الفقر والمطر.. يكسران ظهر الأهالي في مخيم جباليا

 



حنان مطير

شبكة نوى | قطاع غزّة:

"الحمد لله عدّت على خير".. كانت الجملةَ الأكثرَ تردّدًا على لسانِ الجارات في مخيم جباليا، بعد أن هطلت الأمطار عنيفةً أول أمس، فمنذ أنشئ المُخيّم شمال قطاع غزّة ومأساة الغرق في فصل الشتاء واحدة من أعظم المآسي التي يعيشها الأهالي.

عند الدخول إلى ذلك الممر الضيق في المخيم ذي الجدران الرطبة "المُخضرَنة" والمتقشرة وصولًا لعائلة "أبي يونس"، تهبط بضع درجاتٍ لتدخل البيت الذي لا تزيد مساحته على 60 مترًا، فتضطر لإزاحة الملابس المصفوفة على حبل الغسيل بمواجهتك لتكشف عن ساحة صغيرةٍ تربّع على زاويتها سرير وقد تمدّد عليه يونس، فيما تلهو الصغيرة ندى وتمرح.

أم يونس -43 عامًا_ التي لا تخفي فرحها لأن بيتها لم يغرف كعادته، لم تنم ليلتها قلقًا ولم ينم طفلها عماد -12 عامًا- فكان بين الفترة والأخرى يسألها "راح نغرق؟ لوين وصلت الميَّة "الماء" ".

تقول لـ "شبكة نوى": "منذ سكنتُ في هذا البيت ومعاناة الشتاء تلازمنا، إننا نعيش تحت رحمة الله ثم المطر، ان اشتدّ غرقنا، وإن لم يشتدّ سلِمنا، لكن الأمر لم يخلُ دومًا من وضع الكثير من الدّلاء "الأواني" في أماكن كثيرة في البيت".

شبكة نوى، فلسطينيات: أم يونس -43 عامًا_ التي لا تخفي فرحها لأن بيتها لم يغرف كعادته، لم تنم ليلتها قلقًا ولم ينم طفلها عماد -12 عامًا- فكان بين الفترة والأخرى يسألها "راح نغرق؟ لوين وصلت الميَّة "الماء" ".

حلم إعلاء البيت

وتشرح "حين يشتدّ المطر تدلف علينا المياه من خارج البيت، وكذلك من هذا المصرف – تشير إلى الأرض قرب المدخل- ومع الزمن تلفت الأبواب والجدران وكم من مرةٍ غرق الفراش بالمياه المختلطة بمياه الصرف الصحي، وكذلك الدقيق وغيره من مقتنيات البيت، حيث ترتفع لما يقارب 80 سم".

من جهته، يوضح الأب أنه منذ خمسة أعوام حصلت العائلة على حق من وكالة الغوث لبناء بيتهم بحيث يصبح صالحًا للعيش، منبهاً "الأمر مرهون وفق قولهم للتمويل وها نحن نعيش على هذا الأمل".

أبو يونس البالغ 62 عامًا كان يعمل في مخبز بأجر يومي، لكنه لم يكن يعمل دومًا بسبب إصابته بالكثير من الأمراض ومنها الضغط والأزمة الصدرية والكيس الدهني حول القلب، ومنذ عامٍ توقّف عن العمل تمامًا، ما زاد من احتياجات أبنائه غير المتوفرة.

فقبل عام اضطر يونس -14 عامًا- إلى العمل في السوق على عربة "حمّل وصّل" وفق ما يطلقون عليها، لكنه لم يستمر، يروي: "كنت سعيدًا بذلك العمل رغم قلة المال الذي أجنيه، لكنه يوفر لي القليل من مصروفي فلا أطلب من أحد".

ويضيف أن أفضل يوم جنى فيه مالًا كان قدره 12 شيكلًا، وحينها أخذ 3 شواكل وترك الباقي لوالدته.

لكن يونس اليوم متوقف عن هذا العمل البسيط نظرًا لما يمر به العالم من جائحة كورونا، يخبرنا "لم يعد مجديًا عملي من ناحية مادية، فيما أحاول الالتزام بالدراسة الإلكترونية، أشتري كرت الإنترنيت بواحد شيكل، وأحيانًا لا يتوفر لي أن أشتريه فتتراكم الدروس لحين الفَرَج".

أما المُدلّلة آخر العنقود ندى ذات الست سنوات فلا تبالي بما يجري، لقد حفّها الله بابتسامةٍ دائمة، لكن والدتها دائمة القلق على تلك البسطة الصغيرة التي اشترتها بقيمة 70 شيكل ووضعتها داخل البيت تبيع منها للجيران لتوفر مصروفًا بسيطًا لندى في الغالب.

فقبل عام اضطر يونس -14 عامًا- إلى العمل في السوق على عربة "حمّل وصّل" وفق ما يطلقون عليها، لكنه لم يستمر، يروي: "كنت سعيدًا بذلك العمل رغم قلة المال الذي أجنيه، لكنه يوفر لي القليل من مصروفي فلا أطلب من أحد".

تروي أم يونس بابتسامة ومُمازَحة وتنظر لندى التي تحتضن ابن أختها بحبّ: "لو تركتُ البسطةَ لندى فإنها لن تُبقي منها شيئًا، ستلتهم كل البسكويت والشكولاتة"، فيضحك إخوتُها ووالدُها من حولِها.

وكانت الابنة الكبرى لأم يونس والتي تسكن في بيت لاهيا قد جاءت في زيارةٍ لأهلِها قبل وقوع المنخفض بيومٍ واحد لتكون قريبةً من عيادة الوكالة لأنها على موعد معها في اليوم التالي لتطعيم صغيرِها ما كان سببًا في حرج والدتِها. تعبر: "كنت بين نارين، فمن العيب أن أرجِعها لبيتِها، وفي نفس الوقت كنت أخشى أن يصيبها أو طفلها مكروه في بيتها بسبب المطر".

ذكريات الشتاء

أما أم عبد الله أبو نحل، فامرأةٌ مريضة الغدد اللمفاوية، تحتاج للكثير من الأدوية ولديها الكثير من الهموم، ومن أصعبها همّ الغرق الذي عاشته منذ سنوات طويلة، ما جعل لديها هاجسًا من الشتاء وصوت الريح والمطر رغم إعلاء البيت.

تعبر "الخوف من الشتاء يجعلني اليوم بين الحين والآخر أفتح باب البيت وأنظر للشارع طوال 24 ساعة، للاطمئنان إن كانت المياه تعلو أم ما زال الوضع مستقرًا".

وتقول إنه في كل شتاء تراودني كوابيس الغرق التي عاشتها منذ تزوجت، كانت في شهرها الأخير، تنقل المياه وتنظف الفراش من مياه الصرف الصحي، وكانت همومها تزيد المطر أمطارًا جديدة من الدموع ثم يتم نقلهم بالقوارب بين شوارع المخيم.

وتضيف:" وحتى هذا اليوم، نغرق كلما اشتدّ المطر، ولا حيلة لنا".

رياح ولا نوافذ

وفي بيت عائلة أبي سعيد الوحيدي المكون من 10 أفراد لم يختلف الحال كثيرًا، فالبيت وفق ما يقول سعيد _أبو إبراهيم- "تدخله المياه من الشقوق الكثيرة التي خلّفها القصف المتكرر في قطاع غزة، وكذلك فإنه يحتاج إلى قِصارة والوضع المادي لا يسمح أبدًا".

لقد باحت عينا سعيد بالحزن فهو في عمر -29- وقد أنجب طفلًا وما زال غير قادرٍ على قصارة بيته أو تبليطه أو حتى شراء نوافذ تحمي صغيره من قسوة الشتاء.

لقد باحت عينا سعيد بالحزن فهو في عمر -29- وقد أنجب طفلًا وما زال غير قادرٍ على قصارة بيته أو تبليطه أو حتى شراء نوافذ تحمي صغيره من قسوة الشتاء.

تضيف أم إبراهيم: "ليلة المنخفض الماضي نمنا والمياه تملأ الغرفة، والغرفة الأخرى أصلًا بلا نوافذ، لقد وضعنا قطعة قماش مكان النافذة للسترة ولك أن تتخيلي كي اجتاحت الرياح والبرد والمطر البيت".

أبو سعيد الذي يعاني من مرض القلب يعيل أفراد الأسرة جميعهم بمبلغ قدره 800 شيكل بعد انتهاء عمله في البلدية، أما أبناؤه الشباب فجميعهم لا يعملون رغم أنهم يتقنون الكثير من الأعمال، ويقتنصون أي فرصةٍ لأي عملٍ بأجر يومي.

يقول علي -28 عامًا- "جميعنا نتقن السباكة والقصارة والدهان والتكسير والتنظيف وكل ما يخطر على بالك، لكن المهم: أين هو العمل؟".

أما عوني -26 عامًا- فمصاب في مسيرات العودة بقنبلة في الفك تركت آثارها المؤلمة صعوبة في حديثه وفي مضغ طعامه وبحاجة للكثير من المال للتخلص من ذلك الألم.

أم عبد الله أبو نحل

بيت أبو سعيد الوحيدي 

عائلة أبو يونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق