المخيمات الفلسطينية وصراع الرئاسة اللبنانية


 بقلم: زاهر أبو حمدة

فجراً، اقتحم الجيش اللبناني باستعراض كبير من قواته البحرية والجوية وسلاح المشاة، مخيم نهر البارد شمال لبنان. الغرض من الهجوم المباغت هو القبض على مطلوبين متهمين بتجارة مخدرات. نفذت الوحدات الملثمة مهمتها وقبضت على تسعة أشخاص وضبطت أسلحة فردية. خبر كهذا ليس تفصيلاً في لبنان، لأن هذا المخيم تحديداً وبعد ما حصل عام 2007، أصبح منزوع السلاح كلياً ومحاطاً من الجهات كافة بالجيش وحواجزه الثابتة والمتنقلة. فكيف يدخل سلاح أو مخدرات؟ الاجابة بسيطة جداً ويعرفها الجيش ومخابراته والمتعاونون معه. أما لماذا الآن؟ وما الهدف من استعراض كهذا؟

يأتي الهجوم بعد شهر تقريباً على غرق "مركب الموت" قبالة شواطئ طرطوس بعد إبحاره من طرابلس، وعلى متنه 150 شخصاً؛ نجا منهم 20 فقط. وبعيداً عن جنسيات الضحايا، تؤكد التحقيقات أن أفراداً من الجيش ضالعون بهذه المأساة إن كان بغض الطرف عن رحلات الهجرة غير الشرعية أو عبر إطفاء الرادارات الخاصة بالمراقبة. وهنا يتجه التحليل إلى فوائد شخصية في الأمر وأخرى تخص سياسة خفية للتخلص من أعداد اللاجئين السوريين والفلسطينيين. أما بالنسبة الى "عرض العضلات" الأخير، فتزامن مع ترسيم الحدود البحرية في الجنوب والحديث عن ترسيم آخر في الشمال، إضافة الى فتح ملف عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم. والأهم أنه يتزامن مع صراع الوصول الى قصر بعبدا.

معروف في لبنان، أن حظوظ قائد الجيش في أن يصبح رئيساً للبلاد كبيرة جداً منذ تأسيس الجمهورية. ولأن مؤسسة الجيش ضمانة مهمة ويُجمع عليها الشعب، فلا بد من تسويق فكرة انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهي حاضرة بقوة. ولذلك يظهر اقتحام مخيم نهر البارد على أنه تلميع لشخصية قائد الجيش أولاً ولإثبات أنه يملك القوة والورقة الأمنية وقادر على حسم الملفات العالقة ومن ضمنها ملف المخيمات الفلسطينية وسلاحها. ويمكن اعتبار ذلك تقديم أوراق اعتماد أمام جزء من اللبنانيين والجهات الاقليمية والدولية.

تكمن خطورة ما حصل ليس في بث الرعب في أبناء المخيم وحسب، إنما أنه لم يُنسق سابقاً مع القوى والفصائل الفلسطينية والقوة الأمنية المشتركة، كالمعتاد. ووفقاً للبرتوكول تطلب استخبارات الجيش أي شخص في أي مخيم وتنفذ القوة الأمنية ذلك وتسلم المطلوب اليها. أما أن ينفذ الجيش بقواته المتعددة مهمة كهذه تعتبر بسيطة جداً أمنياً وعسكرياً، فيطرح علامات استفهام، هل هي "بروفا" لتنفيذها في مخيمات أخرى لا سيما عين الحلوة والرشيدية في الجنوب؟ وعليه ماذا سيكون موقف الفصائل؟ وماذا عن التفاهمات اللبنانية - الفلسطينية؟ ولذلك زار سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور اليرزة واجتمع بقائد الجيش، وطالبه بتوضيحات حول ما جرى وطمأنة الناس في المخيمات الى أن لا مخطط يعد للاجئين.

ويبدو أن الاقتحام يهدف الى تشويه صورة المخيمات، علماً أن الفصائل والقوى الفلسطينية مع القانون، ولا تقبل بالمهربين وتجار المخدرات واللصوص، ولكنها أعلنت في الوقت نفسه استهجانها لهجوم وحدات الجيش اللبناني؛ من خلع أبواب البيوت، ونشر الآليات في الشوارع الداخلية، وتسيير طائرات فوق المخيم، إلى جانب مشاركة قوات بحرية، تبيّن وكأن المخيم يؤوي إرهابيين وعصابات منظمة خارجة عن القانون؛ وطبعاً هذا غير موجود لا سيما في مخيم نهر البارد الذي يضم 38 ألف فلسطيني. ومن هنا لا بد من إخراج المخيمات الفلسطينية من اللعبة السياسية اللبنانية الداخلية، وشد أوتاد العلاقات الأخوية بدل تأليب الفلسطينيين وتخويفهم، فيكفيهم ما فيهم من حصار وفقر وبطالة، إلا إذا كان هناك مخطط كبير يستهدف المخيمات ستكشف معالمه مع اشتداد الشد والجذب السياسي اللبناني والاقليمي.

 (المصدر: موقع لبنان الكبير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق