أهالي مفقودي مركب الموت يدعون الشبّان لعدم المجازفة رغم مصاعب الحياة


 
بوابة اللاجئين الفلسطينيين
أكثر من نصف جثث ضحايا مركب الموت الموجودة في مستشفيات مدينة طرطوس، ما تزال مجهولة الهويّة، منها 12 تعود للاجئين فلسطينيين من مخيّم نهر البارد شمال لبنان، الذي تأكّد قضاء 10 من أبنائه، ودّع المخيّم منهم 5 لاجئين وواراهم الثرى بجنازات حاشدة. فيما ينتظر مخيّم شاتيلا في بيروت أخباراً عن مصير ابنيه نور عبد اللطيف الحاج، ومحمود عطية اكطيع.
وفي وقت تتواصل فيه الجهود للتعرّف على هويات الضحايا المتواجدة جثامينهم في مستشفى الباسل بطرطوس، ينتظر ذوي المفقودين خبراً عن أبنائهم، وفي الأثناء يقومون بواجب المشاركة بجنازات أبناء آخرين للمخيّم قضوا بذات الفاجعة، ويتحدثون عن مآل أبنائهم، الذين نالت منهم ظروف التجويع القاهرة التي يعيشونها في لبنان، عبر تقديمهم وجبة سائغة للبحر. 
حالة تشارك تفاصيلها ذوي المفقودين الذين قابل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" بعضهم. فأفراد عائلة المفقود محمود عطيّة كطيع لن يصدّقوا أن ابنهم قد توفّيَ، فكلُّ فردٍ منهم يحمل هاتفه، ينتظر أية معلومة وبين الخبر والآخر يقلّب في أرشيف الصور، يستذكر الأيام والضحكات، والدته لم تستطع التحدّث أحبّت فقط أن تدعو لابنها ربّما يقول أحدٌ آمين فيستجيب ربّ العالمين "بدي يرجع لحضني بس".
بدت أعين إخوة محمود كجمرة نار، ولم يتوقفوا عن البكاء منذ اللحظات الأولى، يقول وائل الأخ المباشر بعد محمود " نصحته كثيرًا للعدول عن الهجرة بهذه الطريقة، لكن للأسف أصرّ أن يهاجر عند زوجته وابنته في دولة السويد، لكني لم أكن أعرف عن هذه الرحلة، بعد انتشار خبر غرق المركب تفاجأت أنّ أخي كان على هذا المركب، ومن حينها ونحن نتخبّط."
ويتابع:" زوجتي وزوجة أخي المفقود توجّهتا إلى مستشفى الباسل في طرطوس لانهما تملكان وثيقة سفر، جالتا على ثلاث مستشفيات، تمعّنوا في ملامح الجثث المتحللة جميعها، التعرّف على هوياتها حسبما أخبرونا صعبة جدًا، بعض الأجسام متفجّرة، بعضها منتفخة أربع أضعاف، الطفل كأنه بعمر الخمسين، الرأس رأسين، مشاهد مؤلمة مرعبة وروائح كريهة جدًا" الّا أنّ تحمّل هذه المشاهد لم تحقق المطلوب، فجثّة محمود إلى الآن مفقودة.
هنا ميّتون وهناك ميّتون فلنمت هنا بين أهلنا
شقيق المفقود محمود، طالب الشبّان بعدم الانجرار وراء التجارب الفاشلة للهجرة، وبالعدول عن فكرة الهجرة عبر قوارب الموت، قائلًا" هنا ميّتون وهناك ميّتون فلنمت هنا بين أهلنا، لن تستفيدوا في الخارج، من سبقكم مات على الطريق، خاصة في هذه الأشهر حيث الامواج العالية والطقس المتقلب، البحر خطر جدًا، أوروبا تجوع الآن، فموتوا في لبنان مثلنا مثل غيرنا".
أمّا والد المفقود محمود فرغاوي البالغ من العمر 21 عاماً، ينتظر خبراً من ابنه وابن عمّه المتواجدين الآن في طرطوس، يبحثون في مصير ابنهم محمود، فيما يقول الأب:" الي بيجي من رب العالمين راضيين فيه."
لم يستطع الأب المكلوم بفقدان ابنه وجهل مصيره، التعبير عن حرقته، الّا أنّه قال:" صحيح الوضع صعب وابني كان يشتغل يوم وعشرة دون شغل، واستدان مبلغ الهجرة، وهذا الذي يدفع الشباب للهجرة، لكني انصح الشباب ما حدا يطلع هيك طلعة."
لم يقصدوا رمي أنفسهم للموت، وإنّما تعرضوا لعميلة غش وخداع من قبل المهرّب
وأكمل ابن عم المفقود محمود حديث الوالد الذي غصّت كلماته، وقال إنّ الفاجعة كبيرة جداً في كل المخيّم والمخيّمات، فجميع الذين كانوا على متن المركب سواء فلسطينيين ام لبنانيين ام سوريين هم أولادنا واخوتنا.
واكّد ابن عم المفقود، أنّ الذين يخرجون للهجرة عبر المراكب، لم يقصدوا رمي أنفسهم للموت، وإنّما تعرضوا لعميلة غش وخداع من قبل المهرّب وجرى غدرهم. وأوضح أنّ المركب الخشبي الذي صعدوا على متنه ليس ذات المركب الذي رأوه لدى اتفاقهم مع المهرّب، وانما جرى غدرهم لحظة الركوب، حيث نقلهم اليه بمراكب صغيرة وهو في عرض البحر، وأمروا القبطان بالانطلاق وعدم العودة لأي سبب.
وأكّد، أنّ الهجرة باتت مجازفة، وحمّل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مسؤوليتها لكونها هي المسؤول الأوّل عن الشعب الفلسطيني اللاجئ في لبنان. وفق قوله.
أمّا عائلة اللاجئ المفقود بلال الأسعد، فلم يصلها خبر حتّى الآن عن ابنها، ولم يجدوا ما يدلل عليه، سواء علامات جسدية او شكل الملابس، في مستشفى الباسل حيث اودعت معظم الجثث المنتشلة. حسبما تحدّث ابن عمّه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين."
وقال، إنّ بلال دفعه الواقع المعيشي وانعدام المستقبل في لبنان، إلى خيار الهجرة، بعد أن أنهي مرحلة " بكالوريا الثانية" من تعليمه، وبعدها استمر بمحاولات السفر منذ 4 سنوات، وبقي مصر لإيجاد فرصة لركوب البحر رغم فشل محاولاته السابقة.
شبابنا أعدموا.. الفلسطيني في لبنان محروم من ٧٣ مهنة أيضًا القيادة الفلسطينية تخلّت عن شعبها ضمن المخيمات
"القوارب ليست الأمان لكن هنا ميتون وفي البحر ميتون فاختار الشباب المغامرة، فهذه بنظرهم فرصة، فإمّا أن يصل الإنسان وأما لا يصل وللأسف الشديد شبابنا لم يصلوا" هكذا علّق اللاجئ فادي سليم على غرق المركب في حديث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين.
وأكّد سليم أنّ هذه المشكلة، سببها الواقع الفلسطيني في لبنان" الفلسطيني في لبنان محروم من ٧٣ مهنة أيضًا القيادة الفلسطينية تخلّت عن شعبها ضمن المخيمات، لدينا وضع اجتماعي داخل المخيمات رديء جدًا من طبابة وعمل، شبابنا أعدموا، المتعلمون يعملون عمّال نظافة مع احترامنا للمهنة، لكنهم لم يدرسوا ليعملوا هكذا، الظروف الاجتماعية أجبرتهم على هذا فقط للحصول على المال".
ويجمعُ أهالي المخيمات بلا استثناء على فكرة واحدة" الشعب الفلسطيني يحبّ الحياة ويناضل من أجل قضيته، ولكن الحرمان وتواطؤ العالم بأسره علينا دفع شبابنا لهذا الاتجاه "لا نلوم الشباب الذين هاجروا رحمهم الله ولكن السبب ليس البحر بل الواقع المأساوي الذي فُرِض علينا."
وكان المركب المنكوب، قد انطلق من سواحل بلدة المنية شمال لبنان بتاريخ 21، باتجاه جزيرة قبرص اليونانية، وعلى متنه أكثر من 150 طالب لجوء من الجنسيات اللبنانية والسوريّة والفلسطينية، قبل أن يتعرض للفرق قبالة جزيرة أرواد في مدينة طرطوس.
وروى أحد الناجين من الكارثة، تفاصيل ما حدث قبيل انطلاق الرحلة وخلال حدوث الغرق، ووصف ما حدث بالمجزرة التي تسبب بها المهربون الذين جبروا المركب على الإبحار تحت تهديد السلاح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق