الخارج الفلسطيني في المعادلة الوطنية

 إبراهيم النمر 

عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


1– في الحضور الوطني

 يزداد الخارج الفلسطيني حضوراً في ساحة العمل الوطني، وتزداد أهمية دوره وفعاليته تبعاً للشروط السائدة في كل بلد من بلدان الانتشار، وواقع حال مكوّنات الحركة الوطنية فيها من فصائل ومؤسسات وفعاليات. وفي هذا الإطار ثمة تطور ملحوظ في دور حركة اللاجئين في لبنان، ومقدمات واعدة في مخيمات سوريا بعد أن إستعادت دورة الحياة مجراها - وإن ببطء – في مخيم اليرموك. أما الجالية الفلسطينية في أوروبا، الآيلة أوضاعها إلى مزيد من الإستقرار، فهي تشهد حركة إنتظام في أطر العمل الوطني بمختلف أشكاله وصيغه، وكذا الأمر في الولايات المتحدة، وبحدود معينة في كندا. وبالمقابل، نلاحظ أن الحالة الجالوية في بلدان القارة اللاتينية مازالت كامنة بتعبيراتها السياسية، لخمود نشاط الهيئات والمؤسسات العاملة في صفوفها. ولا نستبعد أخيراً، من نسق النشاط السياسي المتحفز، جالياتنا في عديد البلدان العربية، والأسيوية، وبشكل أقل الإفريقية.

 لقد بيَّنت التحركات الواسعة التي إجتاحت شوارع عديد المدن في مختلف القارات إبّان معركة القدس (13/4-21/5/2021)، مدى قدرة الحركة المنظمة للتجمعات الفلسطينية بالشتات في التأثير السياسي على الرأي العام، وعلى الإعلام، وبحدود معيّنة على مراكز القرار السياسي. إن هذا يؤكد وجود دينامية تمور في الحالة الفلسطينية سبق أن رصدناها وتابعنا تشكلها المتسارع في السنوات الأخيرة، بما هي دينامية إنتقال الحركة في الخارج الفلسطيني من موقع التأييد والمساندة في العملية الوطنية، إلى موقع المشاركة الفاعلة في الحركة المناهضة للإستعمار الاستيطاني والإحتلال، كما هي الحالة الناهضة قيد التشكل في مناطق الـ 48، المساندة والمشاركة في آن، بنضال شعبنا في مناطق الـ 67■

 

2– في العلاقات الوطنية بوجود سلطتين في ظل الإنقسام

 إذا كان إمساك حركتي فتح وحماس بالسلطة يمنحهما «إمتياز» رجحان ميزان القوى السياسي في العلاقات الوطنية لصالح الأولى في الضفة، والثانية في القطاع، فإن هذه المعادلة الأحادية بسلبياتها المؤكدة لا تسري حيث لا وجود سلطوي مباشر، أي على الخارج الفلسطيني الذي هو موضوعنا فيما يتبع من فقرات في هذه العجالة.

 هذا لا يعني – بالطبع – أن الشتات الفلسطيني لا يقع ضمن دائرة النفوذ السياسي والاستهداف التنظيمي والمؤسسي لكلا الحركتين، بل إن كل هذا قائم ومؤثر في واقع الحال، على خلفية إدراك كل منهما لأهمية الشتات في العملية الوطنية، وبفعل تضافر عوامل عدة، منها الموروث التاريخي لكل من الحركتين بما راكمه من رصيد وطني مازالا يحرصان على تعظيمه، ويعملان بدأب على دعمه بما يلزم؛ ومنها، أيضاً: ما يقع في امتداد دور ونفوذ مؤسسات وأجهزة السلطة و م.ت.ف التي تتحكم بها حركة فتح. والأمر نفسه ينطبق على حركة حماس، بحكم ما تملكه من جمهور ومؤسسات وعلاقات سياسية وتحالفات، وغيرها من عوامل القوة.

 في هذا الإطار علينا أن نلاحظ الفارق النوعي في العلاقات الوطنية السائدة بما يحيطها من توازنات، بين موقع يضع القوى الوطنية أمام سلطة تحتكر أدوات السيطرة على الحيِّز العام، كما هو حال فتح في الضفة وحماس في القطاع، وبين موقع آخر، لا تتحكم فيه هاتان الحركتان بهذه الأدوات كما الوضع السائد في الخارج الفلسطيني، ما يوفر – موضوعياً – شرط بناء علاقات وطنية تتسم بدرجة أعلى من التوازن، علاقات لا تتجاهل معطيات القوة بأبعادها، ما لكل طرف فيها وما لغيره، بل تجمع بين هذه المعطيات الصلبة وبين المنظومة القيمية لحركة التحرر الوطني، التي لا يجب التقليل من مركزيتها، ومحورها وحدة الشعب والقضية وأهداف النضال الوطني.

 ضمن هذه المساحة، وبهذه الرؤية تتحرك سائر القوى الوطنية، لا سيما تلك التي تتمتع ببنية تنظيمية تزداد تماسكاً وقوة وتملكاً لخط سياسي واقعي ثوري وحدوي، ما يجعلها تتمتع في حقل العمل الوطني بعلاقة ندّية مع حزبي السلطة، وتضامنية فيما بينها، ما يؤشر إلى قدرة الخارج الفلسطيني بقواه المنظمة وبخطوات مدروسة على أداء دور إيجابي في تصويب العلاقات الوطنية المعتلَّة بالإنقسام، والمختلَّة بنزعة التفرد والهيمنة، وإلى المساهمة – من موقعها – في تصحيح الخلل الفادح بنسبة القوى في الداخل الفلسطيني، بين قطبي السلطة من جهة وبين سائر القوى من جهة أخرى 

3- في إستعادة دور منظمة التحرير

 ثمة إجماع وطني على هذه المهمة، إنما بدوافع متباينة، وأحياناً متناقضة؛ فثمة من يرى في إستعادة المنظمة دورها – بعد أن أهملها وأدار الظهر لها – إستلحاقاً وتعويضاً عن فشل الرهان على مقولة «سلطة الحكم الذاتي هي الدولة المستقلة في صيرورتها»؛ وثمة من أدرك أنه لا يستكمل النصاب لشرعيته إلا بشغله لمواقع نافذة في هيئاتها؛ وثمة من يرى – بكل بساطة – أن استعادة دور المنظمة لا يكون إلا باستعادة تعريفها المؤسِس وتأصيله، باعتبارها الإطار الوطني الجامع، الجبهة الوطنية المتحدة، التي توحد الشعب وتعبئ طاقاته في المعترك الوطني، الخ.. ما يفترض إعادة بناء مؤسسات المنظمة – السياسية والجماهيرية والمختصة - على قاعدة ديمقراطية، تعددية.

 ما سبق يتطلب الجمع بين العمل في المؤسسة وخارجها في آن معاً. أما العمل داخل المؤسسة، فهو يستدعي الاضطلاع بدور فاعل في الهيئات السياسية للمنظمة (مجلس وطني، مركزي، تنفيذية، لجان الاختصاص في المجلس الوطني..)، والحركة الجماهيرية (الاتحادات، مجالس الطلبة، النقابات..)، والأجسام الأخرى، الوظيفية والمتخصصة. وغني عن القول إن التعاطي مع المهام المشتقة من هذا التوجه، تطرح نفسها متمايزة في مختلف ساحات العمل الوطني ومجالاته، ما يستدعي التكيف مع الأمور كما تقدم نفسها، أي ضمن الشروط الخاصة التي تخضع لمفاعيلها.

أما العمل خارج المؤسسات والاتحادات المتعارف عليها تاريخياً، أي في الأطر التي شقت طريقها بشكل مستقل عن تلك البنى، على غرار اتحادات الجاليات في أوروبا، وغيرها من المؤسسات الجالوية في كندا وأميركا اللاتينية..، البيت الفلسطيني في كندا، وفي أميركا اللاتينية..، فإن محددات العمل فيها تكون على قاعدة الديمقراطية التعددية.

إن المثابرة على هذين الخطين من شأنه أن يخلق الوقائع، التي على أساس منها تستعيد م.ت.ف حيويتها السياسية، وتعيد الألق إلى دورها، بعد أن خبا وهجه جرّاء الجري وراء سراب حقوق وطنية، تم الإدعاء بأن طريق أوسلو هو الذي يقود إليها

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق