اتفاق الجزائر بين الفصائل.. مأزق المصالحة ومصالحة المأزق


عبد معروف

وحدة الفصائل الفلسطينية، هي أمل الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي دول الشتات، كما أن المصالحة بينها، تشكل مطلبا شعبيا واسعا، أولا لمواجهة التحديات الوطنية والانسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية من جهة، وثانيا، وضع حد لحالة الانقسام والتشرذم والانشغال بالخلافات التي تستنزف القدرات الفلسطينية بشكل عبثي.

وبالتالي فالمصالحة هي هدف الشعب الفلسطيني وأمل لدى القطاعات الفلسطينية المختلفة،

وإذا كانت الاتفاقية بين الفصائل التي وقعت أخيرا في الجزائر، محطة من محطات المصالحة بينها، (وهي الاتفاقية السادسة أو السابعة عشر)، إلا أن البعض وضع الآمال الكثيرة على اتفاقية الجزائر، بأن تكون خاتمة الاحزان (الانقسام)، ذلك نتيجة تدخل جزائري ، قبيل القمة العربية المرتقبة أوائل الشهر القادم في الجزائر.

وبعد التهليل والترحيب، وإطلاق الخطابات والشعارات، ومهرجانات التضامن هنا وهناك، وحرصا من كل المخلصين على الساحة الفلسطينية على تثبيت هذه الاتفاقية وتحويلها إلى إطار جبهوي موحد يهدف لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ومعالجة القضايا الانسانية والمعيشية وحالة اليأس والاحباط التي يعيشها الشعب الفلسطيني خاصة في لبنان، وحتى لا تكون جلسات المصالحة في الجزائر مؤقتة كغيرها، وتكتفي بمتعة السياحة وكرم الضيافة، هناك ضرورة لتسجيل الملاحظات التالية:

أولا، أن اتفاق المصالحة في الجزائر تم توقيعه بين فصائل سياسية فلسطينية، وليس اتفاق بين جمعيات خيرية، وبالتالي هو اتفاق سياسي من المفروض أن يحدد الخيار السياسي الفلسطيني في مواجهة التحديات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية وفي مقدمتها مواجهة الاحتلال الاسرائيلي.

ثانيا، لابد من التأكيد على أهمية تعزيز دعائم هذه اتفاقية المصالحة، لكي لا تكون هشة تتهاوى أمام أول المنعطفات، وتتلاشى أمام عواصف رياح التطورات والاستحقاقات القادمة، ليصبح التساؤل محقا: ما هي دعائم وركائز هذا الاتفاق وما هي مقومات صموده وبقائه وتحويله من حبر على ورق إلى واقع ملموس يضع حدا للانقسام المشؤوم ويعزز من صمود الشعب ويحفظ القضية، ويواجه هجمات واقتحامات الاحتلال الاسرائيلي.

اتفاق الجزائر هو امتحان آخر للفصائل الفلسطينية، وحتى لا يبقى الشعب غارق بالشعارات والخطابات والانقسامات، وحتى لا تساهم الفصائل في تشويه وتضليل الشعب الغارق في أزماته المعيشية، ويتعرض بشكل يومي لاستفزازات واعتداءات واقتحامات العدو، هناك ضرورة لتحويل المصالحة إلى واقع ميداني .

توقيع اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية في الجزائر، يعني أن الوضع الفلسطيني سيكون أفضل خلال المرحلة القادمة، وسوف ينعم الشعب بقيادة موحدة ومؤتمنة على حياته ومصيره وقضيته الوطنية والانسانية، وهنا لا يعني أن كل هذه الاهداف سوف تتحقق في يوم وليلة، أو غدا صباحا، بل من المفروض أن تبرز مظاهر التحسن في المشهد السياسي والامني والتنظيمي والاجتماعي الفلسطيني ليس من خلال الاجتماعات والمهرجانات والتقاط الصور فحسب، بل إلى مشروع نضالي ميداني ، وإلا فلماذا المصالحة إن لم تكن لمصالحة الشعب والقضية.

ربما يكون من الخطئ التشكيك بنوايا الفصائل في أيام الغرام المتبادل، لا ندري، هم يعلمون لأنهم هم المقررون والعالمون في باطن التطورات والتحولات، لكن من المفروض أن يتلمس الشعب خطوات جادة بعد سنوات من الاتهامات والاتهامات المضادة والتخوين والتنسيق الأمني والفساد والاجندات الخارجية، والامارات الدينية، والارتباط بالدول، اتهامات عمت وسائل الاعلام والخطابات والشعارات، ماذا تغير ولماذا كانت المصالحة هذا لم يعد مهما بعد توقيع اتفاق الجزائر، لكن ما هو مهم اليوم أن تستمر هذه المصالحة وتصمد لا أن تعود الفصائل بعد أسابيع أو أشهر قليلة إلى التخوين والاتهام والانقسام والاعتقالات والصدامات المسلحة، لأن في ذلك خيانة للشعب وللقضية التي سقط من أجلها الشهداء.

ولا ندري ما هي الظروف التي تؤدي إلى حالة الانقسام والتخوين والاتهامات المتبادلة والصدام المسلح أحيانا بين الفصائل الفلسطينية، ولا ندري ما هي دوافع المصالحة، وإذا كانت هذه المصالحة ضرورية وجادة فلماذا كان الانقسام والتناحر الدموي والاعتقالات، ولماذا لم تكن هذه المصالحة قبل سنوات؟، أسئلة مشروعة من حق الشعب أن يطرحها حتى لا يقع بين فترة وأخرى في حالة كالتي مرت خلال السنوات الماضية.

الشعب حريص على المصالحة بين الفصائل ووضع حد للانقسام، والشعب حريص على وحدة الفصائل في إطار جبهوي واحد يقاتل الاحتلال ويعمل على تطوير وعي الشعب وتنظيمه وحشد طاقاته في ميادين المواجهة، لكن فشل اتفاقيات المصالحة السابقة الخمسة عشر اتفاقا، عمم حالة الخيبة وعدم الثقة لدى الأوساط الشعبية.

ولكي تستمر المصالحة وتتحول إلى مشروع جبهوي، هناك ضرورة لاستكمال اتفاق الجزائر، بتحديد الخيارات السياسية الفلسطينية، لأن الفصائل هي فصائل سياسية وليست جمعيات خيرية، هل هو خيار قتال ومواجهة، أم خيار سلام ومفاوضات، وهل يمكن التنسيق بين الخيارين؟ كيف؟، ذلك لأن تحديد الخيارات وحدة يوحد الادوات النضالية في وجه الاحتلال، ووحدة يرفع حالة البؤس واليأس والاحباط التي يتعرض لها الشعب، ومن خلال تحديد الخيارات السياسية يحدد الشعب وقواه وقطاعاته المختلفة على أي خط من المواجهة سوف يحشد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق