفاجئة، بل كانت عقب توقيع الاتفاقيّة المُشار إليها سابقًا والتي أعقبت تقرير صدر منظمة "مُراقبة الأمم المتحدة" المتهمة بالتحرّك بناءً على دوافع سياسيّة، حيث واصلت هجومها التحريضي على "الأونروا" من خلال اتهام 22 موظفًا يعملون في "الأونروا" بأنّهم يروّجون لـ"العنف والكراهية".
"الأونروا" بدأت التحقيق
مزاعم هذا التقرير نفته الوكالة، وأكَّدت أنّ 10 فقط من الموظفين المذكورين في التقرير يعملون لديها، مُشددةً أنّ هذه المنظّمة "لها تاريخ طويل من تعويم مزاعم عارية عن الصحة، وتحرّكها دوافع سياسيّة بحتة"، لكنّ "الأونروا" أعلنت أنّها بدأت على الفور إجراء تحقيقٍ شامل لتحديد ما إذا كان أيٍ من هؤلاء الأشخاص العشرة من بين أكثر من 28 ألف موظّف، قد انتهك سياساتها الخاصة بوسائل التواصل الاجتماعي، والتي تحظر على الموظفين الانخراط في سلوكيات "غير مُحايدة" عبر الإنترنت، وأشارت إلى أنّه في حالة اكتشاف "إساءة سلوك" فستتخذ "إجراءات تأديبيّة أو إداريّة فوريّة".
التجمّع الديمقراطي للعاملين في وكالة "الأونروا" وهو الإطار النقابي للجبهة الشعبيّة، استنكر المُلاحقات والإجراءات التي تقوم بها الإدارة بحق الموظفين، مُعتبرًا أنّها "تجاوز خطير للأهداف والأسس التي من أجلها تأسّست الأونروا".
وبيّن التجمّع أنّ تلك الإجراءات بمثابة "تساوق مع الاحتلال وعدوانه المستمر على شعبنا وحقوقه"، داعيًا الإدارة "للتوقّف عن هذا الأسلوب البوليسي المنحاز للاحتلال، والذي يحمل دلالات سياسيّة خطيرة، تدلّل على حجم المؤامرة التي تستهدف حقوق شعبنا وقضيتنا".
الكرامة لا تقدّر بثمن
كما أكَّد التجمّع أنّ "الموظفين في الأونروا جزء أصيل من شعبنا الفلسطيني ومن تركيبته الوطنيّة والمجتمعيّة، ومن حقهم أن يمارسوا حقهم في التعبير عن القضايا السياسيّة التي تنسجم مع مبادئهِم وانتمائهِم وهويتهِم الفلسطينيّة، وليس من حق الأونروا مطاردة أو مُلاحقة أو توقيف أي موظفٍ يُمارس هذا الحق المبدئي"، مُشددًا أنّه "سيُدافع بكل قوّة عن الموظفين وحقّهم في التعبير عن رأيهم، والتصدّي لأيّة إجراءات تتّخذ بحقّ أيّ موظّف".
أخيرًا، يجب التذكير بأنّ وكالة "الأونروا" نفسها هي التي في خضم الحرب التي شنّتها عليها الإدارة الأمريكيّة السابقة، إدارة ترامب، رفعت شعار "الكرامة لا تُقدّر بثمن"، وهذا المنتظر منها فعلاً مهما بلغت التحديّات الماليّة والسياسيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق