حول الوضع الفلسطيني في أوروبا. ورقة أفكار أولية



د. سليم نزال
هناك بعض الحقائق المهمة التي لا بد من التأكيد عليها أولها أن المشروع الصهيوني ولد في أوروبا وتسلل من أوروبا إلى بلادنا. والحقيقة الثانية أن الدعم الأول للمشروع الصهيوني وإسرائيل لاحقا كان من أوروبا بالدرجة الأولى ولم تدخل أمريكا على خط دعم إسرائيل بقوة إلا بعد العام 67.
الحقيقة الثالثة أن التغير في الرأي العام الغربي تجاه رؤية وجهة النظر الفلسطينية هو الأقوى في أوروبا من البلاد الغربية الأخرى لكن هذا التعاطف يختلف من بلد الى بلد فهو الأقوى مثلا في بلدان مثل ايرلندا و يميل إلى الضعف كلما اتجهنا نحو بلدان أوروبا الشرقية .
الحقيقة الرابعة هي قرب أوروبا من الشرق الأوسط يجعلها أكثر تأثرا بما يجري هناك بحكم القرب الجغرافي .
الحقيقة الخامسة هي الضعف التاريخي للوجود الفلسطيني في أوروبا، و عموما الوجود العربي لم يكن كبيرا باستثناء الهجرة من سكان المغرب إلى فرنسا إبان الحقبة الاستعمارية خاصة .
لكن هدا الأمر تغير إلى حد ما أخيرا بحكم تدفق اللاجئين العرب خاصة من العراق و سوريا في مرحلة الأعوام العشرين الماضية.
و خلال الفترة الماضية ازداد الوجود الفلسطيني في أوروبا بحكم اللجوء في الأعوام الأخيرة بحيث بات يقترب من النصف مليون،  لكن لا يوجد حسب علمي إحصائية دقيقة من مصادر مؤكدة بل تقديرات عامة. والغالبية من الفلسطينيين تتركز في ألمانيا والسويد والدانمارك وبنسب أقل في البلدان الأخرى.
لا بد من مقاربة الوضع الفلسطيني في أوروبا مقاربة تنطلق من حقيقة أنه مجموعة ثقافية انتقلت لتعيش ضمن ثقافات مختلفة عنها كثيرا. الأمر الذي يفرض الكثير من التحديات لأجل التكيف والاندماج في المجتمعات الجديدة. وهو أمر يحتاج لجهود ووقت وليس بالأمر السهل.
ولدا فان النظرة السطحية لهم على أنهم سيقومون بسرعة بالعمل لصالح التعريف بقضيتهم نظرة تفتقر لمعرفة الواقع الحقيقي لهؤلاء. المهم أولا أن يكتسبوا تجربة عيش و خبرات في هذه البلاد و بالطبع التحديات كبيرة خاصة ممن جاؤوا في الفترة الأخيرة .
ما هو المطلوب من الفلسطينيين في اعتقادي؟ .المطلوب أولا من الفلسطينيين أن ينخرطوا بكل قواهم في مجتمعاتهم الجديدة لأنه يعود عليهم بالفائدة كمواطنين جدد في هذه المجتمعات و على وطنهم الأم و قضايا بلادهم العربية كنتيجة. لقد تعلمنا من التجربة أن المهاجرين الذين يعيشون على هامش مجتمعاتهم الجديدة لا يفيدوا أي قضية ، و أفضل مثل هو تجربة الفلسطينيين في تشيلي لأنهم نجحوا كمواطنين تشيليين و أيضا في الاحتفاظ بروابطهم مع الوطن الأم.  ينبغي أن ننتبه إلى ما يسمى
بالقوة الناعمة أي التأثير الذي يحصل من خلال الانخراط القوي في المجتمعات الجديدة و الاستفادة منه لأجل تعزيز التضامن مع الكفاح الفلسطيني لأجل الاستقلال.
من المهم جدا أن يحصل تفاعل بين المهاجرين القدامى و الجدد. على المهاجرين القدامى من أصحاب الخبرة الأطول أن لا يبخلوا من تقديم تجاربهم للمهاجرين الجدد لأن هذه الخبرات لم تأت بين ليلة و ضحاها بل مرت بمسارات طويلة و معقد، كما على المهاجرين الجدد أن يصغوا لتجارب الآخرين وأن لا يعتقد الواحد منهم أنه قادر على التأثير في هذه المجتمعات و هو لا يعرف عنها أي شيء. و هناك قاعدة علمية معروفة أنه لا يمكن التأثير في مجتمع إلا من داخل المجتمع نفسه وطبعا معرفة المجتمع. كما من المهم نقل خبرات الجيل الأقدم للأجيال الجديدة لكي تتم عملية تراكم الخبرات فلا يبدأ كل جيل من الصفر، و هناك جيل ولد فس أوروبا و لديه طاقات كبيرة جدا و لديه معرفة جيدة بالمجتمع و لا بد من الاهتمام به لكي لا يظل النشاط محصورا بالجيل الأقدم .
كما أعتقد على أهمية التعرف إلى تجارب شعوب منتشرة أخرى للاستفادة منها مثل تجربة الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم فلربما نكون قادرين في المستقبل على بناء مؤسسة عالمية .
المهم أولا في رأيي أن على الفلسطينيين في أوروبا أن يركزوا أولا على تنمية قدراتهم في مجتمعاتهم الجديدة من ناحية و من ناحية أخرى بناء مؤسسات بطابع اجتماعي حيث يتم التفاعل بينهم، و التخفيف من حدة الطابع السياسي الايديولوجي خاصة باتجاه المنحى الحزبي قدر الإمكان. إن بناء مؤسسات اجتماعية بنشاطات متعددة تنقل البشر من قطيع إلى مجتمع . وأي نشاط سياسي لا يمكن أن ينجح فعلا
بدون وجود إطار اجتماعي لأنه يسمح بتوفير شبكة أمان اجتماعية لها تأثيرات نفسية إيجابية .
على المستوى السياسي من المهم للفلسطينيين في أوروبا أن يركزوا على الدفاع عن قضية شعبهم بالدرجة الأولى.
و أن يكفوا قدر الإمكان من إعطاء أنفسهم أدوارا مبالغ فيها في تفاصيل ما يحصل في الوطن. نحن لا نعيش الحياة اليومية في الوطن و لا ندفع الثمن اليومي للاحتلال و ليس من المفيد أن ينصب جهدنا على الصراعات الغير مفيدة و النقد الغير مجدي لأن مهمتنا الأولى الدفاع عن حرية الوطن و الابتعاد عن الصراعات الموجودة في الوطن قدر الإمكان. مثلما أعتقد أن على الفلسطينيين الابتعاد قدر الإمكان عن الصراعات العربية العربية حيث لا مصلحة لنا في الدخول في هذه الصراعات و التركيز على قضية الخلاص من الاحتلال. كما أن وضع كفاح شعبنا في إطار ديني مضر جدا لقضيتنا لدا من المهم التمسك بخطاب حق تقرير المصير وهو خطاب عالمي يفهم جيدا. كما من الضروري الانتباه لأخطار انتشار التطرف الديني بين الشباب الفلسطيني لأن له آثارا مدمرة على قضية شعبنا.
لا بد لنا من استخدام أكثر للثقافة من أجل التعريف بشعبنا و حقوقه. و لقد أكدت تجاربنا تأثيرات الثقافة من فن و موسيقى و سواها في التأثير لصالح قضيتنا .
نحن لسنا وحدنا بطبيعة الحال، فهناك الكثير من القوى السياسية والنقابية في أوروبا المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني، و هؤلاء أكثر قدرة منا لأسباب عدة على التأثير في مجتمعاتهم. لدا من الضروري التنسيق معهم و التعلم و الاستفادة من خبراتهم و طرق عملهم . كما أن هناك تجمعات لإخوة عرب وهؤلاء قوة تضاف إلى قوتنا.
كما أعتقد بضرورة الابتعاد تماما عن الصراعات مع سفارات فلسطين في أوروبا وهو أمر كان يحصل أحيانا للأسف. نحن مجتمع مدني وعلينا التركيز على ما يخصنا في هذا الصدد. ولا شك أن التعاون مع السفارات أمر جيد أن حصل، لكن إن لم يحصل علينا أن ندرك أن السفارات لها طابع رسمي والمجتمع المدني له طابعه وكل له دوره في إطار مجاله وفي إطار علاقة الاحترام والتفهم المتبادل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق