آمنة السريس: بدأت الانخراط في العمل السياسي منذ نعومة أظفارها


 مع تصاعد مساهمة المرأة الفلسطينية السياسية، فترة الستينيات، وبعد انطلاقة الثورة الفلسطينية، عام 1965، وبعد زيادة انخراطها في العمل ضمن فصائل المقاومة المسلحة، حيث شهدت هذه الساحة تغيرات اجتماعية ملموسة كقضية مستقلة باعتبار أن الأولوية للعمل السياسي رغم إقرار بعض الفصائل الفلسطينية بأهمية التغيير على الصعيد الاجتماعي، وكان للمرأة الفلسطينية دور بارز في العمل السياسي، استطاعت من خلاله المساهمة في دعم القضية الفلسطينية، وكانت من بيناتهن آمنة محمد السّريس المتحدرة من بلدة مجد الكروم بفلسطين، قضاء عكا، مقيمة في مخيم شاتيلا، مواليد عام 1960، تعمل ممرضة في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.

التحقت آمنة السّريس، بالعمل السياسي عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وكانت بداية التحاقها بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كانت تشارك بالفعاليات التي كانت تقام في المخيم، وبالمهرجانات والأنشطة والاجتماعات المتعلقة بمجموعتها.
تقول آمنة:" دخلت مدرسة التمريض عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري. حصلت على منحة تعليمية من الجبهة، وسافرت إلى رومانيا لأدرس بتخصصي، ثم عدت إلى لبنان لمتابعة تعليمي، وتحديدًا في مستشفى عكا".
تتضيف، عملت في مستشفى غزة بصبرا. خلال الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 ساهمت بعلاج الجرحى والحالات الصعبة. ولم أشهد مجزرة صبرا وشاتيلا، لكني وصديقتي شعرنا بأن حدثًا ما كان سيحصل، فتركتا المستشفى بعد انتهاء دوامهما. صديقتي ذهبت إلى مستشفى عكا، وصباح يوم الجمعة 17 أيلول 1982 كان يوم اقتحام مستشفى عكا، فدخل القتلة إلى المستشفى قتلوا الأطباء وعذبوا الممرضات قبل قتلهن، واغتصبوا صديقتي ثم قتلوها. في الصباح، توجهت إلى المستشفى، لكني وفي طريقي إليه رأيت أناسًا يهربون، ويقولون:" إنهم يقتلوننا"، وفي ذلك الوقت حاول بعض كبار السن في المخيم التوجه إلى مدخل المخيم، حاملين أعلامًا بيضاء والتحدث مع جنود الاحتلال الصهيوني، ليخبروهم بعدم وجود مقاتلين في المخيم، لكنهم عادوا شهداء.
أهلي تركوا المخيم، لكنني توجهت إلى مكان عملي في مستشفى عكا، الجرحى أعدادهم كانت كبيرة، كان الطاقم الطبي مشغولًا بهم، وفي الوقت نفسه بدأ القناصة يطلقون النار على المستشفى، وجراء هذا الحدث حضرت مديرة المستشفى إلى القسم الذي فيه الجرحى، وأخبرت الطاقم الطبي والممرضين بأنه من لديه القدرة على الخروج من المستشفى، فليخرج. خرجت أنا من المستشفى مع زملاء لي، توجهت نحو محلة البربير في بيروت. وكذلك تم نقل الجرحى والمعوقين إلى خارج المخيم.
عشت تجربة صعبة في أثناء حرب المخيمات، بسبب الحصار، فقد كنت أعمل طيلة أيام النهار والليل لأساعد في علاج الجرحى الذين كانوا يسقطون في الحرب.
حوصر الطاقم الطبي والممرضون في مكان معين، حينها كنت أعمل في مستوصف بمخيم شاتيلا. المكان كان يتألف من ثلاث غرف، ولم يكن مهيئًا لإجراء عمليات، ولم يكن باستطاعة الطاقم الطبي متابعة جميع المصابين، لأن مكان الطوارئ ضيق جدًا، وهو المكان الذي ابتكروه، إذ كان تحت الغرف الثلاثة ملجأ، تم استخدامه لعلاج الجرحى، وإجراء عمليات جراحية للمصابين.
عملت في تلك الأثناء في قسم الطوارئ، عملت بقسوة، فلم أكن أخرج من القسم حتى لرؤية أهلي، وإذا احتجت للنوم لبعض الوقت كنت أنام على جنبي، لضيق المكان وتحسبا لأي طارئ. واجهتنا صعوبات، فقدنا الأدوية التي كنا نحتاجها لعلاج المصابين. بعد نفاد الأدوية كنا ننتظر فترة الهدنة وفتح الطريق لإدخال الأدوية إلى المستوصف.
الإصابات التي كانت تعجزنا وهي الأصعب كانت إصابات الرأس، فقد كان غالبية المصابين برؤوسهم لا ينجون مع إجراء العمليات لهم، وكذلك إصابات الشريان الرئيس.
لم يكن يدخل الطعام إلينا كذلك الأمر، فقد كنا نجبر على تناول أي طعام موجود في المستوصف، فقد كنا نفضل تقديم نوعية الطعام الأفضل للمصابين.
لم تكن التجربة سهلة. لم أخرج من المستوصف إلا في الأيام الأولى للحصار، فقد طلب مني الطبيب الجراح بأن أذهب للراحة في بيتي مع بعض الممرضات، لكن تلك الليلة التي ذهبت فيها إلى البيت، كانت من أسوأ الليالي التي عشتها أيام الحصار، فالقذائف لم تهدأ، وصارت تتساقط بالقرب من منزلي، فقطعت الطريق، وعند هدوء دام وقت طويل أرسل الطبيب أحد الشباب الموجودين في المستوصف حتى يعيدنا إليه سالمين.
عاودت القذائف هطولها، ونحن في الشارع، فصرنا جميعا نركض بسرعة، لننجوا منها، ومن ذلك الوقت لم أترك المستوصف حتى انتهاء المعارك والحصار.
خرجت من الحصار هزيلة، فقد بلغ وزني حينها 45 كيلو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق