القدس بين سادية الاحتلال و انحطاط العرب

 

 ماهر الصديق   

تحافظ القدس على مركزيتها بالرغم من الظروف المحلية و الاقليمية و الدولية ، تلك

الظروف التي يستغلها العدو افضل استغلال ، فيحاول ان ينفذ مخططاته التهويدية

في المدينة المقدسة ظنا منه ان الرياح تجري لصالحه ، و حتى لا يضيع الفرص

التي يكتسبها بقوة البطش و الارهاب و بضعف السياسة الفلسطينية و رداءة الواقع

العربي . ان العدو المتغول في عدوانه يعتبر نفسه في سباق مع الزمن ، ذلك لوجود

واقع فلسطيني منقسم ، و فراغ في المؤسسات الرسمية ، و تفرد في القرارات

 المصيرية ، و عدم جرأة في اتخاذ المواقف الحازمة التي تستدعيها الضرورة و الواجب

الوطني و على رأس تلك المواقف وقف التنسيق الامني و منع الاتصال بالعدو

تحت اي مسمى ، و اطلاق يد المقاومة و الثورة الشعبية .  هذا بالضبط ما فعله

الراحل ابو عمار عندما كان الامر اقل خطورة مما هو عليه الان ، تلك المواقف

التي ادت لانطلاق الانتفاضة الثانية ، و قيام المقاومة المسلحة بعملياتها البطولية ،

و هو ما ادى لانكفاء المخطط الصهيوني حينها ، و التفاف الشعب الفلسطيني

كله في اطار واحد ، و وقوف العرب عموما صفا واحدا خلف الموقف الفلسطيني،

و فرض تدخل الدول و المؤسسات الدولية لمنع تفاقم الاوضاع . لقد خلط الموقف

الفلسطيني كافة الاوراق ، و اعاد الامور الى اطارها الطبيعي الا و هو الصراع

و المواجهة بكافة اشكالها . لقد تكبدنا خسائر ، و كبدنا العدو خسائر جسيمة بشرية

و اقتصادية و نفسية بالاضافة للخسارة السياسية عالميا ، و كانت النتيجة احباط

مشاريع التهويد التي كان يقودها المجرم شارون و معه المؤسسات الصهيونية . و في

 هذه المرحلة يستفيد العدو من الواقع العربي المتخاذل ، حيث تخلت الدول العربية

عن مسؤولياتها تجاه اولى القبلتين و ثالث الحرمين ، بل ان بعضها يدعم العدو

سرا و علانية ، و اقل المواقف العربية ضررا هي مواقف  الساكتين عما

 يحصل من عدوان على القدس و عن  المخاطر التي  تهدد المدينة المدينة المقدسة !

و الا فإنهم في قنواتهم السرية مع قادة الاحتلال يؤيدون الممارسات الاجرامية

بحق الشعب الفلسطيني و بحق المقدسات الاسلامية في القدس . لكن يبقى

علينا المراهنة على الشعوب العربية من محيطها الى خليجها التي تتعاطف

مع نضال شعبنا ، و لا تقبل المساس باقدس مقدسات المسلمين . ان دور شعبنا

و تصاعد كفاحه هو الذي يستنهض همم الشعوب العربية ، و ربما يؤدي لقلب

الطاولة على رؤوس الحكام المطبعين فيجبرون على الغاء التطبيع و الاتفاقيات

المهينة مع العدو ، و لو حصل هذا فإن حلقة مهمة من حلقات المشروع الصهيوني

المتمثلة باختراق الامة العربية و تطبيع العلاقات السياسية و الاجتماعية قد فشلت

و عادت الامور الى مربعها الطبيعي القائم على العداء و الصراع . ان المتحكم

و الممسك باوراق القوة هم الفلسطينيون ، لانهم الوحيدون القادرون على انتزاع

زمام المبادرة من ايدي المجرمين الصهاينة ، لكنهم بحاجة لمواقف قوية لا ميوعة

فيها و لا مساومة عليها ، مواقف تنقل حلبة المواجهة الى قلب كيانه الاحتلالي ،

حتى تستعيد القضية الفلسطينية موقعها الطبيعي عالميا ، كقضية عادلة لم تحل

بعد ، نتيجة للعدوان و للاطماع الصهيونية . ان العدو الذي يستفيد من الدعم الامريكي

غير المحدود و من الصمت الغربي على ممارساته ، و من وجود الجائحة القاتلة ،

سيكون مضطرا للوقوف في وجه الرأي العام العالمي عندما تتصاعد الامور

الى ذروتها ، لان سادية العدو و افراطه في استخدام آلته العسكرية في وجه

شعب شبه اعزل سيكون له تداعياته على المجتمعات الغربية و على المؤسسات

الحقوقية و الاهلية و حتى الرسمية . و لكن علينا استخدام ما نملكه من اوراق القوة

و اهمها القرارات الدولية التي تعتبر القدس محتلة  ، و الانطلاق لمحاكمة القادة

الصهاينة  و معهم كافة مجرمي الحرب الى محكمة الجنايات الدولية ، على جرائمهم

القديمة و الحديثة بحق الشعب الفلسطيني . نحن نملك الكثير من مواقع  القوة فإما

 ان نستخدمها استخداما قويا و نحقق النصر في  معركتنا على القدس ، و اما ان

نبقى على مواقفنا المترددة و الضعيفة ، و يبقى شعبنا يواجه بصدره العاري

و بدمائه الزكية وحيدا دون غطاء عربي او دولي . ان مقاومة اهلنا في القدس

و معهم المرابطين ممن يتمكنون من الوصول الى القدس اعادت للقدس خصوصا

و للقضية الفلسطينية عموما صدارتها و مركزيتها ، لكنها تبقى هبات لا تحطم

المشاريع التهويدية ما لم تواكب بافعال تهز كيان الاحتلال و تجعله يحسب الف

حساب قبل اقدامه على تنفيذ مغامراته التهويدية .

 

  

   



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق