زيادة الرسوم الجمركية 10 أضعاف سترفع الـ TVA والنتيجة مزيد من الإفقار


 تبدأ الحكومة اللبنانية استيفاء الرسوم الجمركية بزيادة عشرة أضعاف بدءاً من مطلع شهر كانون الأول المقبل، حسبما أعلنت وزارة المال أمس، غداة إعلان حاكم مصرف لبنان عن رفع سعر الصرف الرسمي للدولار عشرة أضعاف، بدءاً من شهر شباط المقبل، ليصبح 15 ألف ليرة، وذلك في خطوة ينظر إليها البعض على أنها إجراء لحصر سعر صرف الدولار في السوق بثلاثة أسعار، هي سعر منصة السوق الموازية البالغ الآن نحو 40 ألف ليرة للدولار، وسعر منصة «صيرفة» العائدة للمصرف المركزي، البالغ 30 ألف ليرة، وسعر الصرف الرسمي للسحوبات المصرفية والرسوم الجمركية البالغ 15 ألف ليرة.

وأعلن وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، أمس، أن «وزارة المالية وجهت كتاباً إلى مصرف لبنان يتعلق بالبدء باحتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك على السلع والبضائع المستوردة، على أساس 15 ألف ليرة للدولار الأميركي الواحد، وذلك بدءاً من 1 كانون الأول». وأشار الخليل إلى أن «هذا التدبير يساعد في الحد من استغلال فروقات الأسعار وكذلك تخفيف التشوهات والخسائر التي تتكبدها الخزينة».

ولم تُفاجأ الأوساط المالية والمصرفية كثيراً بإعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن التعديلات اللاحقة بسعر صرف الليرة توطئة لتوحيده في مرحلة تالية، وبما يمثل مبادرة جزئية لاحتواء تداعيات التدهور المستمر ريثما يعود الانتظام إلى المؤسسات الدستورية من مدخل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات والشروع بتنفيذ خطة التعافي والإنقاذ.

واقتصر المستجد في الوقائع على تحديد موعد الأول من شباط المقبل موعداً لبدء سريان السعر المعدّل، بعدما كانت الأسواق في أجواء تنفيذه مطلع الشهر الحالي، وفقاً لما انفردت «الشرق الأوسط» بنشره في الشهر الماضي، وذلك ضمن استهداف حصر النطاق السعري ضمن ثلاثة مستويات محددة تشمل السعر الجديد (15 ألف ليرة لكل دولار) وسعر التداول على منصة «صيرفة»، فضلاً عن سعر التداول في الأسواق الموازية.
وأكد سلامة، في مقابلة تلفزيونية، الدخول فعلياً «في مرحلة توحيد أسعار الصرف»، وبدأ ذلك «بالدولار الجمركي الذي تقرر بشأنه وزارة المالية مع الرسوم الأخرى والضرائب»، لافتاً إلى أن «العمل بالتعاميم سيبقى سارياً إلا إذا تم إقرار قانون الكابيتال كونترول، فعندها سنلغي كل هذه التعاميم ونصبح محكومين بالتعاطي بين المودعين والمصارف تبعاً للمقتضيات المدرجة في قانون تقييد السحوبات والرساميل».

ومن الواضح، بحسب تقييم مسؤولين في عدد من البنوك والمؤسسات المالية، أن الإعلان عن المبادرة وتحديد موعد سريان التعديلات، سيغيّران جزئياً من قواعد التعاملات النقدية في الأسواق، بحيث سيختفي تدريجياً وبصورة نهائية السعر الرسمي المعتمد بمستوى 1515 ليرة لكل دولار. كما سيتبدل حجم التدفقات النقدية بالليرة وبالدولار، ولا سيما بعد الشروع بتنفيذ قرار منح جميع العاملين في القطاع العام راتبين إضافيين شهرياً ومساعدات اجتماعية ومضاعفة بدلات النقل، ورفع بدل تصريف دولارات الودائع من 8 و12 ألف ليرة إلى 15 ألف ليرة.

ويؤكد مسؤول مصرفي كبير، أن تحركات السلطة النقدية تتكفل بالتغطية على الفراغات الدستورية والسياسية من جهة، وعجز السلطة التنفيذية المستمر عن إرساء معالجات طارئة لوقف مسلسل الانهيارات النقدية والمالية، الذي دشنته الحكومة السابقة بقرار تعليق دفع مستحقات الديون الحكومية بالعملات الصعبة والمجدولة سنوياً حتى عام 2037، ما أفضى إلى إخراج لبنان من أسواق التمويل الدولي، ومن ثم استنزاف نحو 20 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي وتعظيم نزف العملة الوطنية لتخسر تراكمياً أكثر من 95 في المائة من قيمتها. وبالتالي تبديد مخزون الثقة الداخلية والخارجية بكامل مؤسسات القطاع المالي.

ومن شأن أي تحرك لتصحيح التشوهات النقدية الناجمة عن تعدد أسعار الصرف ضمن هوامش متسعة بين السعر الرسمي وسعر التداولات السوقية المعتمد في أسواق الاستهلاك والخدمات والتعليم والاستشفاء وسواها، أن يصب حتماً في خانة المقاربات الناجعة لتطوير منهجية إدارة الأزمات النقدية والمالية الكبيرة التي تعانيها البلاد واقتصادها منذ ثلاث سنوات. كما يسهم، بحسب تقييم سابق للمصرفي ومدير عام «فرست ناشونال بنك» نجيب سمعان لـ«الشرق الأوسط»، في تخفيف الأعباء وخسائر الصرف التي يتكبدها المودعون في البنوك الذين ينفذون سحوبات ضمن سقوف شهرية بسعري 8 و12 ألف ليرة لكل دولار.

وبالتطابق مع هذا التقييم، قال سلامة: «نحاول من خلال التعاميم إدارة الأزمة». وأضاف: «هذه الأزمة كانت تواجه تحديات خارجة عن نطاق مصرف لبنان. وأهم حدث حصل هو التوقف عن دفع السندات اللبنانية الخارجية التي عزلت لبنان بشكل كبير عن الأسواق المالية وصعبت دخول الدولارات إلى لبنان. وكذلك جاءت جائحة كورونا التي تركت آثارها على اقتصادات العالم ككل».

وعن واقع أسعار الصرف الرسمي بعد التعديل، سيجري اعتماد سعرين في السوق النظامية، أي 15 ألف ليرة وسعر «صيرفة»، فيما يؤكد الحاكم أن توحيد سعر الصرف لا يمكن تحقيقه ضربة واحدة، لذلك ستكون هذه المرحلة الأولى ولغاية أن تصبح المنصة هي المرجعية لتحديد السعر الموحد. أما في تداولات الأسواق الموازية، فإن السوق تحدد السعر حسب العرض والطلب. وحتى لو أصبح السعر متقلباً فممنوع أن نشهد تقلبات كبيرة، بحسب سلامة، حيث سيكون «مصرف لبنان بالمرصاد». وأضاف: «مثلاً اليوم هناك بالسوق 70 تريليون ليرة لبنانية ونحن بإمكاننا جمع كل الليرات عندما نقرر، فالأسواق تعرف هذا الشيء، وإذا قررنا يمكننا وضع مليار دولار لتجفيف السوق من الليرات».

ولم يفت الحاكم الإشارة إلى أن «صندوق النقد كان نصح بأن تكون زيادات القطاع العام مدروسة أي أن تطول الزيادات الموظفين العاملين، ولكنّ هناك موظفين هم ربما خارج البلد. لذلك فإن إعادة النظر بطريقة إدارة الدولة ضرورية، فليس مصرف لبنان هو القادر وحده على حل كل شيء».

الدولار الجمركي سيرفع الـ TVA... والنتيجة مزيد من الإفقار

بالأمس فقط بات الدولار الجمركي واقعاً، غداة إرسال وزير المال يوسف الخليل كتاباً إلى مصرف لبنان يطلب فيه احتساب أسعار العملات الأجنبية على الضرائب والرسوم التي تستوفيها إدارة الجمارك بالنسبة للسلع والبضائع المستوردة، على أساس 15 ألف ليرة للدولار وذلك اعتباراً من 1/12/2022. وربط الخليل بين هذا التعديل والسعي إلى «الحدّ من فروقات الأسعار والتخفيف من التشوّهات والخسائر التي تتكبدها الخزينة». بمعنى آخر، يعوّل وزير المال على إيرادات الدولار الجمركي الجديد لسدّ فجوة الموازنة، وهو ما سبق أن أعلنه صراحة، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال جلسات مناقشة الموازنة. ففي ظل تعمّد ميقاتي وشركائه عدم إقرار أي خطّة إصلاح لتحقيق نهوض اقتصادي، وفي ظل انكبابهم على تفخيخ كل القوانين الإصلاحية، تستمرّ السلطة ب​سياسة​ الترقيع عبر فرض المزيد من الضرائب على المواطن وتحميله وحده وزر كل فشلها وسرقاتها وانعدام الحلول العملية لديها.

الكتاب الذي أرسله وزير المال يوسف الخليل إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لتعديل قيمة الدولار الجمركي يحمل أخطاء جمّة، على ما يقول مدير المحاسبة السابق في وزارة المال أمين صالح. فسلامة ليس «من يحدّد سعر الصرف الجمركي الذي سيكون أساساً لفرض الرسوم والضرائب، بالتالي يُفترض أن يعدّل بمراسيم وقوانين، فيما وظيفة الحاكم تتصل فقط بالسياسية النقدية. حتى أنه ليس مخولاً بتحديد سعر صرف الليرة. بالتالي، فإن الطلب منه احتساب الدولار الجمركي على أساس 15 ألفاً يعارض المواد 81 و82 و83 من الدستور، ويقود نحو آلية جديدة لفرض ضرائب من دون إقرانها بقانون». أما ادّعاء الخليل بأن هذا التعديل سيحقق إيرادات للخزينة العامة، فهو أمر لا يمت إلى الواقع بصلة وفقاً لصالح. إذ إن من سيستفيد فعلياً «هم التجار الذين سبق لهم أن خزّنوا البضائع ودفعوا رسومها وضرائبها قبيل سريان هذا القرار». وهنا يأتي الخطأ الثاني، فالسبب الأساسي لمنح مجلس النواب تفويضاً للحكومة للقيام بالتشريع الجمركي، هو الحفاظ على سرية القرارات الجمركية وإبقاؤها سرية وفجائية منعاً لاستغلالها بغرض تكديس البضائع. إنما ما جرى في لبنان هو الحديث عن رفع التعرفة الجمركية منذ نحو سنتين. ويؤكد صالح أن «تهريب البضائع سيزدهر من مرفأ بيروت عبر تصنيف البضائع على أنها «ترانزيت» ثم وضعها بشاحنات وتفريغها داخل الأراضي اللبنانية لتخرج بعدها المستوعبات فارغة إلى خارج الحدود». المعادلة باتت واضحة: «زيادة الرسوم الجمركية لن تسبب سوى مزيد من الإفقار للفقير».

رفع الدولار الجمركي إلى 15 ألف ليرة، يعني زيادة بمقدار 10 أضعاف على السلع المستوردة غير المعفاة من الرسم الجمركي، وهو ما سينعكس على أسعار البضائع وعلى سلوك المواطن ونسبة الاستهلاك (بلغ استهلاك السلع المستوردة 70%). يقول عضو المجلس الاقتصادي عدنان رمال، إن هذا القرار «لن يطاول فقط الرسم الجمركي، إنما أيضاً يشمل الضريبة على القيمة المضافة. فالسلعة المقدّر ثمنها بألف دولار مثلاً، والتي كانت ضريبتها 165 ألف ليرة، ستضرب بدولار جمركي بـ15 ألف ليرة، وسيترتب عليها TVA بقيمة مليون و650 ألف ليرة. من هذا المنطلق يمكن قياس ارتفاع أسعار السلع حتى تلك المعفاة من الجمرك بحكم اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية بحكم أن الضريبة على القيمة المضافة سترتفع أيضاً 10 أضعاف. بالتالي هذا الرسم الجمركي سيمسّ كل ما يدخل إلى البلد بنسبة تتراوح ما بين 7% و35% وبمعدل وسطي يتراوح ما بين 20% و25%. أما الاحتياجات من سلة غذائية واستهلاكية كالثياب وقطع السيارات فسوف ترتفع أسعارها بما يتراوح ما بين 20 إلى 40%. وهو ما يؤدي إلى حرمان الطبقات الفقيرة والمتوسطة من تأمين احتياجاتها». ويرى رمال أن الإيرادات المتوقعة لن تتحقق لأنها مبنية على أرقام وهمية بفعل احتسابها الدولار الجمركي الجديد منذ حزيران الماضي. إلا أن ما تحقّق فعلياً «هو توسيع الفجوة ما بين الضريبة ومداخيل عموم اللبنانيين، ففي حين زادت رواتب القطاع العام 3 مرات والقطاع الخاص من 5 إلى 8 مرات، قرّرت الحكومة ضرب كل الأسعار بمضاعفة الدولار الجمركي 10 مرات و20 ضعفاً باعتمادها على صيرفة».

يمكن قياس ارتفاع أسعار السلع بحكم ارتفاع ضريبة القيمة المضافة 10 أضعاف

الحديث عن أثر صغير وضيق لرفع الدولار الجمركي باعتباره سينسحب على الكماليات فقط، ينفيه رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو، لأنه «سيطاول كل المواد الأساسية التي تدخل في الصناعات المحلية، وأيضاً العلف والسواد والكيماويات، ما سينعكس على كل الإنتاج بما فيه الفواكه والخضار». الأخطر، يكمن في أن التجار «سيجدون فرصة إضافية لتبرير زياداتهم بالقول فقط إن كل الأسعار ارتفعت حتى لو أنها لا تطاول سلعهم. وذلك هو نتاج «الترقيع» المعتمد لحلّ مشكلات الخزينة»، وفقاً لبرو. وسيقود ذلك نحو «تضخم إضافي وانهيار متواصل في سعر الليرة».

من جانبه، يشير رئيس لجنة الاقتصاد النيابية النائب فريد البستاني إلى أن الإيرادات ستنخفض على عكس ما يصوره البعض، لأن الموازنة ضرائبية فقط وليست استثمارية وتأتي في ظل غياب أي قطع حساب. ولكن خطة الحكومة تقول إن «السوق سيركلج بعضه خلال شهرين وسيتم صرف البضائع القديمة المستوردة على دولار جمركي منخفض ليتم البدء باستيراد بضائع جديدة تؤمن إيرادات للخزينة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق