تقديم خدمات الأونروا للاجئين الفلسطينيين عبر مؤسسات أخرى - تقدير موقف



أحمد الطناني

 نشر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني رسالة بتاريخ 23-4-2022م إلى اللاجئين الفلسطينيين، استعرض فيها تطورات الأزمة المالية المتفاقمة للأونروا، وخلاصة جولته في أقاليم عمل (الأونروا) الخمسة التي لمس فيها تصاعد الإحباط واليأس عند جموع اللاجئين الفلسطينيين[1].

اللافت في الرسالة المذكورة هو الحديث الصريح من المفوض العام لأونروا عن الخيار الأبرز المطروح في آليات وصول وتقديم خدمات الوكالة للاجئين الفلسطينيين، والذي تمثل في بناء شراكات مع مؤسسات تقدم الخدمات نيابة عن الأونروا[2].

لم يكن هذا التوجه صادماً إذ إنه جاء استكمالاً لسلسلة من الإجراءات والتقليصات الممنهجة التي تعتمدها الوكالة منذ سنوات والهادفة لتقليص دورها تباعاً وصولاً للتمهيد لإمكانية انسحابها الكامل من مهمتها الجوهرية إنسانياً المتمثلة في غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وجوهرياً بدرجة أهم إلغاء قيمتها السياسية والتاريخية كشاهد على نكبة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم الثابت في العودة إلى ديارهم.

تستعرض الورقة ما ورد في رسالة المفوض العام لأونروا، من حيث مواقف الأحزاب والمكونات الفلسطينية، إضافة لتسلسل تاريخي حول سياسات التقليص التي تنتهجها الوكالة وصولاً للطرح الحالي وانسجامه مع الطرحين "الإسرائيلي" والأمريكي حول شكل وطبيعة دور وكالة "أونروا".

موقف فلسطيني رافض

لم تكد تمر ساعات على نشر نص رسالة المفوض العام لأونروا حتى تتالت ردود الفعل الفلسطينية على ما ورد فيها، حيث وصفت دائرة شؤون اللاجئين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ما جاء فيها بإمكانية "أن تقوم مؤسسات أممية بتقديم الخدمات بدلاً عن الأونروا" بالخطيرة التي تُمهد لقرارات وإجراءات أكثر خطورة وصولاً لإنهاء عمل الأونروا، بما يترتب عليه خطوة إضافية على طريق تصفية حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها[3].

ودعت "دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" المفوض العام للوكالة إلى التراجع عن مواقفه الأخيرة بشأن إمكانية إحالة الخدمات إلى هيئات الأمم المتحدة، وتقديم توضيحات حول خلفيات هذه المواقف التي تطرح الكثير من التساؤلات حول أهدافها والأطراف الدولية التي تقف خلفها، معتبرة أن هذه المواقف تشكل استخفافاً ليس فقط بحقوق اللاجئين الفلسطينيين بل وبالتفويض الممنوح للوكالة والذي لا زال ساري المفعول حتى الآن[4].

من جانبه أكد د. محمد إبراهيم المدهون رئيس دائرة اللاجئين واللجان الشعبية في حركة حماس أنه ينظر بخطورة بالغة لتصريحات المفوض العام لـأونروا "فيليب لازاريني" حول تقديم الخدمات نيابة عن الوكالة، مشدداً على رفض حماس لها جملة وتفصيلاً، معتبراً أنها محاولة لتفكيك الأونروا كمقدمة لإنهاء عملها، بوصفها الشاهد السياسي على قضية اللاجئين[5].

 ووصفت اللجنة المشتركة لللاجئين في قطاع غزة ما ورد بالرسالة بـ"الطرح التدميري" مضيفة أنّها تنظر بخطورة بالغة لمثل هذه الأفكار "التي تحاول التأسيس لحرف وكالة "أونروا" عن الوظيفة التي تأسست من أجلها وهي إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى أن يعودوا إلى ديارهم وفقاً للقرار الأممي 194"، واعتبرت ما ورد حول محاولة البحث عن جهات دولية أخرى تقوم بتقديم الخدمة نيابة عن "أونروا" بدعوى توفير التمويل المستدام واقتصار دور الوكالة على الإشراف، مؤكدة اعتبارها أن هذا الإجراء هو تخلي لـ"أونروا" عن التفويض الممنوح لها والوظيفة التي تأسست من أجلها[6].

وفي ذات السياق عدّت اللجنة المشتركة لللاجئين أنّ الخطورة في طرح هذه الأفكار هو اعتبار قضية اللاجئين الفلسطينيين قضية إنسانية فقط تتعلق بالإغاثة والصحة والتعليم وغيرها، وعزلها عن البعد السياسي المرتبط بشكل وثيق وهو تطبيق قرار  (194) القاضي بحق عودة اللاجئين إلى الأماكن التي هجروا منها مع التعويض[7].

من جهته، أكد رئيس دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد أبو هولي، بأنه ليس من صلاحيات "لازاريني" أن يطرح حلولاً لمعالجة العجز المالي في ميزانية "أونروا" تمس بتفويض عملها لمنظمات دولية أخرى، تحت شعارات "الشراكات والتآزر"، وطالب المفوضَ العامَ لـ "أونروا" بالإعلان فوراً عن سحب تصريحاته وكأنها لم تكن، محذراً أن طرح هذه الأفكار ستولد ردود فعل غاضبة من اللاجئين الفلسطينيين، وستعطي للاجئين صورة مغايرة عن وكالة "أونروا" غير الصورة التي رسموها عنها على مدار 7 عقود[8].

الخطوة الأكبر لكنها ليست الأولى

لم يكن ما ورد برسالة المفوض العام للوكالة هو أول الخطوات وإن كان أكبرها وأخطرها حتى الآن، إذ إن "أونروا" أخذت منحى واضحاً في التقليصات لخدماتها التي تستهدف نحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني يتلقوّن الخدمات الأساسية كالتعليم والرعاية الصحية، حيث بدأ هذا المنحى يتصاعد انطلاقاً من العام 2018، حيث كانت أبرز سياسات التقليص[9]:

  • إيقاف التثبيت للموظفين.
  • إيقاف إضافة أي مستفيدين جدد في برنامج المساعدات.
  • إيقاف تحديث البيانات واضافة المواليد والازواج للمستفيدين.
  • فصل مجموعة من الموظفين. (ومن ثم إعادتهم تحت ضغط الفعاليات الرافضة بصيغة العقود الجزئية).
  • دمج قسائم المساعدات التي كانت تستهدف فئتين، الفقيرة التي تتلقى قسيمة (صفراء) والفقيرة جداً والتي تتلقى قسيمة (حمراء).
  • إيقاف العلاوات في الرواتب للموظفين.
  • التهديد السنوي بعدم وجود تمويل كافي للإيفاء بمتطلبات الأونروا.
  • عدم تعيين أطباء اختصاص جدد بدلاً من الأطباء المتقاعدين.
  • التنصل من ملف تعويضات المهدمة بيوتهم في عدوان عام 2014 على قطاع غزة.
  • عدم تعويض أي متضرر يوجه له الاحتلال الصهيوني الاتهامَ بالضلوع في أنشطة فصائل المقاومة.
  • التخفيض الكبير في القرطاسية وتغطية الكتب لطلبة مدراس الأونروا.

هذه الإجراءات وغيرها (التي لا تتسع الورقة لذكرها) بدأت كخطوات ممنهجة ومدروسة تهدف إلى التقليص السلس للخدمات التي تقدمها الأونروا وتركز على عدم شمول أي مستفيدين جدد أو تثبيت موظفين جدد بحيث يُمكنُ للوكالة التنصل من التزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين تدريجياً.

الانسجام مع الأطروحات الأمريكية والصهيونية الهادفة لتصفية وجود "أونروا"

الطرح الذي ورد في رسالة المفوض العام لوكالة "أونروا" ليس طرحاً جديداً، حيث سبق أن تناولته بذات الجوهر والمضمون تصريحاتٌ لرئيس وزراء الاحتلال السابق "بنيامين نتنياهو" الذي صرح بأنه قدم اقتراحاً بنقل التمويل المخصص لأونروا تدريجياً إلى مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، معتبراً أن الأونروا منظمة تخلّد قضية اللاجئين الفلسطينيين وكذلك تخلد الدعوة الفلسطينية للتمسك بحق العودة، وأن وجودها خطر على كيانه[10].

أيضاً مندوب الاحتلال لدى الأمم المتحدة "جلعاد أردان" دعا في أكثر من مناسبة إلى "تفكيك الأونروا في أسرع وقت ممكن"، معتبراً أنها " الهيئة التي تديم مشكلة اللاجئين بدلاً من حلها"[11]، حيث دعت وزارة خارجية الاحتلال إلى ربط أي استئناف لمساعدات "أونروا" بأن يكون مصحوباً بتغييرات في طبيعتها وأهدافها"[12]

رئيس الوزراء الحالي في كيان الاحتلال "نفتالي بينت" سبق وأن طالب على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بضرورة إنهاء التعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" وتغيير المواقف بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، داعياً إلى وقف تمويلها وإنهاء دورها[13].

أيضاً، الموقف الأمريكي جاء متطابقاً مع مطالب الاحتلال وقادته، حيث ربطت إدارة الرئيس الحالي "جو بايدن" استئناف تمويل وكالة "أونروا" الذي أوقفه الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، باشتراطات مسبقة، وُقع على أثرها اتفاق إطار بين الولايات المتحدة والوكالة يقضي باستئناف الدعم بناء على شروط أميركية متعددة، ويمكن إجمالها بالتالي[14]:

المنظمات الرسمية وغير الرسمية: الالتزام بـ "اتخاذ جميع الإجراءات الممكنة لضمان أن التمويل المقدَّم من الولايات المتحدة إلى الأونروا لا يوفر المساعدة أو الدعم بأي شكل آخر للإرهابيين أو المنظمات الإرهابية"، خاصة في ضوء اعتبار الولايات المتحدة أن منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية منظمات إرهابية، يضاف إليها مجموعة الشروط الأوروبية الجديدة لتمويل مؤسسات المجتمع المدني.

معاداة السامية: ورد في رد الولايات المتحدة "الولايات المتحدة تدين دون تحفظ جميع مظاهر التعصب الديني، أو التحريض، أو المضايقة، أو العنف ضد الأشخاص، أو المجتمعات على أساس الأصل العرقي أو المعتقد الديني، بما في ذلك معاداة السامية"، وهي التهم التي يعتمدها الاحتلال الصهيوني في تبرير جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، أو أي فلسطيني لاجئ يطالب بحقوقه.

التدخل في مناهج مدارس "أونروا": تشترط الولايات المتحدة تحسين "قدرة «الأونروا» على مراجعة الكتب المدرسية المحلية، واتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح أي محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليمية"، وتركز شروطها على تعزيز الرقابة والمساءلة ومراجعة مناهج الدولة المضيفة. في المقابل، لا تُبحث المناهج الإسرائيلية التي تتحدث عن عنصرية الاحتلال تجاه الفلسطينيين، أو حتى تطرح مراجعة المناهج لدى الطرفين.

خلاصة

يُشكل الطرح الذي قدمه المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني خطوة عملية في إطار الانسحاب الناعم للوكالة من دورها في تقديم الخدمات والتماس المباشر مع اللاجئين الفلسطينيين، وهي خطوة مكملة لسلسلة الخطوات التي تتنهجها الوكالة الدولية لتقليص فعلها ودورها وصولاً لإنهاء وجودها ارتباطاً بالهدف السياسي الرئيسي الناتج عن وجودها ألا وهو الحق الثابت لملايين اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وفقاً للقرار الأممي 194، والتفويض الممنوح لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وتأتي الخطورة المتضاعفة للإعلان الصريح عن هذا التوجه في أنه استباق للاجتماع الذي يفترض أن يتم فيه إعادة التفويض لوكالة "أونروا" نهاية هذا العام، مما قد يؤثر على شكل التفويض وطبيعته بما يخدم التوجهات الإسرائيلية- الأمريكية الهادفة لإنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بشكلها الحالي الشاهد على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة.

التوجه الحالي لأونروا يستوجب التحرك السريع والفاعل من كل المكونات الفلسطينية وتحشيد المواقف الصديقة للضغط على إدارة الوكالة من أجل التراجع عن هذا التوجه وأي توجه من شأنه تسهيل تصفية الوكالة وإنهاء وجودها عبر اللجوء لصيغ أخرى تتضارب مع جوهر قضية اللاجئين الفلسطينيين وخصوصيتها.

 

[1] رسالة من المفوض العام للأونروا إلى اللاجئين الفلسطينيين، الموقع الرسمي للـ"الاونروا"، 23-4-2022م، https://bit.ly/3vFIVQP

[2] المصدر السابق.

[3] دائرة اللاجئين بالشعبية رداً على رسالة المفوض العام اللأونروا، بوابة الهدف الإخبارية، 23-4-2022م، https://bit.ly/3xMEmH9

[4] الشعبية والديمقراطية: استمرار عمل الأونروا خط أحمر، بي دي ان الاخباري، 24-4-2022م، https://bit.ly/3vEsDb0

[5] المدهون يؤكد رفضه لتصريحات مفوض الاونروا، وكالة معاً الإخبارية، 24-4-2022م، https://bit.ly/3LfopNm

[6] اللجنة المشتركة: على المفوّض لازاريني جلب التمويل وليس إنهاء وكالة "أونروا"، بوابة اللاجئين الفلسطينيين، 24-4-2022م، https://bit.ly/3Kcwd1g

[7] المصدر السابق.

[8] استكار فلسطيني لموقف "أونروا" من تحويل خدماتها لجهات أخرى، وكالة سند للانباء، 24-4-2022م، https://bit.ly/38cPan7

[9] باسل الوحيدي، نائب رئيس دائرة شؤون اللاجئين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مقابلة شخصية 24-4-2022م.

[10] نتنياهو: الأنروا يجب أن تختفي، روسيا اليوم، 7-1-2018م، https://bit.ly/3LbuCtZ

[11] وزيران إسرائيليان: الأونروا تدعم الإرهاب ويجب حلّها، الميادين نت، 5-8-2018م، https://bit.ly/3OrxLHU

[12] إسرائيل تعترض على اعتزام واشنطن استئناف تمويل "أونروا"، وكالة الاناضول، 7-4-2021م، https://bit.ly/3ELj1iD

[13] بينت يحرّض على وكالة "أونروا" ويدعو الدول لوقف التمويل عنها، بوابة اللاجئين الفلسطينيين، 26-9-2021م، https://bit.ly/3K4SXQE

[14] U.S.- UNRWA Framework for Cooperation, Ibid

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق