آية فردون مجبرة على العمل في مهنة قاسية


 

العربي الجديد: انتصار الدّنّان
24-01-2021
وجدت آية فردون نفسها في وضع أجبرها على الالتحاق بأيّ فرصة عمل بعدما عجزت عن العمل في اختصاصين درستهما. لكنّ الفرصة تلك كانت قاسية جداً وترتبط بعمل يحتاج إلى جهد بدني كبير
أعداد كبيرة من الطلاب اللبنانيين، من الجنسين، يحلمون بيوم تخرجهم من المعاهد والجامعات، حتى ينخرطوا في سوق العمل بالتخصص الذي اختاروه لأنفسهم، لكنّهم ما إن ينهوا دراستهم حتى يصدمهم السوق، بعدم توفر فرص العمل لهم، خصوصاً في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه لبنان منذ عام ونصف تقريباً.
آية فردون، شابة لبنانية من بلدة العباسية في قضاء صور، بمحافظة لبنان الجنوبي، تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، حائزة على شهادة في المحاسبة والمعلوماتية، من معهد "أنصار" التقني، منذ عام 2017، كما حازت من المعهد نفسه على شهادة في التجميل والتزيين النسائيين، وعلى الرغم من ذلك لم تتمكن من تحقيق حلمها في الحصول على فرصة عمل في أيّ من هاتين المهنتين اللتين درستهما، وتبدو دراستها من دون أيّ جدوى حتى الآن.
في هذا الإطار، تقول آية لـ"العربي الجديد: "على الرغم من أنّني حائزة على هاتين الشهادتين، لم أجد فرصة عمل بأيّ منهما، ولأنني محتاجة للعمل بسبب وضعنا الاقتصادي الصعب، بدأت البحث عن فرصة أخرى حتى أستطيع تأمين مصاريفي والإنفاق على عائلتي، فعملت في البداية في متجر لبيع الملابس، ثم في محل حلويات، إلى أن قرأت منشوراً كانت قد أعلنت عنه بلدية العباسية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن مشروع تأهيل حرج البلدة المكسو بالصنوبر، وتنظيف جوانب الطرقات الرئيسية، بدعم من منظمة العمل ضد الجوع (منظمة إنسانية عالمية) بالتعاون مع البلدية، وعن حاجتها لعمال في هذا المجال". تتابع آية: "وجدت في هذا المشروع فرصة للانضمام إلى فريق من اللبنانيين والسوريين يقارب عددهم مائة، للقيام بذلك العمل مقابل أجر يومي يبلغ 58 ألف ليرة لبنانية (نحو 7 دولارات أميركية بسعر الصرف الفعلي في السوق السوداء)، وبعدما قرأت المنشور عملت على تسجيل اسمي، لتجرى الموافقة على طلبي، والتحاقي بالعمل المؤقت".
وعن سبب اختيارها الالتحاق بمثل هذا العمل الصعب، خصوصاً أنّ زملاءها في أكثريتهم الساحقة من الرجال، تقول آية: "لم أختر ذلك، بل أجبرت على العمل في هذا المجال بعدما فقدت الأمل بالعمل في تخصصي، سواء كمحاسبة أو في التزيين النسائي، وذلك بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في لبنان على المستويات كافة، كما أنّ الدافع الأساسي لذلك هو أن أساعد أهلي في المصاريف، فوالدي عاطل من العمل بسبب مرضه، إذ يعاني من آلام في ظهره تحدّ من قدرته، فيما الدافع الثاني حاجتي لإجراء عملية جراحية لتخفيض وزني، تبلغ كلفتها 12 مليوناً ونصف مليون ليرة (نحو 1450 دولاراً بسعر السوق السوداء)، بسبب المشاكل الصحية التي أعاني منها، إذ إنّني مصابة بمرض السكري، لكنّ العملية ستسمح لي بتفادي الخضوع للعلاج بالإنسولين كما أخبرني الأطباء".
أما عن تقبل عائلتها والمجتمع لهذا النوع من الأعمال التي لم تعتد الفتيات القيام بها، فتقول: "لم يعد الناس في مجتمعنا ينظرون إلى ذلك باستغراب، لأنّ الضائقة المادية والأوضاع الاقتصادية الصعبة، وعدم إيجاد فرص عمل، هي التي تجعل الفتيات كما الشبان يبحثون عن عمل في أيّ مجال، مهما كانت صعوبته". تتابع: "لم أكن في يوم من الأيام أتوقع أن أعمل في مثل هذه الأعمال الشاقة، خصوصاً استخدام المعول، والمجرفة، والرفش وغيرها، فنحن نعلم أنّ هذه الأدوات لا يستخدمها للعمل إلاّ الرجال، إذ يحتاج العمل بها إلى مجهود كبير وعضلات صلبة لا تتوفر خصوصاً في فتيات اليوم، وربما كانت جداتنا في الماضي يقمن بمثل هذه الأعمال الشاقة في القرى، إذ كنّ يعجنّ ويخبزن ويغسلن يدوياً، كما كنّ يساعدن أزواجهن في أعمال الفلاحة في الأرض وغيرها. من جهتي، وعلى الرغم من صعوبة العمل الذي بدأته، فإنّني سعيدة فيه، لأنّه يوفر لي دخلًا يساعدني في إعالة عائلتي التي ليس لها أيّ معيل غيري".
تختم آية كلامها بالقول: "هذا النوع من الأعمال قاس جداً، وصعب، ولم أقم به من قبل، لكنّني بعد مرور أكثر من عشرين يوماً، صرت معتادة على القيام به، والعمل مع زملاء وزميلات يعانون من الأزمة المعيشية نفسها التي أعانيها، وهم أيضاً في حاجة ماسة لهذا العمل حتى يستطيعوا الإنفاق على أنفسهم وعائلاتهم. وعلى الرغم من صعوبة هذا العمل فقد لاقيت تشجيعاً كبيراً من والدي وخطيبي، علماً أنّني الفتاة اللبنانية الوحيدة المنخرطة في العمل في المرحلة الأولى من المشروع".
وفي المجمل، لا تعتبر آية أنّ هناك فارقاً بين الرجل والمرأة في القيام بأيّ عمل، فالعمل الذي يقوم به الرجل تستطيع المرأة أداءه، والعكس بالعكس، عند الضرورة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق