أخضر جميل يعوّض اللاجئة الفلسطينية نجوى خسارتها



 انتصار الدنان / العربي الجديد

لم تعلم نجوى الحسين المتحدرة من بلدة الغابسية بفلسطين وتقيم في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمالي لبنان، أنها ستخسر قدميها بسبب سوء تشخيص الأطباء وضعها الصحي.

أبصرت نجوى، آخر العنقود والابنة الصغرى في عائلتها، وهي الوحيدة بين أخوتها التي ولدت في لبنان بعد اللجوء، النور عام 1951، وعاشت في مرحلة أولى مع أهلها في جنوب لبنان. وتروي لـ"العربي الجديد" أن عائلتها جاءت بعد اللجوء من فلسطين إلى بلدة الناقورة جنوبي لبنان، حيث عمل والدها في الزراعة لتوفير قوت عائلته. وتروي أنه كان مناضلاً في صفوف المقاومين الفلسطينيين الذين واجهوا العدو الصهيوني.

تقول: "أقمنا في الناقورة التي وُلدت فيها، وتابعت تعليمي في مدرستها حتى الصف الخامس الأساسي، وحصلت على شهادة السرتفيكا (الابتدائية) في ذلك الوقت، ثم انتقلت العائلة للعيش في مدينة صور (جنوب)، حيث تابعت تعليمي في إحدى المدارس الرسمية اللبنانية، ثم أنهيته في الصف العاشر". تتابع: "تزوجت حين كنت في العشرين من العمر، وانتقلت للعيش مع زوجي في مخيم برج البراجنة، في الضاحية الجنوبية لبيروت. وكنت قد أنهيت دراستي وتعلمت الطباعة على الآلة الكاتبة، وعملت بهذه الشهادة قبل أن أتزوج. وبعد مدة، سافر زوجي إلى الخارج للعمل، وكي لا أبقى وحدي في البيت عدت للسكن في بيت أهلي في انتظار عودة زوجي. حينها قصف طيران العدو الصهيوني مناطق في جنوب لبنان فخفنا وعدنا إلى برج البراجنة، ثم ماتت أمي جراء الخوف والصدمات المتلاحقة، ودفنها أبي في بيروت، وعاد إلى الجنوب للعيش هناك".

تشير إلى أن والدها كان على غرار لاجئين كثيرين متأكداً من العودة إلى فلسطين، وقد "حاول كثير من الشباب اللبنانيين الذين عمل عندهم في الأرض بعدما عرفهم حين عملوا لديه في فلسطين، أن يقنعوه بالحصول على الجنسية اللبنانية، لكنه كان يرفض دائماً هذا الأمر، ويردد سنعود إلى بلدنا وأرضنا". تتابع: "عندما كنا نسكن في الناقورة، كنت أنزل مع والدي إلى البحر، نتمشى هناك وتظل عيناه تنظران في الأفق البعيد إلى فلسطين ثم ينظر إلي ويقول: أتشاهدين هذه المساحة البيضاء في البعيد، إنها منطقة الجليل. وكنت أنظر إليه وأستغرب ما يقوله لي، لأنني لم أجد حينها تفسيراً لتصرفاته للتفاعل معها". وتخبر أن والدها توفي بعد خمس سنوات من وفاة والدتها، فلم تبق إلا الذكريات بعده، وتلك الخاصة بفلسطين التي كان يرويها لها كلما ذهبا إلى البحر في منطقة الناقورة.

ضيق اليد

تقول نجوى إنّها رافقت زوجها إلى مكان عمله في أبوظبي، وعاشت معه هناك خمس سنوات، ثم عادا إلى بيروت والتحق بحركة فتح وعمل في مستشفى، وكان راتبه ضئيلاً لا يكفي لتربية أولادهما الأربعة، وهم ثلاث بنات وصبي واحد. وفيما لم يعمل زوجها كثيراً في لبنان، ولم يثبت في وظيفة محددة، اضطرت نجوى بسبب ضيق اليد إلى دفع ابنتها للعمل حين كانت في الـ11 من العمر، وزوّجت بناتها صغيرات لتخفف من مصاريفهن. تقول: "من أجل تأمين مصاريف البيت اضطررت إلى العمل في التنظيف بمدرسة، رغم أنني أملك شهادة تعليمية. وظللت 15 عاماً في هذا العمل الطويل والشاق الذي أثّر في صحتي التي تدهورت وصولاً إلى بتر قدميّ. وبعدها لم أعد أستطيع العيش بمفردي في البيت، إذ بت أحتاج إلى مساعدة في التنقل وتنفيذ مهماتي اليومية حتى ضمن مساحة ضيقة، فانتقلت إلى مخيم نهر البارد لأعيش مع ابنتي".

وعن مشروعها الزراعي، تقول: "شعرت بملل وضجر في البيت لأنني لم أكن أعمل، لكن دار الشيخوخة وفرت لي مشروعاً تمثل في زراعة الأسطح. ولأن وضعي الصحي لا يسمح بصعودي إلى السطح، أمنت الدار لي أوعية كي أزرعها في شرفة المنزل، ووفرت لي الشتول والتراب والمعدات اللازمة للزرع. وهذا المشروع أحيا أشياء عدة لدي، وعوض فقداني قدميّ. وأرى أنه مهم جداً لأنه يوفر المنظر الأخضر الجميل، ويسمح لي بالإفادة من المزروعات، ويساعدني كي أتحرك وأتسلى، وأهتم بها. وأنا أعطي الجيران بعض المزروعات مثل الفجل والبقدونس وغيرها".

وتختم: "لم أكن أعرف شيئاً عن الثورة الفلسطينية، ولا عن الفدائيين، لكنّني كنت أخرج في تظاهرات ضدّ العدو الصهيوني واحتلاله أرضنا. ولولا أنني خسرت قدمي لكنت سأفعل الأمر ذاته اليوم، خصوصاً بعدما تغوّل العدو الصهيوني في إجرامه ضدنا. ليتني أعود إلى فلسطين، لأرى بيتنا الذي لم أولد فيه مثل بقية أخوتي".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق